تردي النقل العام يكشف انتهاكات في حقوق الإنسان

وثائقيات حقوق الإنسان- منيرة الشطي عندما طلبت فداء مرعي التي تعاني ازمة صدرية من الراكب الذي اشعل سيجارته ان يطفئها، رمقها متحديا وقال بنبرة من يستشعر الاهانة: اذا كانت سيجارتي تزعجك فبمقدورك الترجل من الحافلة!. لم تكن فداء لتدخل في جدال مع هذا الراكب كما تقول، لولا احساسها بعدم اكتراث السائق وبقية الركاب، واستعصاء النافذة المجاورة لمقعدها على الفتح رغم ما بذلته من محاولات. وكمحصلة لهذه المواجهة القصيرة، فقد اضطرت الفتاة الى ابتلاع انكسارها ومغالبة انفاسها الثقيلة طيلة الطريق. ورغم ان التدخين محظور داخل وسائل النقل العامة، الا انه لا يزال متفشيا نتيجة ضعف الرقابة وتساهل بعض السائقين ومساعديهم الذين يعرفون باسم الكنترولية. لا بل ان بعض السائقين لا يتورعون عن اشعال سجائرهم اثناء القيادة مع ما يتضمنه ذلك من تشجيع للمدخنين من الركاب. وغالبا، يقف السائقون وراء العديد من الممارسات التي تشكل تهديدا لصحة وسلامة ركاب الحافلات الصغيرة، وهي وسيلة النقل الاساسية في المملكة. ومن ذلك قيادتهم المتهورة واستخدامهم الهاتف المحمول اثناءها، فضلا عن تناولهم الشاي والقهوة واحيانا الطعام، وتشغيلهم الراديو والمسجلة بصوت مرتفع يصم الاذان. كما تشيع لديهم ظاهرة تحميل اعداد زائدة من الركاب، والتي يتخللها اكراه الرجال على اجلاس النساء في مقاعدهم والوقوف في ممر الحافلة الضيق حيث يكونون عرضة للسقوط مع كل انعطافة حادة من قبل السائق او عند استخدامه للمكابح. ويرضخ الكثيرون لاوامر السائق والكنترول ويتخلون عن مقاعدهم خشية التعرض للاهانة او حتى الطرد من الحافلة. واحيانا تتسبب رعونة سائقين باصابات لهؤلاء جراء سقوطهم داخل الحافلة او عن عتبتها، واحيانا تحت عجلاتها. ويؤدي الكنترول الذي لا يعرف تحديدا ما هو التوصيف القانوني لمهنته، دورا لا يقل اهمية في التسبب بمثل تلك الاصابات نتيجة اجباره للركاب على الصعود والنزول اثناء مسير الحافلة. وتدفع ممارسات السائقين والكنترولية، الى جانب الحالة المتهالكة والمتردية للكثير من الحافلات، اعدادا متزايدة من الاردنيين الى الاحجام عن وسائل النقل العامة وشراء سيارات خاصة. ومن هؤلاء، احمد العمارات الذي قال انه اضطر الى الاستدانة وشراء سيارة لزوجته بعدما تفاقمت حالتها الصحية جراء ظاهرة التدخين في الحافلات التي يفتقر معظمها الى التهوئة الجيدة واجهزة التكييف. ويوضح العمارات ان زوجته تعاني من مشكلة في جهازها التنفسي، وانه خصص ميزانية لعلاجها حيث كانت تزور الطبيب بمعدل مرة اسبوعيا قبل شراء السيارة. وتغدو مشكلة التهوئة وغياب اجهزة التكييف اكثر حدة بالنسبة للركاب الذين يضطرون للبقاء اوقاتا طويلة في الحافلات بسبب بعد المسافة بينهم واماكن دراستهم او عملهم. وتقول ربى خالد، وهي واحدة من هؤلاء، ان عدم وجود التكييف يحول فصل الصيف الى كابوس داخل الحافلة خاصة مع اضطرار الركاب الى فتح النوافذ، ما يسمح بدخول الهواء الحار الذي يلفح الوجوه. ولا تكاد المعاناة تختلف كثيرا في الشتاء، حيث تسود البرودة الشديدة في الحافلة نتيجة عدم عمل جهاز التدفئة. ويحلو للكثير من السائقين في هذه الحافلات