هل تنتهي حملات المقاطعة الشعبية بعد وقف إطلاق النار على قطاع غزة؟
في ظل انتظار البعض لوقف إطلاق النار على غزة لإنهاء مقاطعتهم للمنتجات الداعمة لإسرائيل، باعتبار المقاطعة حالة مرتبطة بالحرب، يرى آخرون ان المقاطعة باتت سلاحا تضامنيا دائما في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي على غزة بالنسبة لهم، حيث أصبحت جزءا من الهوية الوطنية، تتجاوز كونها مجرد فعل تعاطفي.
منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في شهر تشرين الأول عام 2023، تزايدت تداعياتها على مختلف الأصعدة، وبرزت المقاطعة الشعبية الأردنية للمنتجات الداعمة للاحتلال كوسيلة مؤثرة للتعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني ورفض الاحتلال.
بحسب استطلاع رأي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، أظهرت النتائج أن أكثر من 90% من المشاركين انخرطوا في نشاطات المقاطعة، مما يعكس تضامنا شعبيا واسعا مع هذه الحملة.
خلال الفترة الماضية، تكبدت العديد من الشركات العالمية خسائر كبيرة، حيث أعلنت بعض العلامات التجارية، مثل سلسة مطاعم كنتاكي، عن إغلاق عدد كبير من فروعها، إلى جانب تراجع أسهم شركات مثل ستاربكس في البورصات، هذه التطورات تعزز إلى حد كبير من نجاح حملات المقاطعة وتأثيرها على الشركات الداعمة للاحتلال.
المقاطعة إلى أين ؟
عضو والقيادي في مبادرة "الأردن تقاطع " (BDS) حمزة خضر في حديثه لـ "عمان نت"، أن المقاطعة في الأردن أصبحت سلاحا تضامنيا مع غزة في مواجهة الحرب الإسرائيلية، وأداة للتحدي والمواجهة ضد المشروع الصهيوني، معتبرا أنه من غير الممكن وقف دعم المقاطعة أو التوقف عن الانخراط في جهود عزل المشروع الصهيوني وتجفيف موارده، مشددا على أن الامتناع عن هذه الجهود يعني المساهمة بشكل غير مباشر في تمكين الاحتلال واستمرار انتهاكاته، وهو بمثابة إيذاء للنفس.
ويشير خضر إلى أن هناك قناعة متزايدة لدى الأردنيين والأردنيات بأن هذا المشروع لا يمكن التعايش معه، مما يجعل من الضروري أن يدفع ثمن أفعاله من خلال تجفيف الموارد التي يعتمد عليها وترميم اقتصاده منها، وعزله عن العالم، مؤكدا أن سلاح المقاطعة أثبت فعاليته في هذا السياق.
ويضيف أن المقاطعة ليست أداة تستخدم لأول مرة لعزل المشروع الإسرائيلي، حيث استخدم الشعب الفلسطيني والأردني والعربي سلاح المقاطعة منذ نشأة المشروع الصهيوني، موضحا أن المقاطعة كانت دائما رد فعل طبيعي لمواجهة المشروع الصهيوني الذي جاء لاحتلال الأرض وسلب الحقوق، ومع ذلك، فإن المعادلة لم تتغير، حيث لا يزال المشروع الصهيوني قائما.
"الاحتلال الإسرائيلي والمشروع الصهيوني لم ينتهيا بعد، سواء على أرض الواقع في فلسطين أو على مستوى تفكيك منظومته القائمة على الفصل العنصري والقمع والاضطهاد وسلب الأرض والحقوق، مؤكدا أن أطماع المشروع الصهيوني لا تزال مستمرة، وخاصة في الأردن، التي تعد إحدى أبرز نقاط استهدافه، بحسب خضر.
المقاطعة وتأثيرها على معدلات البطالة
من أبرز المخاوف التي أثارتها حملات المقاطعة، كان ارتفاع نسب البطالة، لكن تقديرات مبادرة "الأردن تقاطع" (BDS) تشير إلى أن معدل البطالة خلال العام الماضي، على الأقل، بقي ثابتا عند نسبة 23%، ولم يشهد الارتفاع السنوي المعتاد.
