تستمر معاناة اللاجئين اليمنيين في الأردن في ظل ظروف قانونية وإنسانية قاسية، تتجسد بوضوح في قصة أبو خليل، الذي وصل من محافظة تعز ليجد نفسه عالقًا في دوامة من الاستغلال والعمل غير الرسمي. منذ وصوله إلى المملكة، دخل أبو خليل سوق العمل عبر عقد غير رسمي في أحد المطاعم، حيث بدأت معاناته مع ظروف العمل القاسية، التي لم تقتصر على ساعات طويلة وحقوق ضائعة، بل طالت أيضًا الأجر المادي الذي لم يكن في مستوى التوقعات.
وبعد عام من العمل، انتهت مدة عقده، إلا أن علاقته الطيبة مع صاحب العمل سمحت له بالبقاء في العمل لثمانية أشهر إضافية، دون تجديد العقد أو الحصول على تصريح عمل قانوني، ما جعله عرضة لاستغلال متواصل. يقول أبو خليل في حديثه مع مؤسسة "ون أفرا": "عملت طوال هذه الفترة دون حقوق قانونية، وتعرضت لخصم مستمر من راتبي، بينما كان صاحب العمل يتأخر بشكل متعمد في دفع مستحقاتي المتراكمة".
ورغم استمرار أبو خليل في العمل دون أي عقد قانوني أو تصريح رسمي، إلا أن محاولاته للمطالبة بحقوقه القانونية باءت بالفشل، ليظل أسيرًا لوعود صاحب العمل التي تبخرت. "تراكمت مستحقاتي بمقدار 700 دينار، ولكن صاحب العمل رفض دفعها بحجة انتهاء العقد، رغم أنني واصلت العمل بناءً على وعده"، يضيف أبو خليل بنبرة من الأسى والألم.
بعد متابعة حثيثة ودراسة معمقة للواقع القانوني والمعيشي للاجئين اليمنيين في الأردن، التقت مؤسسة "وان أفرا" مع عبدالله البليعي، أحد اللاجئين اليمنيين في محافظة المفرق الذين قدموا من محافظة تعز. قال البليعي: "في البداية، كنا نتمتع بإقامة وتصريح عمل إلى جانب المفوضية، مما مكننا من العمل بشكل قانوني. لكن منذ عام 2019، تم إيقاف التصريح والإقامة بسبب وجود المفوضية، مما جعلنا غير قادرين على العمل رسمياً في سوق العمل الأردني. هذه الازدواجية بين المفوضية والإقامة حرمتنا من حقنا في العمل بطريقة قانونية". وأضاف: "المساعدات التي تقدمها المفوضية لا تكفي لتغطية احتياجاتنا الأساسية، ما جعل ظروفنا المعيشية أكثر صعوبة. واليوم، نحن مهددون بالتسفير والإبعاد نتيجة تراكم المستحقات المالية بسبب هذه الإجراءات القانونية المتشابكة".
وقد عكست هذه التصريحات، بعد تحقيق معمق، التحديات اليومية التي يواجهها اللاجئون اليمنيون في الأردن، حيث كشف البليعي عن معاناتهم المستمرة بسبب غياب التنسيق بين المؤسسات الحكومية والمفوضية.
بعد سلسلة من اللقاءات والمقابلات الميدانية، التقت مؤسسة "وان أفرا" مع عبدالله البليعي، أحد اللاجئين اليمنيين في محافظة المفرق، الذي كشف عن التحديات القاسية التي يواجهها هو وعشرات الآلاف من اللاجئين اليمنيين في الأردن وخاصة في محافظة المفرق التي هي من ضمنها. قال البليعي: "نعيش في خوف دائم من الترحيل إذا تم ضبطنا من قبل السلطات الأردنية، والغرامات أصبحت عبئًا كبيرًا على عاتقنا، حيث قد تصل هذه الغرامات إلى 3000 دينار، وهو مبلغ يفوق قدرة الكثيرين على تحمله في ظل الظروف المعيشية الصعبة."
