في قلب قرية كفر جايز في إربد، ينبض التراث بأصوات الشباب الذين يعيدون إحياء ألحان الماضي ويجسدونها في رقصات وأغاني تروي قصص الأجداد. فرقة كفر جايز الشعبية، التي تأسست على يد مجموعة من الشبان المفعمين بالحب للتراث، تمثل نموذجًا حيًا للربط بين الماضي والحاضر، لتكون جسرًا يعبره الشباب الأردني نحو ماضيهم الغني بثقافة الأصالة والفلكلور، هذه الفرقة لا تحافظ على التراث فقط، بل تضفي عليه حياة جديدة تنبض بالفرح والحماسة، وتظل تردد في ليالي المناسبات الاجتماعية والشعبية والمهرجانات والمناسبات الوطنية صدى أصوات أردنية لطالما رافقت أعيادنا وأفراحنا، تاركةً في كل عرض بصمة تعكس الهوية الوطنية.
نواة وتطور فرقة كفرجايز الشعبية
يقول رئيس فرقة كفر جايز الشعبية سالم خليفات:"تأسست فرقتنا في عام 2010 على يد مجموعة من الشباب الذين كانوا يحملون شغفًا عميقًا بالتراث الأردني والمناسبات الاجتماعية، وبدأنا نشارك في الأعراس والاحتفالات الجماعية، نقدم خلالها الأغاني والرقصات الشعبية التي تعلمناها من آبائنا وأجدادنا، واليوم تضم الفرقة 15 عضوًا، أعمارهم بين 30 و45 عامًا، معظمهم خريجو جامعات، وجميعنا من قرية كفر جايز التي حملت اسم الفرقة."
ويضيف خليفات: "ما يميزنا هو أننا طوّرنا التراث الشعبي وأضفنا لمسة شبابية، مما جعلنا نحقق انتشارًا واسعًا داخل الأردن وخارجه، وبدأنا في عام 2022 بتسجيل أعمالنا، محققين انتشارًا في الدول العربية، وشاركنا في فعاليات بارزة مثل حفل زفاف ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله ومهرجان صيف عمان 2023."
ويتحدث خليفات لـ "صوت شبابي" حول التحديات التي تواجه الفرقة وكادرها الشبابي بقوله: "رغم النجاحات التي حققناها، إلا أننا نواجه تحديات كبيرة، أبرزها نقص الدعم المادي وغياب وسائل النقل الكافية للتنقل لإحياء الفعاليات والمشاركة فيها، إضافة إلى حاجتنا الماسة إلى دعم تقني وترويج لأعمالنا. مؤكدا " لدينا إيمان قوي بأن إقبال الجيل الجديد على التراث الشعبي هو دليل على تمسك الشعب الأردني بعاداته وثوابته الثقافية."
ويختتم خليفات حديثه بالقول: " نطمح إلى المستقبل بشكل أكبر، ونخطط لإقامة دورات تدريبية للشباب بهدف نقل التراث إليهم، لضمان استمراره وتوريثه للأجيال القادمة "، داعيًا جميع فئات المجتمع الأردني، وخاصة الشباب، إلى دعم هذا التراث والعمل معًا للحفاظ على الهوية الثقافية الأردنية.
محمد الطعاني، عضو "فرقة كفر جايز الشعبية"، يروي لـ"صوت شبابي" قصته في الانضمام إلى الفرقة، مشيرًا إلى أن السبب الأول كانت أجواء المحبة والألفة بين شباب الفرقة في قريته كفر جايز، لكن ما دفعه حقًا هو عشق التراث الشعبي، وخاصة الدبكة التي ورثها عن الآباء والأجداد. يقول محمد: "الدبكة الشعبية القديمة كانت أكثر شيء جذبني للفرقة، تلك السهرات الجميلة التي كانت تحييها الأجيال السابقة، وكنت أتمنى أن أساهم في إبرازها أكثر". مضيفًا أن الشباب الأردني يتفاعل بشكل جيد مع التراث الشعبي والدبكة في مختلف المحافظات، ويقول "كنا نشاهد كيف أن الشباب يستمتعون بهذه التراثيات، بل كان كبار السن يشاركوننا الرقص في كل حفلة، يذكر محمد، ويستعيد لحظة مؤثرة في إحدى الحفلات التي أقيمت في إحدى قرى اربد ، حيث اقترب منه رجل مسن ودمعت عيناه وهو يشاهد الدبكة، قائلاً له: "أنا أحب الدبكة الشعبية والتراث القديم كثيرًا، فهي تذكرني بالماضي الجميل ".
اندماج الشباب الأردني بتراثه وفلكلوره القديم
الشباب الأردني يرون أن الفرق الشعبية التراثية وسيلة حيوية للحفاظ على الهوية الثقافية، بينما يجدها آخرون فرصة للتواصل مع الجذور وإحياء التراث بأسلوب عصري. في هذا السياق، يبرز تأثير هذه الفرق في تعزيز الانتماء الوطني وتشجيع الشباب على المشاركة في فعاليات تراثية حية.
