الخارجية البريطانية تصدر تقرير حقوق الإنسان في زمن الثورات العربية

الرابط المختصر

-وثائقيات حقوق الإنسان-

أصدرت وزارة الخارجية البريطانية تقريرا رصديا في مجال حقوق الإنسان، في أنحاء العالم ويتناول بالتفصيل جهود الخارجية في ذلك المجال.

 

ويتضمن فصلا خاصا عن الربيع العربي وأسبابه واستجابة المملكة المتحدة لأحداثه.

 

أعلن وزير الخارجية، ويليام هيغ، اليوم عن نشر تقرير حقوق الإنسان والديموقراطية لعام 2011، وهو متوفر للاطلاع عليه على موقعنا. يسلط هذا التقرير الضوء على قلق المملكة المتحدة حيال أوضاع حقوق الإنسان في 28 دولة، من بينها 7 دول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي: العراق، وإسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، وليبيا، والمملكة العربية السعودية، والسودان جنوب السودان، وسورية، واليمن.

 

وقد أدلى وزير الخارجية كلمة لدى إعلانه عن نشر التقرير أمام مجموعة من الحضور من بينهم برلمانيين ومنظمات غير حكومية وسفراء ومؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام.

 

وقد قال وزير الخارجية في كلمته بهذه المناسبة:

 

"يمثل هذا التقرير اثني عشر شهرا من ممارسة وزارة الخارجية الضغط على حكومات أخرى، ومدافعة دبلوماسيينا عن المعتقلين السياسيين وزيارة السجون وحضور محاكمات المدافعين عن حقوق الإنسان، ودعم نشطاء حقوق الإنسان والنشطاء في مختلف أنحاء العالم حول قضايا تتراوح بين حقوق المرأة وحقوق ذوي الإعاقة وإلغاء عقوبة الإعدام، وكذلك إثارة وزرائنا للقضايا التي تشكل مبعث قلق لنا مع عدد من الحكومات في جميع أنحاء العالم."

 

"وكما يعلم هؤلاء، فإن النضال من أجل حقوق الإنسان مازال مستمرا. فهذا النضال هو ملحمة من الحملات الطويلة والانتصارات الصعبة ضد أشكال الصراع والفقر، وألوان التعصب والجهل والظلم والجريمة والقمع.

 

إنها لحقيقة واقعية أن أتحدث اليوم على خلفية استمرار العنف والوحشية التي ترتكب ضد الشعب السوري من قِبل نظام مُصرّ على التمسك بالسلطة وهو على قناعة بأنه يمكنه فعل ذلك عن طريق سحق المعارضة. لقد جانب هذا النظام الصواب تماما في موقفه ذاك، وإنني على قناعة بأن نهاية نظام الأسد باتت مصيرا محتوما وقضاءً مقضيا على المدى الأطول.

 

إننا لم ننجح حتى الآن في وقف العنف وتأمين عملية الانتقال السياسي التي يصبوا لها الشعب السوري، ولا يزال النظام السوري يُخفق إخفاقا تاما في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار واثنين من قرارات مجلس الأمن الدولي. إذا استمر هذا الوضع سوف يتوجب علينا مناقشة الخطوات التي يتعين اتخاذها للرد على هذا الوضع غير المقبول، وفي ذات الوقت سوف نكثيف الجهود الرامية إلى نشر فريق كامل من مراقبي الأمم المتحدة على الأرض. ومرة أخرى فإننا نحث كافة الأطراف في سورية على الالتزام بخطة كوفي أنان.

 

لكن على الرغم من كل ذلك، فإن عام 2011 في رأيي سيَبرُز على أنه عام إيجابي فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية.

 

فسوف يَبرز وُيذكر عام 2011 بسبب القوة اللافتة للأنظار التي تحلت بها شجاعة شعوب سورية ومصر وتونس وليبيا، حيث سلطت أفعالهم الضوء على الحاجة إلى قدر أعظم من الحرية السياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

 

فقد ساعدت هذه الشعوب على تحفيز الإصلاح الإيجابي في دول مثل المغرب والجزائر والأردن واليمن وإلى حد ما في البحرين، وذلك من خلال إظهار أن الحكومات يجب أن تتجاوب مع التطلعات المشروعة لتحقيق التنمية الاقتصادية والمشاركة السياسية لبناء الاستقرار على المدى الطويل. وهذه هي الرسالة ما برحنا نرددها مرارا وتكرارا في مناقشاتنا مع جميع دول المنطقة، دون استثناء واحد.

 

كما بثت رسالة هذه الشعوب الرعب في قلوب أنظمة غير ديمقراطية في دول أخرى بعيدة عن منطقة الشرق الأوسط، من خلال إظهار أنه من غير الممكن التمادي في قمع حقوق الإنسان في أي مكان لأجل غير مسمى.

 

كما سيظل عام 2011 عالقا في الذاكرة على أنه العام الذي تدخَّل فيه حلف شمال الاطلسي تدخلا ناجحا بهدف الحفاظ على الأرواح في ليبيا، حيث عملنا بصورة غير مسبوقة مع ائتلاف واسع من دول المنطقة."

 

"لكل هذه الأسباب كان عام 2011 السنة التي اندلعت فيها شرارة قضية الديمقراطية والحرية في أماكن كثيرة، وشكلت حدثا سأتذكره أكثر من أي حدث آخر منذ سقوط جدار برلين.

 

وأود أن أشيد هنا بالحملات العديدة التي امتدت لسنوات قضاها نشطاء حقوق الإنسان الشجعان والصحافيون والمحامون والمدافعون عن حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية التي ساهمت في هذه التغيرات: من السجناء السياسيين في بورما وحتى أفراد الشعب في سورية اليوم الذين يحملون أرواحهم على أكفهم وهم يحاولون تهريب المواد الغذائية والطبية عبر نقاط التفتيش إلى الناشطين الذين هم في أمس الحاجة إليها.

 

ولكن في نفس الوقت الذي نرحب فيه بهذه التغييرات الإيجابية، يتحتم علينا أن ندرك حجم التحديات التي تنتظرنا في المستقبل.

 

سيكون الاختبار الحقيقي لنجاح الثورات في الشرق الأوسط أو التغيير في بورما هو ما يحدث في قاعات المحاكم والبرلمانات ومراكز الشرطة والمدارس وعبر صناديق الاقتراع في تلك الدول خلال الشهور المقبلة: ستكون تلك هي الحظات الفارقة التي سنرى عندها ما إذا كانت حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية تُحترَم أم لا.

 

بل إن هناك بالفعل بعض المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان في الوقت الراهن، سواء كان فيما يتعلق بأسلوب معاملة المعتقلين في ليبيا أوحيال وضع الأقليات الدينية في مصر.

 

إن حالة الافتقار الضخم للاستقرار الاقتصادي والسياسي التي تواجهها هذه الدول، وحقيقة أن تغيير الأسس التي يقوم عليها المجتمع أو ترسيخ سيادة القانون والمؤسسات الديمقراطية هي أمور تتطلب بعض الوقت، تعني أنه سيكون هناك مزيج من التقهقر والتقدم خلال الأشهر المقبلة.

 

لكن يجب أن لا ينتابنا التشاؤم ولا أن يستبد بنا اليأس، أو أن نرتد على أعقابنا إلى الطرق القديمة في التفكير في الشرق الأوسط بشكل خاص. بل علينا أن نواصل تصميما الدؤوب طويل الأمد لدعم المجتمع المدني في العالم العربي، وأن نواصل ما نقوم به من خلال مبادرتنا المتعلقة بالشراكة العربية التى تدعم مشروعات في 11 بلدا عربيا."

 

"إن فلسفة حقوق الإنسان هي جزء لا يتجزأ من سياسة حكومتنا الخارجية، وتسري في كافة روافد دبلوماسيتنا... ويشمل نهجنا السعي الدؤوب للارتقاء لنكون على مستوى قيمنا ومعالجة جوانب القصور التي قد تكون شابت أداءنا. وهذا ينطبق على جهودنا في التعاطي مع الاتهامات التي سبق توجيهها لنا من ضلوع بريطانيا في عمليات التسليم الاستثنائي المؤدية للتعذيب، وجهدنا الدقيق والصارم لمراجعة سياسة المملكة المتحدة للصادرات الدفاعية في ضوء الربيع العربي."

