أريحا: القرى المهمشة تستبدل بالغاز الصناعي الغاز الحيوي للطهي والتدفئة

الرابط المختصر

فلسطين - هيثم الشريف "كنت كل 15 يوم أستخدم جرة غاز للطهي أو للتدفئة، ومنذ أن استخدمت (وحدة الغاز الحيوي) وفرّت أكثر من 70% من قيمة استهلاكي للغاز اليومي"، بهذه الكلمات عبّر المواطن عدنان محمد نجاده من قرية العوجا قضاء أريحا، عن فرحته لحصوله على إحدى وحدات إنتاج الغاز الحيوي أو الطبيعي. ويتولد الغاز الحيوي عندما تقوم البكتيريا المتوافره في مخلفات الأغذية، بتحليل المواد العضوية بالمخلفات، أو الموجودة في روث الحيوانات، على أن يتم ذلك في بيئة خالية من الأكسجين، وتلك العملية تعرف بإسم عملية الهضم اللاهوائي. والغاز الناتج عن ذلك، هو خليط من غاز الميثان (أو ما يعرف بالغاز الحيوي أو الطبيعي وهو وقود متجدد) إضافة إلى غاز ثاني أكسيد الكربون، ويؤدي إشتعال غاز الميثان لإنتاج طاقة مثل غاز المنازل، بحيث يمكن إستخدامه للطبخ والتدفئة أو حتى لتوليد طاقة الكهرباء، حتى أن بعض الدول تُسيّر السيارات على غاز الميثان. وعن بداية القصة قال نجاده من قرية العوجا في شهر شباط الماضي عرضت علينا جمعية الحياة البرية في فلسطين، تزويدنا بإحدى وحدات إنتاج الغاز الحيوي مجانا، وكنّا في البداية نستغرب الفكرة، وكذلك جيراني في القرية، ولكن بعد أن تم تركيب الوحدة من قبلهم، وشرح آلية عملها، تبين أن الأمر المطلوب منّا لا يستغرق أكثر من 10 دقائق يوميا، وأنه يقتصر على خلط قرابة 10-12 كغم من بقايا الطعام المنزلي وروث الحيوانات(بقر أو غنم أو دجاج..) وما يوازيها من الماء، ثم سكبها بالوحدة لنحصل على الغاز – مجانا- ، الأمر الذي شجع جميع المجاورين على إقتناء مثل تلك الوحدات، خاصة وأن كل عائلة في المنطقة تمتلك الحيوانات التي تنتج المواد الخام لانتاج الغاز عن طريق تلك الوحدات التي وزعت علينا بالمجان". تكنولوجيا الغاز الحيوي، وتعميم تقنية تحويل مخلفات المنازل وروث الحيوانات إلى الغاز، رغم انتشارها في الكثير من دول العالم، وبخاصة في الهند والصين، إلا أنها وعلى الرغم من بساطتها، إلا أنها لا تزال حديثة بالنسبة لفلسطين، حيث بدأ الأمر بأن استضافت فلسطين في عام 2010، ومن خلال القنصلية الأمريكية الخبير الأجنبي والعالم في إنتاج الغاز الطبيعي الألماني الدكتور توماس كالاهان، والمهتم بنشر هذه التقنية على مستوى العالم، والذي التقى بالعديد من المراكز والجمعيات والمؤسسات الرسمية والأهلية المهتمة بهذا القطاع، ونقل إليها خبرته وتجربته وفق الطريقة الهندية، كما ناقش معهم الأفكار الأولية والنظرية التي بحوزتهم في هذا المجال، وذلك بهدف الوصول إلى وحدات تتلائم والبيئية الفلسطينية. ومن بين تلك الجمعيات والمؤسسات، جمعية الحياة البرية في فلسطين، ومقرها بيت ساحور، إذ قال مديرها التنفيذي عماد الأطرش إنه على ضوء ما تعلمته الجمعية من الخبير الألماني(حالها حال الجهات الأخرى) فقد خاضت التجربة لعدة أشهر، والتي كانت صعبة