التوقيـف الإداري بـين مطــرقة السـلم الاجتماعـي وسنــداد الحقـوق والحــريات
- وثائقيات حقوق الإنسان- إعداد المحاميين نسرين زريقات وصدام ابو عزام1
تعتبر القاعدة القانونية إحتياج مجتمعي نابع من فكره أصيله إستقرت في مجتمع ما، وثبت في ضمير ووجدان المجتمع الزاميتها، وبالتالي فإن شرعنه هذه القواعد وإخراجها بصيغه قانونيه هو سلسلة من الاجراءات المنظمة والمركبه والمتكامله التي إذا فقدت حلقة أو تم عدم مراعاة إجراء لا يمكن البناء عليه وبعكس ذلك لا يمكن وصف القانون بأنه قانون وإنما هو إثم تشريعي؟؟ . خلاصة التشريع الوصول الى قاعده ناظمه لسلوك مجتمعي، ولعل طرح القاعدة القانونيه للنقاش خلال فترة زمنيه يعد أنجع الوسائل للوصول الى قاعده قانونيه تتمتع بالثبات والاستقرار وتلبي إحتياج المجتمع .
هذا ما نحتاجه في الاردن أن يتم طرح القوانين والتعديلات للنقاش، لماذا يعتقد البعض أن رأيه في صياغه النص لا يأتيه الباطل من بين يدية ولا من خلفه، الموضوع ليس مسألة أراء بل هو صياغة قاعدة عامة ومجرده تحكم سلوك الناس في المجتمع في زمان ومكان، وعلية يجب أن يدرك الجميع بأن أي نص قانوني يجب أن يتم طرحه للنقاش، لأن نقاش النص يكشف إختلالاته وهذه أحد المؤشرات الرئيسه على سلامة القاعدة القانونية، لطالما سمعنا عن تعديل نص أو وضع مسودة قانون جديد وإختلالات أخرى تناهت الى مسامع الرأي العام من إحالة قانون بعطاء وغير ذلك من سلوكيات التي لا يمكن الا أن توصف إلا بالفساد التشريعي.
إن القانون الذي لا يراعي أبسط هذه القواعد في تجلياتها وصورها الحقيقيه ولا يستند الى حاجات مجتمعيه مستوحاه من قيم وتقاليد المجتمع ولا يتم عرضه للنقاش العام الفتره الكافية يعتبر بحق فساداً تشريعياً وإنحراف تشريعي، يؤدي الى خروج منظومة قانونية لا علاقه لها بالواقع ولا غاية لها، كم كبير من التشريعات تحتاج الى مراجعة كبيره، وبعكس ذلك سيبقى السؤال المطروح من أين تأتي القوانين.
مسودة قانون منع الجرائم التي يزمع نقاشه مجلس الامه ينطبق عليها هذا الوصف لعدة أسباب :
أولا: المسودة جاءت خاليه من أي موجبات وغايات للتعديل، وبالتالي إقتصرت التعديلات على أمور شكلية لم تمس جوهر القانون من قريب أو بعيد، وإنما هي تراكيب لغوية بطريقة جيديده ، وهل روعي في هذه المسودة التغيرات والتحولات التي رافقت الواقع الاجتماعي والحقوقي والدستوري، سيما وأن الحقبة الزمنية التي صيغ فيها هذا القانون لا تتناسب كلياً مع واقع المجتمع الاردني من إستقرار القضاء وقدرته على الفصل في كافة النزاعات، فلم يعد متصوراً في هذا الوقت أن يبقى قانون منع الجرائم يسند صلاحيات قضائيه لأشخاص ليسو من رحم المجلس القضائي ودون مراعاة لمعايير وضمانات المحاكمة العادلة .