 

سورية

 

تسبب الربيع العربي بإطلاق شرارة المظاهرات في درعا بجنوب سورية في شهر مارس (آذار). وسرعان ما انتشرت هذه المظاهرات لتشمل أنحاء البلاد، حيث طالب المتظاهرون بالإصلاح كما طالبوا، مؤخرا، بتغيير النظام. لكن ردت الحكومة السورية على تلك المظاهرات بالقمع العنيف. وقد أعدت المفوضة السامية لحقوق الإنسان، نافي بيلاي، تقارير طوال العام الماضي أشارت فيها للعديد من الحالات المروعة حينما أخضعت قوات الأمن المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، لانتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان في محاولتها لسحق المظاهرات.

 

كان هدف المملكة المتحدة الرئيس بشأن حقوق الإنسان في سورية خلال عام 2011 هو وضع نهاية لقتل المدنيين دون وجه حق وقمعهم. وقد أدان كل من رئيس الوزراء ووزير الخارجية ووزير شؤون الشرق الأوسط طوال العام أعمال العنف في سورية وطالبوا النظام السوري بتلبية المطالب المشروعة بصيانة حقوق الإنسان وتحقيق الديموقراطية. وفي شهر أغسطس (آب) أدان كل من رئيس الوزراء ديفيد كاميرون والمستشارة الألمانية آنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي استمرار العنف، وقالوا بأن الرئيس الأسد فقد شرعيته وعليه التنحي عن الحكم لأجل مصلحة سورية ووحدة شعبها. إلا أنه تجاهل هو وقواته الأمنية كافة المطالبات بوقف العنف، بل واصلوا قمع المدنيين سعيا للتشبث بالسلطة.

 

تترأس المملكة المتحدة الجهود الدولية الرامية لإنهاء الأزمة في سورية. وقد عملنا مع الاتحاد الأوروبي خلال عام 2011 لفرض عقوبات تستهدف رموز النظام المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان. كما أيدنا عقد ثلاث جلسات خاصة حول سورية في مجلس حقوق الإنسان، وقدمنا الدعم للجنة تحقيق مكلفة من الأمم المتحدة، وأثرنا قلقنا تجاه الأزمة في سورية في مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة. وساندنا أيضا جهود جامعة الدول العربية لممارسة الضغوط على الحكومة السورية لحملها على وقف العنف. وقد أثارت المملكة المتحدة باستمرار قلقها المتواصل بشأن أوضاع حقوق الإنسان مع الحكومة السورية خلال السنوات الماضية. ونظرا لتدهور الأوضاع بشكل كبير خلال عام 2011، فإن فرص الحديث مباشرة معها باتت محدودة بشكل متزايد. لكن أثار مسؤولون بريطانيون في كل فرصة ممكنة قلقنا بشأن أوضاع حقوق الإنسان مع ممثلي الحكومة السورية. كما مولنا تدريبا للناشطين السوريين لمساعدتهم في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان لدعم جهود محاسبة المسؤولين عنها.

 

ورغم جهود المملكة المتحدة والجهود الدولية، تواصل العنف في سورية خلال عام 2011. وقد أشارت التقارير الأولية لبعثة المراقبة التي أرسلتها جامعة الدول العربية لزيارة سورية اعتبارا من 26 ديسمبر (كانون الأول) إلى أن الحكومة السورية عازمة على أعمال القمع التي تمارسها، كما سلطت الضوء على زيادة التسلح بين صفوف المعارضة. ولسوف تواصل المملكة المتحدة دعمها لجهود جامعة الدول العربية الرامية لكسر دائرة العنف. وفي حال عدم وقف الحكومة السورية لأعمال العنف التي تقوم بها خلال عام 2012، سوف تتصاعد الضغوط تجاه اتخاذ مجلس الأمن الدولي لإجراء صارم ضدها. وستواصل المملكة المتحدة العمل مع غيرها في المجتمع الدولي لضمان محاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في سورية.

 

 

إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة

 

على الرغم من أننا رحبنا بالخطوات التي اتخذتها إسرائيل والسلطة الفلسطينية لحماية حقوق الإنسان خلال عام 2011، إلا أن الأوضاع في كل من إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة ما زال يقلق المملكة المتحدة. إن من بين ما يثير قلقنا على نحو خاص أعمالَ الهدم التي تنفذها إسرائيل وإخراج الفلسطينيين من بيوتهم في القدس الشرقية والضفة الغربية؛ وانعكاسات القيود الصارمة على حقوق الإنسان في قطاع غزة؛ والزيادة في عدد الهجمات التي يشنُّها المستوطنون الإسرائيليون المتطرفون؛ ومعاملة المشتبه بهم من بين الفلسطينيين في النظام القضائي الإسرائيلي؛ والنسبة العالية من الجرحى والقتلى الناتجة عن الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة؛ والزيادة في عدد الصواريخ العشوائية التي تطلق من قطاع غزة؛ والتقارير حول انتهاك حقوق الإنسان في ظل حكم الأمر الواقع لحماس في غزة، بما في ذلك فرض عقوبة الإعدام؛ وما يُقال عن سوء معاملة المعتقلين في سجون السلطة الفلسطينية.

 

إن الكثير من مشاعر القلق التي تنتابنا حيال أوضاع حقوق الإنسان إنما تنبع من احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية. ولقد أعرب وزير شؤون الشرق الأوسط، أليستر بيرت، عن مشاعر قلقنا هذه أثناء زيارتين قام بهما إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة في شهري يناير (كانون الثاني) ويوليو (تموز). وأوضح الحاجة إلى إحراز تقدم في موضوع حل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني القائم على حل الدولتين قبل أن تنغلق نافذة هذا الحل. ولسوف ننتهز أي فرصة للمساعدة في الحث على تحقيق السلام. وهدفنا هو أن تعيش إسرائيل ضمن حدود آمنة معترف بها عالميا إلى جانب دولة فلسطينية ذات سيادة فاعلة وقادرة على البقاء، بناءً على حدود عام 1967، وأن تكون القدس عاصمة المستقبل للدولتين كلتيهما، مع إيجاد تسويةٍ عادلةٍ للاجئين. ولا بدَّ للطرفين أن يتفقا على تفاصيل هذه الأمور من خلال المفاوضات.

 

وبالمقارنة مع إسرائيل أو القدس الشرقية أو الضفة الغربية، فإنه من الأصعب نسبيا الحصول على معلومات موثوقة حول أوضاع حقوق الإنسان في قطاع غزة. إلا أننا ما زلنا نشعر بقلق شديد إزاء الأنباء حول انتهاكات حقوق الإنسان تحت حكم الأمر الواقع لحماس في غزة، بما في ذلك الاعتقال التعسفي، والقيود على الحريات الدينية لغير المسلمين، والعمل بعقوبة الإعدام. وقد تحدثت منظمات حقوق الإنسان غير حكومية عن أن حكومة الأمر الواقع لحماس في غزة تملأ المناصب العليا في الجهاز القضائي بتعيينات سياسية، ما يدعو إلى التساؤل حول استقلال القضاء في قطاع غزة. وإضافة إلى ذلك، وردت تقارير عن سوء معاملة المحتجزين خلال التحقيق، ما يثير الشكوك حول مصداقية الأدلَّة والبيِنات. وتواجه منظمات المجتمع المدني صعوبة في نشاطها لأن سلطات حماس تطلب منها الحصول على إذن مسبق لأي مسيرة أو تظاهرة أو إجتماع خاص. ونحن قلقون من الخطر المتواصل على السكان المدنيين في إسرائيل من نيران الصوارخ العشوائية التي تطلق من غزة.

