الاغتصاب عندما يُعفى بالقانون
-وثائقيات حقوق الإنسان- خاص
يتواصل النقاش بين المتفاعلين على صفحة "لنحارب الاغتصاب" على موقع "فيس بوك" الاجتماعي الضاغطة لتعديل المادة ٣٠٨ من قانون العقوبات الأردني ٢٠١٠ والمطالبة بتشديد العقوبات على المتسببين.
وفكرة الصفحة بدأت بعريضة تحمل بنود المادة القانونية التي تنص على وقف الملاحقة القضائية للمعتدي في جرائم الاغتصاب وهتك العرض للفتاة القاصر في حال عقد زواج صحيح بين المعتدي والضحية ما لم يكن المعتدي مكرراً للفعل، ويتم تنفيذ العقوبة على المعتدي قبل انقضاء ثلاث سنوات على الجنحة وخمس سنوات على الجناية إذا انتهى الزواج بطلاق المرأة المعتدى عليها دون سبب مشروع.
الروائية فيروز التميمي، إحدى نشطاء الصفحة ترصد لنا تفاعلا كبيرا بين جمهور الشباب على الصفحة والعريضة التي فاقت ١٥٠٠ موقع، “ الردود إيجابية بين طلاب الجامعات وممثلي المجتمع المدني لأجل التوعية بهذه المادة وهذه خطوة مهمة”.
وترى التميمي أن واحدة من أولياتهم الراهنة هي استهداف واستقطاب أشخاص مؤثرين في المجتمع بغية إحداث التأثير على المجتمع ومن ثم تعديل المادة القانونية.
“نحن نرفض هذه المادة القانونية، وسنعمل على تغييرها من خلال الاستماع إلى كل الآراء والمؤثرين وما هي اقتراحاتهم لتغيير الأفعال اللاحقة"، تقول التميمي.
والخطوة الراهنة بالنسبة للفاعلين على الحملة هو الوصول إلى عدد ٢٠ ألف موقع على العريضة لإعطائها الشعبية والزخم، إلى جانب التوعية المجتمعية.
وعن ردود الفعل المتوقعة تجيب فيروز أنهم رصدوا كل أشكال ردود الفعل المتوقعة من "بستر عليها" وهذا أمر متوقع من عقلية مجتمعية ما تزال تنظر إلى الفتاة المغتصبة على أنها حياتها انتهت.
وعن أي دور متوقع من قبل وزارة شؤون المرأة، تعلق التميمي "أن على الوزارة أن تأخذ إجراء فعلي وتبادر بمحاورة الحملة لأجل أخذ إجراء فعلي".
الزميلة الصحفية سوسن زايدة كانت قد أعدت تقرير موسعا حول اغتصاب الزوجات باسم القانون في العام ٢٠٠٩ والذي تناول بالتفصيل واقع النساء المتعرضات للاغتصاب واللواتي يعشن حياتهن مع مغتصبيهن.
الاغتصاب: جريمة محمية بالقانون
لم تجد “سهام” في القوانين ما يحميها ويسترد حقها بعد ان اغتصبها “ابن عمها” الذي كان عقد قرانه عليها جمعا مع الخطبة كما هي العادات والتقاليد السائدة في المجتمع الأردني.
ارادت سهام التعرف على خطيبها بعد عقد القران. لكنها اكتشفت فيه الرجل غير المناسب لها فطلبت فسخ عقد القران. فما كان منه الا ان اختطفها بمساعدة اشقائه واغتصبها وفقدها عذريته بقصد اذلالها.
الاهل المصدومون بهذا الفعل رفعوا دعوة اغتصاب امام القضاء الذي وجد نفسه عاجزا عن محاكمة الجاني، لانه اعتبرها زوجته بدليل عقد القران. فما كان منهم الا ان طلبوا من “المغتصب” الزواج بسهام سترة لها الا انه رفض ايضا.
“سهام واحدة من ضحايا التناقض بين العادات والأعراف والقوانين والدين”، تقول الدكتورة إسراء طوالبة في المركز الوطني للطب الشرعي الذي استقبل سهام كواحدة من حالات عدة لنساء يلجأن للمركز بعد تعرضهن لأشكال مختلفة من العنف.
