مبادرة شبابية تسعى لتعزيز التمكين السياسي والاقتصادي باستخدام "الذكاء الإحصائي"
في ظل الأوضاع المتوترة في المنطقة وتداعياتها على الأردن، انطلقت مبادرة شبابية تسعى إلى تأسيس فكرة ريادية تهدف إلى تعزيز المشاركة السياسية، مع التركيز على التمكين الاقتصادي الذي يعد الأكثر تأثرا بتلك التداعيات.
جاءت هذه المبادرة استجابة لتدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية في المملكة، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة بين الشباب، مما جعل الحاجة ملحة للعودة إلى استخدام البيانات والإحصاءات الصادرة عن الجهات الرسمية، بهدف جمعها وتحليلها بشكل منهجي لدعم اتخاذ القرارات وتحقيق التقدم في مختلف القطاعات.
تعد دائرة الإحصاءات العامة الجهة المسؤولة عن انتاج وتحليل ونشر البيانات الاحصائية، مما يساهم في تنظيم ودعم مكونات النظام الاحصائي الأردني، وبحسب القانون يتعين على الجهات الحكومية والمؤسسات الخاصة والأفراد التعاون مع الدائرة وتزويدها بالبيانات المطلوبة ضمن مهلة محددة، وذلك لتسهيل فهم الأوضاع استنادا إلى الأرقام.
يعرف الذكاء الإحصائي بأنه عملية جمع وتحليل البيانات بشكل منهجي لدعم اتخاذ قرارات مستنيرة، ويعتمد على البيانات الضخمة، تعلم الآلة، والتحليلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي لتوفير حلول فعالة لمختلف القطاعات.
أهداف المبادرة
أحد القائمين على المبادرة الريادية الذي يعمل في مجال البحوث والمشاريع الإنسانية ليث قسوس يوضح أن الهدف الرئيسي للمبادرة هو توجيه الذكاء الإحصائي نحو الابتكار، من خلال تطبيق نموذج تكنوقراطي وديمقراطي مشابه للحوكمة الإلكترونية، كما تسعى المبادرة إلى الربط بين التمكين الاقتصادي والسياسي للمواطن، حيث يعزز كل منهما الآخر.
ويشير قسوس إلى أن تحقيق هذا الهدف يتطلب الاعتماد على البيانات المتاحة لدى الجهات الرسمية، والتي تسهم في تحقيق الأمان المعيشي المستدام من خلال تعزيز العلاقة بين التمكين السياسي والاقتصادي.
مع تدهور الأوضاع الاقتصادية في الفترة الأخيرة، يرى قسوس أن هناك ضرورة للتفكير في حلول مستدامة عبر إنشاء مشاريع إنسانية وخاصة، وتعزيز التعاون بين مؤسسات المجتمع المدني والحكومة بما يحقق نتائج ملموسة للمواطنين، مؤكدا أن برامج مثل "سند" يمكن تطويره بشكل أفضل لتساهم في هذا التحول.
من الفوائد الإضافية التي تحققها المبادرة في القطاعين الإنساني والحكومي، بحسب عضو المبادرة وناشطة حزبية ومجتمعية حنين عساف، هو من خلال توفر بيانات نسب البطالة والتخصصات للأشخاص العاطلين عن العمل، يمكن ربط هذه المعلومات مع الشواغر المتاحة في سوق العمل، مما يساعد في تحقيق التوازن بين العرض والطلب، هذا الربط يتيح تمكين الأفراد العاطلين عن العمل ذوي التخصصات القريبة من الفرص المتاحة، مما يسهل على الجهات المعنية بالتوظيف والتمكين الاقتصادي تسهيل عملية التوظيف وتأهيل الأفراد لسوق العمل، وبالتالي يساهم في خفض معدلات البطالة.
الإحصائيات الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة مؤخرا تشير إلى أن معدل البطالة في الأردن بلغ 21.4% خلال الربع الأول من عام 2024، وبلغ معدل البطالة بين الذكور 17.4%، في حين ارتفع بين الإناث ليصل إلى 34.7%.
