التعليم "حق" مؤجل في ظل سوء البنى التحتية لمدارس المفرق

الصورة تعبيرية
الرابط المختصر

لم أتخيّل أنّ حُلمي في أن أصبح يوماً محاميًا يُحتم انتظار الباص على موعده وأن أراقب عقاربَ الساعةِ، الثانيةَ قبلَ الدقيقةِ وذلك حتى لا يفوتني ، وإذا يوماً ما سهيتُ عن مراقبةِ الساعة تبدأ الأصوات تتعالى في البيت والدتي وإخوتي " الباص يا صهيب الحق" رغم أنني اخترت أفضل مدرسةٍ في منطقتي وبطريقةٍ أخرى الأفضل من الاسوء"، وهناك احتمال آخر أو موعد آخر وهو في حال اكتملت حمولة الباص أو أني تأخرت عن موعد الباص فأملك فرصة أخرى وهي باص التاسعة! أي أنني أصل الى المدرسة والحصة الثانية على وشك الانتهاء؛ هذا ما بدأ به صهيب البالغ من العمر ستة عشر عاماً أثناء الحديث عن مدرسته في بلدة "أم جمال" المعروفة "بالواحة السوداء"  بالقرب من مدينة المفرق التي تقع على مقربة من الحدود السورية في أقصى شمال الأردن.

 

يمثل التعليم اللبنة الأساسية لكل المجتمعات، وهو حق أساسي من حقوق الإنسان، وليس امتيازا مصوراً على فئة من الناس. وليس مصادفة أنه يعتبر الأولوية الأولى،كما أنه حلم الأطفال الذي يتوقون الى تحقيق أحلامهم من خلاله،ويتمثل ذلك بسؤال بسيط: ماذا تحلم أن تصبح عندما تكبر؟ فمنا من رغب أن يصبحَ معلماً وممرضًا وطبيبًا ومهندسًا وغيره،كما يمثل التعليم أفضل استثمار يمكن للدول أن ترصده من أجل بناء مجتمعات تتمتع بالازدهار والصحة الجيدة والإنصاف. فهو يطلق كل طاقات البشر، ويحسن سُبل معيشة الأفراد والأجيال القادمة. وتشير الدراسات أنه (إذا اكتسب جميع التلاميذ في البلدان ذات الدخل المحدود مهارات القراءة الأساسية لأمكن انتشال (١٧١%) مليون شخص من الفقر، وهو ما يعني تخفيض الفقر في العالم بمقدار(12%).

 

صهيب ليس الطالب الوحيد الذي يعاني ويواجه تحدي في أتمام تعليمه قد يكون هناك الكثير، ؛فعند النظر الى مفهوم (حق التعليم) يمكن معرفة معانة صهيب وغيره من زملائه، والذي يُعرف بأنه المنحة الممنوحة للأفراد بتلقي العلوم والمعارف والمعتقدات التي تتناسب مع قدراتِهم وتتماشى مع رغباتهم، وضرورة توفير الإمكانيات والسُّبل المناسبة للوصول لذلك وتحقيقه؛ سواء من قبل الدولة بإنشاء المؤسسات التعليمية العامة المناسبة والكافية وفقاً لقدراتها وإمكاناتها المتاحة، أو من خلال إلزام الآباء بإرسال أبنائهم للمدارس والمراكز التعليمية. ووفقاً لتعريف المعجم الدستوري لهذا الحق فإنه يعني في آن واحد حرية إعطاء التعليم (حرية التعليم) وحرية تلقي التعليم.). )

وفي حديث مع خزامى الرشيد ناشطة ومدافعة عن الحق في التعليم المنصف والعادل في الاتلاف الاردني للتعليم حول الإمكانيات المتوفرة والإنفاق الحكومي  في الأردن لدعم حق التعليم؛ وذلك بالاعتماد على الخطة الاستراتيجية الوطنية للتعليم 2018-2022 كان كتالي : "حصل قطاع التعليم على ما نسبته 13.46% من اجمالي إنفاق الحكومي على التعليم، وبالمقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي يمثل الإنفاق الحكومي على التعليم 4% من الثروات التي ينتجها الاقتصاد في الاردن، رغم المطالبات الدولية والحملة العالمية للتعليم الحكومات أن تنفق 6% من اجمالي الإنفاق الحكومي على التعليم و20% من الناتج المحلي،وذلك لحاجة التعليم لذلك، ورغم وجود خطة استراتيجية وطنية للتعليم إلّا أنه لا يمكن تنفيذها لعدم وجود ميزانية كافية لوزارة التربية والتعليم؛ ومع عدم وجود ميزانية إلّا أنه 83% من التكاليف المرصودة لتعليم التي تم ذكرها 13.46 % يتم إنفاق 62% رواتب للمعلمين و21% من نسبة يتم إنفاقها لغيرهم من الموظفين، ، ويتبقى من النسبة المرصودة لتعليم 5.5% لتعليم والتي تشمل الصيانة والتدريب والمختبرات والمكتبة وكل ما يتعلق بالعملية التعليمية بشكل مباشر، كما أنه يبلغ متوسط الإنفاق على الطالب سنوياً 720 دينار يذهب منها 645 دينار نفاقات للموظفين وزارة التربية والتعليم، يبقى 40 دينار للنفقات  التشغلية و35 دينار لنفاقات الرأسمالية في السنة.

