المفصولون تعسفيا عندما يهجرون حقوقهم
-,وثائقيات حقوق الإنسان- غدير جلاد
عمل أحمد هادي لمدة عشر سنوات متواصلة كمسؤول مالي لدى واحدة من أكثر الشركات شهرة في المملكة, لكنه وبدون سابق إنذار وجد نفسه ملتحقاً بصفوف البطالة لمدة سنتين ونصف, وكأنه تطبيقاً لمقولة "الموت مع الجماعة رحمة" فقد تم تسريح ما لا يقل عن خمس مائة عامل على دفعات متتالية.
ودون الأخذ بأي من الأسباب التي نص عليها قانون العمل الأردني, وذلك بعد أن تم تخيير بعض العاملين بين إنهاء الخدمة بالإكراه مع دفع تعويض معين أو أن يتم الفصل من غير الحصول على أية تعويضات, أما الخيار الثالث كما يذكر أحمد هادي وهو الاسم المستعار له: "كانو يقولوا للموظفين إن أردتم اللجوء للقضاء فنحن في مرمى القضاء”.
عبارة تحمل في طياتها معاني مختلفة: فمن جهة هي تعكس قلة وعي العامل بحقوقه المنصوص عليها في المادة خمسة وعشرين من قانون العمل الأردني, وأما من جهة أخرى فهي تؤكد على وجود ثغرات واضحة في بعض مواد القانون, وكذلك ضعف في رقابة من قبل الجهات المعنية وعلى رأسها وزارة العمل.
تقاعس من اللجوء للقضاء
الأمر الذي يؤكده رئيس المرصد العمالي الأردني أحمد عوض قائلا: "عدد العاملين الذين يلجؤون للقضاء هو أقل بكثير من عدد المسرحين من أعمالهم في الواقع, هناك قلة وعي لدى العاملين بمواد قانون العمل بشكل كبير, نلمسه من خلال تعاملنا مع سوق العمل من خلال برامج المرصد العمالي, كما أن القضايا العمالية تأخذ وقت طويل, بالإضافة إلى أن صاحب العمل غالباً ما يكون على دراية بقانون العمل, فيقوم بإنهاء خدمة العامل بطرق لا تتعارض كلياً مع القانون".
لا يعذر من يجهل القانون, شيء مطبق وبشكل واضح في سلوك عدد من المؤسسات, وتؤكد لنا ذلك حنين نبيل والتي كانت تعمل في إحدى دور رعاية ذوي الإعاقة "تلقيت كتاب إنهاء خدمات من المؤسسة بعد أن وجهت لي عدة إنذارات توجه لي تهم ليس ضمن مجال عملي أو اختصاصي, وقد عملت هناك طيلة سنة وثماني أشهر قمت خلالها بشغل عدد من المسميات الوظيفية التي لم يتم الاتفاق عليها في العقد كما أنها لا تمت لخبرتي العملية ولا لشهادتي العلمية بأي صلة, فتوجهت بشكوى لوزارة العمل وما زالت الإجراآت قائمة".
نموذج آخر من ضحايا الفصل التعسفي في مؤسسات القطاع الخاص، اسماعيل الحولي الذي عمل طوال أربع سنوات في شركة للخدمات السمعية والبصرية يقول: "حصلت بعض الخلافات, أصبح ينقلونني من درجة وظيفية إلى أخرى أدنى منها طوال الأربع سنوات, وإما أن تقبل بهذا الحال أو قدم استقالتك".
رفع شكوى واشكالات أخرى
الأمر الذي رفضه الموظف المفصول من عمله اسماعيل الذي قام برفع شكوى لوزارة العمل, ليتم بالنهاية رفعها إلى القضاء، الإجراء الذي لا يفضله الكثير من المسرحين من أعمالهم. يقول اسماعيل:"ثلاث سنوات استمرت قضيتي في المحاكم, إلى أن تم إثبات حقي, حقي واضح في القانون وإنما هناك ثغرات في القانون يستغلها محامي الشركة لتإخير القضية وعرقلتها وهو يعلم يقيناً بأنني سأكسب القضية, يجب أن يأخذ العامل حقه بدون إطالة لأن كثير من أصحاب الحقوق يقولون قضية لمدة خمس سنوات أو أكثر, لا أريد تلك القضية وبعيني الله وحسبنا الله ونعم الوكيل".
إذاً فإن طول مدة القضايا تحول دائماً دون أخذ العامل حقه كما يتضح من خلال الحالات التي قابلناها؛ لكن المحامية نور الإمام توضح أسباب هذه الإطالة قائلةً:"تعتبر هذه القضايا من مهمات محكمة الصلح وهذا يعني أنها تتم بشكل مستعجل ولا يوجد فيها إطالة كما أن القانون لا يفرض رسوماً لرفع مثل هذا النوع من القضايا, ولكن ما يحدث هو أنها ككثير من القضايا يمكن أن تحول إلى الاستئناف, أو إلى التمييز أيضاً فقد تنتهي عند الدرجة الأولى بشكل سريع ولكن إجراءآت القضايا في محكمة الاستئناف ومن ثم التمييز يطيل من مدتها".