 

وعلى الرغم من أن أوضاع حقوق الإنسان في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة لم تتحسن، بل إنها ازدادت سوءاً في بعض الحالات، فقد كانت هناك بعض التطورات الإيجابية المحدودة. فقد رحبت المملكة المتحدة بقرار إسرائيل رفع السن القانونية لمحاكمة الأطفال الفلسطينيين في نظام القضاء العسكري الإسرائيلي. كما رحبنا بالصفقة بين إسرائيل وحماس التي أطلق في إطارها في 18 أكتوبر (تشرين الأول) سراح جلعاد شاليط، الذي كان محتجزاً لدى حماس لأكثر من خمس سنوات لم يسمح خلالها للجنة الدولية للصليب الأحمر أو لعائلته بزيارته.

 

ورحبنا أيضا بقرار رئيس الوزراء نتنياهو تعليق المحادثات حول مشروع قانون مقترح للحدِّ من التمويل الخارجي للمنظمات غير الحكومية، إذ أن هذا القانون سيترك آثاراً خطيرة على مشاريع تموِّلها المملكة المتحدة وغيرها من الجهات، وتهدف إلى دعم قيم وحقوق الإنسان للجميع، وكان من الممكن النظر إلى ذاك القانون في حال إقراره على أنه تقويض للمبادئ الديموقراطية التي تقوم عليها دولة إسرائيل.

 

وخلال عام 2012 سوف نواصل التركيز على معاملة المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، بمن فيهم المدافعون عن حقوق الإنسان؛ والزيادة في القمع الداخلي تحت حكم حماس في غزة، والتوسع الاستيطاني والعنف؛ وهدم البيوت وإخراج الفلسطينيين من بيوتهم؛ ووضع الأقلية العربية في إسرائيل؛ إضافة إلى إدخال موضوع حقوق الإنسان في نهج تدريب قوات الأمن الفلسطينية.

 

العراق

 

مازال العراق يعالج ما تخلف عن عقود من انتهاكات حقوق الإنسان إبان عهد نظام صدام حسين، إلى جانب خلل مؤسساتي وتبعات حرب العراق عام 2003. والوضع الأمني المتزعزع والتوترات السياسية داخل الحكومة العراقية جعلت من الصعب إحراز تقدم بمجال حقوق الإنسان، ولم يصل الوضع بعد إلى كون ثقافة احترام حقوق الإنسان متأصلة بالمجتمع العراقي. ومازال هناك مشاكل كبيرة يتعين معالجتها، خصوصا بمجال القضاء وسيادة القانون. كما أن الفساد واسع الانتشار. وهناك نسبة كبيرة من الشعب العراقي ممن يعانون من البطالة وعدم توفر الخدمات الأساسية. وقد نجم عن المطالبة بتحسين تقديم الخدمات الأساسية في شهر فبراير (شباط) 2011 خروج مظاهرات في أنحاء العراق. إلا أنه تم إحراز بعض التقدم في تحسين حقوق الإنسان خلال الشهور الإثنى عشر الماضية. وكان إقرار برلمان إقليم كردستان لقانون في شهر أغسطس (آب) يحظر العنف المنزلي تطورا إيجابيا. ونحن نأمل في النهاية أن تتبنى كافة أنحاء العراق هذا القانون.

 

لعب الترويج لحقوق الإنسان خلال عام 2011 دورا كبيرا في استراتيجيتنا العامة تجاه العراق. فقد كان من بين أولوياتنا تعزيز وتحسين الحوكمة وسيادة القانون والتعليم في كافة أنحاء العراق، ودعم تنفيذ توصيات الاستعراض الدوري الشامل لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بما في ذلك تأسيس اللجنة العليا المستقلة لحقوق الإنسان في العراق. لكن تلك اللجنة لم تتأسس بعد رغم اتخاذ بعض الخطوات التحضيرية، كما أن الحكومة لم تنشر بعد خطة العمل الوطنية للسنوات الثلاث القادمة بشأن تنفيذ توصيات الاستعراض الدوري الشامل.

 

لقد مولت المملكة المتحدة عددا من المشاريع للترويج لحقوق الإنسان في أنحاء العراق. من بينها برامج تدريب لأفراد الشرطة وموظفي ملاجئ النساء في إقليم كردستان، والعمل مع حكومة إقليم كردستان لتحسين صيانة حقوق المرأة في القوانين. كما مولت زيارة مستشارة مستقلة لحقوق الإنسان إلى العراق في شهر نوفمبر (تشرين الأول) لإجراء دراسة تقييمية التقت خلالها بمسؤولين حكوميين وبرلمانيين وممثلين عن المجتمع المدني. وتساعد المملكة المتحدة في تعزيز الإشراف البرلماني على الإجراءات التي تتخذها الحكومة من خلال بناء قدرات لجان المساءلة البرلمانية، بما فيها لجنة حقوق الإنسان التي زارت البرلمان البريطاني خلال شهر سبتمبر (أيلول) في سياق ذلك المشروع. وقد أثرنا دوريا طوال عام 2011 مخاوفنا بشأن حقوق الإنسان مع كبار أعضاء الحكومة العراقية، وحثثناهم على اتخاذ إجراء مناسب حيثما لزم، على سبيل المثال بشأن احتمال إغلاق مخيم أشرف الذي يسكن به حوالي 3,400 إيراني ينتمون لجماعة مجاهدي خلق، والذين يقولون بأنهم معارضة إيرانية في المنفى.

 

وبعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق، سيكون عام 2012 بمثابة امتحان للحكومة العراقية وقدرتها على تعزيز سيادة القانون وإدارة نظام عدل جنائي فعال. ولسوف تواصل المملكة المتحدة العمل تجاه تأسيس اللجنة العليا لحقوق الإنسان بما يتماشى مع مسؤوليات المؤسسات الوطنية وفق مبادئ باريس، بما في ذلك اتباع عملية نزيهة وشفافة لتعيين أعضاء اللجنة، وحث الحكومة على إنجاز تنفيذ خطة العمل الوطني بشأن توصيات الاستعراض الدوري الشامل. وقد زار وزير حقوق الإنسان العراقي المملكة المتحدة في شهر يناير (كانون الثاني) 2012، حيث أتاحت لنا تلك الزيارة فرصة إثارة قلقنا بشأن حقوق الإنسان والنظر في المزيد من التعاون المشترك لأجل الترويج لها. كما سنواصل توفير تدريب وتمويل لعدد من برامج حقوق الإنسان في أنحاء العراق، مع التركيز على حدوث تحسّن في مجالات مثل سيادة القانون وحقوق المرأة وحرية التعبير عن الرأي.

 

حرية التجمع والتعبير عن الرأي

في أوائل عام 2011 خرج المتظاهرون في العراق، كما هو الحال في دول أخرى في المنطقة، بمظاهرات للمطالبة بتحسين الخدمات العامة والقضاء على الفساد. ويُعتقد بأن المظاهرات كانت سلمية نسبيا في العديد من المدن العراقية. لكن أقلقنا سماع أنباء عن لجوء الشرطة للعنف في اشتباكات مع المتظاهرين بأجزاء معنية من العراق. وفي 10 مارس (آذار) أعرب الوزير بوزارة الخارجية البريطانية أليستر بيرت عن قلق المملكة المتحدة حيال "عدد من الأنباء الواردة عن مضايقة المتظاهرين، ما في ذلك جماعات سياسية لها صلة بالمظاهرات، وأعمال عنف ضد صحفيين ومكاتب إعلامية في أنحاء العراق. ونحن ندعو السلطات العراقية والكردية للتحقيق بهذه الأحداث وصيانة حق التجمع والتعبير عن الرأي." وفي شهر سبتمبر (أيلول) مولنا تدريبا بشأن مكافحة الشغب في إقليم كردستان، حيث يهدف التدريب لتحسين معايير إجراءات عمل الشرطة واستخدام تدابير غير فتاكة لضبط الحشود.

 

مازال العراق واحدا من أسوأ دول العالم في مجال حرية التعبير عن الرأي، حيث تشير الإحصاءات إلى ارتفاع حالات الإساءة للصحفيين خلال عام 2011. وفي 8 سبتمبر (أيلول) اغتيل هادي المهدي، وهو صحفي بارز وموقّر، بمنزله في بغداد. لقد كان السيد المهدي ينتقد السلطات العراقية بشكل دوري، وكان برنامجه الإذاعي يناقش عددا من المواضيع الحساسة التي تتراوح من الفساد وحتى عدم توفر الخدمات الحكومية الأساسية، وكان هو سابع صحفي عراقي يُغتال خلال عام 2011. وحتى إقليم كردستان في العراق، حيث الوضع الأمني أكثر هدوءا، شهد موجة مقلقة من الاعتداءات على الصحفيين. وقد دعت المملكة المتحدة سلطات إقليم كردستان للتحقيق بهذه الاعتداءات وصيانة حق التعبير عن الرأي.

