800 ألف مواطن مطرودون من رحمة التأمين الصحي

-وثائقيات حقوق الإنسان- فرح مرقة لم تجد والدة دانا ذات الأحد عشر عاما سوى باب الديوان الملكي لتطرقه من اجل تأمين العلاج لطفلتها المصابة بعلة مزمنة، بعدما تركت الحكومة اسرتها التي يعيلها عامل بناء بسيط مجردة من اية حماية في مواجهة المرض. وكما تخبرنا الوالدة، فهي تضطر الى التوجه الى وحدة شؤون المرضى التابعة للديوان الملكي سنويا لتجديد الاعفاء من تكاليف العلاج الذي حصلت عليه لابنتها منذ اكتشاف مرضها. وتضيف ان الامر لا يقتصر على دانا، فكلما مرض احد من ابنائها الاخرين تقصد الديوان للحصول له على اعفاء. واجمالا، يمنح الديوان الاعفاء للمواطنين الذين لا يتمتعون باي نوع من التامينات الصحية سواء الحكومية او الخاصة. وتتراوح مدد هذه الإعفاءات حسب احتياجات المرضى فمنها ما تكون لثلاثة أشهر ومنها ما تصل لعام. واسرة دانا هي واحدة من الاف الاسر التي لا تشملها هذه التامينات بسبب عمل معيليها في القطاع الخاص، سواء في حرف ومهن فردية صغيرة او في مؤسسات وشركات اهلية. وتتكبد شريحة المواطنين غير المشمولين بالتأمين الصحي أعباء مالية كبيرة جراء اضطرارها لدفع تكاليف العلاج الباهظة. وحسب ارقام ادارةالتأمين الصحي، فان عدد افراد هذه الشريحة يصل الى نحو 803 الاف، يشكلون ما نسبته 12,75 بالمئة من اجمالي تعداد المواطنين البالغ قرابة 6,3 ملايين. ويتوزع معظم المواطنين المنتفعين من التأمينات الصحية بين التأمينين المدني والعسكري، وبما نسبته 41.25 بالمئة، و27.15 بالمئة على التوالي. اما الباقون فهم مشمولون بتامينات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (اونروا) وبما نسبته 8.5 بالمئة وشركات التأمين 6 %، والصناديق (نقابات ومؤسسات خاصة) 3 بالمئة، والتامين الجامعي 1.3 بالمئة. وهناك 13 شركة تعمل في مجال التامين الصحي في الاردن، وبحجم استثمار يتجاوز 13 مليون دينار. نظام التأمين ويقسم نظام التامين الصحي التي تضعه وزارة الصحة المؤمنين حكوميا إلى أربع شرائح، أولاها تضمّ الموظفين والمتقاعدين ومنتفعيهم، وعمال المياومة والمتقاعدين ومنتفعيهم، ويغطيها صندوق التأمين الصحي المدني برسوم اشتراك نسبتها 3% من مجمل الراتب. ويعتبر التأمين "الزاميا" للموظفين والمتقاعدين ومنتفيعهم، في حين يكون "اختياريا" لعمال المياومة والموظفين الذين انتهت خدماتهم دون ان يكون لهم حق التقاعد، او تقاعدوا قبل نفاذ نظام التامين المعمول به حاليا. ويبلغ عدد المنتفعين من هذه الشريحة نحو مليون و200 الف. اما الشريحة الثانية فتضم أفرادا ومؤسسات تتم تغطيتهم بصورة اختيارية، استنادا الى نظام التأمين الذي يجيز "لمجلس الوزراء بناءً على تنسيب الوزير الموافقة لاي شركة أو مؤسسة على اشراك العاملين لديها للاستفادة من خدمات التأمين الصحي في المستشفيات والمراكز وبصورة الزامية لجميع العاملين فيها...". كما يمنح النظام الوزير صلاحية "ان يقرر عدم استيفاء أي أجور معالجة