وثائقيات حقوق الإنسان - عطاف الروضان فوجئت ام احمد بالقاضي الذي لجأت اليه لانصافها يحملها القسط الاوفر من المسؤولية عن صنوف التعنيف التي تقول انها تتجرعها هي واطفالها الثلاثة على يد ابيهم. وكمحصلة لتجربتها العقيمة في اروقة المحاكم فان ام احمد التي شارفت على عقدها الرابع، تؤكد انها باتت فاقدة لاي امل في تحصيل حقوقها وحقوق ابنائها عن طريق القضاء. وتقول المرأة التي تقطن احدى قرى اربد "لا اشعر بان القضاء سينصفني. جربت لكن بلا جدوى، ولا زلت اعاني انا واطفالي". لا بل انها تقول ان معاناتها تضاعفت بعدما اصبحت مدانة من مجتمع قريتها الذي يعتبر لجوء المرأة الى المحكمة للشكوى على زوجها فعلا يرقى الى الجريمة. وتعزو ام احمد فشل محاولتها في المحكمة الى ان "القاضي لم ينظر الى حالنا كأسرة ولم يراع انني الطرف الأضعف خاصة في مجتمعنا المحافظ". وتضيف مؤكدة ان "هناك مئات النساء ممن تعقدت حياتهن وعلاقاتهن بسبب لجوئهن الى المحكمة التي لم تراعي اوضاعهن الحساسة في المجتمع ومسؤلياتهن تجاه اسرهن، وقد التقيت شخصيا بالعديد منهن". وتعتقد ام احمد، وتوافقها في ذلك كثير ممن يعتبرن ان القضاء لم ينصفهن، ان الحل يكمن في وجود قضاة متخصصين يكونون مدربين ومؤهلين للفصل في قضايا الأسرة التي غالبا ما يكون الطرف الاضعف فيها هو المرأة والابناء. للاسرة لا للمرأة وليست هناك مفاضلة بين المرأة والرجل في التشريعات التي تتناول الجرائم في نطاق الاسرة، ولعل اهمها قانون العقوبات الذي يتوسع في هذا الشأن، الى جانب افراده نصوصا مفصلة لانواع الجرائم الواقعة على الذكر والانثى دونما تمييز. كما يبرز قانونا الاحوال الشخصية والحماية من العنف الاسري ضمن عشرات التشريعات التي تتناول الاسرة في الاردن، لكن ليس من بينها تشريع واحد يمكن ان يوصف بانه قانون خاص بالمرأة. وهذا منطقي وعادل من حيث المبدأ كما ترى المحامية تغريد جبر من منظمة الإصلاح الجنائي، والتي تعتبر ان من شأن وجود مثل هذا القانون ان يحمل نفسا تمييزيا ضد الرجل. وبدلا من ذلك، فان جبر تضم صوتها الى الداعين الى استحداث قضاء ومحكمة خاصة للاسرة. وهي تؤكد هنا ان هذا الخيار يتساوق مع المواثيق الدولية التي وقع عليها الاردن، ومنها اتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المراة (سيداو) والتي تحث على الإسراع بإنشاء هذه المحكمة. كما تدعو جبر الى إعادة النظر في التشريعات المتعلقة بالأسرة وافراد قانون خاص بها، وتحديدا الجرائم الواقعة على المرأة،وكذلك الى إعادة النظر في العقوبات المفروضة على الجاني في حالات العنف الأسري الواقع على الأنثى او العكس. وتشدد ايضا على اهمية تقييم العقوبات على الجرائم الواقعة في نطاق الأسرة، وبما يكفل وضعها في إطار يضمن سلامة وحدة الأسرة ويراعي خصوصيتها. وتلفت جبر كذلك الى ضرورة توفير التدريب المتخصص للقضاة والعاملين في السلك القضائي على كيفية التعامل مع قضايا الاسرة، وبما ياخذ في الاعتبار حساسية العلاقات بين افرادها وخصوصا المرأة. وتسوق جبر امثلة على مسالك قضائية يمكن ان تشكل ضغوطا على المرأة خلال نظر الدعاوى، وينبغي ان توليها المحكمة اهمية لما يمكن ان يترتب عليها من اثار قد تطيح بالحقوق. وتقول "قد تضطر بعض النساء الى التنازل عن حقوقهن في القضايا التي رفعنها ضد ازواجهن او احد اقربائهن كالأب او الأخ مثلا عندما يتم تخييرهن بين حبس الخصم او التنازل عن الدعوى، او عندما لا يقرر القاضي سرية المحكمة". وتكون محصلة ذلك ان "تضحي المرأة كما هو متوقع منها اجتماعيا " على حد تعبير جبر. الاصلاح قبل العقاب وبحسب ما يبينه المحامي مراد خريسات، فقد اوجب قانون اصول المحاكمات الجزائية علنية المحاكمات ما لم تقرر المحكمة سريتها بداعي الحفاظ على النظام العام او الأخلاق. ويقول خريسات انه "في غياب الاهتمام بقضايا الأسرة، فقد يترك القاضي المحاكمة علنية وهو امر ليس سهلا