 

وقد تم إقرار "قانون حقوق الصحفيين" في شهر أغسطس (آب). وبينما أن هذا القانون يتضمن بعض العناصر الإيجابية، فإنه يتضمن كذلك بعض الأحكام المقلقة التي قد تؤدي لتآكل الحريات الإعلامية، بما في ذلك نص كلماته مبهمة يحظر على الصحفيين "الإخلال بأمن واستقرار البلاد" ويجيز تعليق المطبوعات التي "تنشر تصريحات مثيرة أو عدوانية". كما أن هناك عشرة قوانين يتعلقون بالإعلام والحريات وحق الحصول على المعلومات مازالوا بمراحل مختلفة من النظر بهم، ومن شأننا أن نشهد إحراز تقدم بإقرار هذه القوانين خلال عام 2012. من بين تلك القوانين قانون حرية التعبير عن الرأي، وقانون الشبكة الإعلامية في العراق، وقانون الاتصالات، وقانون جرائم الإنترنت. إلا أننا، إلى جانب الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية في العراق، مازلنا قلقين حيال أن العديد من القوانين التي مازالت عالقة، كما القوانين الصادرة مؤخرا تتضمن أحكام غير متوافقة مع بعضها، بل ومتضاربة مع بعضها.

 

لقد مولت المملكة المتحدة عددا من المشاريع في هذه المجال، كان أحدها مع مرصد الحريات الصحفية، وهي المنظمة غير الحكومية الوحيدة المستقلة في العراق المعنية بالإعلام، وهي تهدف لتوسيع انتشارها وجهودها، إلى جانب تعزيز قدرتها على مراقبة الحريات الصحفية والدفاع عنها. بينما عمل مشروع آخر مع المركز المستقل للإعلام في إقليم كردستان لتحسين الحوكمة والمحاسبة من خلال فعالية الإعلام. وقد أوضحنا للحكومة العراقية بأن عليها بذل المزيد من الجهود لحماية الصحفيين في العراق.

 

الاحتكام للقضاء وسيادة القانون

مازال لدى المملكة المتحدة قلق كبير بشأن القضاء وسيادة القانون في العراق. فالإطار القانوني في العراق مازال يشوبه بعض من الخلل الكبير الذي يقوض فعاليته. وقد استخدم قانون الإجراء الجنائي وقانون مكافحة الإرهاب مرار وتكرارا لاحتجاز مواطنين إلى ما لا نهاية دون توجيه الاتهام لهم أو محاكمتهم. وأيضا فإن الفساد واسع الانتشار، حيث احتل العراق المرتبة 175 بين 182 دولة على مؤشر منظمة الشفافية الدولية بشأن الفساد عام 2011.

 

وقد مولت المملكة المتحدة عددا من البرامج التي تتعلق بسيادة القانون، بما في ذلك تدريب الشرطة والقضاة في العراق وإقليم كردستان على حقوق الإنسان، وساهمنا في برنامج تديره الأمم المتحدة لتدريب المدافعين عن حقوق الإنسان في كركوك. يهدف ذلك البرنامج إلى تنمية قدرات 30 منظمة غير حكومية محلية معنية بحقوق الإنسان (أعضاء في فريق العمل المعني بحماية حقوق الإنسان في كركوك) و30 محامٍ لمراقبة أوضاع حقوق الإنسان في محافظة كركوك (بما في ذلك الانتهاكات الكبيرة لحقوق الأطفال) وإعداد تقارير بشأن الانتهاكات وتقديم الدعم للضحايا. وتتضمن جهودنا الأوسع نطاقا بمجال تدريب الشرطة وقوات الأمن تأسيس مختبرات التحليل الجنائي في بغداد والبصرة وإربيل، وتم إنجاز هذا المشروع الذي استمر عدة سنوات في عام 2011. وقد ساعد ذلك في تشجيع إصلاح نظام العدل الجنائي في العراق بحيث يطور نهجا أخلاقيا شاملا يستند على المبادئ للتعامل مع الأدلة الجنائية والابتعاد عن الاعتماد المفرط على الاعترافات.

 

الاحتجاز والسجون

مازال من الصعب بلورة صورة دقيقة للوضع العام لنظام العدل الجنائي، وذلك مرجعه للوضع الأمني في العراق ومحدودية قدرة الحكومات والمنظمات غير الحكومية الأجنبية على تحليله. إلا أن هناك تقارير مستقلة توحي بأن المشتبه بهم عادة ما يتم اعتقالهم واحتجازهم دون مذكرات اعتقال، وبأن المعتقلين يُحتجزون عادة دون توكيل محامين عنهم، ويكون اعتقالهم لفترات مطولة دول توجيه اتهامات لهم أو محاكمتهم. والسجون عادة مزدحمة بالمساجين وغير صحية.

 

وبموجب القانون العراقي، لدى وزارة العدل العراقية سيطرة وسلطة تامة على كافة مرافق الاعتقال في العراق، باستثناء تلك التي تديرها وزارة الدفاع لأغراض عسكرية. إلا أن هذا القانون لم يطبق بالكامل بعد، ومازالت وزارت الداخلية والدفاع والعمل والشؤون الاجتماعية تدير مراكز اعتقال منفصلة. تم إحراز بعض التقدم في تحسين أوضاع السجون التي تديرها وزارة العدل خلال عام 2011، إلا أن التقارير تشير إلى أن أوضاع السجون عموما مازالت سيئة في مراكز الاعتقال التي تقع تحت مسؤولية وزارتي الداخلية والدفاع، على الأغلب بسبب ازدحامها بالمساجين وكونها غير صحية.

 

وبعد افتتاح السجن المركزي في البصرة عام 2010، مولت المملكة المتحدة مكتبة جديدة للمساجين للمساعدة في تحسين المرافق المتوفرة بالسجن.

 

ومازالت المملكة المتحدة ومنظمة العفو الدولية تشعران بالقلق بشأن رمزي أحمد، وهو مواطن بريطاني/ عراقي مزدوج الجنسية معتقل في العراق منذ ما يفوق العامين. حضر السيد أحمد في الشهور الأخيرة عددا من جلسات محاكمته، كان آخرها في 15 ديسمبر (كانون الأول) 2011 و15 يناير (كانون الثاني) 2012. وفي كلتا هاتين الجلستين أسقطت الاتهامات ضده، لكن مازال أمامه حضور جلستين أخريين. وتواصل المملكة المتحدة تقديم المساعدة القنصلية له وإثارة مزاعم الإساءة إليه مع وزارة الخارجية العراقية، كما طلبت نتائج التحقيق الموعود بقضيته.

 

عقوبة الإعدام

يدافع العراق بشدة عن حقه باللجوء لعقوبة الإعدام، وكان في شهر ديسمبر (كانون الأول) واحدا من الدول الأقلة التي صوتت مجددا ضد قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة يطالب بتعليق عقوبة الإعدام في كافة أنحاء العالم. تم تنفيذ 63 عملية إعدام في العراق خلال الفترة من نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 وحتى يناير (كانون الثاني) 2012. وقد واصلنا خلال عام 2011 إثارة موضوع معارضتنا لعقوبة الإعدام مع الحكومة العراقية على أعلى المستويات.

 

واحتفالا باليوم العالمي والأوروبي لمناهضة عقوبة الإعدام، أصدر وفد الاتحاد الأوروبي في العراق بيانا نيابة عن الاتحاد الأوروبي طالب فيه الحكومة العراقية مجددا بتعليق عقوبة الإعدام، مع النظر بإلغائها بنهاية المطاف. وكفاتحة لهذا الإجراء، حث البيان الحكومة العراقية أيضا على الالتزام بالحد الأدنى من معايير اللجوء لعقوبة الإعدام.

