يجهز عبدالله (عامل سوري) نفسه لمغادرة صالة المطعم التي كان يعمل بها في أحد مطاعم الشاورما الموجودة في العاصمة عمان دون رجعة، بعد أن غادر أغلب زملائه نفس المكان متجهين لعمل آخر يكسبون الرزق الحلال منه.
لم يكن ينوي عبدالله أن يغادر ذلك العمل رغم التعب الذي كانت واضحاً على محياه؛ من طول عدد الساعات التي كان يعملها، فكان يبدأ عمله من الساعة الثامنة صباحاً يجهز المطعم وينظفه استعداداً لاستقبال الزبائن وينتهي لبعد منتصف الليل، وفي أغلب الأحيان يبقى لساعات الفجر.
في السؤال عن سبب تركه لهذا العمل كان جواب عبدالله "الواحد متغرب وفوق كل التعب ينتصب علينا"، ويكمل في أول شهر من العمل في هذا المطعم حصل على راتبه كامل، لكن في الشهر الثاني والثالث لم يحصل عليه حتى وصل المتراكم ما يقارب 1200 دينار، طالب عبدالله بمستحقاته إلا أنه لم يحصل على شيء.
عند وصول فرق التفتيش من وزارة العمل كان يطلب صاحب العمل منه أن يغادر المطعم لحين خروجهم، حتى لا يُسأل عن تصريحه أو راتبه، وساعات العمل التي يعملها.
عبدالله لاجئ سوري دخل الأردن في 2013 يبلغ من العمر 25 عاما، يعمل حالياً في مطعم آخر و يخطط للذهاب إلى ألمانيا ليبدأ منها طريق جديد.
في مكان آخر تحديداً في الشمال الشرقي للأردن يستيقظ رمضان(عامل مصري ) في ساعات الصباح الباكر لبدء عمله في مزرعة اللوزيات والحمضيات، وينهي عمله بعد 12 ساعة من العمل وهو ما يزيد بأربع ساعات عن ساعات العمل المحددة في قانون العمل الأردني.
هذه الساعات الأربعة لا يُحاسب عليها رمضان، بل يحاسبه صاحب العمل بنفس الأجر منذ وصوله من مصر إلى الأردن عام 2002 وهو الحد الأدنى للأجور 260 دينارا.
في هذه الحالة ينص نظام عمال الزراعة رقم 19 لسنة 2021 على أن «ساعات العمل الزراعي العاديــة هـي ثماني ساعات في اليوم الواحد ولا تزيد على ثمان وأربعين ساعة في الأسبوع تتوزع على ستة أيام على الأكثر تعطى خلالها فترة للراحة لا تقل عن ساعة واحدة على مرحلتين حسب ظروف العمل ولا يحسب منها الوقت المخصص للراحة وتناول الطعام».
وأجاز النظام لصاحب العمل تشغيل العامل الزراعي أكثر من ساعات العمل اليومية العادية فـي حـالات الموسم الزراعي والحالات الطارئة، على أن يتقاضى العامل أجرا إضافيا وبحسب المنصوص عليـه فـي قانون العمل وأكد استحقاق العامل الزراعي يوم عطلة أسبوعية وفقا لما تمتصه طبيعة العمل الزراعـي علـى أنـه يـجـور بالاتفاق مع صاحب العمل الزراعـي جـمـع أيام عطلته الأسبوعية والحصول عليها خلال مدة لا تريد على شهرين، ويلتزم صاحب العمل وعلى نفقته بتهيئة مكان سكن مناسب للعمال الزراعيين داخـل المنشأة الزراعيـة فـي حـال اقتضت طبيعـة العمـل ذلـك وحسب الشروط الواردة في عقد العمل.
يروي لنا رمضان حالته متسائلا " رب أسرة عنده أربعة عيال وبنات في الجامعة هل 260 يكفوا ليفتحوا بيت؟ " هذا السؤال يعيدنا لقصص أغلب العمال المهاجرين بتدني أجورهم مقابل عدد الساعات التي يعملون بها.
بحسب رمضان فإن مفتشي وزارة العمل يزورون المزرعة كل 6 إلى 7 شهور، "يا ريت المفتشين لما يجوا يفتشوا على اجور العامل وعدد الساعات" هذا ما طلبه رمضان في نهاية المقابلة التي أجريناها معه.