على العديد من النساء". وهو لذلك يرى ان "إصلاح الأسرة هو الهدف الذي يجب ان يراعيه القضاة حال تشكيل محاكم اسرة، حتى نتمكن من ردم الهوة بين افرادها ونتلافى تعميق الشروخ". وتستهدي الدعوات الى ايجاد محكمة اسرة في الاردن بتجارب دول أخرى من بينها مصر التي انشأتها عام 2004 بموجب قانون حدد اختصاصها بالنظر في جميع قضايا الأحوال الشخصية. وكان هدف المشرع في مصر من تلك المحكمة هو حصر قضايا الأسرة في محكمة واحدة لضمان تحقيق العدالة السريعة واحباط اي محاولة من احد المتنازعين لزيادة معاناة الأخر عبر إقامة عدة دعاوى فى محاكم متباعدة لإطالة أمد القضية وتشتيت الجهد والمال. وبحسب قانونها، فان محكمة الاسرة المصرية تؤلف من ثلاثة قضاة، ويعاون المحكمة خبيران أحدهما أخصائى اجتماعى والآخر من الأخصائين النفسيين ويكون أحدهما على الأقل من النساء. كما انها تُعقد فى أماكن خاصة غير التى تعقد بها الجلسات فى المحاكم الأخرى وتزود بما يلزم من الوسائل التى تتناسب مع طبيعة المنازعات وأطرافها وما تقتضية من حضور الصغار تلك الجلسات للإستماع إلى أقوالهم. وعلى ما تؤكده المحامية انعام العشا التي لها خبرة واسعة في التعامل مع العنف الأسري وقضايا السرة بشكل عام، فان غياب محكمة للأسرة في الاردن من شانه ان يدفع المجتمع نحو احتقان اكبر خاصة في مثل هذه الظروف. وتشدد العشا على ضرورة الأسراع في إقرار قانون الأسرة الذي تعتبر ان من شأنه وضع حجر الأساس لتلك المحكمة. وتقع مهمة وضع مثل هذا التشريع على عاتق المجلس الأعلى لشؤون الاسرة الذي ينيط به قانونه مراجعة وتطوير وسن التشريعات المتعلقة بالأسرة. تجربة قضاء الاحداث ومن جانبها، تدعو القاضي فاتن الرواشدة الى ان خلق منهجية لتدريب القضاة على التعامل مع الجرائم الواقعة في نطاق الاسرة كالإيذاء والضرب وغيرها، والتعاطي معها باعتبارها جرائم تمس أمن المجتمع. وتضيف ان "العقوبة في مثل قضايا الاسرة لا ينبغي ان تكون هدفا بذاتها، وانما ضمان عدم تكرارها بالتأهيل والعمل التشاركي، وهو ما يجب ان يركز عليه التدريب الذي من يفترض ان ينسحب على كل من يتعامل مع هذه القضايا". وتشير القاضي الرواشدة الى قضاء الأحداث المطبق في الأردن، وتدعو الى البناء عليه لانشاء محاكم متخصصة تراعي ظروف اطراف القضية من حيث الجنس والعمر وطبيعة الجريمة. وتقول ان هذا القضاء يسجل له "انه تابع لوزارة التنمية الإجتماعية وذلك لمراعاة ظروف الحدث وحساسية عمره وطبيعة الظروف التي عرضته للجريمة سواء كان جانيا او مجنيا عليه، واحترافية العاملين به وخضوعهم للتدريب المستمر". إلا ان الرواشدة ترى ان محاكم الأحداث تشوبها بعض العيوب الإجرائية والتنظيمية ومنها ان هناك محكمة احداث واحدة في عمان يجري فيها دمج القضايا الجرمية للأحداث، وقضايا الحماية لمجهولي النسب والمتشردين، ودونما فصل. وتفضل الرواشدة وغالبية المتخصصين من محامين ورجال قانون ان تستلم النساء قضاء الأحداث لحساسيتهن وتفهمهن للظروف التي قادت الحدث للإنحراف وميلهن للعمل الإجتماعي مع الحدث لعدم تكرار جريمته. ومراعاة لحساسية قضايا الأحداث باشرت وزارة العدل العام الماضي بتنفيذ مشروع الربط التلفزيوني لغرف الأحداث بكافة محاكم البداية بغية استخدام هذه التقنية عند سماع شهادة الاطفال ضحايا العنف ولمنع مواجهتهم مع الجناة. وتعد فئة الاحداث الاكثر تأثرا خلال مواجهة الجناة اثناء المحاكمة، الامر الذي يتطلب اللجوء الى اساليب خاصة وخلق بيئة آمنة في مرحلة المحاكمة والتحقيق وبما يعزز الشعور بالراحة والأمان ويخفف المعاناة والصدمة النفسية للحدث. ويبقى ان القضاء المتخصص، وهنا للاسرة تحديدا، يمكن ان يستلهم نجاح تجربة قضاء الاحداث، من اجل صيانة مؤسسة الاسرة التي باتت مهددة اكثر من اي وقت مضى نتيجة التعاطي مع منازعاتها باعتبارها خصومات يجبر أطرافها علي دخول المحاكم والاختلاط بالمجرمين والمشبوهين وغيرهم.