وتتفاقم هذه المعاناة مع الاعتماد الكامل على المساعدات التي تقدمها المفوضية السامية للأمم المتحدة وشركاؤها، وهي مساعدات لا تكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية من إيجار وكهرباء وتعليم. وأضاف البليعي: "المساعدات التي نتلقاها لا تسد احتياجاتنا اليومية، بينما تتراكم الغرامات علينا ولا نرى أي أفق لحل قريب."
تعد هذه المعاناة جزءًا من واقع مرير يعيشه العديد من اللاجئين اليمنيين في الأردن، حيث يجدون أنفسهم محاصرين في دائرة مغلقة من القيود القانونية والاستغلال الاقتصادي، دون أي أفق لتحسين وضعهم المعيشي. هذا التحقيق، الذي جاء بعد سلسلة من المقابلات الميدانية والبحث المعمق، يسلط الضوء على أزمة إنسانية تستدعي استجابة عاجلة من جميع الأطراف المعنية.
تروي هذه الحكايات الواقع المؤلم الذي يعيشه اللاجئون اليمنيون في الأردن، في ظل غياب الحقوق القانونية وفرص العمل الرسمية، وما يترتب على ذلك من تراكمات مالية تثقل كاهلهم وتزيد من معاناتهم اليومية. ومع استمرار هذه التحديات، تبرز الحاجة الملحة لتدخل الجهات المعنية بشكل سريع وفعال، لتصويب أوضاعهم القانونية وتوفير فرص عمل قانونية وآمنة تكفل لهم حقوقهم الأساسية، وتخفف من وطأة الأزمة التي يعيشونها.
أزمة اللجوء اليمني في الأردن: بين الإجراءات الحكومية والاحتياجات الإنسانية
وفقًا لإحصائيات الحكومة الأردنية لعام 2015، يُقدّر عدد اليمنيين المقيمين في الأردن بحوالي 32 ألف شخص، إلا أن التقديرات تشير إلى أن العدد الفعلي أكبر من ذلك، حيث لم يتم تسجيل العديد منهم لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. بعض هؤلاء دخلوا المملكة بتصاريح إقامة على أساس طلابي أو من خلال كفالات من أصحاب العمل، بينما لم يُقدّم آخرون على تقنين أوضاعهم القانونية.
تُسهم السياسات الأردنية المتعلقة باللجوء في تفسير هذا التفاوت بين العدد الرسمي لليمنيين في الأردن والعدد المسجل لدى المفوضية، لا سيما بعد عام 2019، حينما أصدرت الحكومة الأردنية قرارًا بوقف تسجيل طالبي اللجوء الجدد. هذا القرار حال دون تمكّن اليمنيين الذين دخلوا المملكة بعد هذا التاريخ من تقديم طلبات لجوء أو تسوية أوضاعهم القانونية، مما أثر بشكل كبير على قدرتهم في الحصول على المساعدات الإنسانية.
في هذا السياق، وبغية تحسين أوضاع العمالة غير الأردنية، بما في ذلك اللاجئين، اتخذت وزارة العمل الأردنية خطوة هامة في عام 2021 لتسوية أوضاع العمالة المخالفة، حيث تم إعفاء العمال غير الأردنيين، من بينهم اللاجئون، من رسوم تصاريح العمل والغرامات المتعلقة بتأخير تجديد التصاريح.
كانت هذه الإجراءات جزءًا من إطار "قوننة وتوفيق" أوضاع العمالة، وأتاحت للعمال فرصة لتسوية أوضاعهم القانونية دون تكبد رسوم إضافية، بشرط تنفيذ التعديلات قبل 31 أكتوبر 2021. كما تم منح استثناءات لبعض الفئات، مثل العمال السوريين، الذين خضعوا لشروط خاصة وفقًا للأنظمة المعمول بها.
ورغم هذه التدابير الإيجابية، فإن الحاجة لا تزال ماسة لتوسيع نطاق هذه السياسات لتشمل جميع فئات العمالة غير الأردنية، بما يعزز حقوقهم ويضمن اندماجهم بشكل أكثر فعالية في المجتمع الأردني. ذلك في ضوء التحديات القانونية والاقتصادية الكبيرة التي يواجهها العديد من اللاجئين، والتي تتطلب المزيد من الجهود لتوفير بيئة قانونية وآمنة لهم.