“وقف القضاء عاجزا عن مساعدة سهام لمجرد انه عقد قرانه عليها، فلا يوجد في القانون ما يسمى اغتصاب الزوجة، بغض النظر كيف فض غشاء بكارتها فهذا حقه شرعا. ووقف القضاة عاجزين عن مساعدة الفتاة، وكذلك النظام العشائري في بلدتها”.
القاضي الشرعي عمر الخريسات يؤكد أن الحادثة “وإن كانت بالهيكل العام توحي بأنها اغتصاب لكن في نص القانون هذا لا يعتبر اغتصابا”. ويوضح أن الاغتصاب “هو أن يقوم رجل باغتصاب امرأة لم تكن زوجته. وبمجرد أن يتم عقد القران تكون زوجته ولها حقوق وعليها واجبات”.
وعن قضية سهام يبين الخريسات أن خطيب سهام لم يخرق القانون، “لكنه بفعلته هذه فهو خالف عرفا وعادة. وارتكب عنفا ضدها”.
ويرى القاضي الشرعي أن “هناك حاجة إلى تشريعات أو أنظمة تضبط مثل هذه الحالات، لأن القيم والأعراف اختلفت. وكل عقوبة يجب أن يكون لها تكييف قانوني بالجزاء”.
“في الدول العربية والإسلامية من المستحيل اعتبار إكراه الزوج للزوجة على الجنس بأنه اغتصاب، بل يطلقون عليه “سوء المعاشرة الجنسية” لكنه غير مجرم قانونا”، تقول إنعام العشي، محامية وناشطة في المعهد الدولي لتضامن النساء. “ذلك لأن عقد الزواج ينص على أن غاية من غايات الزواج “استمتاع الزوج بزوجته”، لذلك يحق للزوجة في بعض البلدان مثل مصر أن تطلب بدل متعة”.
ويلفت عضو اللجنة المركزية في اتحاد المرأة الاردنية المحامي صالح الديسي إلى أن “الفتيات في فترة الخطوبة قد يتضررن من عدم تجريم القانون لفعل مواقعة الزوجة بالاكراه. إذ لا عقوبة على مواقعتها بعد الخطبة وقبل الدخول فهي في هذه الحالة زوجة شرعية. وقد ظهرت في الاونة الاخيرة عدة حالات تم فيها مواقعة الخطيبة سواء بالاكراه، بالحيلة او بالخطف ولم يتم الزواج والدخول بها وفق أعراف المجتمع”.
وتؤكد المحامية والناشطة هيفاء حيدر أن قانون العقوبات الأردني فصّل كافة حالات الاغتصاب، لكنه استثنى منها الزوجة التي يغتصبها زوجها. وتتشابه في ذلك قوانين الدول العربية باستثناء تونس التي تجرم “اغتصاب الزوجة” كما هو حال دول عديدة أخرى.
و”المعضلة عند اللجوء للقضاء تكون في القانون”، تقول حيدر. “يجب أن يكون هناك ضرر بالغ وتقارير طبية تظهر وجود أثار عنف كالكدمات حتى تتمكن السيدة أو محاميتها من إثبات ذلك. كما أنه لا يوجد نص قانوني يجرم هذه الحالات. وهذا يساعد على إطلاق يد الرجل ليفعل ما يشاء”.
قانون يستثني “الزوجة”
ينص قانون العقوبات، في مادته 292 رقم 9 في بند الاغتصاب على أن كل “من واقع أنثى (غير زوجته) بغير رضاها سواء بالإكراه أو بالتهديد أو بالحيلة أو بالخداع عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن عشر سنوات. وكل شخص أقدم على اغتصاب فتاة لم تتم الخامسة عشرة من عمرها يعاقب بالإعدام.”
ويرد في المادة رقم 10 أن “من واقع أنثى (غير زوجته) لا تستطيع المقاومة بسبب ضعف أو عجز جسدي أو نفسي أو عقلي، يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن عشر سنوات”. وتنص المادة (294) من قانون العقوبات أن “من واقع أنثى (غير زوجته) أكملت الخامسة عشرة ولم تكمل الثامنة عشرة من عمرها عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن خمس سنوات”.