في مستشفيات ومراكز الوزارة ، بصورة كلية أو جزئية ، من أي أردني غير حاصل على بطاقة غير مقتدر". ويبلغ عدد المستفيدين "اختيارا" من الشريحة الثانية 28 ألفا و382 شخصا. ولم تتمكن معدّة التقرير من الحصول على الحد الذي وضعته وزارة الصحة لغاية تعريف "غير المقتدر"، علما بأن آخر تصريحات وزير التخطيط والتعاون الدولي جعفر حسان أكدت أن 180 ألف أسرةٍ أردنية تعيش تحت خط الفقر المقدّر بـ 800 دينار للفرد سنويا للعام 2012. أما الشريحة الثالثة فتنقسم إلى أربعة فئات، أولاها فئة التنمية الاجتماعية وصندوق المعونة الوطنية، والثانية للإعاقات وغير القادرين، والثالثة فئة المناطق الأشد فقرا والمناطق النائية، والرابعة هي فئة "شبكة الأمان الإجتماعي". ويبلغ عدد المنتفعين من التأمين الصحي المدني من الشريحة الثالثة 633 حوالي ألفا. ويقسم المنتفعون من التأمين الصحي ضمن الشريحة الرابعة إلى ثلاث فئات مؤمنة إلزاميا، وببدل اشتراك مجانيّ، وتتالف الفئة الأولى من المتبرعين بالدم والأعضاء، والثانية من الأطفال الأردنيين دون سن السادسة، والثالثة تخص الأطفال دون السادسة من أبناء قطاع غزة المقيمين. ويبلغ عدد المؤمنين من التأمين الصحي المدني 2,5 مليونا تقريبا. عمال المياومة وفي ما يتعلق بعمال المياومة تحديدا، فان رئيس نقابتهم المستقلة محمد السنيد يشير الى عدد من العقبات والمشكلات التي تواجههم في اطار التامين الصحي جراء البيروقراطية وتعدد الانظمة واللوائح التي تحكم. وحسب السنيد فإن مشكلة عمال المياومة تتمحور حول عدم وجود نظام واحد يحكمهم، موضحا أن الوزارات والدوائر تنظم إجراءات شمولهم في التامين الصحي ذاتيا، ما يجعل بعض العمال ينهون خدمتهم دون ان يشملهم التأمين. ولا يتجاوز عدد عمال المياومة الذين شملهم التأمين الصحي العشرة آلاف، كما يؤكد السنيد الذي ضرب مثالا على الأنظمة المختلفة للوزارات ما تلجأ اليه وزارة الزراعة التي تبدأ شمول عمال المياومة العاملين لديها بعد مضي عام على خدمتهم، بينما تبدأ وزارة المياه بضمّ عمالها بعد ثلاثة أشهر من عملهم فيها. وأشار السنيد الى معضلة الروتين التي تواجه عمال المياومة الراغبين في الانضمام للتأمين من كتب رسمية ومراجعات في الدوائر الرسمية، لافتا إلى أن تأمينهم يجب تجديده سنويا ما يزيد من أعباء العامل بمتابعة وملاحقة المعاملات. وقال أن العمال كثيرا ما يتعرضون لمشكلات مثل عدم توفر بطاقات التأمين ما يضطرهم لأخذ كتاب رسمي والعودة بعد شهرين لاستلام البطاقة. واكد السنيد أن حصول العمال على أدنى درجات التأمين الصحي ينعكس على رداءة الخدمات والمعاملة المقدّمة لهم من وزارة الصحة. وفي سياق قريب، تبرز قضية العمالة الوافدة ضمن التحديات التي تفرض نفسها في الاردن في ظل اعدادها الكبيرة والمعيقات التي تحول دون ادماجها في التامينات الصحية المختلفة. وكان وزير الصحة كشف مؤخرا عن ان عدد العمال الوافدين المقيمين رسميا في المملكة يقدر بنحو نصف مليون، في حين يصل