وزارة العمل: حماية حقوق العمال اليمنيين تبدأ بإصدار التصاريح وفق الضوابط القانونية
أكد الناطق الإعلامي باسم وزارة العمل، محمد الزيود، أن إجراءات إصدار تصاريح العمل للعمالة غير الأردنية، بما في ذلك العمالة اليمنية، تخضع لضوابط صارمة وضمانات قانونية.
وأوضح الزيود أن: "صاحب العمل الذي يرغب في تشغيل عامل من العمالة غير الأردنية، عليه التوجه إلى مديريات العمل المنتشرة في مختلف مناطق المملكة. في حال كانت المهنة المطلوبة ضمن قائمة المهن المسموح بها للعمالة الوافدة، يتم دراسة الطلب والتحقق من استحقاق المنشأة للعامل المطلوب. بالنسبة للعمالة اليمنية تحديداً، يتطلب إصدار تصريح العمل موافقة وزارة الداخلية نظراً لأن الجنسية اليمنية تندرج ضمن الجنسيات المقيدة بالإقامة. وفي حال الحصول على هذه الموافقة، يتم إصدار التصريح وطباعة الوثائق اللازمة."
وأشار الزيود إلى أن: "إذا كان التصريح متعلقاً بمهن متخصصة، مثل الطب، الهندسة، أو المهن الفنية والإدارية والتقنية، فإن الطلب يخضع لدراسة اللجنة المختصة في مبنى وزارة العمل. كما أن جميع الطلبات تُرفض إذا كان جواز العامل يحمل ختم دخول لغير غايات العمل، بغض النظر عن جنسيته." وأضاف الزيود أن الوزارة ملتزمة بالتنسيق مع الجهات المعنية لضمان تنظيم سوق العمل وتطبيق القوانين بما يضمن حقوق العمالة وأصحاب العمل على حد سواء. في هذا السياق، أكد الزيود أن إصدار تصريح العمل للعامل غير الأردني يشكل حماية له ويحفظ حقوقه العمالية، ويقيه من استغلاله من بعض أصحاب العمل، مشدداً على أهمية اتباع الإجراءات القانونية لضمان بيئة عمل قانونية وآمنة للجميع.
بناءً على أحدث إحصائيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حتى يونيو 2024، يُقدّر عدد اللاجئين اليمنيين في الأردن بحوالي 48,000 شخص، في حين يُقدّر عدد اللاجئين العراقيين بحوالي 66,000 شخص. ومع ذلك، لا تعكس هذه الأرقام الواقع بشكل كامل، حيث أن هناك عددًا من اللاجئين الذين لم يتم تسجيلهم رسميًا، ما يعني أن الأعداد الفعلية قد تكون أكبر. من جهة أخرى، بالرغم من أن اللاجئين اليمنيين والعراقيين يشكلون أقلية مقارنة باللاجئين السوريين في المملكة، إلا أنهم يواجهون تحديات قانونية وتنظيمية معقدة، خاصة فيما يتعلق بحقوق العمل والإقامة، ما يزيد من معاناتهم ويعقد فرص اندماجهم في المجتمع الأردني.
التحديات التي تواجه اللاجئين اليمنيين والعراقيين في الأردن: العمل والخدمات في ميزان الواقع
بحسب رولاند شونباور، الناطق باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأردن، فإن "هناك حوالي 65 ألف لاجئ من جنسيات غير سورية مسجلين لدى المفوضية، من بينهم يمنيون وعراقيون، ويواجهون تحديات مختلفة مقارنة باللاجئين السوريين". وأشار إلى أن "التحدي الرئيسي الذي يواجه هذه الفئة هو عدم قدرتهم على الحصول على عمل بشكل رسمي، ما يجعلهم عرضة للاستغلال ويضطرهم للاعتماد على المساعدات الإنسانية، خاصة في ظل غياب مصادر دخل مستدامة".