ثانيا: لم يتم لهذه اللحظة بلورة رؤيا واحدة حول مضمون هذا القانون إذ الاصل العام أن يتعامل قانون منع الجرائم مع أثار الجريمه إن وجدت لا أن يعدد المراجع وينزع الاختصاصات على حساب السلطة القضائيه، لماذا لم يتم الحديث عن العقوبات البديلة وتغير فلسفة العقوبة من عقابية الى إصلاحية، وماذا قدمت مسودة القانون في العقوبات البديلة وإصلاح المتهم، ولا يستقيم القول بأن هذا القانون يحافظ على الامن والسلم الاجتماعيين مفاد ذلك وبمفهوم المخالفة أنه يخالف الدستور ويشكل إعتداء على الحقوق والحريات وهذه الذريعة لتبرير وجوده، غير صالحة لأن القوانين لايمكن أن يكون سبب وجودها ذرائع وهواجس سيما وأن الامن والسلم الاجتماعي ليست منوطة بهذا القانون وهي عبارة عن نتاج عمل مؤسسي وتشريعي متراكم على مر الزمان .
ثالثا: المؤشرات الواقعية بكافة أشكالها تشير الى أن قانون منع الجرائم أصبح من قبيل التزيد بل وأصبح يجلب العديد من الانتقادات الداخليه والخارجيه للأردن، فمن الداخل لم يسبق أن تم التحدث عن إيجابيات أضافها هذا القانون، وإن وجدت فهي فردية مقتصره على دور تقليدي يقوم به الحكام الاداريين في إنهاء بعض القضايا هذا من جهة بل جميع المختصين في الاردن يكاد يجمعون على الاشكاليات التي تضمنها هذا القانون والتي ثبت عدم نجاعتها إذ كثيراً ما سمعنا عن إنتقادات أثيرت حول هذا القانون، والرفض الاجتماعي لتشريع ماء أحد موجبات التعديل أو الالغاء لهذا القانون.
رابعا: من غير المتصور أن يتم منح أي شخص كان صلاحيات التحقيق وسماع الشهود وإصدار الاحكام في جرائم ومخالفاتت ومنح صلاحية إنزال العقوبات وغيرها من صلاحيات في ظل وجود مجلس قضائي مستقل أنى كان المبرر مقبولاً أو مسوغاً، وعليه يشكل هذا القانون إعتداء على صلاحيات السلطه القضائيه بالمعنى الدقيق لذلك.
وبالبناء على ماسبق، فإن الدولة الاردنية إتخذت العديد من الخطوات الاصلاحية النوعية والكميه التي تعتبر خطوة في الطرق الصحيح نحو تعزيز وحماية حقوق الانسان وتعزيز عمل السلطة القضائيه وترسيخ قواعد العمل المؤسسي، وهناك العديد من المبادئ التي يعتبر قانون منع الجرائم مخالف لها ولا يستقيم العمل بهذا القانون لإعمال جوهر ومضمون تلك المبادئ وهي :
أولا: الحق في الحرية الشخصية وهو حق الفرد في أن يأمن على نفسه، وماله، وعرضه ، وأن يتنقل داخل الدولة وخارجها دون قيود، ولا يجوز المساس بخصوصية الحياة الشخصية لأي إنسان إلا في الأحوال التي حددها القانون، وضمنت المواثيق الدولية هذه الحقوق وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث جاء في المادة (3) منه " لكل فرد حق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه " وجاء أيضا في المادة (9) منه " لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً "، كما جاء أيضاً في المادة (11) " كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن يثبت إرتكابه لها قانوناً في محاكمة علنية تكون قد وفرت له فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه ".وتعتبر هذه المواثيق الدولية جزء من المنظومة التشريعية الوطنيه لنشرها في الجريدة الرسميه بحسب إجتهادات محكمة التمييز.
ولطالما أكدت اللجان التعاهدية لهذه الموثيقعلى ذلك إذ جاء في تعليق لجنة حقوق الإنسان لسنة 1982 ينبغي أيضا، إذا إستخدم ما يسمى بالحبس الوقائي لأسباب تتعلق بالأمن العام، أن يخضع ذلك الحبس لذات هذه الأحكام، أي يجب ألا يكون تعسفياً، وأن يقوم على أسس وإجراءات ينص عليها القانون، وينبغي الإعلام بأسباب التوقيف، وينبغي توفير المراقبة القضائية للاحتجاز، فضلاً عن الحق في التعويض في حالة التوقيف غير القانوني . وعليه فأن المواثيق الدولية لحقوق الانسان المصادق عليها وكأحد الالتزامات توجب على الدول الاطراف أن تسعى لإلغاء حالات الحبس الاحتياطي و/أو إسناد ذلك للقضاء النظامي.
