مديرات الدوائر بالزرقاء يكشفن اسرار نجاح المراة في المواقع القيادية

مديرات الدوائر بالزرقاء يكشفن اسرار نجاح المراة في المواقع القيادية

رحاحلة: خبرتي السابقة جعلتني امضي في ادارتي بشكل طبيعي وسلس

شديفات: تطبيق والقانون على الجميع مكنني من مواجهة كافة الصعوبات 

جودة: بالحزم والقرارات الملزمة، واحيانا بالعصا والجزرة

عبدالهادي: العدالة وعدم قبول الواسطة كفيل دوما بتسيير الامور

ربما هي المرة الاولى في تاريخ الزرقاء، التي يتزامن فيها تولي نساء لاربع من اكثر اداراتها الرسمية اهمية وحساسية، الامر الذي يحمل في طياته كثيرا من الدلالات على صعيد وضع المرأة في المناصب القيادية ضمن المحافظة.

ولعل في مقدمة الدلالات ما يشير الى نجاح المراة في اقناع صانع القرار وابناء المحافظة، وان بدرجات متفاوتة، بكفاءتها وقدرتها على قيادة مديريات باكملها، بعدما كان حظها لا يتجاوز رئاسة اقسام فرعية في البلديات وبعض المؤسسات الرسمية.

والادارات المقصودة هنا هي: الأحوال المدنية والجوازات، والبيئة، وهيئة النقل البري، والابنية الحكومية، والتي طالما تولاها رجال في السابق، ولم يكن كثيرون يستطيعون حتى مجرد تخيل ان توكل اي منها في يوم الى امرأة.

على ان وجود نساء على رأس هذه المؤسسات الحيوية، ليس بالسهولة التي يتصورها البعض، فدون ذلك تحديات ومتاعب تتخطى باضعاف ما يواجهه الرجل، وتكشف عنها تجارب مديراتها الاربع.

الاحوال المدنية

في 11 حزيران 2015، تم تعيين مريم رحاحلة مديرا لمديرية الاحوال، كأول سيدة تتولى هذا المنصب على مستوى المملكة في الزرقاء

وبحكم موقعها الجديد، باتت رحاحلة التي تحمل درجة البكالوريوس في العلوم السياسية والادارة العامة، مسؤولة عن سبعة مكاتب احوال يعمل في كل منها ما بين 8 و15 موظفا، اضافة الى 55 موظفا اخر في المديرية الرئيسية في الزرقاء.

وتؤكد المسؤولة المخضرمة ان اسناد المنصب اليها جاء في ضوء الاقدمية والجدارة "تسلمت وظيفتي مديرا لمديرية احوال وجوازات الزرقاء حسب التسلسل الاداري والاستحقاق الوظيفي وثقة المسؤولين"، وبعدما "اثبت جدارتي أثناء تسلمي منصب مدير مكتب في الرصيفة والزرقاء الغربية".

ومع اقرارها بان تسيير امور الموقع الجديد لم يكن سهلا، لكن رحاحلة تشير الى ان خبرتها ومزاملتها السابقة لكثير من الموظفين لعبت دورا في تقليص التحديات والعقبات التي واجهتها منذ الايام الاولى لها كمدير.

وقالت في هذا الصدد "انا خدمت مع معظم الموظفين الذين يعملون في مديرية احوال الزرقاء على مستويات وظيفية مختلفة، وواكبت بعضهم منذ تعيينهم في الدائرة وتابعت تدرجهم الوظيفي، وكان الود يطبع العلاقة المهنية معهم، وهذا ساعد بشكل كبير في الحد من الصعوبات والمشكلات الوظيفية عند تسلمي للادارة".

واضافت "عانيت في البداية من بعض التخوفات، فالمنصب غير سهل وهو يتطلب مواجهة في الميدان، ومواجهة للجمهور والموظفين، لكن خبرتي في العمل جعلتني امضي في امور الادارة بشكل طبيعي وسلس".

وتعزو رحاحلة نجاحها في موقعها الحالي الى الاسلوب الذي تنتهجه في الادارة، وقوامه سياسة الباب المفتوح مع الموظفين، والحزم عندما يستدعي الامر، وذلك من اجل تحقيق المصلحة العامة.

وعن ذلك تقول "لدي ايمان مطلق ان من حق الموظف معرفة واجباته وحقوقه وان يحصل على فرصة كافية ليعدل سلوكه الوظيفي قبل توجيه اية كتب خطية له وذلك لنوائم بين المصلحة الشخصية للموظف والمصلحة العامة للدائرة الرسمية".

