ضوضاء تتصاعد من بين اسوار المصانع داخل الأردن معلنة عن نشاط العاملين بداخلها في ممارسة عملهم وتأديه مهامهم الوظيفية، وبتأمل ملامح هؤلاء العمال نجدهم مختلطون من جنسيات متعددة اجتمعت سويا داخل منشأت صناعية، في وقت يواجه جميعهم ذات المصير والمخاطر التي تحيط بهم داخل بيئة عملهم التي تفتقر للسلامة المهنية والصحة العامة.
ويقول العامل محمد عبد الصمد مصرى الجنسية، اعمل داخل أحد المصانع بمنطقة سحاب منذ ما يزيد عن عام، حيث تعد الصناعة التي تعمل بها تحتوي على مواد كيميائية و مركبات طلاء، وفي وقت لا تتوفر ملابس الوقاية تلائم خطورة الحرفة التي نعمل بها، وبالإضافة إلى طبيعة المكان التي تفتقر إلى شروط السلامة مما يجعلنا عرضة للمخاطر جراء التنقل داخل المصنع والتعامل مع المنتجات الصناعية.
ويضيف عبد الصمد أن الغازات التي نتعرض لها اثناء عملنا وعدم وجود اقنعة واقية، جعلتنا نعاني من إصابات بالتهابات رئوية ومضاعفات صحية جعلتنا نلاحظ تراجع ملموس على صحتنا، مما دفع البعض ترك العمل نتيجة عدم قدرتهم على تحمل المضاعفات الصحية التي تعرضوا لها.
القانون يلزم بشروط السلامة
ويقول الناطق الرسمي لوزارة العمل محمد زيود لـ "عمان نت"، أن الوزارة تسعى إلى رفع التزام المنشأت بمعايير السلامة للعاملين بعض النظر عن الجنسية وذلك بالتاكد من التزام اصحاب العمل بمعايير السلامة والصحة المهنية الواردة في قانون العمل، في وقت يشترط قانون العمل السلامة والصحة المهنية المنصوص عليها في الانظمة والتعليمات لا تفرق بين العامل الاردني والعامل غير الاردني فجميعهم عاملين وصاحب العمل بموجب احكام القانون ملزم بتوفير الحماية لهم من الاخطار االموجودة في بيئة العمل . وتتفاوت درجة الالتزام بالسلامة والصحة المهنية من منشأة إلى اخرى ومن خلال الجولات التفتيشية التي تقوم بها كوادر التفتيش.
ووفق تعليمات قانون الصحة العامة لعام 2008، والذي يلزم بموجبه يجب الرقابة على البيئة المهنية وصحة العاملين في المصانع والمعامل والمؤسسات الصناعية وما يماثلها لضمان السلامة الصحية للعاملين.
وينص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أشمل مادة تتعلق بالحق في الصحة في القانون الدولي لحقوق الإنسان. ووفقاً المادة 12(1) من العهد، تقر الدول الأطراف "بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه" "تحسين جميع جوانب الصحة البيئية والصناعية" (المادة 12-2(ب))، في جملة أمور، التدابير الوقائية فيما يتعلق بالحوادث والأمراض المهنية؛ وضرورة كفالة إمدادات كافية من مياه الشرب المأمونة والإصحاح الأساسي؛ ووقاية السكان والحد من تعرضهم للمواد الضارة مثل الأشعة والمواد الكيميائية الضارة أو غير ذلك من الظروف البيئية المؤذية التي تؤثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة على صحة الإنسان.13 وعلاوة على ذلك، فإن الصحة الصناعية تعني تقليل أسباب المخاطر الصحية الملازمة لبيئة العمل إلى الحد الأدنى، بقدر الإمكان عملياً.
المصانع تخالف الأنظمة
يقول رئيس النقابة العامة للعاملين في البناء بالأردن، لـ عمان نت "أنه في قانون العمل الأردني لا يميز بين العامل الوافد و الأردني ولكن عملية الرقابة على شروط السلامة والصحة العامة عملية تطبيقة صعبة لعدم تواجدنا بكل المواقع، وخاصة الوصول إلى العاملين المهاجرين الذين يعانون من الحقوق المنقوصة، في ظل تواجدهم في إطار نظام العمل الغير منظم الخاضع للمؤسسات الصناعية الصغيرة".
ويرى "لا نستطيع إدراك تواجد شروط السلامة الصحية والمهنية لعدم القدرة الوصول لكافة المنشأت الصناعية في المملكة وذلك يطال الاطار الحكومي، وذلك يجعلنا أمام مواجهة حقيقية في عدم القدرة على حصر العاملين داخل هذا الإطار المهني الذي بات يشكل محور مركزي في الاقتصاد الوطني بالتزامن مع الاعتماد على العمالة الوافدة في تشغيل القطاع و تدوير حركة الإنتاج، في وقت ندرك بأن شروط السلامة تعاني من حالة افتقار شديدة تضمن سلامة العاملين".