 

وفي تطور إيجابي أكثر، أوصت حكومة إقليم كردستان بالإسراع بإصدار قانون إلغاء عقوبة الإعدام، وذلك وفق المسودة الحالية التي ينظر بها مجلس الشورى وخطة عمل حقوق الإنسان المقترحة.

 

التعذيب

يحظر الدستور العراقي التعذيب البدني والمعاملة المهينة، وينص على أن أي اعتراف تم الحصول عليه بالقوة أو بالتهديد أو نتيجة التعذيب لا يجوز استخدامه كدليل. كما أن العراق عضو في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي يحظر التعذيب. وفي عام 2011 انضم العراق أخيرا لاتفاقية مناهضة التعذيب. إلا أن هناك مزاعم صادقة بشأن سوء المعاملة والتعذيب على نطاق واسع في نظام السجون العراقي، وخصوصا في السجون التي تديرها وزارتا الداخلية والدفاع. ووفق تقرير وزارة شؤون حقوق الإنسان، تم الإبلاغ عن 653 حالة تعذيب خلال عام 2011، رغم أن بعضا من هذه المزاعم تتعلق بحالات وقعت قبل عام 2011. وغالبية هذه الحالات وقعت في سجون تديرها وزارة الداخلية.

 

ومازال يقلقنا ما تقوله هيومان رايتس ووتش حول وجود سجون سرية في العراق، وخصوصا بشأن الوضع في مخيم الشرف، حيث يُزعم تعذيب المعتقلين دون مخافة المساءلة. والمواقف تجاه مبادئ التعذيب مازالت غير مبالية، حيث قال رئيس الوزراء المالكي علانية خلال إحدى فعاليات حقوق الإنسان في شهر مايو (أيار) 2011 بأن من ينتهك الحقوق الإنسانية للآخرين يجب أن يفقد حقه بصيانة حقوقه الإنسانية وكرامته. ومازال هناك تقارير شائعة جدا عن الإكراه على الاعتراف كذبا تحت التعذيب.

 

وقد ساهمت المملكة المتحدة خلال عام 2011 في برنامج أدارته الأمم المتحدة لتنمية مهارات المنظمات غير الحكومية وغيرها من الجماعات التي تروج للدفاع عن حقوق الإنسان لمساعدتها على إجراء بحث دقيق بشأن انتهاكات حقوق الإنسان وإعداد تقارير بشأنها. الهدف من ذلك البرنامج هو تعزيز مصداقية تقارير حقوق الإنسان، وخصوصا بشأن مزاعم التعذيب وإساءة المعاملة المنهجية.

 

الصراع وحماية المدنيين

رغم التحسن المستمر بالوضع الأمني منذ عام 2007، مازالت تقع هجمات كبيرة باستمرار. وقد شهد عام 2011 ارتفاعا طفيفا بعدد القتلى في العراق مقارنة بعام 2010، وذلك يمكن أن يُعزى بشكل مباشر تقريبا لانسحاب القوات الأمريكية التي غادرت آخر قواتها في 18 ديسمبر (كانون الأول). وشهد العراق منذ انسحابها عددا من الهجمات الكبيرة تسببت بالكثير من القلق بشأن استقرار البلاد، لكن مازال من المبكر جدا تحديد ما إذا كانت أوضاع حقوق الإنسان عموما قد ازدادت سوءا. كما تستهدف الجماعات السنية المناطق الشيعية وقادة حركة الصحوة ردا على المناورات السياسية لرئيس الوزراء المالكي. وبعد التفجيرات المنسقة التي وقعت بالمناطق ذات الغالبية الشيعية في بغداد في 22 ديسمبر، أدلى وزير الخارجية البريطاني بتصريح أدان به العنف وأهاب بالقادة العراقيين من كافة الأطياف السياسية والطائفية "بحشد جهودهم لإطلاق الحوار بينهم لضمان الاستقرار السياسي للعراق وبناء مستقبل مستقر". إن من شأن معالجة مطالب الشعب وخلق مجتمع مدني فعال أن يلعب دورا في خفض التوترات الطائفية. وستكون قدرة قوات الأمن العراقية على الحفاظ على الأمن وضمان سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان بمثابة اختبار كبير للحكومة الحالية خلال عام 2012. وقد أدان وزير شؤون الشرق الأوسط، أليستر بيرت، في 5 يناير (كانون الثاني) 2012 الاعتداء على الحجاج الشيعة في الناصرية والتفجيرات الأخرى التي وقعت في أنحاء العراق، مؤكدا رسالة وزير الخارجية البريطاني التي وجهها للأحزاب والقيادات السياسية "لتجديد جهودهم لكسر حالة الجمود السياسي الحالية لكي يتمكنوا معا من التركيز على إعادة إعمار العراق وإحلال الأمن والاستقرار وتحسين مستوى معيشة المواطنين العراقيين."

 

حرية الدين والاعتقاد

ينص الدستور العراقي على حرية العبادة وحماية أماكن العبادة. وبعد الاعتداء على كنيسة سيدة النجاة عام 2010، والتي قتل فيها 58 شخصا، أوضحت الحكومة العراقية التزامها تجاه حماية الأقليات الضعيفة في العراق. وقد اتخذ العراق خطوات لحماية أقلياته، من بينها تعزيز الأمن عند أماكن العبادة وفي شوارع بغداد. وهذه الخطوات ساعدت في الحول دون وقوع اعتداءات كبيرة على المسيحيين وغيرهم من الأقليات خلال عام 2011. إلا أن وضع الأقليات الدينية مازال غير مأمون، حيث أنهم مازالوا عرضة للاعتداء عليهم في هذه الأوضاع الأمنية الهشة.

 

وكان العراق من الدول البارزة التي تم تسليط الضوء عليها خلال مؤتمر "تعزيز الحريات الدينية في أنحاء العالم" الذي عُقد في ويلتون بارك في شهر يوليو (تموز)، وكذلك خلال مناقشة مجلس اللوردات لأوضاع المسيحيين في الشرق الأوسط بشهر ديسمبر (كانون الأول). وتواصل المملكة المتحدة حث الحكومة العراقية على الإيفاء بالتزاماتها تجاه الأقليات وضمان تمتعهم بنفس الحقوق والحريات التي يتمتع بها سائر المواطنين العراقيين.

 

وقد دعمت المملكة المتحدة خلال عام 2011 جهود تشجيع الحوار بين الطوائف الدينية عبر تمويلها "مبادرة المصالحة الدينية الشعبية". هذه المبادرة التي مازالت مستمرة تنطوي على عقد عدد من اللقاءات بين القيادات الدينية العراقية من كافة الطوائف للحث على نبذ العنف والانخراط في العملية الديموقراطية. ووافقت المملكة المتحدة على تمويل عقد اجتماع آخر للمجلس الأعلى للقيادات الدينية في العراق، وقد صدر عن اجتماعهم الذي عقد في كوبنهاغن في يناير (كانون الثاني) 2011 فتوى تجرّم العنف ضد الأقليات الدينية وتحث على التسامح بين كافة الأديان.

 

حقوق المرأة

مازالت حقوق المرأة في العراق تشهد انتهاكات كبيرة رغم التزام العراق بتحسين أوضاعها. وتقول منظمة هيومان رايتس ووتش بأن تدهور الأوضاع الأمنية مؤخرا أدى لتعزيز التقاليد القبلية والتطرف السياسي الواقع تحت تأثير ديني، وكان لذلك أثر سلبي على حقوق المرأة - سواء العاملة أو ربة البيت. ومازال عدد ما يطلق عليه اسم "جرائم الشرف" مرتفعا بدرجة غير مقبولة في أنحاء العراق.

 

وفي كلمة أدلى بها رئيس الوزراء المالكي في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، قال بأن القوانين العراقية الحالية غير كافية لمنع العنف ضد المرأة. وشدد على ضرورة المزيد من التثقيف والإصلاح لحماية حقوق المرأة. ونحن بانتظار أن نرى ما إذا كانت تصريحاته تلك سوف تترجم إلى أفعال.