وتستدرك "انا اعد للميلون، قبل اتخاذ اي اجراء تاديبي بحق موظف، لان معظم الاجراءات يترتب عليها خصومات مالية من راتبه، تؤثر لاحقا على عمله ووضعه النفسي، ولكن وكما اسلفت، فأنا الجأ للتوجيه وافهام الموظف واجباته ومساعدته على انجازها بأفضل شكل".

وعموما، تؤكد رحاحلة ان "الامور ماشية بشكل جيد جدا، واكثر والموظفين يعرفون مصلحة أنفسهم، ولا يدعون مجالا لمديرهم حتى يتخذ عقوبات ادارية بحقهم".

الابنية الحكومية

المهندسة منى شديفات مدير مديرية الابنية الحكومية في الزرقاء، تولت المنصب قبل عامين، وكانت قبلها قد شغلت ذات الموقع في محافظة جرش على مدار اكثر من ثلاثة اعوام.

وتقول شديفات التي تحمل البكالوريوس في هندسة الطرق، وتعد اول امراة تتسلم مثل هذه المديرية على مستوى المملكة عام 2011، ان "الادارة العليا في الاشغال العامة كانت رفضت لسنوات طويلة ان تكون امراة ميرا للاشغال قبل هذا التاريخ".

واوضحت ان الرفض كان بسبب "ما تتطليه طبيعة عمل مدير الاشغال من متابعة لامور الطوارئ في الاحوال الجوية المختلفة او اثناء الحوادث والشغب واغلاق الطرق" التي كانت تشهدها بعض المناطق من قبل الاهالي المطالبين بالخدمات.

ولخصت شديفات مهامها قائلة انها تتضمن "التواصل مع جهات كثيرة ذات علاقة بالعمل مثل الدوائر الحكومية التي نقوم بتنفيذ مشاريع لغايات خدمتها مثل بناء وصيانة المدارس والمراكز الصحية وغيرها.. وايضا الاتصال الدائم مع البلديات لتنظيم الاعمال وادارتها".

واشارت الى ان الكادر الذي يعاونها يتالف من "50 موظفا، منهم عشرون مهندسا ومهندسة وعشرة مراقبين، وما تبقى من الزملاء في المديرية يعملون في مهن ادارية ومحاسبية".

وفي ضوء تجربتها الشخصية، ترى شديفات التي مضى على عملها في وزارة الاشغال زهاء 23 عاما، ان اكبر عقبة تواجه المراة القيادية تتمثل في النظرة الاجتماعية المسيطرة، والتي تعتبرها "انثى ضعيفة وان الرجل هو الاقوى".

واشارت الى ان الامر لا يقتصر على المجتمع، بل هناك تحديات اخرى في اطار العمل، وهي التي تبرز من خلال سلوك بعض الموظفين سواء من الرجال او النساء، والذين يجدون صعوبة في تقبل حقيقة ان المسؤول عنهم امراة.

بيد ان شديفات تؤكد انها كانت قادرة دائما على مواجهة مثل هذه التحديات وتذليلها بالاستناد الى التطبيق الحازم لنصوص القانون.

وقالت "كنت اواجه جميع الصعوبات المهنية الداخلية بتطبيقي للنظام والقانون، وهذا ما عرفت به طوال فترة عملي سواء في جرش او في الزرقاء"، مقرة بانها تلمس "تحفظا من البعض خاصة الرجال بسبب تطبيق القانون بحزم من قبل مهندسة امراة تعمل على ايقاع عقوبة قانونية لمن تجاوز وخرق القانون"،

واشارت شديفات كذلك الى ان "هناك نوعا اخر من الرفض يتأتى على شكل رفض يعبر عنه رمزيا، وهو يصلني كشعور ليس الا. ويظهر هذا في ردود افعال الرجال الذين يعملون تحت امرة امراة، فهم احيانا لا يلتزمون ولا يظهرون الطاعة".

واكدت ان "العقوبات القانونية هي التي اوجدت الردع، وهذا اقوله للاسف وليس التوجيه والكلام. وقد احتجت شهرا واحدا منذ تسلم العمل مديرة للانبية كي استطيع فرض سلطتي المهنية على العاملين، واستخدمت بداية التوجيهات الشفهية قبل ان الجأ لفرض النظام والقانون امام التقصير بالعمل وعدم الالتزام بمواعيد الدوام".

وفي ما يتعلق بموقف زميلاتها بنات جلدتها من كونها مديرا عليهن، فقد لفتت شديفات الى انها استشعرت منهن غيرة اكثر من الرجال لدى توليها المنصب، مبدية اعتقادها بان "المراة احيانا هي عدوة للمراة، وتتقبل المدير الذكر اكثر من المديرة الانثى".

مديرية البيئة

تكشف مدير مديرية البيئة انعام جودة عن خوض بعض زملائها الذكور لما يشبه الحرب ضدها غداة تكليفها بالمنصب في شهر اذار من العام الحالي.