كما بينت الإحصاءات أن معدل البطالة بين حملة الشهادات الجامعية (البكالوريوس فأعلى) بلغ 25.8%، وهو أعلى مقارنة بالمستويات التعليمية الأخرى، اما على مستوى المحافظات، سجلت محافظة المفرق أعلى معدل للبطالة بنسبة 23.4%، بينما سجلت محافظة جرش أدنى معدل للبطالة بنسبة 18.4%
الذكاء الإحصائي " وتمكين المرأة"
من أبرز التحديات التي تواجه المجتمع هو تعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية والبرلمانية بالإضافة إلى انخراطها في سوق العمل، ويعد العمل بالذكاء الإحصائي أداة مهمة في توضيح مكامن هذه التحديات، إذ يمكن من خلال تحليل البيانات تحديد المشكلات ومعالجتها بشكل فعال.
على مدار الدورات الانتخابية السابقة، كانت مشاركة المرأة في البرلمان تسجل نسبا منخفضة، وغالبا ما كانت النساء اللواتي يصلن إلى قبة البرلمان يفزن من خلال نظام الكوتا المخصص للمرأة، بعيدا عن المنافسة.
ولكن في انتخابات مجلس النواب العشرين، فازت 27 سيدة، وهو ما يمثل أعلى مستوى من المشاركة السياسية للنساء منذ منحهن حق الترشح والانتخاب في عام 1974، ويعود ذلك إلى رفع نسبة الكوتا المخصصة للنساء ضمن قانون الانتخاب الجديد.
عساف توضح أن فكرة المقترح التكنوقراطي تقوم على أن يتولى متخصصون وفنيون من كل قطاع تمثيل هذا القطاع في الانتخابات، فعلى سبيل المثال، العاملون في القطاع الصحي ينتخبون ممثلين عنهم من بين أصحاب الخبرة في هذا المجال، وكذلك الحال للعاملين في القطاع التعليمي أو أي قطاع آخر، وبهذا تكون الانتخابات مخصصة لكل قطاع، مما يسهم في تحقيق تمثيل تقني دقيق.
تنفيذ هذا النظام بحسب عساف يمكن أن يقلل من تأثير الانتماءات القبلية والطائفية وحتى التحيزات المتعلقة بالنوع الاجتماعي، فبوجود نساء مؤهلات يمتلكن التخصص والخبرة المطلوبة، يمكنهن الوصول إلى مواقع صنع القرار وتمثيل أنفسهن بكفاءة، مما يعزز فكرة أن المرأة قادرة على تمثيل نفسها كما يفعل الرجل في أي قطاع تعمل فيه.
كما تشير إلى أن الربط بين الذكاء الإحصائي، الحوكمة، والتكنوقراطية يمكن أن يدعم قضايا المرأة بشكل كبير، فمن خلال البيانات، يمكن تحليل مشاركة المرأة في الانتخابات، مثل نسبة النساء اللواتي صوتن لنساء، مقارنة بمشاركة الرجال، وفهم الأسباب التي قد تجعل النساء يعزفن عن التصويت لمرشحات نسائية، هذا التحليل يمكن من صياغة دراسات حول كيفية تشجيع النساء على انتخاب نساء مثلهن، مما يؤدي إلى تطوير قوانين تدعم المرأة وتصحح الاختلالات.
وتضيف أن البيانات لا تساهم فقط في دعم المرأة سياسيا، بل تساعد الأحزاب في تطوير سياسات تتوافق مع احتياجات الشعب، بما في ذلك تفضيلات النساء، هذه السياسات يمكن أن تكون أكثر جاذبية وتساعد الأحزاب في تسويق نفسها بشكل أفضل، فتحليل البيانات يساعد أيضا منظمات المجتمع المدني في فهم احتياجات النساء وتطوير برامج تدريبية ودورات متخصصة، على سبيل المثال، إذا كانت هناك امرأة مهندسة، يمكن تقديم دورات متخصصة لها في مجال الهندسة، مما يسهم في تطوير المرأة مهنيا، خاصة أن النساء هن الفئة الأقل حظا في الوقت الحالي من حيث التطور المهني.
تسعى المبادرة إلى توضيح هذه الأفكار من خلال نشر كتيب في المرحلة المقبلة، يشرح أهدافها ويعرض نموذجا نظريا لآلية انتخاب برلمان تكنوقراطي، هذا البرلمان سيكون قائما على تشكيل لجان برلمانية مسبقة التخصص، تنتخب بمجرد نجاح القوائم المرشحة من الأحزاب والمحليات، مما يجعل المجلس النيابي يضم متخصصين وخبراء من مختلف القطاعات والوزارات.