يؤكد محمد جوارنة من قرية عنبة في إربد على دور الفرق الشعبية والتراثية في تعزيز الهوية الوطنية وحماية التراث الأردني، مشيرًا إلى أن هذه الفرق تعتبر وسيلة حية لنقل وتوثيق التراث من خلال الأغاني والألحان التي تعكس حياة الأردنيين وأصالتهم. ويتابع أن كل منطقة يجب أن تمتلك فرقتها الخاصة التي تعكس خصوصياتها الثقافية، مؤكدًا على ضرورة إحياء الأغاني الأردنية القديمة التي ألفها كتّاب وملحنون أردنيون، وعلى أهمية دعم المواهب الشابة في الفرق الشعبية من خلال أنظمة تدريب محترفة، ويشير جوارنة أن الحفاظ على التراث الأردني يتطلب جهودًا مؤسسية وتنظيم فعاليات ومشاريع توثق هذا الموروث، داعيًا الحكومة والشركات لدعم هذه المبادرات.
الشابة مروة العيسى، مهتمة بالتراث والفلكلور الأردني تحدثت لـ صوت شبابي" حول أهمية الفرق الشعبية التراثية بقولها: "الفرق الشعبية والتراثية هي أحد أبرز وسائل الحفاظ على هويتنا الثقافية، خاصة في وقتنا الحالي الذي يشهد الكثير من الانفتاح والتغيير، وبالرغم من انشغالنا كشباب في التكنولوجيا والثقافات الحديثة، أجد أن هذه الفرق تقدم لنا فرصة للتواصل مع ماضينا الجميل.
ومن خلال متابعتي واهتمامي بالجهات التي تقدّم التراث الأردني وفلكلوره الجميل، ألاحظ كيف يندمجون في التراث بكل حيوية، مع الأغاني وحفظ كلمات وإتقان الدبكات والرقصات التراثية والشعبية كالدرازة والدحية وغيرها، وكأنهم يعيدون اكتشاف جزء من هويتهم ، مؤكدة أن هذه الفرق وما تقدمه لا تقتصرعلى الفلكلور فقط، بل هي جسر حيوي ينقل لنا أصالة الماضي ويعزز شعورنا بالفخر بانتمائنا لهذه الأرض."
دور وزارة الثقافة
بدوره قال مدير مديرية التراث في وزارة الثقافة، عاقل الخوالدة، إن الوزارة تدعم بقوة الفرق الشعبية والتراثية لأنها تمثل تعبيرًا حيًا عن التراث الأردني والموروث الفلكلوري الذي يعكس تفاصيل حياة الأردنيين، موضحًا أن الوزارة تشرف على العديد من الفرق الشعبية المسجلة، التي تدير نفسها وفق برامج سنوية محددة، وتقوم الوزارة بتقديم الدعم الجزئي أو الكلي لتسهيل مهامها.
و أشار الخوالدة إلى اهتمام الوزارة بتوثيق التراث الشعبي من خلال الفرق الشعبية، سواء كان ذلك بشكل مكتوب أو صوتي أو مرئي، و بتسليط الضوء على هذه الفرق في المهرجانات المحلية والدولية، مثل مهرجان جرش والمهرجانات التي تُقام في مختلف المحافظات.
وأضاف الخوالدة لـ "ًصوت شبابي" أن الوزارة تُشارك هذه الفرق في مواسم ثقافية متنوعة، حيث تقدم عروضًا تمثل التراث الأردني، حتى في الفعاليات التي لا تتعلق مباشرة بالغناء أو الفلكلور، مؤكداً أن هذه الفرق تشكل جسراً حيوياً بين الماضي والحاضر، وتعمل على توثيق التراث الشعبي بطريقة مبدعة". كما كشف أن الوزارة تعمل على مشروع خاص لتوثيق التراث في بعض المحافظات، الذي يتضمن مشاركة الفرق الشعبية لتقديم ألوان من الغناء الشعبي المحلي، وأن هذه المبادرة لا تهدف فقط إلى توثيق التراث، بل تهدف أيضاً إلى تحفيز الفرق على الاستمرار في تقديم عروضها وتعزيز وجودها الثقافي.
وأكد الخوالدة أن إدماج الشباب في الفرق الشعبية يساهم بشكل كبير في تعزيز الهوية الوطنية، حيث يتم تدريبهم على الحفاظ على التراث والفلكلور، مما يضمن استمرارية هذا الإرث الثقافي. مضيفًا أن العروض التي تقدمها الفرق الشعبية تحظى بمتابعة واسعة من الجمهور، خاصة من الشباب، وتُعرض في الجامعات والمؤسسات الشبابية، مما يعزز من تأثير هذه الفرق في نشر الوعي بالتراث الأردني والحفاظ عليه.