حقوق "الأردني فلسطيني" تعيد تعريف المواطنة المتساوية
-وثائقيات حقوق الإنسان- محمد شما
ما تزال مفاعيل رسالة "المبادرة من أجل مواطنة متساوية" تلقي بظلالها على الصالونات السياسية الأردنية حول حقوق الأردنيين من أصول فلسطينية والتمييز الحاصل بحق تلك الفئة بكافة مناحي الحياة على ما تراه الرسالة.
في وقت، يرى البعض أن التمييز وإن كان حاصلا فلا يعني أن التهميش والإقصاء هو حال تلك الفئة من الأردنيين إنما جميع الأردنيين.
فيما يرفض نشطاء مضمون الرسالة واعتبروها اصطفافا إقليميا ينذر بأزمة لا يحمد عقباها.
وأمام هذا وذاك يدعو طرف إلى ضرورة عقد مؤتمر وطني تتحدد فيه مفهوم المواطنة المتساوية لطالما أن التمييز سمة كثير من مفاصل الدولة المتعاملة مع المواطنين.
التقرير التالي يستعرض واقع الأردنيين من أصول فلسطينية بزاوية عدد من النشطاء والمحللين السياسيين..
المواطنة الناجزة
يعود الحديث مجددا داخل أروقة الصالونات السياسية حول مفهوم المواطنة والتمييز الحاصل بحق الأردنيين من أصول فلسطينية في كثير من المفاصل.
وما شكلته رسالة "المبادرة من أجل مواطنة متساوية" حول واقع الأردنيين من أصول فلسطينية والتمييز الواقع بحقهم، دفعا للملف من جديد وجدلا واسعا بين الأردنيين من شتى المنابت والأصول.
فالتمييز بحق الأردنيين من أصول فلسطينية وليد سياسة ضاربة جذورها منذ سنوات، على ما يراه الناشط السياسي لبيب قمحاوي الذي كتب مقالا في العام ١٩٩٠ تناول فيه التمييز والإقصاء الممُنهج بحق نصف سكان المملكة الذين تعود جذورهم إلى فلسطين التاريخية.
يدلل على أن التمييز موغل في قدمه، وقد بدأ منذ فترة حكم ما اسماه عراب الإقصاء الذي كان زيد الرفاعي في حكومته الأخيرة عندما سن قانون انتخاب فصل فيه دوائر انتخابية ما يشكل اقصاءً للأردنيين من أصول فلسطينية.
ومنذ ذلك التاريخ والدولة سائرة نحو عقلية ومنطق الكوتات، على ما يراه قحماوي "الدولة ما هي إلا إطار سياسي يضم كافة المواطنين وبدرجة متساوية، حتى المواطنين الشرق أردنيين يواجهون تمييزا من باب أنه ينظر إلى أنهم عبيد النظام والمطيعين له".
الكاتبة لميس اندوني، تقر بوجود تمييز ضد الأردنيين من أصول فلسطينية لكن من ناحية الإقصاء والتهميش فهو يشمل الأردنيين جميعا من شرقا وغربا من حيث تهميش بالوظائف وسياسة التفقير والإفقار.
ما يتعلق بالتمييز من قبل الشرق أردنيين فهو تمييز فردي حسب ولاء الشخص وموقفه السياسي، فيما ينظر إلى نظام الحكم إلى الأردنيين من نظرة غير متساوية فالكل يعتبر مجموعة من أجزاء، ومن هنا يعتقد قمحاوي أنه لا يوجد للمواطنة ميزان كيفي لها من حيث الولاء.
من جانبه، يرى الدكتور محمد بني سلامة أنه لا توجد سياسة ممهنجة تهدف إلى تهميش واقصاء الأردنيين من أصول فلسطينية، "نعلم ان كثير منهم عازفين عن العمل السياسي وأخذوا مناحي غير سياسية في حياتهم في التجارة والأعمال".
لكن الاقصاء كما يراه الناشط في الحراك الشبابي الاردني، عبدالله محادين، يضم ويشمل جميع الأردنيين من شتى المنابت والأصول. "أرى التهميش في مخيم البقعة وفي الكرك والطفيلة وحتى عمان"، معتقدا أن الرسالة تحدث شرخا
بضوء تجربة الحراك كما يقول عبدالله فالضرب الذي طال شباب من الأمن والدرك طال نشطاء الحراك ولم يميزوا فيه بين اردني واخر، "القضية طبقية بامتياز".
رسالة المبادرة ومسؤولية الدولة
ولا انتقاد يطال رسالة المبادرة فيما يتعلق بالتمييز، كما تقول الكاتبة اندوني، فمن حق المواطن الاردني من اصل فلسطيني ان يتحدث عن قضيته لكن المشكلة في فصل القضية عن القضايا الاخرى، وهذه الرسالة وكأنها تشير إلى أنها في مواجهة مع الاردني وليس في مواجهة مع سياسة التمييز المسؤول عنها النظام الذي يحاول خلق مكونين بين الشعب الواحد.
قمحاوي يقول بأن من اختلق مفهوم المحاصصة والاقصاء والتمييز هو الدولة، واي محاولة لاصلاح هذا الوضع الشاذ تقابله الدولة بسلوك مشبوه فيه.
