عندما تصل المياه إلى المنازل، تتحول الأولوية لتعبئة الخزانات، ثم يبدأ السباق لإنهاء الأعمال المنزلية، من غسل السجاد إلى الشطف، قبل أن تنقطع المياه مرة أخرى، هذا هو حال العديد من النساء في مناطق تشهد نقصا مستمرا في توفير المياه، حيث تترقب بعضهن لحظة وصول المياه إلى منازلهن لتبدأ في استغلالها بسرعة، خوفا من انقطاعها المفاجئ.
تجد الكثير من النساء أنفسهن في سباق مع الوقت لتأمين احتياجات منازلهن من المياه في ظل صعوبة الحصول عليها بشكل دوري، ومع كل دورة لتوريد المياه، تكون مهمة تجميع المياه وتخزينها في الخزانات قبل انقطاعها الهم الأكبر.
في هذا السياق، جاءت الاستراتيجية الوطنية للمياه لعامي 2023 و2024، التي أعدتها وزارة المياه، لتولي أهمية كبيرة لتوعية النساء وتفعيل دورهن في إدارة ملف المياه، من خلال إشراكهن في برامج تستفيد من خبراتهن.
كما تسعى الاستراتيجية إلى زيادة عدد النساء في المناصب القيادية بالقطاع المائي، حيث تتضمن أهدافا لتطوير مسارهن الوظيفي واستقطابهن إلى هذا القطاع استعدادا لمستقبل قيادي.
وفي خطوة داعمة لهذا التوجه، من المتوقع إطلاق "استراتيجية تمكين المرأة والشباب في قطاع المياه في الأردن"، والتي أعدتها الشبكة الإسلامية لتنمية وإدارة مصادر المياه، لتعزيز دور ومشاركة المرأة في ادارة هذا القطاع.
وتأتي هذه المبادرة في وقت يواجه فيه الأردن تحديات مائية متزايدة نتيجة لعوامل متعددة، من أبرزها الزيادة السكانية، والتغيرات المناخية، تذبذب الموسم المطري، وزيادة معدلات التبخر، ما أدى إلى اتساع الفجوة بين الطلب على المياه والكمية المتاحة منها.
خطوة نحو مشاركة المرأة
الناشطة المجتمعية والبيئية والحقوقية هلا مراد توضح أن وجود استراتيجيات مخصصة للعاملين في قطاع المياه أو للأشخاص المهتمين بهذا القطاع، أو حتى دمج بعض الفئات المجتمعية، هو أمر بالغ الأهمية، فالمياه تعتبر من الموارد الأساسية، التي لا تقتصر أهميتها على الاستخدامات المنزلية فقط، بل تشمل الاستخدامات الصناعية والتجارية وغيرها.
وتشير مراد إلى ضرورة أن يكون دور المرأة أكثر وضوحا في العمل البيئي والمائي، من خلال زيادة الوعي بأهمية دور المرأة في هذا المجال، كما تؤكد على ضرورة اعتراف جهات المجتمع المدني والمنظمات الدولية بدور المرأة، ودمجها بشكل أكبر في المجالات المتعلقة بالقطاع المائي، خاصة في التخصصات الدراسية مثل الهندسة المدنية وعلوم المياه والبيئة.
غياب دور النساء يعطل نصف المجتمع، فحتى في أبسط استخدامات المياه أو تقنياتها، مثل مشروع حصاد المياه المنزلي الذي يقوده النساء في جمع المياه داخل المنازل، نجد أن النساء هن المسؤولات عن التأكد من تعبئة وتنظيف الخزانات، مؤكدة أن جهود النساء في متابعة اقتصاديات المياه تكون كبيرة، حيث تقضي النساء ساعات طويلة في انتظار وصول المياه من المناطق المختلفة، مما يشكل عبئا نفسيا وعضليا وفكريا، خاصة إذا كان لدى المرأة عمل يومي، وفقا لمراد.
بحسب مراد، يجب أن يتم إشراك النساء في جميع الاستراتيجيات والخطط المستقبلية المتعلقة بقطاع المياه، لأنهن عنصر أساسي في نجاح أي مشروع مائي، يجب أن تأخذ جميع المسؤولين في الاعتبار دور النساء والشباب في تنفيذ الاستراتيجيات المستقبلية لضمان نجاح هذه المشاريع.