في البداية، إلى أن نجحت الفكرة وحصلت على النتائج المطلوبة، وتم تركيب أول جهاز ووحدة لنظام إنتاج الغاز الطبيعي من الفضلات المنزلية في موقع الجمعية في مدينة بيت ساحور. وأضاف "بعدها تعاونت الجمعية مع معهد الدراسات المائية والبيئية في جامعة النجاح الوطنية في تركيب بعض هذه الوحدات في عدة مواقع من الضفة الغربية، ثم حصلت الجمعية على منحة بقيمة 27,000 ألف دولار أمريكي من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي- برنامج المنح الصغيرة- مرفق البيئة العالمي لتأسيس أكثر من 20 موقعا جديدا في محافظتي القدس و أريحا والأغوار(المناطق المهمشة)، وفعلا تم إطلاق أول شعلة وتركيب أول وحدة من الجمعية في شهر شباط الماضي، كما تم تشغيل جميع الوحدات في نهاية آذار الماضي". كما ختم عماد الاطرش المدير التنفيذي لجمعية الحياة البرية في فلسطين حديثه بالتأكيد على أن هذا المشروع يعتبر من المشاريع المهمة من وجهة نظر بيئية واقتصادية على حد سواء " بيئيا فإن قرابة 70% من نفايات المنازل بشكل عام هي مواد عضوية قابلة للتحلل لإنتاج الغاز الحيوي، وأن إستخدام مخلفات حيوانات المزرعة مثل الطيور والأغنام والأبقار، بدل حرقها وإتلافها بطرق عشوائية في الطبيعة، يقلل من مقدار تلوث الهواء والماء والتربة، وبالتالي تخفيف التلوث البيئي الناتج عن الإنسان. أما إقتصاديا، فإن تكاليف الجهاز (الذي تتوفر خاماته في السوق المحلي) تبلغ ما قيمته 480 دولار ويستعمل الى ما لا نهاية، في حين ان تكاليف شراء الغاز على مستوى شهر لعائلة مكونة من ستة أفراد هي 20 دولار، وعلى مستوى السنة الواحدة فنجد ان التكاليف هي240 دولار، وبالتالي فان ثمن الجهاز يتم الانتهاء منه على مستوى سنتين، وبالتالي يصبح استخدامه مجانا على مدى العمر دون أية تكاليف أخرى سوى صيانته". وهذا ما أكده مدير معهد الدراسات المائية والبيئية في جامعة النجاح، أستاذ الهندسة البيئة البروفيسور مروان حداد، والذي قال رأى أن جدوى وأثر إستخدام مثل هذه الوحدات خاصة بما يخص العائلات الريفية محدودة الدخل، يوفر على العائلة الواحدة أكثر من 150 شيقل، وأضاف"حتى أن السماد العضوي والطبيعي الناجم عن عملية التحويل هو أفضل بكثير من السماد الموجود في السوق لأنه لا يحتوي فقط على الفسفور والبوتاس وغيرهما وإنما يحوي أيضا عناصر هامة كالحديد والبورون، وهي عناصر هامة للغاية لتغذية النباتات ونموها، كما أنه خالي من الملوثات الحيوية". كما أشار البروفيسور مروان حداد إلى أن المعهد سبق وأن طرح قبل ثلاث سنوات عدة مشاريع تنموية وبيئية على القنصلية الأمريكية، كان من بينها مشروع إنتاج الغاز الحيوي، فكان أن رحبت القنصلية بالفكرة وتبنتها، وأضاف"حصلنا في باديء الأمر على دعم من القنصلية الأمريكية لتوزيع 16 وحدة تم توزيعها في قرى الضفة الغربية، وحين نجحت المرحلة الأولى، وكانت النتائج مبشرة، حصلنا على دعم لتوزيع 100 وحدة إضافية (80 وحدة منها في قطاع غزة). وهذا ما تم