 

وفي إقليم كردستان، بعد تنفيذ برنامج مولته المملكة المتحدة لمعالجة موضوع ختان النساء، أقرت حكومة إقليم كردستان قانونا جديدا يجرّم العنف المنزلي، بما في ذلك ختان النساء. وقد أدلى وزير شؤون الشرق الأوسط، أليستر بيرت، بتصريح يدعم فيه هذه التطورات. يعتبر هذا القانون خطوة كبيرة تجاه حماية حقوق المرأة في إقليم كردستان، ونأمل أن يجري تبنيه في كافة أنحاء العراق.

 

كما واصلت المملكة المتحدة خلال عام 2011 جهودها للترويج لحقوق المرأة من خلال عدد من المشاريع التي مولتها في أنحاء العراق. ففي بغداد مولنا دورة تدريبية للقضاة والمسؤولين القضائيين حول مفهوم المساواة بين الجنسين، وكيفية التعامل مع قضايا العنف ضد المرأة. وفي إقليم كردستان يعمل خبراء بريطانيون مع ملاجئ النساء لتحسين تلك المرافق والرعاية التي يقدمونها لنزيلات هذه الملاجئ، ومع حكومة إقليم كردستان لوضع وتنفيذ استراتيجيات لحماية حقوق المرأة. وفي البصرة هناك برنامج مولته المملكة المتحدة يهدف لتدريب نساء البصرة على أسس الرعاية الصحية والتغذية والإسعافات الأولية، وتزويدهن بخبرات زراعية وعملية لكي يستطعن توفير المعيشة لعائلاتهن.

 

مخيم أشرف

يسكن في مخيم أشرف (الذي غيرت السلطات العراقية اسمه الآن إلى "مخيم العراق الجديد") حوالي 3,400 من أتباع مجاهدي خلق. ووفق تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة للعراق، قتل 36 من سكان الخيم وأصيب الكثيرون غيرهم في اعتداء شنته الحكومة العراقية في 8 إبريل (نيسان). وبعد ذلك أعلنت الحكومة العراقية عزمها على إغلاق مخيم أشرف بحلول نهاية عام 2011. وقد أدانت المملكة المتحدة صراحة الإجراء الذي اتخذته الحكومة العراقية، وواصلت طوال عام 2011 مناشدتها لضمان معاملة سكان مخيم أشرف بما يتماشى مع الحقوق والحمايات التي يمنحها لهم القانون الإنساني الدولي والقانون العراقي. كما حثثنا الحكومة العراقية وقيادة مخيم أشرف على التواصل عبر حوار بنّاء للتوصل لحل سلمي ودائم بشأن مستقبل سكان المخيم، ومواصلة إبداء مرونة تجاه الموعد النهائي لإغلاق المخيم.

 

وقد أعلن رئيس الوزراء المالكي في شهر ديسمبر (كانون الأول) عن تمديد الموعد النهائي لإغلاق المخيم حتى شهر إبريل (نيسان) 2012، شريطة بدء انتقال سكان المخيم إلى موقع مؤقت جديد في العراق. نأمل أن يبدأ الانتقال السلمي لسكان المخيم عما قريب لكي تتمكن المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة من إجراء عملية تحديد وضعية اللاجئين وفق ما كلفت به. كما تدعم المملكة المتحدة جهود مارتن كوبلر، الممثل الخاص للأمين العالم للأمم المتحدة، الرامية لإيجاد حل سلمي لهذه المشكلة.

 

ليبيا

 

لقد كانت رغبة الشعب الليبي في أن تُحترم حقوقهم الإنسانية الأساسية بعد 42 عاما من القمع أحد العوامل الرئيسة التي أَدّت إلى ثورة 17 فبراير ومن ثمَّ الإطاحة بنظام القذافي في 23 أكتوبر. وقد شهدت الفترة ما بين التاريخيْن قتالاً شديداً في كل أنحاء البلاد هدَّدَ حياة المدنيين. وراجت أنباء عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبتها القوات الموالية للقذافي، وعلى نطاق محدودٍ إلى حد كبير، قوات ليبيا الحرَّة، وتعكف المحكمة الجنائية الدولية ولجنة تحقيق تابعة لمجلس حقوق الإنسان على التحقيق فيها حاليا. وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت في 27 يونيو مذكِّرات اعتقال بحق كلًّ من القذافي، وسيف الإسلام القذافي وعبد الله السنوسي.

 

ويتطلع الليبيون بشكل جدِّي إلى بناء دولتهم الجديدة على أساس احترام حقوق الإنسان. وقد دأب المجلس الوطني الانتقالي والحكومة الانتقالية على القول بأن حقوق الإنسان ستكون حجر الزاوية في بناء ليبيا الجديدة. وحدَّدت السلطات الليبية الجديدة جدولاُ زمنيا طموحا لصياغة مسودة دستور جديد وتنظيم انتخابات ديموقراطية بحلول شهر إبريل 2013. سيحدِّد الدستور المعايير لمعاملة النساء والأقليات العرقية والدينية، وسيمثل لحظة حاسمة في تبلور حقوق الإنسان في ليبيا.

 

ونظراً للأوضاع التي سادت على الأرض في ليبيا في المراحل الأولى من الثورة، كان هدفنا الرئيس حماية المدنيين. وقد دعت المملكة المتحدة وترأست جلسة لمجلس حقوق الإنسان في أواخر شهر فبراير، كما كانت في مقدمة المشاركين بالمفاوضات في مجلس الأمن الدولي. وكانت النتيجة صدور قراري مجلس الأمن 1970 (2011) و1973 (2011)، وهما القراران اللذان منحا المجتمع الدولي وحلف شمال الأطلسي تفويضاً لاتخاذ كل الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين والمناطق الآهلة بهم في ليبيا والمعرَّضة لخطر الاعتداء عليها، ولفرض منطقةٍ لحظر الطيران. ومن خلال مساهمتها العسكرية، لعبت المملكة المتحدة دوراً مركزيا في تطبيق ذاك التفويض.

 

ومن خلال الدعم المقدَّم من وزارة التنمية الدولية، ساهمت المملكة المتحدة في إعادة 12,700 عامل مهاجر من الحدود الليبية إلى أوطانهم؛ وإخلاء 4,800 من المدنيين الجرحى والعمال المهاجرين من مصراته، وقدَّمت 1,400 خيمة و38,000 بطانية للذين يعيشون في مخيمات على الحدود، إضافة إلى 2,110 خيام و7,700 بطانية أخرى للمشردين داخل ليبيا؛ كما أننا (وعبر دعمنا لمنظمات كاللجنة الدولية للصليب الأحمر) قدَّمنا رعاية طبية وأغذية وإمدادات أساسية أخرى إلى مئات الآلاف من المدنيين المتضررين من القتال.

 

وما زالت الألغام والذخائر والقنابل العنقودية وغيرها من بقايا الحرب غير المنفجرة تشكل خطراً على آلاف الليبيين. وتدعم المملكة المتحدة المجموعة الاستشارية للألغام ودائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام، للمساعدة في اكتشاف مواقع الذخائر غير المنفجرة والتخلص منها للحيلولة دون سقوط موجة أخرى من الجرحى والقتلى، ولتمكين المواطنين الليبيين العاديين من الرجوع إلى منازلهم. إن دعم المملكة المتحدة سوف يساعد في حماية ما يزيد عن مليون ليبي من أخطار هذه الذخائر.

 

بعد إغلاق سفارتنا في طرابلس بقليل، أسست المملكة المتحدة بعثةً لها في بنغازي ثم عادت إلى طرابلس بعيدَ تحريرها على أيدي قوات ليبيا الحرة في 12 سبتمبر. وقد عمل كبار أعضاء الطاقم الدبلوماسي على إجراء الإتصالات وتقديم العون للمجلس الوطني الانتقالي والمجتمع المدني الذي بات يشهد ازدهارا من جديد، وذلك لمساعدتهم على الوفاء بالتزاماتهم إزاء حقوق الإنسان. وموَّلت المملكة المتحدة برنامجا لتدريب محامين ونخبةٍ من القضاةً بمجال حقوق الإنسان، كما شاركت في تمويل مؤتمر نسائي في طرابلس عقد خلال الفترة من 11 إلى 15 نوفمبر.

