مفاعل "عمرة": اصرار حكومي يتجاهل الرفض الشعبي وتحذيرات الخبراء

مفاعل "عمرة": اصرار حكومي يتجاهل الرفض الشعبي وتحذيرات الخبراء
الرابط المختصر

جادالله: المواطن يستطيع دفع فاتورة الكهرباء ولكن ليس حياته فاتورة للنووي!

الفايز: الحكومة تهمل الطاقة المتجددة لصالح المشروع ولم تستشر النواب ولا المواطنين

برقان: الاثار السلبية لا تقتصر على احتمالات التسرب بل تبدأ بمجرد انشاء المفاعل

يرى رئيس بلدية الازرق بهجت جادالله ان المواطن "يستطيع دفع فاتورة الكهرباء ولكن ليس حياته فاتورة للنووي" في اشارة الى المفاعل الذي تصر الحكومة على اقامته في منطقة قصر عمرة المجاورة لمدينته، متجاهلة حالة الرفض الشعبي العارمة وتحذيرات الخبراء.

وكان رئيس هيئة الطاقة الذرية خالد طوقان اعلن عن اختيار هذه المنطقة لاقامة اول مفاعل نووي في المملكة، على ان يعقبه بناء مفاعلات صغيرة في مرحلة لاحقة.

وتقرر بادئ الامر اقامة المفاعل في منطقة العقبة، ثم جرى الحديث عن اقامته في المفرق، واخيرا استقر الحال على منطقة قصر عمرة الاثري التي تبعد حوالي 22 كيلومترا الى الغرب من مدينة الازرق في الصحراء الشرقية للبلاد.

ويعود تاريخ قصر عمرة الى العام 750 ميلادية، حيث بناه الامويون كمنتجع لامرائهم في هذه المنطقة التي كانت تشتهر حتى وقت قريب ببحيراتها وبتنوعها الاحيائي الذي يجتذب السياح.

لكن منطقة الازرق فقدت بريقها في تسعينيات القرن الماضي مع جفاف بحيراتها بفعل عمليات الضخ الجائرة لمياهها الى العاصمة عمان التي تبعد حوالي 80 كيلومترا الى الغرب منها.

واكد طوقان ان الخيار النووي فرض نفسه في ظل التحديات التي تواجهها المملكة والمتمثلة في استيرادها 97 بالمئة من احتياجاتها من الطاقة، وهو ما يستنزف نحو20 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي.

وقدر ان تكون كلفة الكيلو واط من الكهرباء المولدة من المفاعل سبعة قروش مقابل تكلفة حالية تبلغ 18 قرشا.

وقال طوقان ان اختيار موقع المفاعل في منطقة قصر عمرة جاء بعد دراسات شملت جميع مناطق المملكة، مشيرا الى ان لدى الحكومة خطة مدتها عامان للتواصل مع الجمهور وتوضيح الحقائق للوصول إلى القبول المجتمعي.

مفاعل ستوك!

حسب ما اكده جادالله فان اي مسؤول في هيئة الطاقة الذرية لم يقم الى الان بزيارة المنطقة والتحدث الى الاهالي لتوضيح ابعاد المشروع.

وقال لـ"هنا الزرقاء" ان "ما وصلنا من معلومات هو ان المفاعل ستوك (مستعمل)، اي انه سيكون عرضة لتسرب الاشعاعات، وسيكون المتضرر الاول هو ابناء المنطقة" البالغ عددهم نحو 24 الف نسمة.

وردا على تصريحات طوقان حول خفض قيمة توليد الكهرباء بالاعتماد على المفاعل، اكد جادالله ان المواطن "يستطيع دفع فاتورة الكهرباء ولكن ليس حياته فاتورة للنووي".

واكد ان هناك "رفضا مطلقا" من الاهالي للمشروع الذي توقع ان يقضي على ما تبقى من معالم السياحة في المنطقة.

وكان جادالله يتحدث قبل ايام من اعتصام رافض للمفاعل نفذته قوى وفعاليات شعبية من قبيلة بني صخر التي تشكل التجمع السكاني الاكبر في المنطقة الى جانب عشائر الحويطات والدروز والشيشان ونشطاء بيئيين.

ورفع الاعتصام شعار "عمرة أموي مش نووي"، وهو الثاني منذ الاعلان عن اختيار المنطقة لاحتضان المفاعل.