ثانيا: إن من المبادئ المستقره في النظم القانونية والتي تعد بمثابة قواعد عامه لا يجوز مخالفتها قرينة البراءة حيث يثبت لكل شخص بوشر تحقيق معه أن يتمتع بضمانات منها أن يراعي مبداء البرأه بأن يعتبر بريئاً إلى ييثبت عليه الجرم قانوناً، وأن يتم إعلامه سريعاً وبالتفصيل، وفي لغة يفهمها، بطبيعة التهمة الموجهة إليه وأسبابها، وأن يعطى من الوقت ومن التسهيلات ما يكفيه لإعداد دفاعه وللإتصال بمحام يختاره بنفسه، وأن يحاكم دون تأخير لا مبرر له، وأن يحاكم حضورياً وأن يدافع عن نفسه بشخصه أو بواسطة محام من إختياره، وأن يخطر بحقه في وجود من يدافع عنه إذا لم يكن له من يدافع عنه، وأن تزوده المحكمة حكماً، كلما كانت مصلحة العدالة تقتضي ذلك، بمحام يدافع عنه، دون تحميله أجرا على ذلك إذا كان لا يملك الوسائل الكافية لدفع هذا الأجر، وأن يناقش شهود الاتهام، بنفسه أو من قبل غيره، وأن يحصل على الموافقة على إستدعاء شهود النفي بذات الشروط المطبقة في حالة شهود الاتهام، وأن يزود مجاناً بترجمان إذا كان لا يفهم و لا يتكلم اللغة المستخدمة في المحكمة، وأن ألا يكره على الشهادة ضد نفسه أو على الاعتراف بذنب والسؤال الذي يطرح هنا أي من هذه الضمانات يوفرها قانون منع الجرائم، التي تعتبر ملزمه ولا يجوز الخروج عليها.
ثالثا: الدستور الاردني وتعديلاته لعام 2011 ، تضمن العديد من التعديلات ومنها إضافة فقره جديده للمادة السابعة التي تعتبر أن كل إعتداء على الحقوق والحريات العامه أو حرمة الحياة الخاصة للأردنيين جريمة يعاقب عليها القانون بإعتبار هذا المبدأ ضابط عام للتشريعات الوطنية بالالتزام بالمضامين الدستورية نصاً وروحاً، وتأكيداً على ضمانات المحاكمة العادلة والتي تعتبر من مبادئ العدل والانصاف، وتم الغاء المادة الثامنة من الدستور والاستعاضة عنها بنص جديد أشارت الفقره الاولى منه بعدم جواز القبض على أحد أو توقيف أو حبس أو تقيد حريته إلا وفق أحكام القانون، وفي الفقرة الثانية من نفس المادة تم النص على كل من يقبض عليه أو يوقف أو يحبس أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ علية الكرامة الانسانية، ولا يجوز تعذيبه بأي شكل من ألاشكال أو إيذاؤه بدنياً أو معنوياً ، كما لا يجوز حجزه في غير الاماكن التي تجيزها القوانين، وكل قول يصدر عن أي شخص تحت وطأة أي تعذيب أو إيذاء أو تهديد لا يعتد به. في الحقيقة تشكل هذه الماده بفقرتيها حجر الاساس في إعمال ضمانات المحاكمة العادلة ووضع الضوابط القانونية اللازمه لذلك بنص صريح غير قابل للتأويل، فضلاً عن إيراد عبارة الكرامة الانسانية التي تستوجب أن يندرج في تفسيرها جميع التدابير اللازمه لضمان الكرامه الانسانيه، حتى لو لم يرد ذكرها في النص فيتم تفسيرها لهذه الغاية تفسراً غائياً واسعاً ايجابياً لمصلحة حقوق الانسان وبعكس ذلك يتم التضييق في التفسير عند المساس بهذه الحقوق، والسؤال المطروح هنا هل العقوبات المفروضة في قانون منع الجرائم من إقامة جبرية والتوقيف لمدة غير معلومه وفرض كفالة غير محدده وإعتداء على صلاحيات القضاء تتناسب مع الكرامه الانسانية؟؟؟؟ هذا من جهة، وكل إعتداء على حقوق وحريات المواطن يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون ألا يمكن وصف ما تضمنه قانون منع الجرائم جريمه إعتداء على الحقوق والحريات من جهة أخرى؟؟
رابعاً : أين قانون من الجرائم من المادة 128 من الدستور والتي تعتبر ضابطاً للتشريعات التي تمس الحقوق والحريات ، وضمان أن لا تخرج القوانين عن هدفها وغايتها الحقيقية لحماية الحقوق والحريات، وكذلك النصوص التي عززت إستقلال السلطة القضائيه بأنها مستقلة وتقضي بكافة المواد المدنية والجزائية والتجارية ولا سلطان عليهم بقضائهم لغير القانون، ألا يعد بحق هذا القانون مخالف لنص وجوهر هذا النص.