بعد مراجعة منظمة تمكين للمساعدة القانونية يتم التعامل مع مثل هذه الحالات وفقاً للمحامية المتخصصة بقضايا الاتجار بالبشر أسماء عميرة، تقول إنه في حال كان العامل لا زال عند صاحب العمل تحدد هذه الانتهاكات كعدم دفع أجور وعدد ساعات العمل ويرسل كتاب لوزارة العمل تحديداً، وبذلك ينتقل المفتشون إلى مكان العمل ويتم التفتيش والتأكد من صحة هذه الانتهاكات، وفي حال اكتشاف مؤشرات لجريمة الاتجار بالبشر يتم إرسال إخبار لوحدة الاتجار بالبشر( الأمن العام ) ويتم التحقق من ذلك وبعدها تحول للمدعي العام.
وتضيف أن قلة عدد المفتشين من وزارة العمل يلعب دوراً كبيراً في زيادة وتعميق الانتهاكات التي يتعرض لها العمال المهاجرون، وتقول " 130 مفتش ما يقدروا يسيطروا على كل المؤسسات والشركات والمصانع بكل المملكة ومحافظاتها ".
وتقول إنه عند زيارة الموقع الرسمي لوزارة العمل الأردنية وتحديداً بيان سوق العمل وتقارير التفتيش يتبين أن عدد المخالفات التي تم ضبطها قليلاً مقارنة بعدد العمال المهاجرين.
يبلغ عدد العمال المهاجرين المسجلين لدى وزارة العمل (350 352) عامل وعاملة، وتمثل الأيدي العاملة من الجنسية المصرية ما نسبته (53.6%) منهم، والأيدي العاملة من الجنسية السورية (5، 11%) ، وفي المقابل فإن عدد المخالفات المضبوطة خلال الربع الأول من العام الحالي 2022 هي 899 مخالفة، بإجمالي عدد الزيارات التفتيشية 11294 زيارة.
ووفقاً لورقة السياسات التي أصدرها مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية (نحو زيادة فعالية تفتيش العمل 2021) فإنه يجب أن يكون عدد مفتشي العمل كافيا لضمان الأداء الفعال لواجبات إدارة التفتيش، وذلك لكي يتمكن نظام تفتيش العمل من أداء الوظائف الموكولة إليه بكفاءة عالية، كما أن توفير البنية التحتية اللازمة للأداء المفتشون لأعمالهم من وسائط نقل وأجهزة حاسوب وأجهزة قياس، ومكاتب مناسبة ومجهزة، وأجهزة اتصال تعتبر عنصرا هاما في أداء المفتشين، ولا يمكن النهوض بالتفتيش لأداء مهامه بالشكل المطلوب دون توفير ذلك، لذا يجب مراعاة هذه الاحتياجات لجميع المفتشين وتدريب المفتشين على استخداماتها؛ لتتمكن من أداء جهاز التفتيش مهامه بكفاءة وفعالية.
ونصت اتفاقية تفتيش العمل العربية، رقم (19) لسنة 1998 في المادة (39) على ضرورة زيارة كل منشأة على الأقل مرة واحدة من السنة، وقد ربطت العافية العمل الدولية رقم (81) لسنة 1947، عدد المفتشين المفترض توفرهم بجهاز التفتيش بعدة عوامل تعتمد على أهمية الواجبات الملقاة على عاتق المفتش وخصوصا عدد أماكن العمل الخاضعة للتفتيش، وطبيعتها، وحجمها، ووضعها وعدد العمال المستخدمين في هذه الأماكن وصلاتهم، وعدد الأحكام القانونية الواجب إنفاذها وتعقيدها، والإمكانات المادية الموضوعة تحت تصرف المفتشين، والشروط العملية التي يجب أن تجري بها عمليات التفتيش لتكون فعالة
يبلغ عدد مفتشي العمل في الأردن حوالي (160) معاشا (مفتش ورئيس قسم عمل وسلامة وصحة مهنية)، وهم موزعون على كافة مديريات العمل بالمملكة. ولا يبدو هذا العدد كافيا مقارنة مع المعايير السابقة والمهام المطلوبة وحجم سوق العمل ويحتاج إلى مضاعفة عدد المفتشين مرة واحدة على الأقل لتغطية جميع منشآت سوق العمل بزيارة كل سنتين، كما أن التقصي ببعض الاحتياجات والبنية التحتية كوسائط النقل، والحواسيب وغيرها، يقلل من كفاءة وفعالية أعمال التفتيش، ويسبب إهدارا للوقت، فعدم وجود قاعدة بيانات محوسبة بالمنشآت الخاضعة للتفتيش وبياناتها وتقارير تفتيشها السابقة ومخالفاتها وإعداد عمالها وقطاعات عملها، بتطلب من المفتش البحث بالملفات الورقية (إن وجدت) للاطلاع على وضع المنشأة قبل زيارتها، وهذا يسبب ضياع الوقت وعدم الفعالية والكفاءة الأداء لارتباطه بالأرشيف.. وحفظ الملفات، وأيضا عمليات تحديث هذه البيانات في حين لو تومرت قاعدة البيانات وتوفرت أجهزة إلكترونية للعمال التفتيش يتمكن المفتش من الاطلاع على واقع المشاة مستغلا فترة انتقاله كما يمكن أن يدخل بيانات زيارته مباشرة خلال عملية التعايش وبالتالي زيادة فعالية الأداء.