وقال غاندي ابو شراره رئيس حزب الخضر تحت التأسيس، والذي شارك حزبه في العديد من الاعتصامات الرافضة للخيار النووي في الاردن، انهم بصدد تشكيل لوبي شعبي ضاغط من الشعب والنواب لوقف تنفيذ هذا المشروع.

وبدورهم، عبر مواطنون تحدثوا لـ"هنا الزرقاء" عن مخاوفهم من احتمالات التسرب في المفاعل وطالبوا بابعاده عن المدن.

واكدت المواطنة سحر موسى رفضها إقامة المفاعل في منطقة قصر عمرة كونها منطقة أثرية يجب المحافظة عليها.

وقالت أن المفاعل سيكون بحاجة الى كميات كبيرة من الماء لتبريده، وهي كميات يبدو من الصعب توفيرها في ظل ان الاردن بلد فقير بثرواته المائية، واعتبرت ان المواطنين اولى بالماء من المفاعل.

وتساءلت سحر عن سبب عدم اللجوء الى مصادر الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء، كالشمس التي تسطع في سماء المملكة تسعة شهور في العام.

استنزاف للخزينة

من جانبها، اعتبرت النائب هند الفايز ان الحكومات تهمل الطاقة المتجددة لصالح تنفيذ المشروع الذي تتفرد به هيئة الطاقة الذرية.

واعتبرت الفايز ان الهيئة تمثل عبئا على موازنة الدولة، حيث انها تكلف الخزينة 30 مليون دينار سنويا كرواتب لموظفيها وقيمة ابحاث ودراسات.

وقالت ان رئيس الهيئة ضرب عرض الحائط بمطالب النواب تقديم دراسات تبين الجدوى الاقتصادية للمشروع، متسائلة عن المصادر التي سيتم جلب المياه منها لتبريد المفاعل الذي كانت ميزانيته المقدرة 800 مليون دولار وقفزت الان الى 10 مليارات.

واكدت الفايز ان الحكومة لم تستشر المواطنين او مجلس النواب الذي فوجئ باختيار منطقة قصر عمرة لاقامة المفاعل.

وقالت ان المفاعل المزمع هو من الجيل الثالث الذي يتحفظ الخبراء حول نقائص في تصميمه ومنها اجهزة تعد ضرورية لمنع حوادث التسرب.

واشارت الفايز الى ان الولايات المتحدة على سبيل المثال اختارت صحراء اريزونا غير الماهولة لبناء هذا النوع من المفاعلات، في حين ان الصحراء الشرقية في الاردن لا تعد خالية باي حال، حيث تقطنها تجمعات بشرية.

اشعاعات وسرطان

لا تقتصر الاثار السلبية للمفاعل على احتمالات التسرب فقط، بل هي تبدأ بمجرد انشائه كما اكد الناشط البيئي باسل برقان.

وقال برقان انه لا يمكن تفادي الاشعاعات التي تصدر من المفاعل، والتي تزيد من نسب الاصابة بالسرطان، موضحا ان هذه الاشعاعات تمتد الى مسافة 60 كيلو مترا حول محيط المفاعل.

واضاف ان المفاعلات حول العالم تبنى قرب الانهر والبحار لتبريدها وكذلك لاحتواء اية كارثة محتملة كما حصل في حادث انصهار مفاعلات محطة فوكوشيما في اليابان، والتي لم تتم السيطرة عليها حتى اليوم.

وتساءل حول الطريقة التي سيتم فيها تبريد المفاعل في منطقة قصر عمرة الفقيرة مائيا، معتبرا ان اقامة المفاعل في مثل هذا المكان الصحراوي يعد امرا "خطير جدا".

وكان طوقان اعلن ان تبريد المفاعل سيعتمد على المياه المتوفرة في محطة تنقية الخربة السمراء قرب مدينة الزرقاء.

لكن برقان اعتبر ان مياه الخربة السمراء وحدها لا تفي بالغرض وانه ينبغي اقامه محطة ثلاثية لتوفير الكميات المطلوبة.

واضاف ان جر مياه المحطة الى المفاعل سيعني بالضرورة وقف ضخها الى العديد من المزارع في الاغوار والتي تعتمد عليها كليا، كما سيرتب تكاليف اضافية على المشروع.

واشار برقان الى انه تم صرف 97 مليون دينار الى الان على  دراسات تنفيذ مشروع المفاعل دون الوصول الى نتيجة.