الاشكاليات التي تضمنها قانون منع الجرائم الساري المفعول :
تضمن هذا القانون العديد من الاشكاليات القانونية الشكليه والموضوعية تمثلت في :
اولا: تضمن القانون تفويض الحاكم الإداريين " المتصرف " صلاحيات مطلقة في إصدار القرار في الحبس دون تحديد مدة لهذا الحبس أو دون تحديد ضوابط، اذ يستطيع الحاكم الاداري إصدار أمر التوقيف للإمتناع عن تقديم الكفالة مما يبرر الاستمرار في توقيف الشخص لأجل غير معلوم.
ثانيا: منح الحاكم الإداري صلاحية مطلقة في تحديد مبلغ الكفالة وشخص الكفيل حيث أجازت المادة السابعة للمتصرف أن يرفض قبول أي كفيل لا يرضى عن كفالته لأسباب يدونها بالضبط، كما له صلاحية تحديد نوع الكفالة من مالية أو عدلية مما يجعل عمليه تقديم الكفالة نوع من المستحيل الواقعي والقانوني فضلاً عما يتخللها من إجراءات ودفع رسوم وغيرها، وبعكس ذلك يبقى الشخص المكفول قيد التوقيف لحين تقديم الكفالة المطلوبة وفقاً للمادة الثامنة التي تجيز له إذا تخلف الشخص الذي صدر قرار بتكليفة أن يعطي تعهد بمقتضى المادة الخامسة.... يسجن وإذا كان مسجوناً يبقى الى أن يقدم التعهد المطلوب".
ثالثا: فضلاً عن العبارات الفضفاضة التي رافقت كافة مواد القانون والتي تشير الى الصلاحيات المطلقة والواسعة مثل المادة (3) عبارات فضفاضة ومطلقة (إذا كان لديه ما يحمله على الاعتقاد) (رأى أن هنالك أسبابا كافية) (فيجوز له أن يصدر) (ليبين إذا كان لديه أسباب تمنع من ربطه) (إما بكفالة كفلاء أو بدون ذلك) (خلال المدة التي يستصوب المتصرف تحديدها)
رابعا: كما فوضت الماده الثالثه الحاكم الإداري صلاحيات واسعة في تحديد من هو الشخص الذي يعتبر خطراً على السلامة العامة ولم يحدد القانون في الفقرة (1) أسس موضوعية يتبعها الحاكم الإداري ليقتنع بأن هذا الشخص يشكل خطراً على السلامة العامة أو على وشك إرتكاب جريمة وما هي معايير ذلك .
خامسا: بلإضافة الى المخالفة الجوهرية التي منحت الحاكم الاداري صلاحيات سماع الشهود والتحقيق وإصدار الاحكام دون أي ضمانات للمحاكمة العادلة ودون مراعاة إختصاص القضاء فضلاً عن أن الاحكام الصادره تعتبر من قبيل القرارات اللادارية التي لا يقبل الطعن بها إلا أمام القضاء الاداري مما يشكل عقبة أمام من يسك هذا الطريق.