 

سوف تبرز فرصٌ وتحديات خلال عام 2012 الذي قد يكون العام الذي سيرسم ملامح ليبيا في السنوات المقبلة. وستقوم استراتيجيتنا على دعم الحكومة الانتقالية في مسعاها لتأسيس إشراف مركزي على الجهاز القضائي، وهي مسألة ضرورية لمعالجة بعضٍ من قضايا حقوق الإنسان العالقة؛ ووضع إطار عمل ديموقراطي لنشر الحقوق والحريات الأساسية؛ والتصدي لمشاكل موروثة ومنها بلورة نهج عادل للتعامل مع المحتجزين وأعوان القذافي سابقاً. ولسوف نعرض مساعدة المملكة المتحدة من خلال التجمع الوزاري الثلاثي لشؤون الحروب وصندوق الشراكة العربي.

 

ويشكل تحقيق العدالة في الفترة الانتقالية أكبر تحديات المستقبل القريب. وسوف يتوقف الاستقرار على القدرة الفعلية للحكومة الانتقالية على نزع سلاح الميليشيات وتحييدها ودمجها في المجتمع الليبي. وسيكون من المهم توفير نظام قضائي نزيه وشفاف للشعب الليبي حتى يتسنى التعامل بسرعة وعدل مع القضايا العالقة من حقبة القذافي. وإذا ما تولد انطباع بأن النظام القضائي ضعيفٌ وغير فعال، فإن خطر هجمات الثأر والانتقام سوف يزداد. ولسوف نعمل مع بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في ليبيا على توفير المساعدة للحكومة الانتقالية في مجال بناء قطاع قضائي شفاف وذي مصداقية.

 

سيكون الهدف الرئيس في عام 2012 مواصلة دعم النساء والأقليات الدينية والعرقية للذود عن حقوقها بشكل فعال في ليبيا الجديدة. وسنواصل الحوار والنقاش وتقديم الدعم من أجل بناء هياكل طويلة الأجل لمجموعات النساء وجيل الشباب، لضمان حصولها على تمثيل مناسب من خلال عملية ديموقراطية، وتمكينها من العمل على حماية حقوقها.

 

 

المملكة العربية السعودية

 

بشكل عام، تمثل نهج حكومة المملكة العربية السعودية بقيادة الملك تجاه قضايا حقوق الإنسان في مواصلة التحسّن التدريجي، مع إدراك حالة الشد والجذب بين الإصلاح والتقاليد في هذه المملكة المحافظة بطبيعتها.

 

وعلى الرغم من بعض الدلائل المشجعة على حدوث تحسن ملحوظ، وبعض التصريحات من قبل حكومة المملكة العربية السعودية في عام 2011، إلا أن حالة حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية لا تزال مبعث قلق. فعلى الجانب الإيجابي، بدت استجابة الشرطة للاحتجاجات والمظاهرات في المنطقة الشرقية - والتي خرجت بها الطائفة الشيعية للتعبير عن تطلعاتها إلى قدر أكبر من المساواة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والمطالبة بالإفراج عن السجناء الشيعة وعودة القوات السعودية من البحرين - بدت استجابة متناسبة. ولكن مع ذلك، تم إقرار تعديل لقانون الإعلام، بما يضع المزيد من القيود على انتقاد الشخصيات الدينية والحكومية، وكذلك كانت هناك زيادة خطيرة في عدد حالات الإعدام. وعلى الرغم من أن عملية الإصلاح القضائي مازالت أولوية بالنسبة للحكومة السعودية، إلا أن طول فترة الاحتجاز دون محاكمة لا تزال مصدر قلق. وقد أعطت نسخة مسربة من مسودة قانون مكافحة الإرهاب انطباعا بالاقتراب نحو تضييق الخناق بدرجة أكبر على المعارضين للنظام، فضلا عن تضييق الخناق على النشاط الإرهابي، إضافة إلى تحويل قدر أكبر من صلاحيات السلطة القضائية إلى وزارة الداخلية - ونحن ندرك حاليا بأن مشروع هذا القانون قد أدخلت عليه تعديلات جوهرية منذ ذلك الحين.

 

كما احتلت حقوق المرأة مكانا بارزا هذا العام. فقد أعلن الملك عبد الله أن النساء سيسمح لهن بالتصويت والترشُح في الانتخابات المقبلة، وأعلن عن عزمه على تعيين نساء في مجلس الشورى في عام 2013. وبالإضافة إلى ذلك، أعلن الملك عددا من التدابير الرامية إلى زيادة فرص العمل للمرأة. ويجدر بالملاحظة أن "إعلان الرياض"، الذي صدر في نهاية قمة مجلس التعاون الخليجي في ديسمبر، أكد - من بين نقاط أخرى - على ضرورة الإسراع في عملية التنمية والإصلاح الشامل في دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك لتحقيق قدر أكبر من المشاركة لكافة المواطنين، رجالا ونساءً. وكان هناك اهتمام متجدد بمسألة قيادة النساء للسيارات خلال الصيف، والتي دعمتها حملات على مواقع شبكة التواصل الاجتماعي، إلا أنه لم يكن هناك أي تحرك يذكر من جانب الحكومة لتشجيع التقبل الاجتماعي لهذه المسألة.

 

وقد شملت أهدافنا في عام 2011 انتهاز كل فرصة متاحة لإثارة قضايا حقوق الإنسان ذات الأولوية من وجهة نظرنا، وهي حقوق المرأة، وعقوبة الإعدام، وحقوق العمالة الوافدة، والإصلاح القضائي؛ والحصول على تقبل لحقنا بأن نعرب عن مخاوف محددة - سواء على الصعيد الثنائي أو بالتعاون مع شركاء آخرين؛ وتشجيع وزارة الشؤون البلدية والقروية السعودية على المضي قدما في خطط الانتخابات البلدية والضغط من أجل تحقيق مشاركة المرأة؛ والعمل مع البرنامج الوطني للأمان الأسري بغرض دعم حملة البرنامج في المدارس من أجل حقوق الطفل؛ ودعم مجلس الشورى في رغبتهم في معرفة المزيد عن إجراءات الرقابة البرلمانية.

 

لا تزال استراتيجيتنا هي العمل مع المجتمع السعودي، والدعوة للإصلاح داخل الإطار الدستوري القائم، وحشد الدعم للتطبيق الكامل لمعايير حقوق الإنسان. وشمل ذلك في عام 2011 تنظيم زيارات ولقاءات مع المحاورين الرئيسيين في المملكة العربية السعودية لتعميق التفاهم المتبادل بشأن قضايا حقوق الإنسان. فقد انخرط كل من وزير الخارجية البريطاني، وأليستر بيرت وزير شؤون الشرق الأوسط، وسفيرنا لدى السعودية في حوار مع وزراء ومسؤولين سعوديين ومنظمات حقوق الإنسان الوطنية لإثارة القضايا التي تقلقنا وفهم النظرة السعودية لهذه القضايا والوتيرة التي يسير عليها التغيير. وقد رحبنا بالتصريحات الايجابية في مجال حقوق المرأة وقرار مجلس الشورى الذي أوصى بأن يكون الحد الأدنى لسن الزواج 17 سنة، والذي جاء في أعقاب حملة دعمتها المملكة المتحدة من أجل صيانة حقوق أكبر للأطفال. كما قوبل هدفنا المتمثل في زيادة الفهم لآليات الرقابة البرلمانية بتبادل الزيارات بين المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية من قبل أعضاء مجلس الشورى السعوديين وأعضاء المجموعة البرلمانية لجميع الأحزاب بشأن السعودية في البرلمان البريطاني، وقد سهلت الحكومة البريطانية الترتيب لهذه الزيارات.

 

وتطلعا إلى عام 2012، نتوقع خروج مظاهرات أخرى خلال العام الجاري. ومن المرجح أيضا أن يستمر النقاش الداخلي في المملكة العربية السعودية فيما يتعلق بحقوق المرأة ، بما في ذلك قضايا مثل حق المرأة في قيادة السيارة، وقدر أكبر من المساواة في مكان العمل والمجتمع عموما. كما نتوقع أن يمضي النظام القضائي السعودي قدما نحو مزيد من الشفافية والانفتاح، وخاصة فيما يتعلق بقانون الشركات.

