مع حلول فصل الشتاء، يجد العديد من الأسر ذوي الدخل المحدود أنفسهم أمام تحديات مالية إضافية، حيث تشكل تكاليف التدفئة عبئا ثقيلا يضاف إلى مصاريفهم اليومية، في ظل ارتفاع التكاليف المعيشية وزيادة الأسعار.
ومع تأثيرات أول المنخفضات الجوية، ارتفعت نسبة الطلب على شراء المحروقات بمختلف أنواعها، كمادة الكاز التي ارتفع الإقبال عليها بنسبة 10%، وفقا لتصريحات نقابة أصحاب محطات المحروقات، مقدرة النقابة استهلاك الأردنيين من مادة الكاز خلال فصل الشتاء بنحو 140 مليون لتر.
الخبير الاجتماعي الدكتور حسين الخزاعي يوضح أن تنخفاض مستويات الأجور يجعل شراء الوقود وتوفير التدفئة أمرا بالغ الصعوبة لكثير من الأسر، خاصة وأنه سيكون على حساب تأمين المواد التموينية والسلع الأساسية.
كما يشير الخزاعي إلى أن 28% من الأردنيين لا بلجئون للتدفئة إلا في المنخفضات الجوية شديدة البرودة، مما يفسر الارتفاع الملحوظ في الطلب على الغاز والكاز خلال تلك الفترات، حيث يعتمد 80% من الأردنيين، على هذه الوسائل الرئيسية للتدفئة.
قرار ملكي.. وتنفيذ ناقص
مع بداية عام 2023، وفي ظل احتجاجات شهدتها بعض المحافظات اعتراضا على ارتفاع أسعار المحروقات، صدرت توجيهات ملكية للحكومة بتجميد الضريبة المفروضة على مادة الكاز خلال فصل الشتاء، للتخفيف الأعباء عن المواطنين، خاصة الفئات ذات الدخل المحدود.
لكن رغم هذه التوجيهات، يشير خبير الطاقة عامر الشوبكي إلى أن القرار او طبف بالكامل لكان سعر لتر الكاز يبلغ حوالي 51 قرشا، مما يعني أن سعر التنكة كان من الممكن أن يصل إلى حوالي 10 دنانير فقط بدلا من السعر الحالي البالغ 12.4 دينار، موضحا أن سعر الكاز في الأسواق حاليا يبلغ 62 قرشا للتر، مع وجود ضريبة تقدر بـ11 قرشا على كل لتر.
ويضيف الشوبكي أن هذا الوضع يثير تساؤلات عديدة موجهة للحكومة والجهات المختصة، حول غياب الالتزام الكامل بالتوجيه الملكي، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الأردنيون، وحاجة الفقراء لمادة الكاز باعتبارها أرخص وقود الوسائل المتوفرة في التدفئة.
بينما يرى الخبير في مجال الطاقة، هاشم عقل، في حديثه لـ "عمان نت"، أن هذا التثبيت يعكس مراعاة واضحة من الحكومة للأسر ذات الدخل المحدود، مشيرا إلى ضعف الإقبال عليه مقارنة بالغاز، الذي يشهد استهلاكا يوميا يتجاوز مئات الآلاف من الأسطوانات في فصل الشتاء.
يوضح عقل أن الكاز لم يعد الخيار الأساسي للتدفئة لدى الأردنيين، حيث انخفضت نسبة استهلاكه إلى أقل من 1% مقارنة بالاعتماد المتزايد على أسطوانات الغاز، التي أصبحت الخيار الأكثر أمانا واقتصادية للأسر.
التحديات الاقتصادية والسياسات الضريبية
لطالما اعتادت الحكومات الأردنية تثبيت سعر مادة الكاز قبيل فصل الشتاء ووقف تقاضي الضرائب عليها من باب التخفيف على الفقراء، إلا أن حكومة بشر الخصاونة، لم تلتزم بهذا التقليد، فقد فرضت ضريبة مقطوعة طبقتها في عام 2019 تصل إلى أكثر من 53% على القيمة الأساسية للمحروقات لجميع الأصناف، بحسب الخبير الاقتصادي فهمي الكتوت، الذي يشير إلى أن هذه السياسات فاقمن معاناة المواطنين في ظل تضخم الاقتصاد وتراجع الدخول بفعل جائحة كورونا وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
ويوضح الكتوت، لميدل إيست آي أن " الحكومة تفرض ضرائب مرتفعة على المحروقات، على البنزين الخالي من الرصاص ٩٠ نسبة على اللتر ١٢١٪ ،البنزين ٩٥ نسبة الضريبة ١٨٢٪، الكاز والسولار نسبة الضريبة ٥٢٪".
وبدأت أولى شرارات رفع أسعار المشتقات النفطية عندما حررت الحكومة الأسعار بشكل متدرج منذ 2017، على توفير حوالي 600 مليون دولار لخزينة الدولة حينها، شملت رفع الدعم عن المحروقات التي لحقتها سلسلة طويلة خلال الأعوام الماضية من فرض للضرائب والرسوم، استجابة لشروط صندوق النقد الدولي بما يسمى "رفع الدعم".
معدلات الفقر.. ومعونة لمرة واحدة
وفقا لتقرير "أطلس أهداف التنمية المستدامة للعام 2023"، عدد الفقراء في الأردن بحوالي 3.980 مليون شخص، زهاء 35 % من السكان، استنادا إلى معطيات خط الفقر الوطني لكل دولة في العالم، والمحدد للفرد الواحد في الأردن بـ7.9 دولار في اليوم.
وتظهر هذه التقديرات في حال مقارنتها بمجموع سكان المملكة والبالغ قرابة 11.3 مليون نسمة أعلى بنسبة 11 % مقارنة مع تقديرات حكومية سابقة، كانت صدرت عن نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ناصر الشريدة، وقدر خلالها معدل الفقر للعام 2021، مرحليا في الأردن بـ 24 % .
وشهدت معدلات الفقر في المملكة، ارتفاعات متتالية خلال العقدين الماضيين، إذ قدر معدل الفقر في العام 2018، بقرابة 15.7 %، مقارنة مع 14.4 % خلال العام 2010، وقياسا بـ13.3 العام 2008، و13 % العام 2006.
ولتخفيف الأعباء الاقتصادية عن الأسر الفقيرة، تعمل وزارة التنمية بصرف معونة الشتاء لجميع الأسر المستفيدة من برنامجي المعونات الشهرية المتكررة والدعم النقدي الموحد، بالتزامن مع مخصصات شهر كانون الأول 2024، وتصرف هذه المعونة لمرة واحدة سنويا لمساعدة الأسر المنتفعة من برامج المعونات المالية على مواجهة متطلبات الشتاء.
وتوضح الوزيرة وفاء بني مصطفى، أن قرار صرف معونة الشتاء لهذا العام شمل جميع الأسر المنتفعة من برامج الصندوق، ليبلغ عدد الأسر التي ستحصل على معونة الشتاء 235 ألف أسرة، وبتكلفة بلغت قرابة 4.5 مليون دينار حيث سيتم صرف قيمة المساعدة وفقا لمتوسط دخل الفرد في الأسرة.
هذا ويذكر أن الحكومة بدأت بصرف معونة الشتاء للمنتفعين من برامج الصندوق منذ عام 2016، وذلك بقرار من مجلس الوزراء، حيث يتم تخصيص مبلغ مقطوع كمعونة لفصل الشتاء، يضاف إلى المعونات الشهرية المنتظمة التي تُصرف للأسر المستفيدة من برامج صندوق المعونة الوطنية.












