عدد غير الشرعيين الى مليون و200 الف ما يشكل عبئا اقتصاديا له ابعاد صحية واجتماعية واقتصادية. وبحسب ما تظهره دراسة رسمية، فان التأمين لا يشمل سوى 25 بالمئة من العمالة الوافدة المقيمة بشكل شرعي. وبيّنت الدراسة التي نفذتها وزارة الصحة ومنظمة الهجرة الدولية خلال عامي 2011- 2012 ان هناك حاجة إلى إيجاد شكل من أشكال التأمين الصحي الإلزامي لجميع الوافدين المقيمين وبكلفة معقولة تناسب مستوى دخلهم ومدة إقامتهم. واشارت الى ان معدل التغطية بالتأمين الصحي بين الوافدين غير العرب الى خمسة أضعاف المعدل بين الوافدين العرب. وشكَل القطاع الخاص المصدر الرئيسي للتأمين الصحي بنسبة 86 بالمئة. مؤمنون ولكن! ولا يعني شمول الشخص بالتامين الصحي انه سيعالج بالمجان كما قد يتبادر الى الذهن، فهو يشارك في تكاليف العلاج بنسب متفاوتة قد تصل الى نصف القيمة كما هو الحال مع بعض الشركات الخاصة. كما ان بعض التامينات، وهذا ينسحب ايضا وزارة الصحة، لا تغطي مستلزمات علاجية ضرورية للمرضى، سواء بسبب نفاد هذه المستلزمات من مستودعات الوزارة او لاعتبارات اخرى. وقد يؤدي نقص هذه المستلزمات الى عدم تمكن المرضى من تناول العلاج بسبب عدم قدرتهم على شرائها، كما هو حاصل مع الطفلة رهف التي تعاني من مرض السكري وتعالج على تامين والدها الموظف الحكومي. وتقول والدة الطفلة ذات الست سنوات ان التأمين يوفر لابنتها الأنسولين فقط ولا يغطي المستلزمات الاخرى مثل الحقن والمعقم وشرائح قياس مستوى السكر ناهيك عن الطعام الصحي الضروري لها. وتضيف ان محدودية دخل الاب تحول احيانا دون القدرة على توفير هذه المستلزمات ما يعني عدم تناول ابنتهم للعلاج. وتقول والدة رهف انها حاولت عدة مرات تحصيل إعفاء من الديوان الملكي لتلبية بعض احتياجات ابنتها، إلا أن طلبها كان يواجه بالرفض لشمولها بتأمين والدها. وتظهر بيانات منظمة الصحة أن 100 مليون نسمة سنويا ينزلقون في هاوية الفقر سنوياً بسبب سداد مدفوعات مباشرة مقابل خدمات الرعاية الصحية. واقع مترد والى جانب عدم كفاية العلاجات ومستلزماتها في اطار التامين، تبرز مشكلات اخرى في مستشفيات ومراكز وزارة الصحة، كالاكتظاظ وتهتك بعض البنى التحتيّة للمباني ونقص الأجهزة وتدني مستوى الخدمات وغياب الكفاءات. وفي هذا الاطار، فقد شدد فوزي السمهوري مدير مركز جذور لحقوق الإنسان على أهمية تأمين الحكومة الرعاية الصحية للمواطنين كاملة وبأقل التكاليف في ظل الغلاء المعيشي. واعتبر السمهوري ان العديد من الممارسات والمواقف التي تواجه المواطنين في القطاع العام كالاكتظاظ ورداءة الخدمة تفرض عليهم عبئا إضافيا وتضطرهم وتشجعهم على التوجه الى القطاع الخاص. واكد ان عدم تأمين المواطنين صحيا بشكل جيد وضعف الخدمة والمماطلة في العلاج بسبب قلة الكوادر والمؤسسات الخادمة للمناطق تنعكس سلبا على الناحية الاقتصادية للمؤسسات التي يعملون فيها فتقل انتاجيتهم وتخسر مؤسساتهم مساهمتهم في الاقتصاد. وقال إن حل المعضلة