تحت أشعة الشمس الحارقة في وهج فصل الصيف، يقف العامل المصري أبو أحمد وسط مزارع في منطقة الجرباء التابعة أذرح بمحافظة معان، بساعات عمل تتجاوز 8 ساعات يومياً.
في المقابل لا يغفل عن ذهن العامل أبو أحمد واقع حياته المعيشية التي تتمثل في تفاصيل سكنه البسيط الكامن بالقرب من البئر المخصص لتعبئة المياه للمزرعة، ويعتمد على المياه في الكثير من الأحيان مستلزمات حياته.
ويقول أبو أحمد حياتنا صعبة فلا نستطيع التعامل مع أنواع الحشرات التي لا حصر لها كون المنطقة صحراوية، في وقت لا تفارقنا أصوات الوحوش طوال الليل، " لحد اللحظة مشتفش الدياب وخايف اشوفها يوم من الأيام ومعرفش ادافع عن نفسي لحظتها".
ويشتكي العامل أبو أحمد من قصور الجهات الحكومية بمتابعة أوضاع العمالة المهاجرة وبالإضافة إلى قصور سفارة بلاده، جراء عدم وجود أي جولات تفتيش على ظروفهم العمالية داخل المزارع في منطقة معان التي تعد من المناطق المهمشة.
ويعد العمل في قطاع الزراعة موسميا، إذ تزيد فرص العمل للعاملين في قطاع الزراعة ككل (محليا، ومهاجرين) صيفا، لكنهم يواجهون تحديات تثقل عليهم في يومهم لكسب قوت عيشهم، الأجر الذي لا يتناسب مع مستوى الاحتياج وتأخر الحصول عليه بالتأجيل المتعمد من أصحاب المزارع وظروف العمل الصعبة في ظل غياب أدوات السلامة العامة داخل المزارع، وسحب أوراق السفر من العاملين كل هذا واكثر يندرج تحت الانتهاكات العمالية.
وبحسب التقرير السنوي لوزارة العمل يأتي بالمرتبة الثانية قطاع الزراعة أكبر قطاع للعمال المهاجرين الحاصلين على تصاريح عمل بما يقارب 50 ألف عامل وافد.
الناطق باسم وزارة العمل محمد زيود قال إن "الوزارة تنفذ جولات تفتيشية دورية على مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية في كافة محافظات المملكة، إضافة إلى تنفيذ حملات تفتيشية بين الحين والآخر على قطاعات معينة، حيث يبلغ عدد المفتشين 170 مفتش عمل، وأنجزت الوزارة خطوات متقدمة من عملية التطوير الشاملة لمنظومة التفتيش، والتي بدأت بالتفتيش الإلكتروني كجزء من منظومة التفتيش الذكي لجميع الجهات المرجعية المعنية بالتفتيش.
وبعـد 13 عامـا مـن الانتظـار، صـدر نظـام عمـال الزراعـة بمـا يتوافـق مـع المـادة رقـم 3 مـن قانـون العمـل، إذ احتـوى علـى 17 مـادة، أهمها: شـمول عمـال الزراعـة بأحـكام قانــون العمــل فــي أي موضــوع لــم يعالجــه النظــام، أي أن عمــال الزراعــة أصبحوا مشمولين بالقانون كامـل والضمان الاجتماعي.
رغـم إيجابية هـذه الخطـوة إلا أن النظـام استثنى أصحـاب العمـل حال استخدامهم ثلاثة عمــال أقــل من أحـكام ســاعات العمــل والعطلات من الشمول بالضمان.
يلجأ العمال المهاجرون للقبول في ظروف سكن معيشة بسيطة وغالبا تكون في نفس المزرعة سعيا من العامل في تقليل النفقات ولكن هذا يصعب الحصول على المواصلات لان المزارع تبعد عن الشارع العام لمسافات كبيرة وهذا يجعل الحصول على الغذاء وشراء الحاجات الأساسية في غاية الصعوبة لذا يرسل أصحاب المزارع وجبات الى مكان سكن العمال .
ويشتكي العاملين في قطاع الزراعة صيفا من حرارة البيوت البلاستيكية وآلية الحصول على استراحة قصيرة لتهوية حيث تقدر درجة الحرارة بفارق ما بين ٥ إلى ٩ درجات عن الجو الخارجي.