وتعمل جودة في وزارة البيئة منذ 15 عاما، وهي حاصلة على درجة البكالوريوس في العلوم الحياتية، وتعد اول امراة تتولى ادارة مديرية تابعة للوزارة على مستوى المحافظات.

وتقول واصفة الاجواء التي رافقت تعيينها "في بداية عملي كمديرة للبيئة جوبهت برفض من بعض الزملاء الذكور في المديرية، اما رفضا رمزيا بعدم الانصياع للقوانين والانظمة، او تصيد الاخطاء والبحث عنها، او افتعال المشاكل اثناء العمل".

وتضيف ان حالة الرفض جاءت برغم انها عملت لثلاث سنوات ونصف السنة مساعدا للمدير، ثم مديرا بالوكالة لمدة ستة اشهر اثر تقاعد المدير الاصيل، مشيرة الى ان هناك في المقابل زملاء وزميلات وقفوا الى جانبها وساندوها.

وتضم مديرية بيئة الزرقاء 16 موظفا بينهم  مهندسان، ويتبع لها مكتب في قضاء الظليل يعمل فيه مهندس وثلاثة موظفين.

وتشرح جودة "استمرت التحديات الوظيفية مدة ستة اشهر وهي فترة عملي مديرا بالوكالة وقبل تثبيتي مديرة للبيئة، وكانت هناك مسائل بحاجة الى حزم وقرارات ادارية ملزمة، واحيانا كنت امسك العصا واحيانا الجزرة، الى ان وصلت مع موظفيني الى تسوية، وجاء قرار تثبيتي ليفصل في الامر ويجعل الاخرين يسلمون الراية".

واوضحت "كنت الجأ لاستخدام العقوبات عندما استنفد جميع الوسائل ويستنفد الموظف جميع فرصه، بالرغم من انني اكره توجيه العقوبات الادارية ولا اتخذها هدفا، بل ما اهدف اليه من خلال العقوبة هو التصويب والالتزام واالانجاز".

ولفتت جودة الى ان التحديات لم تكن تقتصر على الموظفين، بل منها ما كان ينجم عن التعامل مع بعض المراجعين الذين يحاولون فرض ارادتهم معتقدين ان ذلك ممكن بحكم ان المدير هو امراة.

وقالت "هذا الامر كان واضحا في البداية، ولكنه تراجع مع استمراري في العمل واكتسابي الخبرة اللازمة للتعامل مع كافة فئات المراجعين".

وعندما يتعلق الوضع بالمفاضلة في الاداء، فان جودة ترى ان "المراة مخلصة في عملها أكثر من الرجل، بالرغم من تعدد المسؤوليات الاجتماعية في حياتها الخاصة، وهي كذلك اكثر صبرا، والاعباء التي تتحملها تفوق ما يتحمله الرجل".

النقل البري 

بصورة مغايرة لنهج التسلسل الوظيفي الذي مكن المديرات السابقات من شغل مواقعن، فقد تولت لبنى عبدالهادي منصب مدير مكتب هيئة تنظيم النقل البري في محافظة الزرقاء، برغم وجود موظفين اعلى منها درجة وظيفية.

هذه الحقيقة تقر بها عبدالهادي التي مضى على عملها في الهيئة نحو عشر سنوات وجرى تعيينها مديرا لمكتب الزرقاء في ايلول من العام الحالي.

وتقول المسؤولة التي تحمل درجة البكالوريوس في علم الحاسوب "اعمل في هذا المكتب منذ خمس سنوات، وبذلك امتلكت الخبرة الكافية في كل مسائل العمل التي تخص المحافظة في موضوع النقل البري، وهذا الامر ساعد بقوة في ترشيحي لاستلام منصب المدير، بالرغم من وجود من هم اعلى مني درجة وظيفية".

وعبدالهادي، التي لم تسبقها سوى امراة واحدة في ادارة مكتب لهيئة تنظيم النقل في اربد، تعتبر نفسها محظوظة، حيث لم تواجه تحديات خارجة عن السيطرة من قبل الموظفين، والذين لا يتجاوز عددهم الخمسة، اثنان منهم في الميدان.

وقالت في هذا الشأن "عملي السابق كزميلة لموظفي ولمدة خمس سنوات اتصف بالهدوء والاخوية على مستوى التعامل اليومي، ولكن على المستوى الوظيفي فقد عبروا عن رفضهم لاستلامي العمل مديرة للمكتب".