فعليا، ورغم أن عدد الوحدات التي تم توزيعها لغاية الآن هو صغير إذا ما علمنا أن هنالك أكثر من 630 قرية في الضفة الغربية، لكنها تبقى خطوة هامة على طريق الوصول لمعظم تلك القرى، خاصة للأسر الفقيرة، أو التي تربي الماشية". وحول الخطوات المستقبلية في هذا المشروع، قال مدير معهد الدراسات المائية والبيئية في جامعة النجاح " خطوتنا القادمة، ستكون إستحداث نظام أكبر يستوعب (10 كوب) بدلا من النظام الحالي الذي لا يستوعب أكثر من (كوب ونصف)، على أساس أننا نريد أن ننطلق ليس فقط للبيت، وإنما على مستوى المزرعة ، إذ هنالك مزارع بها 70 ألف دجاجة أو ديك أو حبش، كما أن هناك مزارع أبقار فيها 100-200 رأس، وهكذا، و لا يصلح النظام الحالي للعمل بالمزارع الكببرة". مع ذلك، والحديث لا يزال للبروفيسور مروان حداد مدير معهد الدراسات المائية والبيئية في جامعة النجاح ان المعهد يقوم حاليا بتقييم التجربة في الضفة وغزة، من خلال البحث عن أفضل نسب خلط ممكنة تجمع ما بين المواد العضوية من مخلفات النفايات المنزلية و/أو روث الحيوانات المختلفة، حتى نخرج بمعادلة جيده، توصلنا لإنتاج أفضل كمية ونوعية من الغاز الحيوي، وأضاف" ولدينا حاليا في المعهد 3 طلاب ماجستير يعملون أبحاثهم الخاصة حول هذا الموضوع، منهم من إختباراتها الحالية بينت إستخراج كيلو ونصف من الغاز من كل 12 كيلو مخلفات منزلية عضوية، وآخر يدرس المادة المهضومة في تلك الوحدات، وكم تحوي من المغذيات الفاعلة، كما يقومون بتقديم الإستشارات لطالبيها ممن لديهم تلك الوحدات، وحين ينتهى الطلبة من أبحاثهم سنقوم بنشر أبحاثهم للناس، كما سنقوم بإطلاع الجهات ذات العلاقة والجهات المهتمة بالمشروع كاملا لدراسة مدى وجدوى تطبيق ذلك على مستوى بلديات، وإذا ما تم تبنيه من قبل مؤسسات الحكومية ذات العلاقة، فسيكون ذلك جيد جدا، ونحن مستعدين ان نقدم الدعم الفني بلا مقابل". بدورها قالت إحدى الطالبات الماجستير في ذات المعهد، والتي يتركز بحثها حول مشروع الغاز الحيوي، وتموله القنصلية الأمريكية دانيا مرقة، أنها تقوم يوميا بعمل إختبارات على الغاز المستخرج من وحدة وضعتها في منزلها لهذه الغاية، وذلك لأخذ الوزن وعمل التحاليل على النتائج المستخرجة، وأضافت"حتى العام الماضي كان الأمر برمته مجرد أفكار، كنّا نتناقش حولها مع عدة جهات مهتمة، كما قمنا مجتمعين بعقد سلسلة ورشات عمل في مختلف المناطق بالضفة، للتعرف على الفئات الأحوج لتلك الوحدات، وللتعرف على مدى تقبلهم للمشروع، واستعدادهم لاستغلالها، إلى أن تم البدء بتوزيع الوحدات في شهر سبتمبر2012، بعد التعديلات التي أجراها المعهد على التصميم الاول، إذ أننا أخذنا العبر في نماذج سابقة حوت بعض السلبيات من خلال 25 وحدة كان قد تم توزيعها في المرحلة الأولى، وبالتالي تمكنا من إنتاج غاز وفير من النموذج المعدل والنهائي، مع العلم أن شركة رويال في الخليل بتصنيعها، حتى أنها وضعت إحدى الوحدات لديها، بحيث يمكن لمن يرغب الحصول