رفع صوت الراديو والمسجلة على اقصاه صامين بذلك اذان الركاب الذين لا تفلح احتجاجاتهم. وتنبعث من المسجلات احيانا اغان تتضمن عبارات هابطة وربما يعتبرها البعض مسيئة وتخدش الحياء. ويتسبب الضجيج المرتفع للراديو والمسجلة باشكالات كثيرة بين الركاب والسائق، كما حصل مع المواطن سلامة الديات الذي قال انه تشاجر ذات مرة مع احد سائق رفض خفض الصوت الذي كان مرتفعا جدا. ولا يتوقف امر الضجيج، او الضوضاء على من هم في داخل الحافلات، بل يمتد ليشمل الموجودين خارجها، كما يقول الديات الذي يشير في هذا الصدد الى الزوامير ذات الاصوات الهائلة التي تستخدمها بعض وسائل النقل العامة. ويضيف الديات ان اصوات بعض هذه الزوامير من الشدة بحيث انها تتسبب بصدمة وارباك وخصوصا للاطفال وكبار السن، وحدث مرة ان ادى ذلك الى تعرض احد المارة للدهس. وكما يوضح الطبيب النفسي محمد الحباشنة، فان لمثل هذه الانواع من الضوضاء اثارا خطيرة على صحة الانسان. ويقول الحباشنة ان وجود والملوثات داخل وسائل النقل يؤدي الى اصابة من يستخدمونها بشكل يومي، بحالات من الإرهاق النفسي قد تؤثر على ادائهم سواء في الدراسة او في العمل والتواصل مع الآخرين ويضيف الحباشنة ان “الضوضاء والتلوث من الأزمات التراكمية التي تسبب على المدى البعيد اضطرابات نفسية واضطرابات في التأقلم، بالإضافة للخوف والهلع لدى بعض الأشخاص” والى جانب التلوث الضوضائي، فان وسائل النقل العامة التي لا تحظى بصيانة مناسبة تتسبب بتلويث الهواء بفعل االغازات التي تنفثها عوادمها وتؤثر على صحة الانسان. وبحسب ما يوضحه أخصائي الأمراض الصدرية خميس خطاب، فان الملوثات كالتدخين داخل الحافلات والأدخنة الخارجة منها تؤثر بشكل كبير على الجهاز التنفسي العلوي والجهاز التنفسي السفلي والقصبات الهوائية، وقد تسبب نوبات ربوية. ويشير الى ان الدراسات اوضحت ان تعرض الاطفال خصوصا لدخان السجائر والدخان المنبعث من الحافلات وبشكل مستمر يجعلهم أكثر عرضة للاصابة بالتحسس عند الكبر كما تزيد من فرص اصابتهم بالالتهابات الرئوية. وبين خطاب أن هذه الملوثات لها تاثيرات خطيرة على الحوامل ايضا، حيث يمكن ان تتسبب بالولادات المبكرة، إضافة لنقص وزن المواليد وزيادة احتمالات اصابتهم بالالتهابات الرئوية. والى جانب ما سبق، فان هناك عوامل اخرى عديدة تحول دون تمتع الاردنيين بحقهم الطبيعي في توفر وسائل نقل عامة تراعي صحتهم وكراماتهم. ومن هذه العوامل، كما يعددها وزير الاشغال العامة والاسكان السابق محمد طالب عبيدات: ضعف إدارة مرافق المواصلات العامة، وعدم الالتزام بمواعيد حركة ثابتة، والعشوائية في توزيع المسارات، وعدم وجود مواقف للانتظار أو عدم التزام السائقين بهذه المواقف. ويضاف الى ذلك عدم ثبات أعداد و ترددات المركبات العاملة على الخطوط، وقلة الدراسات المتعلقة بتقييم الخدمة المقدمة أو التخطيط المستقبلي لها فيما يتعلق بتعزيز أعداد المركبات العاملة أو بتعزيز المسارات والخطوط. كما يلفت عبيدات الى افتقار حافلات النقل العام للمتطلبات التقنية اللازمة التي تضمن صعود ونزول ذوي الاحتياجات الخاصة بسهولة وسلام وبطرق ميسرة لمستخدمي الكراسي المتحركة. استمع إلى كامل الحلقة

أضف تعليقك