الأردن الدولة التائهة بين المدنية والدينية
انشغل الرأي العام الأردني، مؤخرا بسلسلة جرائم وحوادث وقع جزء منها أمام نوادٍ ليلية في العاصمة عمان، كان آخرها إطلاق النار على صاحب ملهى ليلي من قبل أحد الأسبقيات السبت الماضي.
الحادثة سبقها مشاجرة بين فتاتين يركبن سيارة فارهة بلباس مكشوف وبين مسنة محجبة صدمت مركبتهن، مما فتح باب التأويل والأحكام حول "واقع الأخلاق في المملكة وانتشار الجريمة والرذيلة". انطلاقا من الحادثتين.
لم تبقى هذه الحوادث حبيسة شبكات التواصل الاجتماعي، إذ انتقلت الى قبة البرلمان الأردني، حيث
طالب مساعد رئيس مجلس النواب، إبراهيم أبو السيد، النواب بإجراء تشريعي بإلغاء تصاريح فتح البارات التي "تخالف شرعنا الإسلامي والعادات الأردنية".
وحسب ما يقول أبو السيد، انه "يسعى الى جمع تواقيع عشرة نواب لسن قانون يلغي ترخيص هذه النوادي والبارات".
هذه الحوادث والمطالبات بإغلاق النوادي، ونشر صور من حفلات خاصة على شبكات التواصل، أعاد فتح السؤال التقليدي حول هوية الدولة الأردنية، هل هي دولة مدنية أم دولة دينية تنطلق تشريعاتها من الإسلام؟ وجدد ذلك الجدل بين تيارات محافظة واخرى محسوبة على التيار المدني.
يقول النائب أبو السيد، إن "ترخيص هذه النوادي الليلية يتنافى مع دستور الأردن الذي نص على أن دين الدولة هو الإسلام، ولا يليق أن تكون هذه الأماكن موجودة في بلد محافظ يحكمه الهاشميون، ويجب على الحكومة الغاء تصاريح هذه الأوكار".
جدل هوية الدولة
الجدل حول هوية الدولة الأردنية، ليس بجديد، إذ أثير موضوع مدنية الدولة على أعلى المستويات في الأردن، وعلى رأسها الملك عبد الله الثاني الذي اطلق في عام 2016 ورقة نقاشية حول مدنية الدولة الاردنية التي قال إن محاورها تتمثل بـ"سيادة القانون، والمساواة، والعدالة، وتكافؤ الفرص بين الأردنيين"، مطمئنا انها "لا تعني علمانية الدولة".
ولم تقتصر المراجعة الفكرية لمدنية على الأحزاب السياسية، بل شمل جماعة الاخوان المسلمين التي بدأت تطرح فكرة مدنية الدولة من ثوابت إسلامية، إذ أعرب المراقب العام للجماعة في الأردن المهندس عبد الحميد الذنيبات عن ارتياحه لموقف عاهل البلاد عبد الله الثاني؛ في الورقة النقاشية السادسة، التي تحدث فيها عن موقفه من الدولة المدنية" والمواطنة والانتماء وموقع الدين في الدولة.
حتى أن رئيس الوزراء عمر الرزاز جاء من رحم تيار الدولة المدنية، قبل أن يُتهم من رفقائه بالردة عن مفاهيم الدولة المدنية، بعد إلغاء مهرجانات ترفيهية في عهده واعتقال ناشطين سياسيين والتضييق على فعاليات مؤسسات المجتمع المدني.
المحامي د.هيثم عريفج، عضو مؤسس في حزب التحالف المدني، يقول إن "الفيصل في الحديث هو الدستور الأردني الذي يؤطر الدولة مدنية، وقد يكون هنالك تطبيق مخالف للدستور، لكن نسعى لأن يكون هناك دولة مدنية ديمقراطية، وتحدث الملك في ورقته النقاشية السادسة عن الدولة المدنية وطرق تفعيلها، رؤية الملك واضحة بهذا الخصوص لكن قد لا تكون رؤية بعض المسؤولين بذات المستوى من الوضوح".