و طالب العمل بجدية على حرص صاحب العمل في التزام بشروط السلامة والصحة العامة تجاه العاملين لوقوع هذه الشروط ضمن المباديء الإنسانية، في وقت يجعلنا نقع وسط قطاع ضخم جدا من الإنتاج الاقتصادي الصناعي، حيث يعمل ما يزيد عن 45% من إجمالي العاملين في القطاع الغير منظم، وأن البيئة الصناعية تحتاج أن تخضع لشروط مشددة بدافع حصر المناطق الخطرة داخل المنشأة الصناعية و طرق التعامل معها وبالإضافة إلى خطورة العملية الإنتاجية الصناعية و تحديد كافة شروط ولوازم العمل الأمن داخل المصانع والتي تخضع لضوابط الجهات الحكومية.
ويوضح زيود استنادا لاحكام قانون العمل رقم 8 لسنة 1996 فانه يتوجب على صاحب العمل توفير الاحتياطات والتدابير اللازمة لحماية العمال من الاخطار والامراض التي قد تنجم عن العمل وعن الالات المستعملة فيه وتوفير وسائل الحماية الشخصية والوقاية للعاملين من اخطار العمل وامراض المهنة كالملابس والنظارات والقفازات والاحذية وغيرها وارشادهم الى طريقة استعمالها والمحافظة عليها وعلى نظافتها كما يتوجب على صاحب العمل احاطة العامل قبل اشتغاله بمخاطر مهنته وسبل الوقاية الواجب عليه اتخاذها وان يعلق بمكان ظاهر تعليمات وارشادات توضح فيها مخاطر المهنة ووسائل الوقاية منها وفق الانظمة والقرارات التي تصدر بهذا الشان اضافة الى ان صاحب العمل ملزم بجميع ماورد من اشتراطات السلامة والصحة المهنية في الانظمة والتعليمات والقرارات الصادرة بموجب احكام القانون .
و وفق دراسة تحليلية صادرة عن مؤسسة تمكين "التقرير التحليلي الأول 2021"، تشير بأن العاملين المهاجرين العاملون في أراضي الأردن و الحاصلون على تصاريح عمل شكل قطاع الصناعة النسبة الأعلى من بين القطاعات الإنشائية الإنتاجية.
قال وزير العمل نايف استيتية بتصريحات سابقة ، إن السلامة والصحة المهنية تعد أبرز أولويات الوزارة لضمان توفير بيئة عمل صحية وآمنة للعاملين في جميع القطاعات والمهن، والوقاية من الحوادث وإصابات العمل والأضرار الصحية الناجمة عن المخاطر المهنية، وذلك من خلال الحد من أسباب هذه المخاطر الموجودة في بيئة العمل إلى أقصى حد ممكن.
وأكد أن الوزارة تعمل على تطوير التشريعات الخاصة بالسلامة والصحة المهنية بما يتناسب مع التطورات الصناعية المستمرة والتغيرات في سوق العمل بما يتماشى مع التغييرات الاقتصادية، بمشاركة أطراف العمل الثلاثة بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، مشيرا إلى أنه تم إعداد مسودات لتعديل بعض الأنظمة الخاصة بالسلامة والصحة المهنية.
تقرير مجتمع وطني يظهر المعضلة
ووفقا للتقرير استقبلت تمكين إلى تمكين خلال العام 2021 والربع الأول من العام 2022 (39) شكوى تتعلق بالصحة والسلامة المهنية توزعت على القطاعات العمالية كالتالي: (10) شكاوى في قطاع المصانع، و(7) شكاوى في قطاع البناء والتشييد، و(5) شكاوى في قطاع المطاعم، و(4) شكاوى في قطاع الزراعة، و(13) شكوى توزعت بين قطاعات التحميل والتنزيل، والنقل، والمحاجر، والحدادة.
أما فيما يتعلق بتوزيع الشكاوى على الجنسيات فكانت كالتالي: (19) شكوى مقدمة من عمال سوريين، و(16) شكوى من عمال أردنيين، فيما توزعت باقي الشكاوى على جنسيات مصر وفلسطين واليمن والهند.
وأكد زيود أن الوزارة تتعامل مع جميع الشكاوي الواردة اليها عبر جميع قنوات الاتصال كما يتم يتم استقبال الشكاوى عبر منصة حماية حيث يتم التحقيق في الشكوى وذلك بزيارة المنشأة وتقييم مدى التزام صاحب العمل بتوفير الاحتياطات وتدابير السلامة واتخاذ الاجراءات القانونية بحق المؤسسات غير الملتزمة