بقطع صغيرة من الحجارة الملونة تمكن الشاب السوري أحمد اليوسف، تسعة وعشرون عاماً من محافظة إدلب السورية ، من إعادة تشكيل ملامح حياته بعد أن بعثرتها الحرب السورية ليلجئ للأردن عام 2012 تاركًا خلفه الكثير من الأحلام كان أبرزها حصوله على شهادته الجامعية بتخصص هندسة الميكانيك .
ليصبح اليوسف اليوم صاحب بصمة خاصة في فن صناعة الفسيفساء عن طريق تأسيس عمله الخاص والذي يخدم فيه المجتمع المحلي والبيئة من خلال إنتاج منتج ثقافي يعبر عن الأردن وتراثها يقصد به السياح أولاً ويخدم البيئة عن طريق إعادة التدوير في أنتاج أعمال الفسيفساء فاليوسف يعتمد على بقايا الحجارة والرخام التي تشكل عبئاً على مناشر الحجارة في التخلص منها بطريقة صحيحة وضمن شروط بيئة آمنة محددة، وبصفر تكلفة على أصحابها يخلصهم اليوسف منها لتشكل له المادة الأولية في فن صناعة الفسيفساء، بالإضافة لعمل اليوسف كمدرب على فن صناعة الفسيفساء وجاء هذا التدريب كدعم مجتمعي من بلدية إربد الكبرى وعدد من المنظمات الأخرى ليكون لليوسف دور في برامج وحدة تمكين المرأة من خلال دورات تدريبة وورشات تقام في إربد وعدد من المحافظات للتدريب على فن صناعة الفسيفساء وبالتعاون مع بعض الجهات كالصندوق الأردني الهاشمي وبرنامج التدريب من أجل التشغيل والمقدم من الوكالة الألمانية وغيرها من البرامج.
وكحال الكثير من اللاجئين السوريين لم يمكث اليوسف إلا أيام في المخيم ليخرج منه لمحافظة إربد باحثاً عن حياة أفضل وكانت البداية عند حصوله على عمل في مشغل جدارا للتصميم في محافظة عمان، كعامل لقص الحجارة وتجهيز المواد الأولية المستخدمة في أعمال التصميم والديكور وبالملاحظة ومراقبة عمال التصميم لساعات طويلة تعلم اليوسف الكثير عن فن التصميم والديكور وأعمال الفسيفساء؛ لتتاح له الفرصة فيما بعد بتصميم لوحة فسيفساء صغيرة من بقايا المواد المستخدمة في أعمال الديكور والتي تركها العمال خلفهم ليثبت موهبته وجدارته ويحصل بعدها على عقد عمل لسنتين مع فريق تصميم ديكور فندق الهيلتون في البحر الميت وبعدها فرصة عمل مع شركة سعودية للتصميم والديكور.
وعلى طاولة صغيرة في بيته بدأ اليوسف بصناعة قطع ولوحات فسيفساء تطلب منه مقابل أجر مادي بسيط ، وبسبب عدم مقدرته على دفع أجور عمال وعدم حصوله على ترخيص عمل، بدأ اليوسف بتدريب أخوته على فن صناعة الفسيفساء من تجهيز المواد الأولية حتى إنجاز اللوحة كاملة ليساعدوه في إنجاز القطع واللوحات التي تطلب منه؛ لتشحن بعض أعماله إلى خارج الأردن.
ولم تقتصر التحديات على عدم الحصول على ترخيص عمل فقط، فكانت بالجملة لليوسف فارتفاع أسعار المواد الأولية وخاصة الحجر الصناعي كانت تعيق العمل كثيراً، إضافة الى تكلفة نقل القطع الجاهزة من محافظة إربد إلى غيرها من المحافظات كانت تقلل من ربح اليوسف في كل قطعة بسبب أجور النقل والمواصلات، كما هو الحال في شحن بعض القطع لخارج الأردن.
واليوم وبعد عشرة أعوام من اللجوء والعمل والتدريب على صناعة الفسيفساء لم تعد أحلام اليوسف تقتصر على الحصول مشغل بسجل تجاري فقط، فبيت الحرف اليدوية خطوته القادمة إذ يحلم اليوسف ببناء مشغل كبير يضم كل الأعمال والحرف اليدوية تحت سقف واحد، يكون متاح لكل فئات المجتمع ومن كل الأعمار ممن يهتمون بهذه الأعمال لتقام فيه ورشات تدريبة لكل حرفة يدوية وأن يكون مقصداً للسياح اذ يستطيع السائح التعرف على تراث وثقافة الأردن من خلال بعض الأعمال التي يتم إنجازها في هذا البيت ويستطيع السائح أيضاً أن يصنع بنفسه تذكاراً عن الأردن في بيت الحرف اليدوي، مما ينعكس إيجاباً على القطاع السياحي في الاردن.
وحصل اليوسف على شهادة مزاولة المهنة من منظمة العمل الدولية في صناعة الفسيفساء والتي كانت مغلقة على الوافدين بعدها شهادة الدبلوم في تخصص إدارة الأعمال ودبلوم برمجة مواقع إلكتروني ليتمكن من تصميم موقع إلكتروني يحمل اسم بيت الحرف اليدوي يوضح فكرته من خلال مجموعة من الصور والفيديوهات والمعلومات التي سيضمها هذا الموقع ليكون متاح للجميع مع إمكانية الطلب والتعرف ومراقبة خطوات إنجاز أي قطعة يتم طلبها أول بأول حتى تصل لصاحبه في أي مكان.