الصحية في الأردن هو في تأمين الخدمات الصحية المثلى للمواطنين، وبنسبة تغطية 100 بالمئة، لافتا الى ان "عددا من المؤمنين في بعض النقابات لا يتجاوز تأمينهم 30- 40 %"، ويعاملون كما لو أنهم مؤمنون حقا. كما اكد ضرورة ان تقوم نقابة الأطباء بتحديد تسعيرات الأطباء والمستشفيات، حتى لا يتثاقل المواطنون عن العلاج وبالتالي يستسلموا للمرض والموت. ويشكو المواطنون من ارتفاع أجور الاطباء والتي عملت نقابتهم في وقت سابق من العام على توحيدها في قائمة ملزمة. من جانبه، قسّم نقيب الأطباء أحمد العرموطي الشكاوى على الخدمات الصحية المقدمة من وزارة الصحة إلى شكاوى من الإنتظار وعدم مرور الإجراءات العلاجية والمواعيد بسرعة، وأخرى من الخدمات الفندقية في المستشفيات. وأكد العرموطي على كفاءة الكوادر الطبية الموجودة في القطاع الصحي الأردني، لافتا إلى أهمية الحفاظ عليها من التسرّب ومن التقليل من أهمية دورها. استراتيجية وكما تؤكد وزارة الصحة، فانها تسعى الى تحقيق التأمين الصحي الشامل عام 2012، عبر الاستمرار في برامج تأمين أبناء المناطق النائية والأشد فقراً، وشبكة الأمان الاجتماعي، والأطفال دون الست سنوات، ومتلقّي الدعم من صندوق المعونة الوطنية، والمعوَّقين، والمتبرعين بالدم والأعضاء، وكبار السن والحوامل. وتنفق الوزارة ما نسبته 80 بالمئة من ميزانيتها البالغة حوالي نصف مليار دينار وتشكل 8 بالمئة من موازنة الدولة على الرعاية الصحية الثانوية، و20 بالمئة على الرعاية الصحية الاولية. وتقدم خدمات الرعاية الصحية الأولية من خلال 693 مركزا صحيا منها 85 مركزا صحيا شاملا و 378 مركزا صحيا أوليا و 230 مركزا صحيا فرعيا. في حين تقدم الرعاية الصحية الثانوية من خلال 105 مستشفيات في المملكة، منها 32 لوزارة الصحة و11 للخدمات الطبية الملكية ومستشفى الجامعة الأردنية والملك المؤسس، في حين يتبع القطاع الخاص 60 مستشفى. والى جانب التوسع في برامج التامين للوصول الى التغطية الشاملة، فان استراتيجية الوزارة تتضمن جانبا تشريعيا ينصب على تعديل القوانين والانظمة ذات العلاقة. ويتمثل هذا الجانب في "العمل على تعديل النصوص القانونية المتعلقة بالتأمين الصحي للمؤسسات الخاصة والجامعات والهيئات والشركات وغيرها ليكون إلزاميا لتأمين موظفيها وعدم النص على التأمين الاختياري". كما يتضن "إنجاز مشروع نظام التأمين الصحي في القطاع الخاص وتأمين العاملين في الشركات والمؤسسات الخاصة". وحسب قانون العمل الساري، فان اشراك العامل في التامين الصحي لا يعد التزاما على صاحب العمل و انما هو امتياز يحق له حجبه او منحه للعامل. وتستهدف الاستراتيجية شمول باقي المواطنين في مظلة التأمين الصحي بعد اكتمال تأمين العاملين في القطاع الخاص ورصد المخصصات اللازمة لذلك والتي تقدّر بحوالي 75 مليون دينار. * أعد التقرير بدعم من “مشروع تقارير معمقة حول حقوق الإنسان، محرر المشروع بسام العنتري شاهد فيديو يظهر حالات تحدثت عن معاناتها

أضف تعليقك