 

السودان وجنوب السودان

 

شهد عام 2011 تقسيم السودان إلى دولتين: جمهوريتي السودان وجنوب السودان. ففي يناير 2011 جرى الاقتراع في استفتاء معترف به تحت رقابة دولية، صوت خلاله أكثر من ثلاثة ملايين مواطن من جنوب السودان بأغلبية ساحقة لصالح الاستقلال، والذي تم في أعقاب الاستفتاء في يوم 9 يوليو من نفس العام. وكان الانفصال السلمي للجنوب، والذي اعترفت به الخرطوم، أحد الإنجازات الكبرى لاتفاق السلام الشامل الذي أبرم في عام 2005. وقد اتسم إحراز تقدم في مجال حقوق الإنسان في السودان وجنوب السودان بالبطء، بل تدهور في بعض مناحيه خلال عام 2011. وأدى استمرار حالة انعدام الأمن في دارفور، واندلاع النزاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق وأبيي، والصراع القبلي في جنوب السودان إلى مقتل مدنيين ونزوح عدد كبير من السكان، وكذلك أفادت تقارير بوقوع أعمال الاغتصاب والنهب والاعتقال التعسفي والإعدام دون محاكمة. وفي السودان شهدنا أدلة مثيرة للقلق على تقليص حرية التعبير. ومع ذلك لاحظنا حدوث تحسن في مستوى ممارسة الحقوق المدنية والسياسية في جنوب السودان، لا سيما منذ بدء جهود المصالحة بين حكومة جنوب السودان وحزب المعارضة الرئيسي.

 

وكان الإنجاز الناجح والسلمي للاستفتاء وما ترتب عليه من انفصال جنوب السودان واحدا من الأهداف المهمة للمملكة المتحدة في عام 2011. وقبلت حكومة السودان بنتيجة الاستفتاء في يناير، وكانت أول من يعترف بجنوب السودان كدولة منفصلة. وقد واصلت المملكة المتحدة الضغط على الطرفين من أجل تسوية القضايا العالقة من بنود اتفاق السلام الشامل، وذلك قبل وبعد الانفصال. كما عملنا بشكل وثيق مع الشركاء الدوليين في محاولة لتحقيق هذا الهدف، وتوفير التمويل والخبرة اللازمين لدعم جهود الوساطة التي يقوم بها فريق التنفيذ رفيع مستوى التابع للاتحاد الأفريقي. ومن المخيب للآمال أنه بحلول نهاية العام الماضي لم يتم التوصل لأي اتفاق بشأن القضايا الرئيسية العالقة والتي تتمثل في تقاسم النفط وترسيم الحدود وحقوق المواطنة ومثلث أبيي، ما كان له بالغ الأثر على وضعية حقوق الإنسان لكل من الشعب السوداني وشعب جنوب السودان.

 

وكان العمل على قضايا حقوق الإنسان ذا أولوية في تواصل المملكة المتحدة مع السودان وجنوب السودان خلال عام 2011. فقد دعم التمويل المقدم من وزارة التنمية الدولية أهداف حقوق الإنسان في كلا البلدين من خلال المساعدة في توفير الخدمات الأساسية وتطوير الحوكمة وتوفير الاحتياجات الإنسانية. كما أعربنا بانتظام عن ما يقلقنا فيما يتعلق بحقوق الإنسان على أعلى المستويات. وقد قام كل من وزير الخارجية ووزير التنمية الدولية ووزير شؤون أفريقيا ووكيل الوزارة البرلماني بوزارة التنمية الدولية بزيارة إما السودان أو جنوب السودان في العام الماضي وأثاروا مع نظرائهم السودانيين المخاوف الأكثر إلحاحا من وجهة نظرنا. وقد حققنا بعض النجاحات في عملنا المتعدد الأطراف: فقد تمكنا من الحصول على تفويض قوي بشأن حقوق الإنسان لبعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان (UNMISS)، وكذلك تجديد ولاية الخبير المستقل المعني بحقوق الإنسان في السودان. كما استخدمت المملكة المتحدة قنوات التواصل الاجتماعي للفت الانتباه إلى أوضاع حقوق الإنسان في السودان وجنوب السودان. فمن خلال مدوناتهما الاعتيادية، تحدث كل من سفيرنا لدى كل من الخرطوم وسفيرنا لدى جوبا بصراحة عن أوضاع حقوق الإنسان، ما اجتذب تغطية واسعة النطاق في وسائل الإعلام المحلية. واحتفل كلا السفيرين في الخرطوم وجوبا باليوم العالمي لحقوق الإنسان من خلال الإجابة على أسئلة من يتابعونهم على قنوات التواصل الاجتماعي حول نواحي قلقهم حيال قضايا حقوق الإنسان.

 

هناك خطر مرجح من إمكانية تدهور أوضاع حقوق الإنسان خلال عام 2012. فاستمرار الصراع واستمرار عدم وصول المساعدات الإنسانية إلى جنوب كردفان والنيل الأزرق يشكل مصدر قلق كبير، ويزيد من حدة تعرض المدنيين للمعاناه. وسنواصل ممارسة الضغط من أجل وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع مناطق النزاع ووقف إطلاق النار فورا، وذلك من خلال التعاون مع الشركاء الدوليين بمن فيهم الأمم المتحدة. كما أن النظرة المستقبلية لأوضاع الحقوق السياسية والمدنية في السودان تتسم بعدم اليقين بسبب حملة السلطات ضد حرية التعبير في النصف الأخير من عام 2011. ومن ثم سنضع عملية رصد ودعم الحقوق السياسية في عام 2012 كأولوية من خلال انتقاد الانتهاكات علانية ودعم المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان.

 

كما ستحثّ سفارتنا الجديدة في جنوب السودان الحكومة هناك خلال عام 2012 على إحراز تقدم بشأن التصديق على أو الانضمام إلى المعاهدات الدولية والإقليمية المتعلقة بحقوق الإنسان. كما سندعم بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان (UNMISS) فيما يتعلق بالتفويض الممنوح لها برصد انتهاكات حقوق الإنسان والتحقيق فيها والتحقق من تقارير حولها. كما سندعم تطوير قدرة حكومة الجنوب على معالجة انتهاكات حقوق الإنسان، ومواءمة الإطار التشريعي الوطني ليصبح متسقا مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

 

وعلاوة على ذلك، فإننا نشجع الحكومتين على حد سواء على الاستفادة الكاملة من الإمكانيات التي تتيحها وساطة الاتحاد الأفريقي حتى تتمكنا من التوصل إلى اتفاقات دائمة على العديد من المسائل العالقة المتبقية من اتفاق السلام الشامل.

 

السودان

 

مع أن السودان عضو في عدد من المعاهدات الدولية الرئيسية الخاصة بحقوق الإنسان و لديه تشريعات وطنية ذات صلة بحقوق الإنسان، إلا أن تنفيذ هذه التشريعات يعاني من غياب الإرادة السياسية والقدرة العملية على حد سواء. إن فرص الحوار بين المجتمع الدولي والسلطات السودانية حول حقوق الإنسان هي فرص محدودة، لا سيما بعد قرار الحكومة السودانية المخيب للآمال بإلغاء تفويض بعثة الأمم المتحدة في السودان (UNMIS) في 9 يوليو 2011، والتي خلفت وراءها السودان دون وجود دولي يضطلع بمهام الرصد والإبلاغ عن أوضاع حقوق الإنسان في البلاد.

 

وكان السودان محلا لاستعراض دوري شامل من قبل المجتمع الدولي في شهر مايو الماضي، ما أسفر عن صدور 160 توصية بشأنه. وأعربت وزارة العدل السودانية عن حاجتها للمساعدة التقنية من جانب المجتمع الدولي للرد على التقرير. لكنها لم تقبل حتى الآن بالطلبات التي تقدم بها الاتحاد الأوروبي الراغبة في عقد اجتماعات لمناقشة هذه الاحتياجات. وفي شهر سبتمبر 2011 جدد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فترة تفويض الخبير المستقل المعني بحقوق الإنسان في السودان. وقد ضغطت المملكة المتحدة بشدة من أجل تجديد مدة هذا التفويض.