اللاجئون السودانيون يثيرون تعاطف فلسطينيي الداخل..وقلقهم ايضا!

عرب 48 - روزين عودة - مضمون جديد

ينظر علاء طه ابن بلدة كفرمندا العربية في الجليل الاسفل شمال اسرائيل بتوجس وقلق الى اللاجئين السودانيين الذين تزايدت اعدادهم بشكل ملفت في المدينة مؤخرا، وباتوا ينافسون ابناءها على فرص العمل الشحيحة اصلا.

ويقول طه لموقع العرب وصحيفة كل العرب ان هؤلاء اللاجئين باتوا "يشكلون خطرا كبيراً على فرص العمل المتوفرة والمتاحة لشباب ولأهل البلدة عامة".
ويضيف ان "المقاولين وأصحاب المصالح أصبحوا يفضلون العامل السوداني الذي يقبل بأي عمل ويرضى بالأجر القليل".

وبدأ اللاجئون السودانيون منذ نحو ثلاثة اعوام بالتوافد بشكل لافت على كفرمندا التي تقع على بعد نحو 16 كيلومترا الى الشمال الغربي من مدينة الناصرة.

ولا يوجد احصاء دقيق لاعدادهم في البلدة البالغ عدد سكانها نحو 19 الفا، لكن البعض يقدرهم بنحو 300. وهم يشكلون جزءا من نحو 30 ألف لاجئ من أفريقيا يعيشون في إسرائيل حاليا، ومعظمهم قدم من اقليم دارفور ومن منطقة جنوب السودان قبل استقلالها، وكذلك من اريتريا.
وقد دخلوا الى اسرائيل متسللين عبر سيناء المصرية حيث طلبت اعداد منهم اللجوء السياسي بحجة انهم ملاحقون في بلادهم ويتهددهم خطر القتل والإعدام.

لكن اسرائيل ترفض ادعاءهم وتعتبرهم "متسللين بحثا عن عمل ومصدر رزق"، كما تنظر اليهم بوصفهم تهديدا ليهوديتها المزعومة، وهي بالتالي تسعى الى ترحيلهم.

وقد شكلت مدن ايلات (جنوب) وعراد (وسط) وتل ابيب نقاط تجمع للاجئين السودانيين مع بداية تدفقهم على اسرائيل قبل نحو خمسة اعوام، لكنهم لم يلبثوا ان وصلوا الى مناطق ابعد في شمال البلاد واستقروا فيها.
ومن هذه المناطق بلدة كفرمندا المنكوبة اصلا بالبطالة وتندرج في ادنى سلم الترتيب الاقتصادي في اسرائيل.

وتتجاوز نسبة البطالة 40% في اوساط العرب في اسرائيل عموما، وهي اربعة اضعاف ما هو موجود عند اليهود، كما ان نحو 48% من العرب في الدولة العبرية يعيشون تحت خط الفقر.

تعاطف ولكن..!

الرفض الذي يصرح به علاء طه لوجود السودانيين في كفرمندا لا يعني انه غير متعاطف مع محنتهم او انه ضد مساعدتهم كما يقول.

ويوضح "موقفي هذا لا يعني أنني ضد مساعدة الغرباء ولكني أطلب أن تكون المساعدة معقولة وليس على حساب تفاقم البطالة التي كانت بالأساس تملأ القرية وازدادت الان بشكل كبير".
كما يعبر طه عن مخاوفه من ان يتسبب وجودهم في وقوع احتكاكات ومشاكل بينهم وبين اهالي كفرمندا.

ويقول "عددهم يتزايد يوماً بعد يوم، الأمر الذي قد يؤدي الى خلق مشاكل بينهم وبين أهل البلدة، لأنهم أصبحوا يحتلون مكان عدد كبير من العمال المحليين".
وبالفعل، فقد تم تسجيل عدة حوادث اعتداء قام بها مجهولون ضد لاجئين سودانيين في بلدة كفرمندا.

وفي الوقت الذي لم تعرف فيه هوية المعتدين، الا انه يعتقد بانهم شبان عاطلون عن العمل ارادوا ايصال رسالة الى السودانيين مؤداها انهم غير مرحب بهم، والى الاهالي بان وجود هؤلاء يتسبب باعمال عنف في البلدة.

على ان اصابع اتهام اخرى وجهت في حوادث الاعتداء هذه الى مقاولين واصحاب عمل ارادوا تخويف السودانيين لمنعهم من المضي في تقديم شكاوى ضدهم بسبب عدم دفع اجورهم.
وشهدت مدن وبلدات اخرى من بينها سخنين القريبة اعتداءات مماثلة من حيث الاسلوب والدوافع.

على ان اعتداءات كثيرة جدا سجلت في مدن وبلدات يهودية وكانت تحمل الطابع العنصري الذي يعبر عن رفض متطرفين يهود لوجود السوادنيين المسيحيين والمسلمين باعتبار ان اعدادهم المتزايدة تهدد التفوق الديمغرافي اليهودي.

ومع ان الحوادث التي شهدتها كفرمندا اقلقت اهالي البلدة، الا ان طه يؤكد انها الى الان لم تتسبب بتغيير الانطباع العام عن اللاجئين السودانيين باعتبارهم مسالمين.

ويقول " أتحدث هنا من منطلق معرفتي ببعض السودانيين حيث أنهم لا يحتكون بأحد ولا يخلقون المشاكل. على العكس تماماً، فهم انخرطوا بشكل جيد وسريع في ظروف الحياة في البلدة".
ويضيف "وبلا شك فان طيبة الأهل المنداويين ساعدتهم على الانخراط، فأهل القرية يحترمونهم ويكرمونهم إذ يعتبرونهم ضيوفاً وسوف يأتي يوم ليغادروا البلدة".

