العربيزي .. ضرورة عصرية أم أزمة هوية؟

 العربيزي .. ضرورة عصرية أم أزمة هوية؟

يجادل انصار العربيزي بانها لغة عصرية وعملية، فضلا عن ان لها ميزات اجتماعية ليس اقلها ترك انطباع لدى الاخرين عمن يرطنها او يستخدمها عبر مواقع التواصل الانترنتية، بانه شخص "مودرين" و"كلاس".

وفي المقابل، يحذر مختصون من ان هذه اللغة تكشف عن أزمة هوية لدى جيل فقد الثقة بنفسه والاتصال بجذوره، لا بل ان بينهم من ذهب بعيدا الى حد النظر اليها باعتبارها تجسيدا لـ"مؤامرة على الأمة".

والعربيزي (عربي انجليزي) او الارابيش (ارابيك انجليش) كما يشار اليها احيانا، هي لغة هجين تكتب بالحروف اللاتينية ولكن بصيغة عربية، وتختلط فيها الالفاظ الانجليزية بالعربية.

وجاءت ولادتها مع دخول الهواتف النقالة وخدمة الرسائل القصيرة الملحقة بها الى العالم العربي، حيث كانت لوحاتها وبرامجها حينها غير معربة، وهو ما اضطر المستخدمين العرب الى توظيف الابجدية اللاتينية في كتابة الالفاظ العربية.

وادى انتشار الانترنت وما اشتملت عليه من مواقع وغرف الدردشة لاحقا الى رواج واسع لهذه اللغة، حتى باتت لها ابجدية ورموز واختصارات واصول يعرفها متداولوها.

وتشير دراسات الى ان اكثر من 80 بالمئة من الشباب العربي يستخدمون العربيزي، ونحو 80 بالمئة من هؤلاء لا يجيدون الطباعة بالعربية لاعتمادهم واعتيادهم على الانجليزية بدلا من ذلك.

عصرنة ومواكبة

تقول سارة الخطيب (29عاما) وهي موظفة في منظمة حق اللعب، انها تستخدم العربيزي في حواراتها على الانترنت منذ العام 2006، وتؤكد ان كتابتها اسهل بكثير من الكتابة بالعربية او الانجليزية.

وتضيف انها تضطر الى استخدام هذه اللغة مع من يخاطبونها بها، مشيرة الى ان الشباب يلجأون الى الكتابة بالعربيزي حتى يظهر الواحد منهم امام الاخرين بوصفه "موديرن وعصري" ومواكبا للتطور.

وتؤكد الخطيب ان لغتها الام لم تتاثر سلبا بسبب العربيزي، لانها في الاصل تجيد العربية كما هي الحال مع الانجليزية.

اما طالبة الثانوية العامة سلسبيل حسين، فتقول انها تتخاطب بالعربيزي منذ الصف العاشر، وتصفها بانها ممتعة خصوصا عندما تستخدمها لممازحة صديقاتها.

ومع اقرارها ان هذه اللغة قد تؤثر مستقبلا في قدرتها على التعبير بالعربية، الا انها تقول انها على الجهة الاخرى تساعدها في تعلم الانجليزية.

عبدالله الشيشاني (29 عاما) مواظب على العربيزي منذ خمس عشرة سنة، ويقول ان ما جعله يستمر في استخدامها هو حقيقة انها "دارجة جدا" بين الشباب على مواقع التواصل، اضافة الى انها تمكن الشخص من ايصال فكرته بسهولة أكبر مما لو كان يكتب بالعربية او الانجليزية .

ويعترف الشيشاني وهو موظف في منظمة حق اللعب، ان قدرته على التعبير بالعربية قد تاثرت نتيجة استخدامه المتواصل للعربيزي.

سرية ومختصرة

وترى ميرام فرج (25 عاما) ان العربيزي تتيح قدرا من السرية خلال التواصل مع الاخرين لانها غير منتشرة بدرحة تتيح لجميع من حولك فهم مفرداتها.

وتضيف ميرام التي بدأت الكتابة بالعربيزي منذ نحو اربع سنوات، انها لغة مرنة وتتيح ايصال الفكرة بسهولة وسرعة بسبب ما تشتمل عليه من اختصارات، فضلا عن انها تعكس التطور عند الشخص وتحميه من اتهام الاخرين له بالجهل.

من جانبها تؤكد انجي صوفان وهي ربة بيت انها نجحت في اقناع ابنائها بترك العربيزي واستخدام العربية فقط عند تحدثهم مع الاصدقاء والاقرباء على مواقع التواصل.

