النقابات المستقلة تخوض معركة لانتزاع الشرعية بقوة الدستور
-وثائقيات حقوق الإنسان- شيرين مازن
تخوض النقابات العمالية المستقلة في الاردن، والتي مهدت التعديلات الدستورية الاخيرة لولادتها، معركة شرسة لانتزاع الاعتراف بشرعيتها من الحكومة والنقابات الرسمية التي تناصبها العداء وتعتبرها خارجة على القانون.
وقد وصل عدد النقابات المستقلة منذ اقرار التعديلات التي نصت لاول مرة في تاريخ البلاد على حق العمال في تاليف نقاباتهم، الى 15 نقابة راحت تزاحم بقوة مثيلاتها الرسمية السبع عشرة التي احتكرت تمثيل العمال لعقود.
وينضوي تحت النقابات الرسمية نحو 120 الف عامل يمثلون 10 بالمئة من القوة العاملة في البلاد.
ولم يطل الامر حتى تحالفت النقابات المستقلة وشكلت اتحادا عاما بدأ فعليا بسحب البساط من تحت الاتحاد الرسمي.
وقد لعبت الاحتجاجات العمالية التي سجلت ارقاما قياسية خلال عامي 2010 و2011، دورا حاسما على ما يبدو في الدفع باتجاه ادخال تعديل على نصوص الدستور يمنح العمال صراحة حق تاليف نقابات مستقلة.
فتلك الاحتجاجات، والتي نظمت غالبيتها خارج اطار النقابات الرسمية، كشفت بوضوح عن مظالم العمال الى جانب فقدانهم الثقة بهذه النقابات، وعن تطلعهم الى نقابات بديلة قادرة على تحسين اوضاعهم المهنية والمعيشية الخانقة.
وشهدت الثلاثة ارباع الاولى من العام الحالي 691 احتجاجا عماليا جرى تنظيم ما نسبته نحو 87 بالمئة منها خارج اطار نقابي رسمي، وذلك حسب تقرير للمرصد العمالي الاردني.
وكان لافتا ان عددا من هذه الاحتجاجات استهدف خصوصا الاتحاد العام الرسمي الذي لا يكتفي قطاع واسع من العمال باتهامه بالعجز عن الدفاع عن حقوقهم، بل وايضا بالتآمر ضدهم مع اصحاب العمل والحكومة وذلك لقاء منافع شخصية لقياداته.
وكما يؤكد احمد عواد، وهو احد العاملين في شركة الكهرباء الاردنية، فقد قرر الانتساب الى النقابة المستقلة لعاملي الشركة بعد ان توصل الى قناعة مفادها ان "النقابات الرسمية الحالية، اصبحت وجها اخر لصاحب العمل تقف الى جانبه وتهمش العامل".
وقال عواد أن نقابته لم تلب طموحات منتسبيها "حتى عند توقيعها اتفاقية مع الشركة ظلمت فيها العاملين، بعكس النقابة المستقلة التي حصّلت لهم العديد من الامتيازات التي كانوا يطالبون بها على مدى سنوات طويلة".
ولذات الاسباب، قرر سالم الملاعبة، العامل في شركة مصفاة بترول العقبة، الانتساب الى النقابة المستقلة للعاملين في هذه الشركة.
وقال الملاعبة ان قراره هذا جاء بعدما ضاق ذرعا بـ"تسلط" النقابة الرسمية على العمال، وتهميشها لمطالبهم وحقوقهم المهنية والانسانية، اضافة الى "عدم إجراء انتخابات ديمقراطية لاختيار أعضائها".
اعتراف ضمني
وكما يبين عزام الصمادي رئيس اتحاد النقابات العمالية والمهنية المستقلة، فقد شكل "ضعف العامل وعدم قدرته على تحصيل حقه بمساندة نقابته.. بل ومعاداتها للمنتسبين فيها، أحد أهم الدوافع التي دعت لتأسيس النقابات العمالية والمهنية المستقلة".
واكد الصمادي ان النقابات المستقلة اثبتت منذ بداياتها قدرة كبيرة على تحقيق مطالب العمال، وضرب مثالا على ذلك النقابة المستقلة للعاملين في قطاع الفوسفات، وهي اول نقابة مستقلة تشكلت في البلاد عقب التعديلات الدستورية.
وقال ان هذه النقابة تمكنت من انتزاع حقوق ومطالب عمال الفوسفات بعد الاضراب الذي نظمته في شباط من هذا العام، وانتهى بتوقيع اتفاقية بخصوص هذه الحقوق والمطالب.
وقد شهد توقيع هذه الاتفاقية اول اعتراف رسمي ضمني بالنقابات المستقلة، تمثل في حضور وزير العمل انذاك ماهر الواكد لحفل التوقيع.
وكانت الحكومة والاتحاد الرسمي قد تبنيا موقفا معلنا من النقابات المستقلة يقوم على اعتبارها غير شرعية، وذلك بالاستناد الى قانون العمل الذي لا يجيز تاليف نقابات عمالية في حال وجود نقابات مماثلة.
وفي الوقت الذي يبدو فيه النص القانوني متعارضا مع الدستور، الا ان الحكومة فضلت التمسك بالقانون الذي لم يجر الى الان تعديله حتى يتواكب مع الدستور.
وتجادل الحكومة والنقابات بان الدستور، وان كان صرح بحق العمال في تاليف النقابات، الا انه نظم ممارسة هذا الحق في اطار القانون.
ونص الدستور في البند الثاني من المادة 16 على حق الاردنيين في "تأليف الجمعيات والنقابات والاحزاب السياسية على ان تكون غايتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم لا تخالف احكام الدستور"، على ان "ينظم القانون طريقة تأليف الجمعيات والنقابات والاحزاب السياسية ومراقبة مواردها" كما جاء في البند الثالث من المادة نفسها.