تحديات قطاع المياه
تشير البيانات الصادرة عن وزارة المياه والري إلى أن احتياجات الأردن من المياه تبلغ نحو 3 ملايين متر مكعب يوميا، تشمل جميع الاستخدامات، مثل الاستخدامات ، المنزلية، والزراعية، والصناعية، والسياحية، وغيرها، ووفقا لهذه البيانات، تبلغ حصة الفرد من المياه 90 مترا مكعبا فقط، في حين أن خط الفقر المائي العالمي يقدر بحوالي 500 متر مكعب للفرد سنويا، وهو ما يعادل خمسة أضعاف مستوى المياه الحالي في المملكة. وبذلك، يعد سكان الأردن من بين الأكثر فقرا في العالم من حيث الوصول إلى المياه.
الخبير في الشؤون المائية، الدكتور دريد محاسنة، يشير إلى أن الأردن يواجه مشكلة كبيرة في مجال المياه، مع عجز كبير في المياه، وذلك بسبب تأثر المملكة بالعديد من الظروف السياسية، أبرزها استضافة أعداد كبيرة من اللاجئين، موضحا أن حصة الأردن من المياه مع سوريا تبلغ حوالي 400 مليون متر مكعب، ولكن ما يصلنا منها لا يتعدى 10% من الكمية المخصصة.
ويضيف إلى أن تأخير الأردن في تنفيذ مشروع تحلية المياه منذ الحديث عنه في عام 1998، والمتعلق بنقل المياه من البحرين إلى عمان، قد ساهم في تفاقم المشكلة، هذا التأخير، بحسب محاسنة، يزيد من تعقيد أزمة المياه في المملكة، كما يرى أن هناك هدرا كبيرا في كميات المياه نتيجة لممارسات مثل سرقة المياه لري المزروعات.
دور الوزارة في تمكين المرأة
من جهته، يؤكد الناطق الإعلامي باسم وزارة المياه والري عمر سلامة على أهمية دور المرأة في بناء المجتمع وتطوره، حيث تعتبر الشريك الأساسي والضروري في تحقيق تكامل منظومة العمل والعطاء.
ويضيف سلامة أن جميع الأنظمة والقوانين والتشريعات سعت لإبراز دور المرأة ومنحها الفرص للمشاركة الفعالة، مشيرا إلى أن الوزارة تمنح المرأة دورا بارزا في مجالات العمل والقيادة، حيث تمكنت من أن تترك بصمتها في قطاع المياه على الأصعدة الإدارية والفنية والتخصصية وصناعة القرار.
كما أسست الوزارة بحسب سلامة وحدة متخصصة بشؤون المرأة، تهدف إلى تعزيز دورها وتمكينها من التطور في كافة المجالات المتاحة داخل المؤسسات، موضحا أن برامج الوزارة، وخاصة في مجالات الإعلام والتوعية المائية، تركز بشكل خاص على المرأة ودورها في رفع مستوى الوعي الوطني والثقافة المائية، باعتبارها العنصر المحوري في التربية والتعليم والإرشاد في المنازل والمؤسسات.
تقديرات الوزارة تشير الى ان الأردن يحتاج إلى 400 مليون متر مكعب من المياه ليصل إلى مستوى خط الفقر المائي العالمي، كما يجري العمل على زيادة كميات المياه المضخوخة من خط الديسي إلى 120 مليون متر مكعب بحلول عام 2025.
تهدف الاستراتيجية الوطنية للمياه إلى تحسين إدارة الموارد المائية الحالية حتى عام 2040، وتحقيق التوازن بين الطلب والمورد، وتعزيز الأمن المائي والتنمية المستدامة.
كما تركز على خفض الفاقد المائي بنسبة 2% سنويا، للوصول إلى 25% بحلول عام 2040، وتحسين كفاءة الطاقة وتقليل تكاليفها، وزيادة الاعتماد على الطاقة البديلة في التشغيل والصيانة، فضلاً عن ضمان الاستقرار المالي لقطاع المياه وتقليل الخسائر وتعزيز الاستدامة المالية.
يأتي هذا التقرير في إطار الشراكة شبكة الإعلام المجتمعي/راديو البلد وبرنامج النساء في الأخبار ضمن مبادرة الأثر الاجتماعي SIRI.