عليها وهي جاهزة للإستخدام وبسعر مناسب". كما أوضحت دانيا مرقة آلية تصميم الوحدات المنزلية" قام المعهد بإصدار وتوزيع دليل مبسط لشرح كيفية تصنيع الوحدات من قبل الأفراد مباشرة ، حيث أن كل ما نحتاجه من أجل ذلك هو (خزان خارجي بسعة 1500 لتر وخزان داخلي بسعة 1200 لتر، وقاعدة مرتفعة للخزان الخارجي، وبعض التوصيلات) ثم نقوم بقطع سقف الخزان الأكبر ليتسنى لنا وضع الخزان الأصغر فيه ولكن بشكل مقلوب- وبعد أن يتم عمل عدة فتحات في غطاء الخزان الداخلي-(بحيث تكون هنالك مسافة عدة سميترات بين الخزانين تسمح بارتفاع أو انخفاض الخزان الداخلي بحسب كمية الغاز فيه)، وبعد عمل الفتحات والمخارج للغاز والتنظيف والسماد، وعمل مدخل للمخلفات العضوية، نضع حجارة صغيرة في أسفل التنك الخارجي( من الداخل)، والتي تعمل على تشجيع نمو البكتيريا، ومنع وجود ترسبات أو أن يعلق السماد في الأسفل (مثل الفلتر) ". وحول آلية التشغيل فقد أوضحت دانيا مرقة الباحثة البيئية في معهد الدراسات المائية والبيئية في جامعة النجاح " نعمل على تعبئة الخزان الخارجي(من الفتحة المخصصة لذلك) من المخلفات العضوية المنزلية والتي تشمل روث الحيوانات"الرطب" والماء بنسبة 1-1بعد خلطها(حوالي10-12 كيلو يوميا)، على أن تكون التعبئة يومية ومستمرة، وبعد أسبوعين من تاريخ التجهيز، يبدأ الغاز بالصعود، حيث نعرف ذلك من إرتفاع الخزان الداخلي، وأول مرة نقوم بتفريغ الأكسجين، لان نسبة الأكسجين أول مرة تحوي الكثير من الشوائب، بعدها يمكن إستخدام الغاز بشكل مستمر ويومي، طالما لدينا تغذية يومية، حيث تصبح الوحدة مستقرة، والبكتيريا متكاثره بشكل وأعداد مناسبة لتتحلل النفايات وتنتج الغاز الحيوي". من جانبها أبدت سلطة الطاقة وعلى لسان مدير مركز أبحاث الطاقة الفلسطيني المهندس أيمن اسماعيل إهتماما بالمشروع لإنتاج وتوليد الطاقة الكهربائية أو لإنتاج الغاز المستخدم في الأرياف لأغراض الطهي والتدفئة ، مبينة أن الإستراتيجية لديهم تدور حول أن يتم إستخدام الطاقة المتجددة بأكثر من 240 جيجا واط من الغاز الطبيعي عام2020، وبما يتعدى 10% من قدرة الطاقة الكهربائية المنتجة بحلول ذات العام، كما ينبع إهتمام سلطة الطاقة بالمشروع إنطلاقا من الجدوى الإقتصادية التي قد تكون الأرخص في مجموع الطاقات المتجددة جميعها. وختم المهندس أيمن إسماعيل مدير مركز أبحاث الطاقة في سلطة الطاقة " مرحليا ووفق الخطة المنظورة فإننا نأمل أن نحصل على الغاز الحيوي سواء من مكبات النفايات، كمكب زهرة الفنجان، وبواقع 18 ميجا واط،، ومن المخلفات الحيوانية بواقع 3 ميجا واط،، بحسب دراسة جدوى كنّا قد أجريناها على المشروع، حيث كانت النتائج أكثر من مشجعة، كما نسعى للبدء هذا العام في إنتاج الغاز الحيوي، من خلال دراسة بعض العروض لدينا، والتي من بينها مزرعة أبقار كبرى لإحدى شركات إنتاج الألبان، لكون أن المزرعة تقع بمنطقة لا يوجد بها خطوط كهرباء". * اعد هذا التقرير لصالح مشروع مضمون جديد.