رغم الجهود الدولية والمحلية المبذولة لدعم اللاجئين، إلا أن السياسات الحكومية تحد من فرص اللاجئين غير السوريين في سوق العمل. ويضيف شونباور: "وفقًا لسياسة الحكومة الأردنية، يُسمح فقط للسوريين بالعمل بشكل رسمي”.
وفيما يخص الوصول إلى الخدمات الأساسية، لفت شونباور إلى أن "سياسة الأردن السخية تتيح لجميع اللاجئين، بما في ذلك اليمنيين والعراقيين، الاستفادة من خدمات الصحة العامة والتعليم على قدم المساواة مع المواطنين". وأضاف: "تعمل المفوضية بشكل وثيق مع الحكومة الأردنية لضمان شمول اللاجئين في الأنظمة الوطنية، بما في ذلك التعاون مع وزارة التربية والتعليم لتسجيل جميع الأطفال اللاجئين في المدارس الحكومية".
وأشار إلى أن اللاجئين المسجلين لدى المفوضية يتمتعون بإمكانية الوصول إلى المستشفيات العامة ومرافق الرعاية الصحية بأسعار الأردنيين غير المؤمنين، شريطة أن تكون وثائقهم صالحة. "نعمل على رفع مستوى الوعي بين اللاجئين بأهمية مراجعة المفوضية لتجديد وثائقهم في الوقت المناسب"، أضاف شونباور.
تعتمد المفوضية على برامج مبتكرة للتخفيف من معاناة اللاجئين وتعزيز قدرتهم على تحقيق الاكتفاء الذاتي. وفي هذا السياق، أوضح شونباور أن المفوضية "تعمل على جمع الشركاء المختلفين لتوفير فرص عمل خارج الأردن، مما يفتح أمام اللاجئين آفاقًا جديدة، وإن كانت هذه الحلول غير دائمة". كما تقدم المفوضية مساعدات نقدية مباشرة لتلبية الاحتياجات الأساسية للاجئين الأكثر ضعفًا، بما في ذلك اليمنيين والعراقيين.
يُجمع المراقبون على أن التعاون الوثيق بين المفوضية والحكومة الأردنية كان ولا يزال الركيزة الأساسية في تقديم الدعم للاجئين. وفي هذا الإطار، أشار شونباور إلى أن "المفوضية تعمل باستمرار مع الحكومة لمساعدتها في الحفاظ على سياساتها المتقدمة، خاصة في مجالي الصحة والتعليم".
وأوضح أن المفوضية تبذل جهودًا كبيرة لجمع التبرعات لصالح الأردن، مشددًا على أن مذكرة التفاهم بين المفوضية والحكومة تضمن إطارًا متماسكًا للتعاون بهدف حماية ومساعدة اللاجئين وطالبي اللجوء.
رغم التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها الأردن، إلا أنه يواصل تقديم الدعم للاجئين من مختلف الجنسيات، معتمدًا على سياسات إنسانية جعلته نموذجًا يحتذى به في المنطقة. ومع ذلك، يظل تحسين ظروف اللاجئين اليمنيين والعراقيين تحديًا مستمرًا يتطلب تضافر الجهود المحلية والدولية لضمان حياة كريمة لهم بعيدًا عن الاستغلال والاعتماد المفرط على المساعدات
توصلت الدراسات التي أجرتها "تمكين للمساعدة القانونية" إلى أبرز التحديات التي يواجهها اللاجئون غير السوريين في الأردن، خاصة فيما يتعلق بحقهم في العمل المنظم وامتثالهم لتشريعات اللجوء، التي لا تزال تشكل عقبة كبيرة أمام استقرارهم في البلاد. وفقًا لسجلات المفوضية السامية، بلغ عدد اللاجئين المسجلين في المملكة 761,850 شخصًا من 52 جنسية مختلفة، منهم 65,899 لاجئًا عراقيًا، و12,903 لاجئًا يمنيًا، و5,583 لاجئًا سودانيًا. تعكس هذه الأرقام الحاجة الماسة لتحديث التشريعات والأنظمة المعمول بها، بما يضمن حقوق هؤلاء اللاجئين في العمل الكريم والحياة اللائقة، في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية المتزايدة التي تشهدها المملكة. هذا التقرير يأتي ليحاكي واقعًا مؤلمًا ويكشف عن ضرورة العمل السريع من الجهات المعنية لتوفير بيئة قانونية وآمنة لهؤلاء اللاجئين.
