علاقة الزرقاويين بالقراءة في أسوأ حالاتها

علاقة الزرقاويين بالقراءة في أسوأ حالاتها

لا تذكر سمية العزازمة، وهي ربة بيت من الزرقاء في مطلع عقدها الرابع، متى كانت اخر مرة قرأت او طالعت فيها كتابا، فهي لديها من الاعباء والمشاغل الحياتية ما يصرفها عن هذا الامر، ويجعله في اخر اهتماماتها.

 

وسيرة هذه المرأة في العزوف عن القراءة، هي سيرة الغالبية الساحقة من الزرقاويين، والذين تشهد العلاقة بينهم وبين القراءة اسوأ حالاتها.

 

ولا يشذ اهالي المحافظة عن سكان المملكة عموما، وكذلك عن مواطني العالم العربي، والذين تكشف دراسات اجرتها "مؤسسة الفكر العربي" ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، انهم يتذيلون قائمة الامم في القراءة.

 

ومما تورده الدراسات في هذا الصدد، أن العربي يقرأ بمعدل 6 دقائق سنوياً، ولا تتجاوز قراءته خلالها صفحة واحدة، بينما يقرأ الأوروبي بمعدّل 200 ساعة في السنة، وبما حصيلته 7 كتب، ويرتفع العدد عند الاميركيين الى 12 كتابا.

 

اما عن الاسباب التي ادت الى هذا الانحطاط في عادة القراءة عند العرب، فهي كثيرة ومتداخلة، ومنها ما تسوقه سمية، ويتقدمها السعي المجهد وراء الرزق في ظل الاوضاع الاقتصادية الصعبة، ومشاغل تربية الابناء والاعتناء بشؤونهم لدى البعض.

 

ويؤكد مدير مكتب صحيفة الدستور في الزرقاء زاهي رجا هذا الامر قائلا ان القراءة في الوقت الراهن أصبحت نادرة جدا لمعطيات كثيرة على رأسها الإنشغال بالقضايا الاجتماعية والجري وراء المادة بسبب صعوبة الحياة.

 

ومن جانب أخر، يضيف رجا، فقد اصبح الناس مع تقدم التكنولوجيا يعتمدون في المعرفة على ما تقدمه وسائل الاعلام المسموعة والمرئية، كالمسلسلات والافلام او البرامج الاستهلاكية التي تركز على القضايا الترفيهية.

 

وبين ان هذا الوضع بات يؤدي حاليا الى تخريج أجيال من طلبة المدارس ممن وصفهم باميي المطالعة، والذين لا هدف لهم من الدراسة سوى تحصيل الشهادة.

 

وقال رجا انه غير متفائل بمستقبل القراءة في العالم العربي عموما، معتبرا ان اعداد من يواظبونها ستستمر في التناقص، مع استمرار تطور وهيمنة وسائل وتقنيات الاتصال الحديثة التي تبعدهم عنها مثل "واتس أب" و"فيس بوك" وغيرهما.

 

انتاج شحيح

وبينما يرى البعض ان الذي تراجع هو قراءة الكتب الورقية لحساب مطالعتها على الانترنت، الا ان خبراء يرون ان هذا غير دقيق، لحقيقة ان حجم ما هو منشور منها الكترونيا شحيح جدا، ولا يجتذب عددا يذكر من القراء.

 

ويستشهد الخبراء على ذلك بالدراسات التي تشير الى ان حجم المحتوى العربي على الانترنت لا يتجاوز 3 بالمئة، ولا تكاد الكتب تحتل من هذه النسبة سوى جزء هامشي يُعبّر عنه باعشار الواحد بالمئة.

 

ويضيفون عاملا لا يقل اهمية، وهو التغذية العربية لهذا المحتوى من الكتب، وهي مخجلة اذا ما قيست بنتاج الشعوب الاخرى، حيث يبلغ عدد ما ينشر عربيا في السنة 5 الاف كتاب، مقارنة بالولايات المتحدة التي يصدر فيها 300 الف.

 

ويرى رياض عمر (41 عاما) وهو امام مسجد في الزرقاء، ان المسؤولية في اعادة الاعتبار للكتاب وتشجيع عادة المطالعة تقع بالدرجة الاولى على الجهات الاعلامية والدينية والقطاع التربوي.

 

وشدد عمر على ضرورة ان تعمد هذه الاطراف الى وضع استراتيجيات لانجاح فكرة القراءة، معتبرا انه اذا ما تغيرت نظرة الناس نحو القراءة فإن أشياء كثيرة سوف تتغير، ومنها واقع الامة العربية الاسلامية.