ما الجديد في مسودة القانون المعدل لقانون منع الجرائم
اولا : جاءت مسودة مشروع القانون المعدل لقانون منع الجرائم لسنة 2011 بتعديلات قيدت بموجبها صلاحيات الحاكم الاداري في حالتي القبض والتوقيف والزمتة بإصدار قرار خلال مدة لا تزيد عن 24 ساعة من تاريخ القاء القبض على أي شخص، عوضاً عن الصلاحيات الفضافضة التي منحتها له المادة الرابعة من القانون الاصلي والتي تم الغائها وأستعيض عنها بالنص التالي (اذا تبلغ أي شخص من المذكورين في المادة(3 ) من هذا القانون مذكرة للحضور امام الحاكم الاداري ولم يمثل أمامه خلال المدة المحددة في المذكرة فللحاكم الاداري أن يصدر مذكرة للقبض على ذلك الشخص، على أن يصدر الحاكم الاداري قراره بشأن ذلك الشخص وفق أحكام هذا القانون خلال مدة لا تزيد على 24 ساعة من تاريخ القبض عليه.وفي هذا النص نقول بأن الاشكالية لاتزال قائمة وكان الجدر على المشرع هنا ان امتنع الشخص من المثول امام الحاكم الاداري ان ينظم بحقه ضبط ويحيله الى المدعي العام كون القضاء صاحب الصلاحيه في إصدرا مذكرات الضبط ولا يجوز تفويض هذه الصلاحيه لغير القضاء .
ثانيا: ألغت مسودة مشروع القانون المعدل لقانون منع الجرائم المادة (5) منه واستبدالها بالنص في الفقرة (1) إذا تخلف الشخص الذي صدر قرار بتكليفه تقديم تعهد وفق أحكام الفقرة (2) من المادة (5) من هذا القانون عن تقديم هذا التعهد فللحاكم الاداري أن يقرر توقيفه لمدة لا تزيد على15 يوما غير قابلة للتجديد ويكون قرار التوقيف قابلاً للإعتراض أمام وزير الداخلية أو من يفوضه ،ى هذا النص بشكله الحالي يكرس نزع الاختصاص من القضاء ويبتدع طرق جديده من شأنها أن تصبح نهجاً في عدم ضمانات المحاكمه العادلة إذ لا يتصور ان يتم الطعن في قرار لوزير الداخليه وكأن هذا النص يوحي بان هناك نية مسبقه لعدم منح القضاء إختصاصه الاصيل وكان الاجدر منح ذلك للادعاء العام.
ثالثا: نصت الفقرة (2) من نفس الماده على أنه إذا إنقضت المدة المشار اليها في الفقرة (1) من هذه المادة دون تقديم تعهد فعلى الحاكم الاداري إطلاق سراح الموقوف أو إحالته الى القضاء إذا وجد ما يستدعي ذلك. بذلك يكون المشرع الزم الحاكم الاداري بعدم جواز توقيف الشخص الذي يتخلف عن تقديم تعهد لمدة تزيد على15 يوماً غير قابلة للتجديد، إلال ان الاختلال في النص لايزال قائم لايمكم قبول صياغة نص بهذا الشكل يفوض فيه الحاكم الاداري توقيف الاشخاص ويبقي الصلاحيات المطلقه على سبيل التخيير للحاكم الاداري إما أن يطلق سراحه أو أن يحيله الى القضاء إذا وجدت مايستدعي ذلك فهذه الصياغة غير مقبوله شكلاً ومضموناً.
رابعاً: ألغت مسودة مشروع القانون في المادة (6) منها نص المادة(9) من القانون الاصلي، وأستيعض عنها بالنص التالي "للحاكم الاداري أن يقرر الاحتفاظ بأي شخص يخشى من وقوع إعتداء عليه في أماكن أو مراكز تحدد بمقتضى نظام خاص يصدر لهذه الغاية يراعى فيها تأمين الرعاية والحماية لذلك الشخص لحين زوال الاسباب الداعية لذلك". في مثل هذه الحالات التي يخشى تعرض الشخص فيها الى خطر تحتاج الى حماية لكن حتى يتم الخروج من إشكالية الاختصاص كان الاجدر أن ينسب الحاكم الاداري في ذلك الى المدعي العام وهو من يصدر القرار ويحدد مكان الحماية لهذا الشخص وأن لا يتم الاحالة الى أي نظام فإن دور الحماية والرعاية معلنه ومتاحه ولن يأتي النظام بجديد بالنسبة لها، هذا بالاضافة الى التأكيد على أن يتم ملاحقه مصدر الخطر وإحالته الى القضاء فلا يتصور أن يعاقب البرئ ويترك الجاني.