وقالت ان انتماءها الى عائلة معظم افرادها بكتبون بالعربية ساهم في تقبل ابنائها لهذا التحول في استخدام اللغة.

اياد صوفان (13 عاما) وهو شقيق ميرام، شاطرها الموقف من العربيزي، وقدم النصح الى الشباب بان يكتبوا بالعربية لانها لغة القران الكريم، واذا ما اضطروا الى اللغة الهجينة فليكن ذلك ضمن اضيق نطاق ممكن.

وتعارض معلمة الرياضيات ميسون القوصيني (31 عاما) العربيزي بشدة لانها تهدم أسس العربية والانجليزية معا، على حد تعبيرها.

وتؤكد انها لا تكتب الا بالعربية التي وصفتها بانها لغة ثرية بالالفاظ الكفيلة بايصال الافكار بدقة وفعالية أثناء الكتابة.

ويخبرنا حسين الطيراوي (45 عاما) انه استخدم العربيزي بادئ الامر بسبب ضعفه في الطباعة بالعربية، ولما اتقنها لم يعد يكتب الا بها على مواقع التواصل.

ويرى الطيراوي ان العربيزي تبعد الناس عن لغتهم، عدا عن انها غير مفهومة ويمكن لحرف واحد خلال الطباعة ان يغير معنى الجملة مما قد يوقع الفرد في "مطبات ومشاكل".

وقال ان ابناءه يكتبون بالعربية باستثناء احدى بناته التي تجد ان الكتابة بالاحرف اللاتينية تتيح لها سرعة اكبر في التواصل لا تتيحها الحروف العربية.

الخندق الاخير

وعلى صعيده، وصف الشاعر جميل ابو صبيح رئيس فرع رابطة الكتاب الاردنيين في الزرقاء، لغة العربيزي بانها دخيلة وعقيمة، مؤكدا ان العربية هي "الخندق الأخير المتبقي للوحدة العربية".

وقال ابوصبيح ان "العربيزي لغة دخيلة عبرت الى الشرق عن طريق تنظيمات سياسية قديمة نادت بالكتابة بالحرف اللاتيني، بدلا من الحرف العربي، باعتبار اللغة الخندق الوحيد المتبقي للوحدة العربية والشخصية العربية".

واضاف انه لا يمكن ان تكتب قصيدة او رواية او قصة او بالعربيزي، ما يثبت عقم هذه اللغة.

ورأى أبو صبيح ان "هناك خوفا على شبابنا من الابتعاد عن اللغة العربية باستخدام ألفاظ من لغة أخرى، ألفاظ قاصرة عن تحقيق المعاني".

وقال ان "مشكلة الشباب هي في أنهم فقدوا الثقة بأنفسهم ومجتمعهم وأصولهم وجذورهم. ومن يفقد الثقة بجذوره يفقد الصلة والثقة ويحاول أن يغطي ذلك بالتغرب باستخدام ثقافة الاخر في حياته اليومية".

واضاف أبو صبيح ان فرع الرابطة في الزرقاء يعمل على نشر الثقافة الجادة الرصينة التي من شأنها تطوير العقل والمخيلة عن طريق عقد أمسيات الشعر والقصة والنقد، وذلك جميعه بعربية فصيحة، ومن اجل حث الناس على محاربة الابتذال باللغة وتهجينها.

وعزت استاذة علم الفلسفة ايمان ابو دلو انتشار ظاهرة العربيزي الى عوامل منها "تقدير الذات المنخفض الذي يعكس ضعف الثقة بالنفس ويجعل الشخص يقوم بتقليد الاخر في الكتابة بهذه اللغة".

كما اشارت الى عوامل أسرية منها "عدم انتباه الأهل الى اللغة التي يتواصل بها أبناؤهم وجهل الاهل بهذه اللغة أيضا"، الى جانب "انعدام التأسيس القوي في اللغة العربية من جهة، وكذلك حاجة العربية الى وقت اطول عند الكتابة".

وقالت ابو دلو ان العربيزي امست ظاهرة متفشية انتبهت اليها الحكومة الاردنية التي اقرت مؤخرا مشروع "قانون حماية اللغة العربية" لتصبح بذلك اول دولة عربية تقر مثل هذا القانون.

ويستهدف القانون الحد من استخدام اللغة العامية والدارجة على حساب العربية السليمة في المؤسسات الخدماتية والاعلامية والتربوية والتعليمية والاكاديمية، الى جانب التصدي لظاهرة انتشار الدخيل من الالفاظ الاجنبية بصورة عشوائية مما يفقد هذه اللغة الكثير من سماتها ومقوماتها وخصائصها اللغوية.

أضف تعليقك