الأردن عانى سابقا من تزايد مستمر في نسبة البطالة بين الشباب، لكن في عام 2024، وبفضل التحولات الاقتصادية التي رافقت حملة "طوفان الأقصى"، حدثت تغييرات إيجابية، فقد اتجه الاقتصاد الوطني نحو الاستغناء عن العديد من المنتجات الأجنبية، مثل الأغذية والمنظفات والملابس، لصالح المنتجات المحلية أو الإقليمية، مما زاد من الطلب على العمالة المحلية، وعلى الرغم من أن نسبة البطالة لم تنخفض بشكل كبير، إلا أنها على الأقل بقيت مستقرة، بحسب (BDS).
وتشير غرفة صناعة الأردن إلى أن كل دينار يصرفه المواطن الأردني على المنتجات المحلية يعود على الاقتصاد المحلي بفائدة تصل إلى 80 قرشا، بينما في حالة المنتجات المستوردة أو تلك التابعة لشركات عالمية، فإن العائد للاقتصاد الأردني لا يتجاوز 30 قرشا، مما يوضح أن المنتجات المحلية تساهم بضعف الفائدة الاقتصادية مقارنة بالمستوردة.
وفي قراءة للكاتب محمد عايش حول معدلات البطالة في الأردن، يظهر أن سوق العمل شهد تحسنا ملموسا خلال الربع الثاني من عام 2024، فقد انخفضت نسبة البطالة للربع الثاني على التوالي، ما يعكس قدرة الاقتصاد الأردني على خلق آلاف الوظائف خلال النصف الأول من العام، وهي الفترة التي شهدت ذروة حملات المقاطعة الشعبية للبضائع والشركات الأجنبية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي.
ووفقا للإحصاءات، انخفض معدل البطالة في الربع الثاني من عام 2024 بنسبة 0.9%، وهو ما يعادل توفير حوالي 15 ألف فرصة عمل جديدة خلال ثلاثة أشهر، وفي الربع الأول، انخفضت البطالة بنسبة 0.5%، مما يعني خلق نحو 8 آلاف وظيفة إضافية، وفقا لتقديرات عايش.
إغلاق شركات كبرى بسبب المقاطعة
بعد إغلاق سلسلة متاجر "كارفور" جميع فروعها في الأردن في شهر تشرين الثاني الماضي، وصفت حركة المقاطعة هذه الخطوة بأنها "انتصار للشعب الأردني"، الذي طالب بقطع العلاقات مع العلامة التجارية ومنع بيع منتجاتها في المتاجر المحلية، وقد أدى تصاعد حملات المقاطعة إلى إغلاق تدريجي لعدد من فروع "كارفور" في الأردن، حيث أزيلت العلامات التجارية التابعة لها من بعض المواقع.
لم تكن "كارفور" وحدها، فقد اضطرت شركات كبرى أخرى إلى الانسحاب تحت وطأة المقاطعة، شركة الأمن الخاصة "جي 4 إس" قررت بيع جميع أعمالها المتبقية في الأراضي المحتلة، بينما أصبحت الشركة الفرنسية "فيولا" أول شركة عالمية تنسحب بالكامل من السوق الإسرائيلية، بعدما خسرت عقودًا تفوق قيمتها 20 مليار دولار، وفقا لحركة BDS.
كذلك، انسحبت شركة الاتصالات الفرنسية "أورانج" من السوق الإسرائيلية بعد حملات ضغط في فرنسا ومصر، فيما فسخت شركة "HP" العالمية عقدها مع سلطات الاحتلال لتوفير خوادم لحوسبة قواعد بيانات الإسرائيليين.
أما شركة "ماكدونالدز"، فقد سجلت أول خسارة في المبيعات منذ أربع سنوات، مع اعتراف رئيسها بتأثير الحرب على غزة على الأداء المالي للشركة، متهمًا "المعلومات المضللة" بالتسبب في ذلك.
وفي السياق ذاته، شهدت سلسلة المقاهي "ستاربكس" تراجعا في الإيرادات والنمو، حيث انخفضت زيارات العملاء وحجم الطلبات، تصاعدت دعوات المقاطعة ضد "ستاربكس" في العالم العربي بعد رفعها دعوى قضائية ضد نقابة العاملين لديها لدعمها الشعب الفلسطيني، مما عزز الحملات ضدها.
كما تأثرت سلسلة مطاعم "كنتاكي"، حيث أغلقت مئات الفروع في العديد من الدول الأوروبية والعربية نتيجة توسع حملات المقاطعة. ومع تنامي هذه الحملات ضد العلامات التجارية الداعمة لإسرائيل، شهدت البورصات في عدة دول، بما في ذلك دول الخليج ومصر والأردن وأوروبا، تراجعا ملحوظا.