 

المعلمة وعد هي إحدى المعلمات التي تعمل في مدارس البادية الشمالية الغربية منذ ثلاث سنوات،حيث أشارت خلال حديثها أن رغم التحديات التي يعاني منها الطلبة والتي تعود للوضع الاقتصادي العائلي والثقافي إلا أنه لا يوجد ما يشجعهم على مجابهة  هذه التحديات والوقوف أمام عائلتهم لأقناعهم بأكمال تعليمهم

وقالت:" ما بدي أحكي أنه ما عنا غرفة مصادر أو مقصف أو مطبخ أو صفوف كبيرة ولا صفوف مكتضة ولكن ممكن اختصر بأنه حتى الكاردور بين الصفوف عملناه صف، وإذا بدنا نحكي عن مستوى الأمان الخارجي للمدرسة بيكفي أنه من غير سور وأنها مكان للرعي وملعب للأولاد"

 

التعليم كحق عالمي

الدكتور محمد النسور مدير مديرية حقوق الإنسان وشؤون الأسرة في وزارة العدل سابقاً يتحدث حول أهم المعاهدات و المواثيق الدولية التي تضمن حق التعليم، وبما يتعلق باتفاقيات الدولية فأكد بدايةً على تطرق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ديباجته والمادة 26 إلى الحق في التعليم، والمقدمة أو الديباجة حسب القانون الدولي لحقوق الأنسان هي جزء لا يتجزأ من الاتفاقية الدولية وتقرأ معه وبتالي ما ورد في الديباجة يعتبر ملزماً لدولة الطرف في هذه الاتفاقية وبذلك يمكن الإحتجاج بها أمام القضاء الوطني؛  فضلًا عن تطرق العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في «المادتين 13 و14» إلى أهمية التعليم وضرورة توفيره حيث صادق عليه الاردن ونشر في الجريدة الرسيمة في عام 2006 وبتالي أصبح ملزماً تطبيقه،. وكذلك الحال تطرقت اتفاقية حقوق الطفل في «المادتين 28 و29» إلى اعتبار التعليم حقًا أساسيًا، وتطرقت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري في «المادتين 5 و7» إلى الحق التعليم.

 

بالإضافة إلى التعليق العام رقم 11 الصادر عن لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعتبر جزء لا يتجزء من الاتفاق وتقرأ معه لاعتبارها خارطة طريق ، والتعليق العام رقم 13 الصادر عن لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، اللتين تناولتا مفهوم الحق في التعليم ومبادئه بشكل يوسع هذا الحق إلى مداه الأقصى، وصولاً الى اتفاقية مهمة جداً  "اتفاقية اليونسكو الخاصة بالتعليم" وهي الاتفاقية الخاصة بمكافحة التمييز في مجال التعليم، لما لها من أهمية على صعيد المساواة في التعليم ومكافحة التمييز في هذا المضمار. أما على الصعيد الإقليمي، فثمة نصوص إقليمية مهمة بهذا الصدد، مثل الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان في «المادة 17»، والميثاق العربي لحقوق الإنسان في «المادتين 40 و41» والأردن جزء من هذا الميثاق . ويجدر بنا في هذا المضمار الإشارة إلى" المواد 19 (د) و21 (ب)" من البيان العالمي عن حقوق الإنسان في الإسلام.

وعلى المستوى الوطني أكدت المادة السادسة من الدستور الأردني في فقرتها الثالثة على أن "تكفل الدولة العمل والتعليم وتكفل الطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع الأردنيين ». كما كرّست المادتان التاسعة عشرة والعشرون من الدستور حق المواطنين في التعليم".

 

في حديث مع رئيس مجلس المحافظة محمد أخو ارشيدة حول الخطط الاستراتيجية والتفيذية المتعلقة بتحسين وتطوير البيئة التعليمة في محافظة المفرق تم صرف ما يقارب من (10الى 11) مليون منذ عام 2018 الى 2020 وذلك لبناء وصيانة وتوسيع المدارس ، وذلك من أصل ما يعادل 38 مليون موزعة لكافة القطاعات.