واوضح انه جرى انفاق 7 ملايين دينار على دراسات اقامة المفاعل في العقبة، وقد صرف النظر عن ذلك بعدما تبين المنطقة تقع على خط اخدود وادي الاردن الزلزالي، وبعد رفض السعودية بناءه على الجبال المحاذية لحدودها.

واضاف انه جرى بعد ذلك انفاق ثلاثة ملايين دينار على دراسات اقامة المفاعل قرب الخربة السمراء، ولكن قبيلة بني حسن التي تقطن المنطقة واجهت هذا الخيار بالرفض.

البديل متوفر

 المبالغ السابقة، وكما يقول برقان، صرفت بدون الوصول الى نتيجة، ولو انفقت على مشاريع الطاقة المتجددة لكنا الان وصلنا الى مراحل متقدمة في هذا المضمار.

واضاف انه في العام 2008 تحدثت الحكومة عن 800 مليون كتكلفة للمشروع ولكن الان يجري الحديث عن 10 مليارات.

واوضح ان مشاريع الطاقة المتجددة كالشمس والرياح، وهي طاقة نظيفة بخلاف الطاقة النووية، لم تكن لتكلف الدولة اية مبالغ، حيث ان الشركات ستتكفل بجميع نفقاتها، وفي نهاية المطاف ستبقى هذه المشاريع سيادية وموظفوها من الاردنيين.

ولكن المفاعل النووي، كما يقول برقان، سيكون بأيادي روسية والعاملون فيه والذين يصل عددهم الى الف موظف سيكونون برمتهم من خارج الاردن الذي يفتقر الى خبراء في هذا المجال.

وكان طوقان اعلن ان الاردن توجه الى الخيار الروسي لبناء المفاعل، مبينا انه يشمل تكنولوجيا المفاعلات الروسية والمقدم من شركة (اتوم ستروي اكسبورت) كجهة مزودة للتكنولوجيا النووية.

واضاف انه تم اختيار شركة (روست اتومافرسيز) كشريك استراتيجي ومستثمر/ ومشغل للمحطة النووية الأردنية الأولى، وفق اتفاقية تبرم بين الحكومتين الاردنية والروسية.

ولفت برقان الى ان هناك تكاليف مخفية لم يجر تقديم توضيحات بشأن من سيتحملها، هل هي الحكومة ام الشركة الروسية.

ومن ذلك تكاليف الحماية العسكرية، وجر مياه الخربة السمراء التي ستصل قيمة الانبوب الذي سيجري مده اليها الى 170 مليونا، اضافة الى كلفة اقامة بحيرة اصطناعية لهذه المياه قرب المفاعل والمقدرة كلفتها بما بين 300 و700 مليون دينار.

وايضا قال برقان ان شبكة الضغط العالي في البلاد لن تتحمل الطاقة الكهربائية الكبيرة التي ستضخ اليها وهو ما سيستوجب اعادة تأهيلها بمبالغ تصل الى مليارات الدنانير.

نفايات نووية

الى ذلك، فقد اشار برقان الى ان الموضوع الأهم هو التخلص من النفايات النووية، حيث انه لا يوجد في العالم الى الان منشآت للاحتفاظ بها بشكل دائم.

وقد رد طوقان سابقا على التساؤلات حول النفايات النووية قائلا ان مباحثات تجري مع الجانب الروسي لإعادتها الى بلد المصدر، وان هذا هو احد الخيارات.

مسألة اخرى نوه اليها برقان وتتعلق بما ستؤول اليه الحال في مواقع المفاعلات بعدما يتم تفكيكها عند انتهاء عمرها الافتراضي والمقدر باربعين عاما.

وقال في هذا الصدد ان كلفة اعادة تاهيل مواقع المفاعلات عالميا تتراوح حاليا ما بين 300 و600 مليون دولار، وهذه الكلفة ستصبح بالمليارات بعد 40 عاما.

وخلص برقان الى القول ان "15 دولة اوروبية قامت بإغلاق مفاعلاتها ومنها من رفضت اقامتها اصلا، فلماذا نبنيها ونحن دولة ليس لديها المؤهلات اللازمة؟".

جدير بالذكر ان "هنا الزرقاء" حاولت الحصول على تعقيب من هيئة الطاقة الذرية حول هذه القضية، ولكن دون جدوى.