وحسب عريفج، حتى رئيس الوزراء عمر الرزاز اعتبر وصفه بالمدني نوع من التهم حاول نفيها بكل ما استطاع من قوة، رغم أن المدنية هي من تحمي الدولة وهي تطبيق لرؤية الملك عبد الله الثاني.
معتبرا أن "الدولة المدنية هي من تحترم الأديان والقانون"، يتهم عريفج بعض التيارات بمحاولة استغلال مقاطع الفيديو التي تنتشر على شبكات التواصل "للعودة الى التشدد"، أو لاستغلال هذه الفيديوهات لحصد مزيد من الأصوات في الانتخابات مزيد من الشعبية، فهناك من يصور الأردن على أن الرذيلة منتشرة في الشوارع وهذا كلام غير صحيح".
الدستور ودين الدولة
وتنص المادة الثانية من الدستور الأردني على أن الإسلام دين الدولة، إلا أن هذا النص لم ينعكس على التشريعات والقوانين كافة، باستثناء تلك المتعلقة بالأحوال الشخصية من زواج وميراث وطلاق، بينما نص الدستور الأردني على صون الحريات الشخصية للمواطنين في المادة السابعة منه التي قالت "الحرية الشخصية مصونة من كل اعتداء على الحقوق والحريات العامة أو حرمة الحياة الخاصة للأردنيين جريمة يعاقب عليها القانون".
المحامية الناشطة في مجال حقوق الإنسان هالة عاهد، ترى أن الأردن دولة تائهة بين الدولة المدنية والدولة الدينية، تقول" الدولة المدنية مفهوم مشوه، الدولة نفسها لا تعرف ما هي هويتها هنالك تشريعات تعكس اننا دولة اسلامية، وتشريعات اخرى منفتحة على كل الاتجاهات تقول إننا لسنا دولة دينية، الدولة تستخدم مفهوم الدولة المدنية لترويج الانفتاح أمام الغرب، رئيس الوزراء نفسه انقلب على الخلفية التي جاء منها بتسامحه عما يجري، وانسجامه مع الأصوات التي تدعو الى تقييد الحريات العامة وتحديدا الشخصية".
معتبرة أن " مفهوم دين الدولة الإسلام مفهوم مبهم كون لا دين للدولة الذي يمارس الدين الأفراد وعلى الدولة حماية حرية ممارسة الفرد لشعائره".
وحسب عاهد "نصوص الدستور الأخرى تحمي الفن والابداع الثقافي بما لا يخالف النظام العام والآداب، كما لا يجوز التعدي على حرية الأفراد تحت ذريعة الفضيلة أن أننا مجتمع اسلامي او تخالف القيم الحريات الشخصية مصونة حتى لو تعارضت مع معتقدات الآخرين الدينية والأخلاقية، التحرك ينبغي أن يكون ضد هذه الأندية التي تقوم باستغلال واتجار من بالنساء ووجود علاقات مع متنفذين تسمح للأندية بأن تكون بؤرا للانتهاكات".
تقول عاهد إن "الخطير في الأمر توسع مفهوم الآداب والنظام العام وفقا لمن يملك الصوت الاعلى على شبكات التواصل الاجتماعي ويستطيع التشويش ويقول إن هذا المهرجان الفني يخالف القيم والآداب، الحكومة أصبحت تستجيب وإرضاء الشارع بإجراءات تصر فيها على انتهاك الحريات الشخصية للأفراد، ومن باب الأولى أن تستجيب لقرارات مثل الإصلاحات السياسية والاقتصادية".
الحكومة وعلى وقع الجدل على شبكات التواصل الاجتماعي عقدت مؤتمر صحفيا الأحد، ضم وزير الداخلية سلامة حماد ومسؤولين أمنيين، قال فيه إن "الحوادث والاعتداءات التي حصلت مؤخرا، تحصل في جميع دول العالم".
وكشف محافظ العاصمة سعد شهاب، عن وجود 150 ناد ليلي في عمان، منها 23 ناد مرخص فقط، إضافة لوجود 20 بار و7 ديسكوهات، متوزعة بمناطق متفرقة.