لاجئ عراقي في المفرق: "ثمان سنوات عجاف" بين تحديات الاندماج وارتفاع الأسعار
من محافظة البصرة، قضاء الزبير، إلى محافظة المفرق في شمال الأردن، كانت رحلة فايز مليئة بالتحديات والمعاناة التي صقلتها سنوات من التكيف مع واقع جديد بعيد عن وطنه. منذ ثماني سنوات، وصل فايز إلى الأردن كلاجئ، ورغم مرور هذا الوقت الطويل، لا تزال الحياة تلقي بثقلها عليه في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية معقدة، لا سيما في مجال الاندماج في المجتمع المحلي.
في حديثه مع مؤسسة "وان إفرا"، أضاف فايز بحسرة: "أريد أن أضيف أن هذه الظروف القاسية تجعل من المستحيل بالنسبة لنا كلاجئين أن نعيش بكرامة. الضغوط المالية والاجتماعية تتراكم بشكل مستمر، مما يزيد من صعوبة تأقلمنا مع الحياة هنا." وأشار إلى أن الفجوة الثقافية بينه وبين المجتمع الأردني تجعله يشعر بالعزلة رغم السنوات التي قضاها في البلاد: "رغم بقائي هنا لثمان سنوات، إلا أنني ما زلت أشعر بالغربة."
ومن أبرز التحديات التي يعاني منها فايز هو ارتفاع تكاليف المعيشة في الأردن مقارنة بالعراق، مما يزيد العبء على أسرته. وقال في هذا السياق: "الأسعار هنا مرتفعة جدًا، ولا أستطيع تحمل تكاليف المعيشة في ظل الظروف الصعبة التي أعيشها. يبدو لي أحيانًا أننا نعيش في دائرة مغلقة من التحديات."
ورغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة، يولي فايز أهمية كبيرة لتعليم أبنائه، الذين يذهبون إلى المدارس الحكومية الأردنية ضمن الفترة المسائية المخصصة للاجئين. هذه المدارس، المدعومة من منظمة اليونيسيف، توفر فرصة تعليمية في ظل الظروف التي يمر بها، لكن فايز يشير إلى التحديات الإضافية التي يواجهها جراء الجدول الزمني لهذه المدارس: "أبنائي يذهبون إلى المدارس المسائية، وهذا أفضل مما كنت أتوقع، لكن التعليم المسائي يبقى تحديًا إضافيًا على مستوى الوقت والجهد."
أما عن المساعدات الإنسانية، فقد أشار فايز إلى محدوديتها، قائلاً: "المساعدات التي نحصل عليها لا تكفي لتغطية احتياجاتنا الأساسية. المفوضية تقدم مساعدات مالية وغذائية واستشارات قانونية، لكنها ليست كافية لتحسين ظروفنا أو تسريع الإجراءات التي نحتاجها كلاجئين. نحن بحاجة إلى حماية حقيقية ودعم يعالج مشكلاتنا من الجذور."
اختتم فايز حديثه بنبرة يملؤها الإحباط، قائلًا: "ثمان سنوات عجاف مرت، ولم يتغير شيء. نحن كلاجئين ما زلنا نعيش في ظروف صعبة وغير مستقرة، وكأننا نسير في نفق مظلم بلا نهاية." تجسد تجربة فايز معاناة العديد من اللاجئين في الأردن الذين يواجهون تحديات معيشية واجتماعية واقتصادية، في ظل ظروف إنسانية صعبة لا تظهر لها حلول قريبة.
التحديات الاقتصادية والاجتماعية للاجئين اليمنيين والعراقيين في الأردن: بين الاندماج الثقافي والضغوط السياسية
تستمر أزمة اللجوء في الأردن في التوسع، حيث يستضيف البلد أعدادًا كبيرة من اللاجئين اليمنيين والعراقيين، الذين يتنقلون عبر الحدود بحثًا عن الأمان وسط الأزمات الإقليمية المتصاعدة. ورغم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأردنية لتوفير الحماية والخدمات الإنسانية، إلا أن هؤلاء اللاجئين يواجهون تحديات هائلة في مسألة الاندماج الثقافي والاجتماعي، بالإضافة إلى الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تفرضها هذه الأزمة.