ظاهرة مقلقة

ومن جهته، يصف الشيخ محمد محمود ظاهرة لجوء السودانيين الى كفرمندا بانها مقلقة، ويقر بوجود تاثيرات اجتماعية واقتصادية سلبية لها، ولكنه يعارض بشدة الدعوات الى اخراج هؤلاء اللاجئين من البلدة.

ويقول الشيخ محمود "في الحقيقة الظاهرة مقلقة نوعاً ما خاصة مع تزايد عددهم في الفترة الأخيرة. ولا بد من وجود تأثيرات سلبية فنحن نعيش في صراع لا بد منه إثر تزايد اعدادهم واختلاف عاداتهم وتقاليدهم والاحتكاكات التي تحصل على خلفية فرص العمل وما إلى ذلك".

لكن يؤكد انه "بالرغم من أن بعض الأصوات تطالب بأن يتم إخراجهم من البلدة لكننا فعلاً نتعاطف معهم، فنحن الشعب الفلسطيني أكثر من عانى، ولذلك نشاركهم هذه المعاناة، ويجب أن نعترف لأنفسنا بأن واجبنا هو إدراك الاضطهاد الذي يعيش فيه هؤلاء العمال حيث أنهم لم يخرجوا من منازلهم إلاّ ليقاوموا الفقر".

وقال الشيخ محمود "في بداية لجوئهم طلبنا أن نتواصل معهم عن طريق ممثلين عنهم، وبالفعل لقد اختاروا بعض الأشخاص ليمثلوا وجودهم في القرية، وهذه الخطوة اختصرت علينا الكثير، واستطعنا تجاوز المشاكل، والحقيقة تُقال أننا لم نسمع عنهم إلاّ كل خير".

على ان الشيخ محمود نصح اللاجئين السوادنيين بأن "يتخذوا مساكن لهم خارج كفرمندا، للحد من الاحتكاكات مع الأصوات الغاضبة من وجودهم مستقبلاً".

وتتفق سلام خطيب وهي من اهالي البلدة، مع الشيخ محمود في ما يتعلق بمخاوفه من المستقبل، وتقول "لا أعتقد أن أهل البلدة يشعرون بأن وجود السوادنيين يشكل عائقاً أمامهم أو مشكلة الان، لكنهم سيشعرون بذلك مستقبلاً مع ازدياد اعدادهم ".

وعلى صعيده، يعتبر عصام عبد الحليم، وهو مواطن اخر من البلدة ان"ظاهرة لجوء السوادنيين إلى كفرمندا عادية جداً، وبالنسبة للحياة الاقتصادية فيمكنني القول أنه مع وجودهم أو عدمه فان الوضع لم يتغير ".
ويضيف "أعتقد أن من يريد أن يعمل فسيعمل حتى لو كانت الظروف صعبة، واللاجئون السودانيون لم يأخذوا فرصة أي عامل محلي".

وفي الوقت الذي يرى البعض ان السودانيين بدأو يتسببون بضائقة سكن جراء استئجارهم للشقق المتوفرة في البلدة، الا ان عبدالحليم يستبعد ذلك تماما.

ويقول "لا أعتقد أبداً أن السوادنيين سيزيدون الطين بلّة بهذا الخصوص، فهم في النهاية كأي مستأجرين، فأين المشكلة؟، ثم انهم يظلون عرباً ومسلمين، وإكرام الضيف من عاداتنا تقاليدنا".
منافسة ومفاضلة

وكما يؤكد الخبير الاقتصادي مطانس شحادة، فان ظاهرة اللاجئين السودانيين في كفرمندا "تقلص فرص العمل أمام العامل العربي، وخاصة العامل غير المتعلم ".

ويشير شحادة إلى أن "أرباب العمل يفضلون الأيدي العاملة القادمة من الضفة الغربية لأنها أرخص، ولكنهم يلجأون لتشغيل السودانيين لكي لا يقعوا تحت طائل المساءلة القانونية وفرض الغرامات المالية!".
ومعظم السودانيين يعملون في مجالات كانت للعمال المحليين وعمال الضفة، كالزراعة والانشاءات وغيرها، كما يوضح شحادة.

ويتقاضى العمال السودانيون اجورا تقل عن 25 شيقل (نحو 6.5 دولار) في الساعة، وهذا ما يجعل ارباب العمل يفضلونهم على العمال المحليين.

وكما يؤكد شحادة فان "العامل العربي المحلي يرفض العمل بأجرة 25 شيكل مقابل الساعة الواحدة لأن ظروف الحياة هنا تختلف عن أي مكان آخر ناهيك عن غلاء المعيشة، ولا يمكن لعامل عربي أن يتأقلم بهذه الأجرة مع ظروف المعيشة الراهنة".
وبحسب ما يلخصه شحادة فان "الحال الموجود لدينا في البلاد هو أن الإسرائيلي يستغل العربي والعربي يستغل العمال الوافدين".

لكن الخبير الاقتصادي الفلسطيني يستدرك بالقول "طبعاً نحن لا نريد أن نتبنى الخطاب الإسرائيلي المتطرف اتجاه العمال الوافدين، فهؤلاء عرب مثلنا ولا يوجد أي مانع لعملهم في قرية أو مدينة عربية".

وفي مقابل رحابة الصدر التي يبديها شحادة وغيره من الفلسطينيين ازاء اللاجئين السودانيين، فان هناك ضيق صدر باد يعبر عنه طيف واسع من المتطرفين اليهود.

ويلخص احد الحاخامات المتطرفين حالة الضيق هذه قائلا "وصلنا اليوم لوضع خطير، هناك أحياء في تل أبيب سودانية وإريترية، هناك أحياء كاملة لا توجد فيها أي روح يهودية ابتداء من الساعة الثامنة ليلاً".

أضف تعليقك