خامسا: المادة (7) من مسودة مشروع القانون المعدل نصت على تعديل المادة (11) من القانون الاصلي والتي تنص على أنه (1) يجوز لأي كفيل كفل أخر ليحافظ على الامن أو يكون حسن السيرة ان يقدم طلبا الى المتصرف لإلغاء الكفالة التي اعطاها وعندئذ يصدر المتصرف مذكرة حضور او مذكرة قبض الى الشخص المكفول حتى إذا ما مثل أمامه يلغي تلك الكفالة ويأمره بتقديم كفالة جديدة عن المدة الباقية فإذا لم يقدم هذه الكفالة يسجن الى أن يقدمها أو تنقضي مدة الكفالة. أما الفقرة (2) منها فقد نصت على أنه اذا رأى المتصرف أن الكفيل الذي كفل شخصاً أخر ليكون حسن السيرة أو ليحافظ على الامن قد أصبح غير أهل للكفالة فيجوز له أن يكلف الشخص المكفول أن يقدم كفيلاً أخر بدلا من ذلك الكفيل بالصورة نفسها ومع مراعاة الشروط عينها وأن يلغي الكفالة السابقة اذا لم يقم المكفول بذلك، هذا النص في الحقيقة يشكل إعتداء صارخ وخلل كبير على الحقوق والحريات وبوجود هذا النص نستطيع القول بأن مشروع القانون لم يأتي بجيد فما تزال الصلاحيات المطلقه متوفرة بل بمرونه أكثر من النص الاصلي إذ سيبقى الشخص عرضه للحبس طالما لم يقدم كفيل ونعلم كم إجراءات الكفاله فيها صعوبة ليفكر أي شخص بكفالة أخر هذا بالاضافة الى صلاحية الحاكم الاداري بالحكم على الشخص بأنه حسن السيرة وما هي ألية معرفة حسن السيره من عدمه هل كشف الاسبقيات هو المعول على ذلك في ظل عدم وجود سجل عدلي اذ بمجرد إرتكاب جرم حادث سير يبقى القيد الجرمي مرافق الانسان طيلة حياته.
سادسا: أصبحت المادة (11) وفق مسودة مشروع القانون المعدل تنص على إلغاء عبارة ( فاذا لم يقدم هذه الكفالة يسجن الى ان يقدمها او تنقضي مدة الكفالة) الواردة في أخر الفقرة (1) منها في حين نصت الفقرة الثانية منها بإلغاء عبارة ( اذا لم يقم المكفول بذلك خلال المدة المطلوبة) الواردة في أخر الفقرة (2) منها كما أضيفت الفقرة ثالثا والتي نصت "اذا لم يقدم الشخص المكفول الكفالة المطلوبة بمقتضى الفقرتين (1) و (2 ) من هذه المادة تطبق الأحكام المقررة في المادة (8) من هذا القانون والتي نصت على تعديل المادة (12) من القانون الاصلي بإلغاء عبارة او الدرك الواردة فيها.وهذا النص يعيدنا الى المربع الاول الذي يستطيع الحاكم الاداري اصدار ما يراه مناسباً بحقه .
خلاصة القول ،، على الرغم من التطور المحرز في مشروع القانون المعدل لقانون منع الجرائم إلا أن صلاحيات الحاكم الإداري ما زالت فضفاضة ومفتوحة ولا رقابة عليها سوى فطنة وضمير وعاطفة الحاكم الإداري غير المعصوم عن خطأ التقدير والحكم، فمشروع القانون المعدل ما زال يقوم على عبارات مبهمة وتقديرية ويمنح الحاكم الاداري صلاحيات شبه مطلقه ، إضافة الى أن القانون المعدل لم يقم بوضع أسس موضوعية واضحة أو ضوابط لتحديد " ماهية حالة الخطورة " التي يستند اليها الحاكم الاداري في إصدار قراره بالتوقيف الاداري ، تاركاً ذلك لسلطة الحاكم الإداري التقديرية، بخلاف التوقيف القضائي المبني على تهمة جنائية محددة منسوبه إلى شخص معين لتوافر أدلة تربطه في الجرم وأساس ذلك مبدأ القناعة الوجدانية الذي له من الضوابط القانونية والموضوعيه الكثير للوصول اليه.