 

ويؤكد الخبراء ان دور القطاع التربوي هو الاهم في سلسلة الادوار التي تؤديها الجهات الاخرى في هذا المجال، الا ان ذلك يصطدم بواقع مرير يتمثل في تحول الغالبية الساحقة من مكتبات المدارس في الزرقاء الى مجرد غرف مهجورة.

 

وهناك 651 مدرسة في محافظة الزرقاء يرتادها نحو 245 الف طالب وطالبة، ومن المفترض ان تكون في كل منها مكتبة مخصصة للطلبة من اجل توسيع مداركهم ومهاراتهم في البحث.

 

الا ان تربويين يؤكدون ان مكتبات المدارس الحكومية خصوصا غير مفعلة ولا تؤدي الغرض المطلوب منها، ناهيك عن افتقارها لاجهزة الحاسوب التي تتيح للطلبة الولوج الى الانترنت ونهل المعرفة منها.

 

مواقف واراء

في جردة سريعة، حاولت "هنا الزرقاء" استشراف اراء ومواقف عدد من اهالي المحافظة حول المطالعة بمفهومها العام، سواء من يواظبون عليها او من يقاطعونها.

 

التاجر بلال بلال، اكد انه لا يستغني عن المطالعة، واصفا القراءة بانها الحياة ومنهل المعرفة والثقافة، مشيرا الى ان ميوله هو الى كتب الفلسفة والفكر والتربية.

 

وقال بلال انه يفضل الكتاب الورقي برغم ارتفاع سعره، حاله في ذلك حال ابناء جيله "القديم" على حد تعبيره، والذي ليس عند كبير معرفة بكيفية البحث في المكتبات الالكترونية الموجودة على الانترنت.

 

الطالبة الجامعية جميلة بني خالد قالت انها تطالع الروايات فقط، وانتهت قبل اسابيع قليلة من احداها، لكنها شكت من ان انشغالها بالدراسة وقلة اوقات الفراغ تجعلها لا تستطيع قراءة اكثر من ثلاث روايات سنويا.

 

اما الصيدلاني خالد أبو حواس، فقال انه لا وقت لديه للقراءة نتيجة كثرة انشغالاته، مؤكدا ان طبيعة الحياة في الاردن لا تتيح للشخص وقتا للالتفات الى ما هو خارج نطاق البحث عن لقمة العيش.

 

واكد خالد موسى وهو موظف في سلطة المياه انه شغوف بالمطالعة من منطلق حب الاكتشاف والاستطلاع، غير انه تذمر من قلة الكتب وهيمنة المجلات في الزرقاء، الامر الذي يضطره الى التوجه الى عمان اذا ما اراد شراء كتاب.

 

ومن جهتها، قالت دلال بني سلامة وهي مديرة روضة انها انقطعت عن القراءة منذ زواجها، حيث ان وقتها لم يعد يتيح ذلك، على انها تواظب على شراء الكتب لبناتها برغم ارتفاع اسعارها.

 

وكان عنوان اخر كتاب ورقي تقرأه رغد مقدادي يتعلق بتخصصها الجامعي الذي تخرجت منه، وهو في مجال الطفولة المبكرة، وهي منذ ذلك الحين تعتمد على الانترنت للحصول على المعلومات التي تهمها، باعتبارها وسيلة اسهل واسرع.

 

وقال معلم الحاسب عامر حريز ان ان التزامه بأكثر من وظيفة في ان واحد يجعل من المستحيل المواظبة على المطالعة، في حين يكشف الطالب الجامعي مجاهد حسين عن انه لم يطالع اي كتاب خارج المنهاج منذ انهائه الثانوية العامة، شاكيا هو الاخر من ارتفاع اسعار الكتب، وتحديدا في مجال تخصصه الحالي وهو التنمية البشرية.

 

وتصف الممرضة عائشة محي الدين نفسها بانها من المواظبين على القراءة باستمرار، مسدية نصيحة الى الاخرين بان يعودوا الى القراءة لان لها دور رئيسيا في تحقيق التوازن النفسي لدى الفرد.

 

وبصراحة مطلقة، يقول الطالب الجامعي مريد النوايسة انه لا يحب المطالعة وليس عند اهتمام بها، ولا يقرأ سوى الكتب الداخلة ضمن منهاج الدراسة، وما يضطر الى اللجوء اليه من مراجع خارجية عند العمل على اعداد بحث مطلوب منه.

أضف تعليقك