قانون الوساطة
وتقترح الإمام قانون الوساطة كحل لطول المدة التي تستغرقها المحاكمة : “يعطي القانون الأردني المتقاضين الحق في اللجوء إلى الوساطة القضائية وهي أن يكون هناك وسيط: قاضي أو أي وسيط متفق عليه من قبل الطرفين يقوم بدوره بإبعاد الإجراءات القانونية لمساعدتهم على التوصل إلى حل أو صلح يكفل لهم فض النزاع فيما بينهم وبطريقة سريعة وتحفظ كذلك العلاقات الودية بين الطرفين بطريقة تحمي الحقوق لكلٍ منهما”.
القانون وإنصاف الأطراف
الأمر الذي أوضحه أحمد عوض قائلا: "المادة واحد وثلاثين يسرت على أصحاب العمل عملية تسريح موظفيهم دون إعطائهم مقابل أو تعويض نهاية الخدمة, بشرط أخذ موافقة من وزارة العمل وغالباً ما تعطي وزارة العمل الموافقة على الرغم من أن نسبة المؤسسات التي تسرح موظفيها وفق لهذه المادة في الواقع لا تتجاوز عشرة إلى خمسة عشرة بالمائة فقط من مجمل نسبة المؤسسات التي تلجء لهذه المادة.
غير أن المحامية نور الإمام تنظر حيال هذه المادة نظرة موضوعية فهي توضح ذلك قائلة: " لا شك في أن من الممكن استخدام مادة إعادة الهيكلة كذريعة, لكن قانون العمل بالوقت نفسه هو أحد القوانين الاقتصادية فليس من المعقول تحميل المؤسسة الخاسرة اقتصادياً تبعات العامل, الأمر الذي نراه مجحفاً في بعض الأحيان ولكن لا يمنع أن يستغل بعض أصحاب العمل هذه المادة لصالحهم".
هذا وأوضح عبد الله الجبور رئيس قسم التفتيش في وزارة العمل فيما يتعلق بدور وزارة العمل في التوعية : "طبعاً نحن كوزارة عمل فإننا نعطي محاضرات توعية باستمرار تقريباً بشكل شهري”.
الأمر الذي يختلف فيه مع الناطق الرسمي باسم وزارة العمل هيثم الخصاونة الذي صرح بأن "هذا الدور هو في الواقع مناط لاتحاد نقابات العمال وليس للوزارة دور في التوعية”.
لكن الخصاونة أكد على دور وزارة العمل الرقابي على مؤسسات القطاع الخاص المتمثل في "أنه يوجد لدينا كوادر مجهزة للرقابة وهي موزعة على 23 أو 24 مديرية عمل حول المملكة حسب النشاط العمالي في المناطق وفي كل مديرية جهاز تفتيش خاص وتوكل إليه مهمة زيارات دورية يومية أو شهرية للمؤسسات, وتبقى مسألة أن يكفي عدد هذه الزيارات أو لا يكفي مسألة أخرى ".
وبحسب المرصد العمالي الأردني فإنه لا يوجد أية إحصاءات من قبل أي جهة في الأردن توضح نسب الفصل التعسفي.
لا إحصاءات
ويخلص عوض إلى أن مشكلة عدم توفر الإحصاءات سببها: "خلل في المنهجية لدى الجهات المسؤولة عن هذا الجانب؛ بحيث أن وزارة العمل تقوم برصد حالات المسرحين من أعمالهم وفقاً للمادة 31 من قانون العمل والتي يطلب أصحاب العمل بموجبها من وزارة العمل السماح لهم بفصل موظفيهم في إطار إعادة الهيكلة للمؤسسة, وهذا لا يعكس وبأحسن حالاته من5 إلى %10 %من المفصولين من أعمالهم في الأردن,؛ لأن هناك مئات المؤسسات بل الآلاف منها تقوم بتسريح عمالها (جماعياً أو فردياً) دون الرجوع إلى وزارة العمل نتيجة ضعف استنفاذ القانون وكذلك ضعف رقابة وزارة العمل على تفاصيل سوق العمل".
وبناء على ما تقدم فإن مسؤولية الفصل التعسفي تقع على ثلاث جهات (الوعي, الرقابة, والقانون) أطراف المعادلة التي لا تتغير بتغير الظروف ولا المواقف, والتي بدورها توقف العمل بمقولة (لا يعذر من يجهل القانون) مقولة تلقي بكامل المسؤولية على عاتق العامل.