معركة القانون
ومن جانبها تؤكد النقابات ان القانون متخلف عن الدستور الذي تستمد شرعيتها منه، وكذلك من العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي وقعها الاردن، وتؤكد هذه المواد على حق الافراد في تشكيل والاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية.
ويعدد احمد مرعي، رئيس النقابة المستقلة للعاملين في شركة الكهرياء الأردنية، بعضا من تلك الاتفاقيات والمواثيق، ومنها الاعلان العالمي لحقوق الانسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، إضافة إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وقبل كل ذلك، كما يؤكد مرعي، فان النقابات المستقلة تستمد شرعيتها من "حاجة العاملين إلى نقابة تمثلهم بمصداقية وشفافية، خاصة مع التراجع الكبير في أوضاع العمال نتيجة لتراجع العمل النقابي".
واتهم مرعي ان النقابات الرسمية بمحاربة النقابات المستقلة التي تنظر اليها باعتبارها كيانات تهدد وجودها.
واستذكر في هذا السياق "هجوم" نقابة عمال الكهرباء الرسمية على الاضراب الذي نفذه عمال الشركة بدعوة من النقابة المستقلة.
وقال ان النقابة الرسمية اعتبرت هذا الاضراب غير قانوني وحاولت اخافة العمال لفكه بقولها انه قد يترتب عليه عقوبات ضدهم، وانضمت بذلك الى حملة الضغوط على العمال المضربين والتي قادتها ادارة الشركة بالتعاون مع الحكومة.
الا انه اكد انه "بعد 17 يوما من التوقف عن العمل قامت ادارة الشركة بتوقيع اتفاقية مع النقابة العامة للعاملين في الكهرباء".
وعلى صعيده، فقد اعتبر احمد عوض مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، ان "تعدد النقابات العمالية العاملة في نفس القطاع ظاهرة طبيعية وحق مشروع لكل العاملين في تنظيم أنفسهم، بدون قيود أو تدخلات".
ودعا عوض في السياق الى "تعديل قانون العمل ليتوافق مع المعايير الدولية"، مؤكدا أن "المواد المتعلقة بتأسيس النقابات العمالية في القانون متخلفة وبحاجة إلى إعادة بناء يتوافق مع احتياجات العمال".
وكان المرصد العمالي التابع لمركز الفينيق قد نشر مؤخرا مقترح قانون لتنظيم العمل النقابي، ينص على إعطاء الحق لكافة العمال، المشتغلين في أي منشأة أو مهنة أو مهن متماثلة أو متشابهة، وبدون أي تمييز، في الحصول على ترخيص مسبق، بإنشاء نقابة عمالية.
ووفق المقترح، فينبغي ان لا يقل عدد أعضاء النقابة المؤسسين عن 50 عاملا، مستثنى منهم العسكريون، الى جانب عدم إمكانية حل النقابات العمالية، إلا بقرار من هيئتها العامة أو بقرار قضائي.
معضلة الالزامية
وفي سياق التجاذب بين النقابات الرسمية والمستقلة، تبرز معضلة اشار اليها المرصد العمالي، والتي تتمثل في اجبار الحكومة للعاملين في بعض المهن على الانتساب لنقاباتهم، وهو الامر الذي يعتبره خبراء حقوقيون خرقا للدستور والقانون.
وقال المرصد أن عضوية النقابات العمالية جميعها لا تتجاوز 80 الفا من اصل ما يقارب المليون ونصف المليون عامل، وجزء كبير من هذه العضوية شبه الزامية".
واشار المرصد خصوصا على النقابة العامة للعاملين في النقل البري والميكانيك، والنقابات العمالية التي تمثل العاملين في الشركات الحكومية قبل خصخصتها.
وبحسب ما يؤكده عدد من السائقين فانه يشترط على كل سائق عمومي عند ترخيص سيارته الحصول وصل اشتراك في النقابة، وبالتالي فإن العضوية في النقابة الزامية بشكل مخالف لنصوص قانون العمل الذي جعل الانتساب للنقابات العمالية اختياريا.
ويعلق الخبير في مجال حقوق الانسان رياض صبح على مسالة الزامية العضوية قائلا ان "الدستور وضح الحق بشكل عام، غير ان الإشكالية تكمن في القوانين، فلا بجوز المس بحق التنظيم وحرية الانتساب او منعها سواء عن طريق القانون او بغير القانون".
واضاف صبح ان "الحق في التنظيم ليس حق كفاية لأنه اذا ارتأى اعضاء النقابة انها بحاجة لعدة نقابات بنفس المهنة، فلهم ذلك ولهم الحق في الانضمام اليها من عدمه ايضا".
الى هنا، فان المراقبين يرون ان ساحة الصراع بين النقابات الرسمية والمستقلة تشهد تغيرات جذرية لا تميل لصالح الاولى التي تتمسك بتحالفها مع الحكومة وبالقانون الذي بات في مرمى انتقادات المنظمات الحقوقية المحلية والدولية.
وفي المقابل، تواصل النقابات المستقلة تسجيل انتصارات جوهرية للعمال رغم قصر عمرها، كما ان حملة المؤازرة النقابية والحقوقية لها تكتسب زخما مع كل يوم.
ولعل ابرز من انضموا اخيرا لهذه الحملة هو المركز الوطني لحقوق الانسان الذي تموله الحكومة والذي ايد مشروعية ودستورية إنشاء النقابات العمالية المستقلة، واكد انسجام وجودها مع المواثيق الدولية وتعديلات الدستور الجديدة.
* أعد التقرير بدعم من “مشروع تقارير معمقة حول حقوق الإنسان، محرر المشروع بسام العنتري
إستمع الآن