وتشير الأرقام المسجلة لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن عدد اللاجئين اليمنيين في الأردن يتراوح ما بين 13 إلى 27 ألفًا، حيث تم الاعتراف بـ762 منهم كلاجئين، في حين لا يزال البقية يحملون صفة "مقيمين مؤقتين". وتعد هذه الفئة مزيجًا من طبقات اجتماعية متعددة تشمل رجال الأعمال، والناشطين السياسيين، والإعلاميين، والفنانين، ما يعكس التنوع الكبير في هذا المجتمع داخل الأردن.
وفيما يخص عملية الاندماج الثقافي، تقول الأستاذة نسرين الصبيحي، المختصة بالشأن اليمني: "يلعب العامل الثقافي واللغوي دورًا حاسمًا في عملية اندماج اللاجئين في المجتمعات المستضيفة، وبالنهاية يعود قرار الاندماج للاجئين والمقيمين، الذين عليهم التكيف مع الثقافة المحلية للبلد المستضيف وقوانينه". هذه التصريحات تسلط الضوء على الصعوبات التي يواجهها اللاجئون في التكيف مع بيئة جديدة، ما يجعل الاندماج عملية معقدة تتطلب وقتًا وجهودًا كبيرة.
على الرغم من التحديات، يظل الأردن ملتزمًا بتوفير الخدمات الأساسية للاجئين على حد سواء، دون أي تمييز على أساس الدين أو العرق أو اللغة. وهذا ما تؤكده المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، حيث يتم تقديم الدعم اللازم للاجئين من كافة الفئات الاجتماعية. ومع ذلك، فإن التحديات التي يواجهها اللاجئون في تأمين سبل العيش والاندماج الاجتماعي لا تزال قائمة، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الأردن.
من جهة أخرى، تشدد الأستاذة نسرين الصبيحي على دور الإعلام في تسليط الضوء على معاناة اللاجئين، قائلة: "الإعلام مسؤول عن نقل الحقيقة، وبالتالي يقع عليها مسؤولية إبراز كافة الأوضاع التي يعيشها اللاجئون، والبحث عن حلول لها بالتعاون مع الجهات المختصة". كما تطرقت إلى دور الإعلام في تسليط الضوء على الأعباء السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية التي يتحملها الأردن جراء استضافة هذه الأعداد الكبيرة من اللاجئين.
ورغم التحديات التي يواجهها الأردن نتيجة لهذه الأزمة الإنسانية، لا تزال الحكومة تواصل سياسة الاستقبال والاحتضان للاجئين، حيث لم تُتخذ أية إجراءات ضد من طلبوا اللجوء إلى البلاد. ويُنظر إلى الأردن على أنه "واحة أمان" للعديد من الأشخاص الذين فروا من الصراعات في بلدانهم، وهو ما يعكس التزام المملكة بتقديم المساعدة الإنسانية رغم الضغوط التي تتحملها.
تؤكد تجربة الأردن مع اللاجئين على أهمية توفير الدعم الكامل لهم، ليس فقط من خلال تقديم الخدمات الأساسية، ولكن أيضًا عبر تسهيل عملية اندماجهم في المجتمع المحلي. الأمر الذي يتطلب تضافر الجهود من الحكومة، المجتمع المدني، ووسائل الإعلام لضمان تحقيق هذا الهدف.
وهكذا، يظل اللاجئون اليمنيون في المفرق عالقين في حلقة من الضغوط القانونية والاقتصادية، حيث لا يبدو الأفق قريب لتحسين أوضاعهم أو تقديم حلول مستدامة تكفل لهم حياة أكثر استقرارًا وأمانًا.
يأتي هذا التقرير في إطار الشراكة شبكة الإعلام المجتمعي/راديو البلد وبرنامج النساء في الأخبار ضمن مبادرة الأثر الاجتماعي SIRI.