عقدة الأسد أم مستقبل سورية؟

عقدة الأسد أم مستقبل سورية؟

الخلافات بين الدول المشاركة في محادثات فيينا، تتجاوز في حقيقتها الموقف من الأسد، أو ما بات يعرف بعقدة الأسد.
صحيح أن هناك تباينا كبيرا في المواقف حيال دور ومصير الرئيس السوري، أثناء وبعد المرحلة الانتقالية المقترحة أساسا في بيان "جنيف2"، لكن فيما أعلن من نقاط تفاهم في بيان فيينا، ثمة فروق كبيرة بين ماورد من مضامين في البيان، وبين سلوك ومواقف الدول على الأرض.
بين الدول الـ17 خلافات جوهرية بشأن مستقبل سورية، فليس صحيحا أنها متفقة على "سورية علمانية وديمقراطية". الديمقراطية في سورية، قد لا تضمن مصالح ونفوذ دول إقليمية في المستقبل، وبعض قوى المعارضة الفاعلة والمدعومة من دول مشاركة في محادثات فيينا، تتبنى علنا حكم الشريعة، فيما تنادي مجموعات أخرى بالحكم الذاتي المستقل.
وفي الموقف من الجماعات الإرهابية تتعدد التعريفات؛ فالنصرة وأحرار الشام جماعات مقاومة في عرف بعض الدول المشاركة، ومنظمات إرهابية بتعريف أطراف أخرى.
وليس واضحا بعد كيف توصلت الدول المجتمعة إلى اتفاق على العمل لوقف الحرب في سورية، في وقت تشن فيه الطائرات الروسية ضربات يومية في كافة أنحاء سورية، وتزود الولايات المتحدة الأميركية مجموعات من المعارضة بالسلاح، وتعلن السعودية يوميا نيتها دعم مجموعات مقاتلة بالسلاح والمال.
في اعتقادي أن الخلاف بين الدول المشاركة بمحادثات فيينا لايتصل بمصير الأسد فقط، إنما، وبشكل أكبر بمستقبل سورية، وما ستكون عليه بعد الأسد.
روسيا لديها تصورات خاصة بهذا الشأن، تختلف كثيرا عن رؤية أميركا. إيران ترى سورية كما تتمنى أن تكون بالأمس، والسعودية تطمح بنظام يتسق مع هويتها في الحكم. ولهذا السبب ربما جاءت صيغة التفاهمات مبهمة، وفضفاضة، وتحتمل تفسيرات متعددة، تماما مثلما كان الحال مع بيان جنيف من قبل.
لقد كان توسيع دائرة المشاركة في محادثات فيينا خطوة صحيحة، تداركت أخطاء محادثات جنيف. ولعل قيمة "فيينا" تكمن في جلوس السعودية وإيران على طاولة واحدة، على ما بينهما من خلافات، تمتد من اليمن، مرورا بالعراق فسورية، وصولا إلى لبنان.
لكن الهوة الكبيرة بين مواقف البلدين، قد تشكل عقبة تقوض عملية "فيينا" برمتها، إذا لم تتمكن الأطراف الأخرى من تجسيرها. وقد كان واضحا قبل انطلاقات المحادثات، تواضع سقف التوقعات حيال نتائج الاجتماع الثاني. ومع ذلك فإن البيان المشترك حمل ولأول مرة الأمل بالتقدم في مسار الحل السياسي. بيد أننا إزاء عملية طويلة لن يكتب لها النجاح في وقت قريب، لابل إنها مهددة بالفشل في كل لحظة، بالنظر إلى حجم الخلافات بين أطرافها.
ومن العوامل الحاسمة في المستقبل، مسار الحرب على الإرهاب، سواء تلك التي يشنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، أو تحالف روسيا الرباعي. كل تقدم يتحقق في هذا المجال سيؤثر إلى حد كبير على المسار السياسي، وعلى قدرة كل طرف على فرض شروطه في المفاوضات.
والعامل الثاني المهم، نجاح الأمم المتحدة في جمع الأطراف السورية المتنازعة على طاولة المفاوضات من جديد، وتبني مقاربة مختلفة عن تلك التي أفضت إلى فشل محاولات سابقة في جنيف.
محصلة القول؛ خلاص السوريين من عذابات الحرب والفوضى، ليس وشيكا. محادثات فيينا طويلة، وقد تنتهي إلى ما انتهت إليه جهود سابقة، فالمشكلة ليست بين السوريين اليوم، إنما بين القوى المتصارعة على سورية.

أضف تعليقك