 واضافت عبدالهادي انهم "برروا ذلك بحاجة هذه الوظيفة الى رجل يستطيع ان يواجه جميع مشكلات النقل ولديه قدرة مفتوحة على الحركة في كافة الاتجاهات، والتواجد المبكر كل يوم في مجمعات السيارات وحل مشكلات الباصات وشركات النقل، ولكن حقيقة الامر انه لم يكن صعبا علي القيام بكل هذه الامور في صباح كل يوم ومتابعة ما يطرأ من قضايا وايجاد حلول لها".

وعلى صعيد النهج الذي تتبعه لادارة شؤون المكتب، سواء لناحية التعامل مع الموظفين او المراجعين، فهي تؤكد ان تفعيل القوانين والتعليمات، كان دوما كفيلا بتسيير الامور بشكل سلسل ومنتظم.

واوضحت "لا احد يستطيع تجاوز القوانين، وافضل دائما ان الجأ الى القانون لانه يحمينا، هذا الامر انتهجه مع المراجعين، اما على مستوى الموظفين، فأنا لا ادخر جهدا في اعطائهم فرصا لتصحيح مسارهم الوظيفي قبل اتخاذ الاجراء حسب ما يقتضيه القانون".

وكشفت عن ان "البعض ممن لديهم معاملات في مكتب النقل في الزرقاء يحاولون الإلتفاف على القانون عبر ايجاد واسطات والوصول الي من خلال زوجي او اخي، حيث يعتقد الواحد منهم ان هذه الواسطة تنفع في انجاز معاملته دون خضوعه للقانون".

 ولكن عبدالهادي تؤكد ان "هذا الامر يفشل دوما، لان عائلتي تتفهم موقفي في فرض العدالة وعدم قبول الواسطة في عملي الادراي والوظيفي".

مشاركة ضعيفة

بالكاد تصل نسبة مشاركة المراة في القوة العاملة في المملكة الى 15 بالمئة، كما ان هناك ما لا يكاد يحصى من العقبات التي تواجهها في سبيل الوصول الى المناصب القيادية، وكذلك اثناء توليها لها، بحسب ما اوضحه الدكتور مجد الدين خمش  استاذ علم الاجتماع في الجامعة الاردنية.

وقال خمش" بشكل عام وعلى مستوى المملكة فان نسبة مشاركة المراة في المناصب القيادية ضعيفة، ويرجع الامر الى انخفاض نسبة النساء في القوى العاملة في الاردن والتي تشكل نحو 15 بالمئة".

وبين ان ضعف هذه المشاركة يعود في المقام الاول الى "ان العادات والتقاليد تحتم على بعض النساء ترك وظائفهن بعد سنوات قليلة من التحاقهن بالعمل، بسب الارتباطات العائلية والزواج والضغوط التي تمارس عليهم من قبل الزواج او اهل الزوج للتفرغ للعائلة والاطفال".

واكد خمش ان هذا بالتالي "يحرم المراة من الفرصة في ان تترقى للحصول على مركز قيادي في عملها".

واضاف ان "المراة لا تواجه اية مشكلة في ان تدير مؤسسة، لانها تديرها من خلال تعليمات مكتوبة، ولكن الفروقات هنا تظهر من خلال نوع شخصية المديرة، فهناك مديرة ذات شخصية قيادية وهناك من لا تتمتع بشخصية قيادية".

وشدد خمش انه "على اختلاف الشخصيات، فان المراة القيادية تتمسك بالانظمة والتعليمات اثناء ادارتها، وبذلك هي تحمي نفسها"، كما ان "هناك بعض النساء اللائي يتمكن من ايجاد حلول ابتكارية (للتحديات التي تواجههن) في عملهن".

وبين انه "على صعيد التكتلات والتحالفات (ضمن العمل) نجد الرجل اكثر مهارة في الانخراط بهذه الامور، و(رغم ان هناك) بعض النساء ممن ينخرط في تخالفات وتكتلات، ولكن في معظم الاوقات تظل التشريعات هي التي تحمي موقف المراة في عملها اكثر من اي شيء اخر".

ومن جانبه، يرى المواطن غازي الذيبة ان المراة "لا تستطيع ان تتحدى الازمات التي تواجهها في عملها كقيادية، وذلك لانه وعلى نطاق محلي نرى ان منظومة العادات والتقاليد والقيم تتفوق على منظومة التشريعات القانونية".

واعتبر الذيبة ان "هذا الامر يتطلب اعادة نظر في التشريعات والقوانين وتنمية المجتمع من ناحية الاستجابة لدور المراة الفاعل ودور المراة القيادي والنهضوي".

وبدوره، اكد الموظف المتقاعد محمد صوالحة ان "المراة على العصور كانت قادرة على القيادة في اي مجتمع"، مشيرا الى انه ليس لديه تحفظ على تولى المراة المناصب، باعتبار ان "الامور هنا تعتمد على شخصيتها وثقافتها وقدرتها على تسيير الامور الادارية".

أضف تعليقك