وعلية يمكننا القول بأن التوقيف إجراء خطير يؤدي إلى سلب الفرد حريته وله العديد من الانعكاسات على حياته وسلوكه، ولا بد أن يكون صادراً من سلطة مختصة وهي السلطة القضائية، وأن يحاط بضمانات قضائية تكفل عدم التعسف بإستخدامه ولا يجوز اللجوء إلى الاحتجاز (التوقيف) في الظروف العادية، لأنه يتعارض مع المواثيق الدولية والمبادئ الدستورية الثابتة، التي تقضي بأن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص وأن توقيف أشخاص أكملوا محكومتيهم يتعارض مع المبدأ القائل بعدم جواز معاقبة الشخص عن نفس الجرم مرتين بالإضافة إلى أن ذلك يعتبر تعدياً على إختصاص السلطة القضائية، هذا بالاضافه الى ان مشروع القانون لم يتطرق من قريب او بعيد الى عقوبات بديلة او محاولة ايجاد بدائل اصلاحية لاصحبا السوابق الذين يعتبرون من وجهة النظر المدافعة عن هذا القانون السبب وراء سن هذه القواعد القانونيه والانطلاق من الاستثناء الى الاصل اذ الاصل صلاح المجتمع والاستثناء وجود اصحبا سوابق ، ولا يتواءم هذا القانون مع الدور الحضاري والحقوقي والتحول التنموي لدور الحاكم الاداري اذ يجب الخروج من الذهنيه التقليدية تجاه الحكام الاداريين.
وعليه فإن القول بإلغاء هذا القانون نجد له مبرر،، ذلك أنه قانون مرحلي أملته ظروف إجتماعية وتاريخية في بداية إرساء دولة القانون والمؤسسات، وأن هذه الظروف لم تعد قائمة في وقتنا الحالي، وذلك بتطور المجتمع الأردني ونضوج دولة القانون والمؤسسات، وتعزيز دور القضاء وتطبيق الأحكام الواردة فيه وهذا كله يتنافى مع توجه الدولة الأردنية نحو تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية ومبدأ الفصل بين السلطات وفي حال الاصرار على إقراره أن تقوم اللجنة القانونية في مجلس الامه بالاخذ بالتوصيات التالية قبل إقرار هذا القانون وهي :
حصر صلاحيات التوقيف بالجرائم الخطيرة (الجنايات ) مثل جرائم القتل والزنا والسفاح وهتك العرض والاغتصاب على سبيل الحصر تحت إشراف السلطة القضائية بما يتوافق مع قانون العقوبات و قانون أصول المحاكمات الجزائية والذي حد من حالات التوقيف وبعدم جواز تجديد التوقيف إلا بموافقة المحكمة المختصة ووضع حدا أعلى لها.
البحث عن بدائل للإقامه الجبرية ونقل تلك الصلاحية الى السلطة القضائية ، وقصرها على وجود حالة التكرار الجرمي في مجال الاعتداء على الأشخاص وتحديداً جرائم القتل وهتك العرض والإيذاء البليغ وجرائم السرقات الموصوفة (الجرائم الخطيرة ) وفي حالة التكرار ايضاً،مع الأخذ بمبدأ ملائمة الإجراء الضبطي مع الخطورة الجرمية عند فرض الإقامة الجبرية .
ضرورة الاسراع في إنشاء سجل عدلي لدى وزارة العدل مبني على أحكام قضائية مبرمة بدلاً من الاعتماد على السوابق لدى الجهات الأمنية، من أجل التنفيذ السليم لأحكام القانون.
تحديد حد أعلى للكفالة المالية وعدم المبالغة بقيمة الكفالة المطلوبة لانها تشكل عبئاً على كاهل الموقوفين .
سحب صلاحية الحاكم الاداري في اصدار مذكرات القبض والتوقيف واحالة ذلك الى الادعاء العام