الناطق باسم وزارة العمل محمد الزيود يقول إنه تم إصدار تعليمات وشروط ومؤهلات والتصنيف الفني لسنة 2021 لمفتشي وزارة العمل بموجب قانون الرقابة والتفتيش على الأنشطة الاقتصادية رقم 33 لسنة 2017، حيث حددت هذه التعليمات الشروط المطلوب توفرها فيمن يتم تعيينه مفتشا في وزارة العمل كأن يكون حاصلا على الشهادة الجامعية الأولى كحد أدنى في تخصصات القانون أو الهندسة أو الطب وعليه اجتياز البرنامج التدريبي بنجاح على أعمال التفتيش لمدة لا تقل عن 6 أشهر.
ويؤكد أن عدد مفتشي العمل في الوزارة هو 170 مفتشا وهذا العدد يوفر له بيئة عمل آمنة ومركبات من الوزارة للقيام بمهامهم التفتيشية، كما ويتم توفير لهم ملابس لحمايتهم خلال جولاتهم التفتيشية على المنشآت المختلفة في كافة المجالات كالأحذية المتخصصة "السفتي" والستر والقبعات "الخوذة".
ويشير إلى أن الوزارة تنفذ جولات تفتيشية دورية على مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية في كافة محافظات المملكة، وزيادة في حرص الوزارة على إتمام عملية التفتيش لكل القطاعات وضمان الوصول لكل القطاعات تنفذ أيضا الوزارة حملات معينة ومكثفة على بعض القطاعات بين الحين والآخر.
ويبين أن الوزارة أنجزت خطوات متقدمة من عملية التطوير الشاملة لمنظومة التفتيش، والتي بدأت بالتفتيش الإلكتروني كجزء من منظومة التفتيش الذكي لجميع الجهات المرجعية المعنية بالتفتيش، وعقدت في الفترات الماضية ورش تدريبية لتدريب المفتشين من مركز الوزارة وكافة مكاتب ومديريات العمل في المحافظات على مراحل متعددة ضمن دورات تدريبية مكثفة بعنوان "التغيير السلوكي في العمل من خلال الاستغلال الأمثل لمهارات الاتصال" والتي تم تنفيذها بدعم من منظمة العمل الدولية..
ويضيف أن الوزارة تعمل على تطوير الموارد البشرية في التفتيش ورفع كفاءتها وتطوير آليات التفتيش في الميدان، بهدف الوصول إلى أعلى درجات الشفافية والمهنية في منظومة التفتيش في كافة محافظات المملكة ، وتزود الوزارة مفتشيها في الميدان بكاميرات وأجهزة لوحية إلكترونية مرتبطة بغرفة سيطرة رئيسية في الوزارة لمتابعة إجراءات كل مفتش خلال الجولات التفتيشية التي يتم تنفيذها على مختلف القطاعات الاقتصادية في كافة ألوية ومحافظات المملكة، مضيفا أنه يوجد متابعة حثيثة من غرفة السيطرة لهذه الجولات التفتيشية لضمان سلامة كافة الإجراءات في الميدان.