ولا ينسجم هذا النص القانوني مع المادة الثانية من الإعلان العالمي بشأن القضاء على العنف ضد المرأة، والتي تنص على أن “العنف ضد المرأة يشمل على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، ما يلي: أ. العنف البدني والجنسي والنفسي، الذي يحدث في إطار الأسرة بما في ذلك الضرب والتعدي الجنسي على أطفال الأسرة الإناث، والعنف المتصل بالمهر، واغتصاب الزوجة، وختان الإناث وغيره من الممارسات التقليدية المؤذية للمرأة، والعنف غير الزوجي والعنف المرتبط بالاستغلال.”
كما عرّف التقرير الصادر عن منظمة الصحة العالمية حول العنف المنزلي لعام 2005، العنف الجنسي بوصفه أحد التصرّفات التالية: إكراه امرأة على إقامة علاقة جنسية؛ إقامة علاقة جنسية معها تحت التهديد؛ إكراهها على القيام بممارسة جنسية تعتبرها مهينة أو محبطة لقيمتها.
قانون يتعارض والشريعة
أستاذ الفقه الإسلامي في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية، الدكتور محمد القضاة يرى أن “الأصل أن تقوم العلاقة بين الزوجين على السكن النفسي والمادي وعلى المودة والرحمة والمحبة والمعروف “.
ويعتبر القضاة لجوء الزوج إلى إجبار زوجته على المعاشرة الجنسية، اغتصابا. “أو قد يلجأ بعض الأزواج إلى إشباع رغبتهم الجنسية بطريق حرمه الله تعالى، وبطريق بشع ووحشي وهذا يعد اغتصابا، ويصل إلى حد التحريم في الإسلام، والله أعلم”.
قانون العقوبات، بحسب أستاذ الفقه الإسلامي، “قانون وضعي يتعارض في بعض الأحيان مع منطلقات الشريعة الإسلامية التي تجرم وتمنع الزوج من هذه المعاملة السيئة مع زوجته”. وينفي أن تكون هذه القوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية.
الإساءة الجنسية: تعددت الاشكال والعنف واحد
العنف الجنسي، توضح الدكتورة طوالبة، لا يكون فقط بالإجبار على الجنس والعنف في ممارسته، وإنما أيضا بالإهمال والهجران والمنع من الجنس أو من الاستمتاع به. “فقد يكون الزوج متزوج من أخرى أو له علاقات جنسية أخرى ويلبي حاجته الجنسية مع غير الزوجة. أما هي فلا يمكن لها أن تلبي حاجتها من غير الزوج وبالتالي تبقى محرومة”.
وتصف الدكتورة طوالبة حالات لنساء “يتعرضن للضرب والذل من الزوج طوال النهار، أو أنها تعمل وتتعب خارج البيت وداخله، وفي الليل يجبرها على الجنس ويقول لها أن الملائكة ستلعنها إن لم تستجب له”.
الأخصائية هيفاء حيدر، ترى ان احد اسباب العنف الجنسي يعود الى :”غياب ثقافة جنسية صحيحة وغياب الحوار حول هذه القضية. السيدة هنا لا تتقبل العنف وتكون مرغمة ولا تستطيع أن تقول لا، وبعد فترة من الحرمان والمعاناة والعذاب تأتي للاتحاد وتقول “أنا لم أعد أتحمل. للأسف بدل أن تكون العلاقة الزوجية مصدرا للحب والطمأنينة أصبحت هدفا للتفنن والعنف”.
“الرغبة الجنسية هي رغبة وحاجة لدى الطرفين، ومن غير المقبول أن تكون العلاقة الجنسية لإرضاء رغبة أحد الطرفين على حساب الطرف الثاني”، تقول العشي.
“إذا استفتيت النساء حول اللذة الجنسية، تقول الناشطة العشي، فستجدي أن الكثير منهن سيستغربن السؤال ولن يستطعن الإجابة لأن لديهن مشاكل في هذا الجانب”.
وهو ما تؤكده زميلتها حيدر حول حالات نساء لجأن لاتحاد المرأة، متزوجات منذ سنوات وأنجبن ولم يعرفن اللذة الجنسية. “هؤلاء النساء يعتبرن الجنس واجبا يقمن به وصفن العملية بقولهن: “يعمل عملته بسرعة ويريحنا”.
