حين أدرت ظهري لأحزاب المعارضة

الرابط المختصر

كان ثمة صهيل يذيب القلب من كمد"إن كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ "، وثمة عواصف لا تهدأ في داخلي، وكنت كما التائه في برية تعج بالفوضى ويخنقها التيه، وكمن يتفلت من الموت والاختناق بالصبر وبالرجاء، هكذا كنت ذات ظهيرة باردة من أيام أواخر شهر شباط سنة 2003 والعالم كله في حينه يدق طبول الحرب على العراق..

خرجت من الجريدة" الحدث " لا ألوي على شيء، فلا خارطة طريق في جيبي تقودني لنهايات أرتجيها، ولا دليل يوصلني لبر الأمان أرتاح فيه قليلا، ولا هادي لي يقول لي أين أذهب، وإلى أين المستقر.

بدوت لكل رائي لي وكأنني سكرت من عرق مغشوش، أو متعاطيا لوجبة دسمة من مذهبات العقل وقاتلة الأحاسيس، أو أشبه بمريض نفسي هارب من مستشفى الأمراض العقلية ولا أهل له يستردونه مما هو فيه.

تلك كانت حالتي، وكذلك كنتُ..

قادتني خطواتي من دوار المدينة الرياضية الى جبل الحسين، وكانت الساعة تقارب الثانية، عرفت ذلك من نظرة سريعة الى ساعتي ورأيتني متوجها فجأة الى مقر حزب الحركة القومية، قلت في نفسي: أرى صديقي محمود النويهي "رحمه الله " امين عام الحزب في ذلك الوقت، دفعت الباب الرئيس ودخلت، قالت لي السكرتيرة "لم أعد أذكر اسمها": الأستاذ محمود في غرفة الإجتماعات، سألتها: هل هو في اجتماع رسمي أم في جلسة عادية؟. قالت: هو مع بعض أمناء الأحزاب في لقاء عادي، فطلبت منها إخباره بأنني موجود.

دخلت فورا بعد الإذن لي، رأيت عددا من أمناء أحزاب لجنة التنسيق العليا لأحزاب المعارضة ــ كذلك كان اسمها في ذلك الوقت ــ وكانوا جميعهم بالطبع أصدقاء لي بحكم عملي الصحفي وتغطيتي للأحزاب لسنوات طويلة.

ــ إذا كان اللقاء رسمي فسأغادر على الفور، قلت لهم ذلك من باب الإعتذار فيما إذا كنت قد اقتحمت عليهم خلوتهم بدون موعد، لكنهم رحبوا بوجودي مشيرين الى أنهم في جلسة عادية وأنهم يناقشون موضوع العدوان الوشيك على العراق.

أشعلت سيجارة وطلبت فنجان قهوة وقررت بيني وبين نفسي التزام الصمت والاستماع فقط لما يقوله نحو ستة أمناء أحزاب معارضة التقوا ليناقشوا سويا احتمالات تدخل الشعوب والأنظمة العربية لإفشال المخططات الأمريكية لإحتلال بغداد.

شرق القادة الحزبيون وغربوا وكلهم يؤكد على رهانه بقدرة وصحوة الشعوب والأنطمة العربية للحيلولة دون احتلال العراق، وان الشعوب العربية من محيطها الثائر الى خليجها الهادر ستضرب في عمق المصالح الأمريكية ولن تسمح للغطرسة الأنجلوأمريكية ــ استخدموا هذا النحت التوصيفي كثيرا ــ أن تفرض سطوتها على الأمة العربية وتحتل العراق.

عيل صبري مما كنت أسمع، وكنت أسأل نفسي من هؤلاء؟ ولماذا هم هنا؟ وما الذي يخادعون أنفسهم به؟ وهل هؤلاء قيادات حزبية أصرف وقتي بالحديث معهم وأنقل خطواتهم للناس؟.

استأذنت بالحديث بعد نحو ساعة من الصبر على الإستماع، وقلت: منذ نحو ساعة وأنا أستمع لما أسميه" الكتابة بالتمني" وما سمعته هنا هو مجرد أمنيات اليقظة الحالمة، وهي كلها على بعضها لا تستقيم ولن تتحقق فلا رهانات على الشعوب وعلى الأنظمة فالكل هنا في تابوت واحد ينتظر لحظة النعي والتشييع.

ثارت ثائرة بعضهم، ولم يصدقونني، وكنت بالنسبة لهم مثبط قوى، وللحقيقة فان أحدا من الغاضبين لم يصفني بالجاسوس والخائن او العميل او الطابور الخامس، وانبرى كل منهم يدافع عن أحلامه، وأنا أصر على موقفي وأسألهم إن كانوا رأوا الأساطيل الأمريكية وبساطير الجنود تجوب رمل الخليج"الهادر " وأن ما يرونه هي مجرد تظاهرات تسمح بها الأنظمة العربية لإمتصاص غضب الجمهور وصدى طبول الحرب تملأ آفاق العالم العربي.

ظل كلامي مجرد صراخ في وادي غير ذي زرع، ولم أسمع غير رجع صداه، حينها استأذنت بالإنصراف محتجا، ووقفت غاضبا قائلا: كل ما تقولونه مجرد تهويمات وأكاذيب.

كنت غاضبا لدرجة أنني أدرت لهم ظهري ، وخلعت بنطالي وأنا أشير الى مؤخرتي المهيبة وأصرخ في وجوههم:

ــ شايفين هذه بتفهم أكثر منكم.

وتركتهم في ذهولهم ومشيت...

ولمثل هذا يذوب القلبُ من كمدٍ ... إن كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