"قوى الشد العكسي والظلامية التي تدير مؤسسة الحكم في الاردن تريد أن تخيف أي شخص يتحدث عن هذا الموضوع الذي يعتبر ظلما حقيقيا على المستوى الإنساني للمواطن الفرد"، وفق قمحاوي.
من حق الناس ان تعبر عن نفسها، كما يقرأ المحلل السياسي بني سلامة رسالة المبادرة، فبضوء ما طرحته لكل معني ان يكون في دولة المواطنة والعدالة والقانون تجاوز العصبيات الضيقة.
قانون الانتخاب
وقد آن الأوان لان تختفي المحاصصة والإقصائية، والاختفاء يتحقق من خلال إيجاد قانون انتخاب عادل يلغي المحاصصة المكرسة فيه منذ سنوات، يقول لبيب قمحاوي.
وقانون الانتخاب بالنسبة للميس أندوني يقصي الجميع ومن شأنه اضعاف تأثير الكتلة الأردنية من اصل فلسطيني بحيث يجري انقاص اعداد المقاعد، وهذه مشكلة كبيرة يجب ان تتم مواجهتها بجرأة وصراحة أكبر.
غير أن بني سلامة لا يرى تمييزا حاصلا بحق الأردنيين من اصول فلسطينية ممنهجا كما استعرضته رسالة المبادرة، من باب "أنه يمكن ان يحدث أمر كهذا في اعرق الديمقراطيات والكثير من المواطنين يتعرضون للتمييز العنصري لكنها ليست حالة شاذة هي تحدث في كل البلاد".
والتبرير الذي يدافع عنه الدكتور بني سلامة يكمن في المخاوف التي يراها بالمشروعة من اعطاء الفلسطينيين مكاسب وحقوق سياسية واشغالهم عن القضية الفلسطينية..
ويتابع بني سلامة "هناك من حصل منهم على مكاسب ومواقع قرار، ما يعطي ايحاء أنهم اندمجوا بالمجتمع الأردني" ويرى ن القضية جرى تحميلها اكثر من حجمها "الأعطي الأردنيون من اصول فلسطينية عدة مواقع هامة من منصب رئيس وزراء ومجلس اعيان وسلطة قضائية ووزرات".
الوطن البديل هو قضية إسرائيلية صرفة وعلى الحكومة معالجتها مع اسرائيل ليس مع مواطنيها، كما يعتقد قمحاوي في رده على من يرون أن القضية بامتياز قضية وطن بديل. "التمييز الحاصل هو ضارب كالسوسة في دماغ اليمين الأردني المتشنج، "فالأردني من أصول فلسطينية لا يريدا وطنا بديلا عن فلسطين".
فيما يذهب بني سلامة بقراءته لهذا الواقع من منطلق أن نظرة الاردني من اصول فلسطينية إلى نفسه كفلسطيني ومن ثم كمواطن اردني ما يعني ازوداجية في الولاء، فثمة خطورة في تسلمه مناصب هامة في البلد.
بسخرية يدعو الناشط عبدالله محادين الجميع إلى التعلم من الفاسدين الذين لا يميزون على اساس المنابت والاصول، يقول: الفساد لا يعرف جنسيات وهذه نقطة تحسب لهم، فلا تمييز في الاصول والمنابت. داعيا محادين لجميع إلى الاستفادة من تجربة حراكهم الذي أعاد تشكيل الهوية الوطنية من منطلق الجميع يشترك في الهموم.
أمام هذا الواقع، يدعو قمحاوي إلى ضرورة عقد حوار وطني يجمع مكونات الشعب ويخرج بضوابط عامة وبتشخيص المواطنة الاردنية ويتم الزام كافة مؤسسات الدولة بهذه الرؤية، وتنعكس المواطنة الحقة المتساوية الناجزة على الدستور والقوانين المحلية، المواطنة الانتقائية انتهت في العالم كله.
وكانت رسالة المبادرة أطهرت أشكال التمييز الذي يلاقيه الأردنيون من أصل فلسطيني رسميا وأمنيا ومن بينها الإستثنائات في القبول بالجامعات حيث توزع نحو 80% من المقاعد الجامعية وفقا لهذا النظام فيما يتنافس جميع الأردنيين على 20 % .
وفق الرسالة فأن بعض أوساط الفلسطينيين في الأردن بدأت تتصور بأن سياسة الجامعات تتقصد تجهيل فئات محددة من الشعب وتقليص فرصهم التعليمية وبالتالي إفقارهم وحرمانهم من العيش الكريم وهي سياسة تؤذي في النهاية الوحدة الوطنية ولا تصنع مستقبلا للأردن .
كما واحتجت رسالة المبادرة على ما يسمى بالحقوق المكتسبة في قانون الإنتخاب وهي 108 مقاعد في البرلمان حسمت مسبقا ولا تشمل توزيعا عادلا للتمثيل البرلماني لمدن الكثافة السكانية وتحدثت عن ظلم فادح ومعيب ومخالف للدستور في قانون الإنتخاب الذي يقصي فئات إجتماعية دون غيرها .