وعن حجم مشكلة غياب الثقافة الجنسية، تقول الطوالبة: “أحد العاملين في الأمن وبرتبة عالية قال لي مرة: “هذا ما ينقصنا، أن نقدم استدعى لنسوانا لكي ننام معهم”.
الحديث في الجنس عيب وحرام!
“يوجد في بلادنا مثلث محرم هو السياسة والجنس والدين، لا يجب الاقتراب منها، تقول العشي، فالجنس هو من القضايا المسكوت عنها، لكن هذا لا يعني أن النساء لا يتعرضن للعنف أو لإكراه الزوج لهن في الجنس. وعدم وجود أرقام لا يعني أن المشكلة غير موجودة، فالنساء يخجلن من الحديث في هذه القضية، وإن تحدثن فلا يقلن كل شيء”.
“النساء عموما يتحدثن بداية عن مشكلاتهن تحت مظلات أخرى غير المظلة الحقيقية للمشكلة. لكن بعد الحديث مرارا وتكرارا يتبين أن المحرك الأساسي للمشكلة مع زوجها هو سوء معاشرة الزوج الجنسية لها”، تقول العشي.
عندما تتحدث اخصائية مع زوج يسيء المعاشرة الزوجية يجيب بأنه “يمارس حقه الشرعي وليس مضطرا لأخذ إذنها”.
“هذا مرتبط بسوء تفسير الشريعة الإسلامية وغياب الثقافة والوعي الجنسيين والخجل عند الحديث حول هذا الموضوع”، تقول العشي.
تتحدث حيدر عن حالات نساء يشكين من إصابتهن ببرود جنسي وندرة وضعف العلاقة الجنسية مع الزوج نتيجة وجود عجز لدى الزوج، لكنها تتحرج من قول ذلك.
احصائيات النساء المعنفات أقل من الحقيقة
مستشار الطب الشرعي في وزارة الصحة والخبير الدولي في مواجهة العنف، الدكتور هاني جهشان، يبين أن عدد حالات العنف التي راجعت عيادة الطب الشرعي المتعلقة بالعنف الاسري خلال عام 2009 بلغت 1371 حالة.
42% من هذه الحالات هي عنف ما بين الزوجين، كانت المرأة ضحية في 98.5% من الحالات وكان الرجل الضحية في 1.5% من الحالات، في حين أن 5% من الحالات كانت المرأة غير المتزوجة هي الضحية بتعرضها للعنف من قبل أشقائها أو والدها.
لكن الإحصاءات المتوفرة عن حالات العنف ضد المرأة في الاردن والمبلغ عنها للجهات الرسمية، وفقا لجهشان، “لا تعكس واقع إنتشار المشكلة، لأن اغلب النساء المتعرضات للعنف لا يطلبن المساعدة الإجتماعية، القضائية او الطبية بسبب الثقافة السائدة في المجتمع والتي تتقبل ثقافة العنف، او بسبب عدم إدراكهن في بعض الأحيان أنهن يعشن علاقة عنف مع أزوجهن، اضافة الى الخزي والعار المرتبط بالعنف”، موضحا أن “المرأة تعتقد أنها تستحق الإساءة وقد تخاف أن طلبها للمساعدة سيهدد سبل دعمها المادي، أو بسبب أملها في أن زوجها سيتحسن أو يتغير مستقبلا.
وبعض النساء، وبكل معنى الكلمة، هن أسيرات في منازلهن. ولجميع هذه الأسباب فإن الأرقام الإحصائية عن العنف الأسري لا تعكس حقيقية المشكلة بأي حال من الأحوال، وبناء على ذلك فإن إعتبار أن العنف ضد المرأة ليس بظاهرة في الأردن بالمرجعية الإحصائية ليس قائما على سند علمي دقيق”.
وفي حين أن الاحصائيات المعلنة عن العنف ضد المرأة لا تعكس الواقع بسبب وجود نساء معنفات لا يلجأن للجهات المختصة، تزيد هذه الفئة الصامتة بين النساء اللاتي يتعرضن للاغتصاب من الزوج، مما يجعل من الصعوبة حصر أعداد هذه الحالات.