ويرى المهندس الزراعي رائد نعانعة أن درجات الحرارة داخل البيوت البلاستيكية تحمل تأثيرات على العاملين، وخاصة فيما يتعلق بمؤشر الرطوبة داخل البيت مما يشكل الإصابة بحدوث وهج وارتفاع بالحرارة، ويعتمد العاملين في الزراعة طريقة معينة لتهوية لتجنب لفحة الهواء وصدمة الحرارة من الداخل الشديد إلى البارد نسبيا المنعش خارجاً.
يؤكد نعنانعة أن العمل في هذه الظروف سيكون أفضل في حال توفر أدوات السلامة العامة من الكفوف وكمامات وقبعات الصيف التي هي في شبه غياب تام في هذا القطاع .
استنادا لاحكام قانون العمل رقم 8 لسنة 1996 فإنه يتوجب على صاحب العمل توفير الاحتياطات والتدابير اللازمة لحماية العمال من الاخطار والامراض التي قد تنجم عن العمل وعن الآلات المستعملة فيه وتوفير وسائل الحماية الشخصية والوقاية للعاملين من اخطار العمل وامراض المهنة كالملابس والنظارات والقفازات والأحذية وغيرها وإرشادهم الى طريقة استعمالها والمحافظة عليها وعلى نظافتها كما يتوجب على صاحب العمل احاطة العامل قبل اشتغاله بمخاطر مهنته وسبل الوقاية الواجب عليه اتخاذها وأن يعلق بمكان ظاهر تعليمات وإرشادات توضح فيها مخاطر المهنة ووسائل الوقاية منها وفق الأنظمة والقرارات التي تصدر بهذا الشأن اضافة الى ان صاحب العمل ملزم بجميع ما ورد من اشتراطات السلامة والصحة المهنية في الانظمة والتعليمات والقرارات الصادرة بموجب أحكام القانون .
وتوضح خبيرة التغذية هبة على ان العاملين في هذا القطاع صيفا تتراوح معدل احتياجاتهم لشرب الماء 3 لتر اي 13 كوب خلال اليوم الواحد على فترات متقاربة لأن العمل تحت الشمس صيفا يساهم في التعرق والجسم يجب أن يحافظ على معدل الرطوبة فيه، وتنصح المزارعين بإضافة النعناع ك نكهة للماء حيث ترطب الجسم وتزيد الانتعاش فضلا عن استهلاك عصير الليمون الذي يمد الجسم بعناصر تعوض الفاقد خلال فترات العمل تحت الشمس ويزيد معدل النشاط والحيوية .
يستمر ابو احمد في التفكير بأكثر الصعوبات التي تواجهه وهو تحقيق الدخل الثابت والاستقرار ويقول : انه يصعب عليه الحصول على دخل ثابت لان مستوى جني المحاصيل متفاوت وليس في إنتاج بمعدل مستمر او ثابت وهذا يحتم عليه الاستمرار بالتفكير في الحصول على الدخل الأمثل .
قانون العمل لم يصدر نظام للعاملين في الزراعة، ومسودة عمال الزراعة تحوي 10 مواد توضح ساعات العمل وغيرها فمثلا تؤكد أن ساعات العمل الزراعية العادية ثابتة هي ثماني ساعات اليوم الواحد ما يقدر بأربعين ساعة عمل في الأسبوع، موزعة على ستة أيام ويتوجب الحصول على ساعة واحدة لراحة على مرحلتين حسب ظروف العمل ولا يحتسب من الوقت المخصص للماء والغذاء .
المسودة اجازت تشغيل العاملين الزراعيين أكثر من الساعات المحددة في المواسم الطارئة لتجنب تلف المحاصيل كونها لا تتحمل التأجيل ويتوجب جنيها على وجه السرعة.
لدى أبو أحمد هموم مشتركة مع أصحاب المزارع بعد هذا العمر الذي عاشه هنا، حيث يتقاسم معه ثقل الهموم والتفكير في الواقع الزراعي المهمش، في ظل تساؤلات عديدة هل سيصبح القطاع الزراعي منفرا وغير جاذب للعمالة المهاجرة في ظل الحديث عن الأمن الغذائي.