اللاجئون باقون
لن يوطّن الأردن اللاجئين السوريّين. تلك حقيقةٌ يعرفها كلّ ملمٍّ بالسياسة الأردنيّة.
لكنّ الحقيقة الأخرى هي أنّ معظم اللاجئين لن يغادروا في أيّ وقتٍ قريب. سورية تسير نحو تأزيمٍ أسوأ. وأبواب العالم أُغلقت في وجه من يبحث منهم عن حياةٍ خارج المنطقة.
يضع ذلك المملكة في وجه تحدٍّ لا تنفع العواطف والمواقف اللاواقعيّة في مواجهته. بين السوريّين مئات الألوف من الأطفال الذين سيشبّون في الأردن. تعليمهم وضمان امتلاكهم وسائل الإسهام في المجتمع بإيجابةٍ مصلحةٌ وطنيّة.
بديل ذلك هو التعايش مع أعدادٍ ضخمةٍ من الشباب المحبطين الغاضبين غير المنتجين. ذاك يعني أخطاراً مجتمعيةً تبدأ بمضاعفة الأعباء الماليّة على الدولة، ولا تنتهي بتفشّي الجريمة وتهيئة بيئةٍ بائسةٍ سيستغلّها الإرهابيّون لبثّ ضلاليّتهم وعبثيّتهم.
واقعٌ كهذا يفرض انتهاج سياساتٍ ترتقي إلى حجم التحدّي رغم صعوبتها. خلال السنوات الماضية، كان التركيز على تلبية الاحتياجات اليوميّة والحياتيّة الضاغطة للاجئين. المعونات الدوليّة والإقليميّة فشلت في تلبية الحدّ الأدنى اللازم لتوفير المسكن والغذاء والعلاج. فتحملت المملكة أعباءً فوق قدرتها.
المطلوب اليوم سياساتٌ تنطلق من تقبّل حقيقة أنّ اللاجئين هنا ليبقوا لسنواتٍ طويلة. لا شكّ أنّ ذلك سيزيد العبء على الدولة. لكنّه عبءٌ لا تملك خيار عدم تحمّله لأنّه يمثّل حمايةً لأمنها واستقرارها المستقبليّين. لم تعد قضيّة اللاجئين أزمةً إنسانيةً فحسب. صارت بالنسبة للأردن تحدّياً تنمويّاً اجتماعيّاً أمنيّاً.
بالطبع لا يجوز أن يحمل الأردن هذا العبء وحيداً. ثمّة مسؤولية على المجتمع الدولي في أن يساعد المملكة على التعامل مع معضلةٍ فرضتها عليها سياسات دولٍ فاعلةٍ فيه. وهناك مسؤولية أيضاً على عديد دولٍ إقليميةٍ تموّل الحرب، لكنّها تتلكّأ في مساعدة ضحاياها.
تعمل المملكة على ضمان وصول هذا الدعم. وثمّرت جهود جلالة الملك التزاماً دوليّاً توفير دعمٍ ماليٍّ للموازنة، وتخصيص مبالغ للاستثمار في مشاريع توجِد فرص العمل للأردنيّين والسوريّين. جلالة الملك فتح الباب على مستوى قمّة القرار الدولي. لكن متابعة ذلك بجهدٍ عمليٍّ مؤسّساتيٍّ من قبل مؤسسات الدولة كافة ضرورة.
تحتاج المملكة أن تعدّ الدراسات المقنعة والمبادرات المتتالية وأن تقدّمها إلى جميع المؤسسات الماليّة والاقتصاديّة الرسميّة والخاصة. لا بدّ من حضورٍ أردنيٍّ فاعلٍ في كلّ مؤتمرٍ وفي كلّ ندوةٍ حول سورية وحول أزمة اللاجئين منها. ويجب المبادرة إلى فتح حواراتٍ مع الدول المانحة ومع المنظّمات الدوليّة بشكلٍ ممنهج.
المشكلة ستدوم. ومبرّرات إنشاء هيئةٍ وطنية تعنى بموضوع اللاجئين السوريين وكيفية ضمان استمرار الدعم للمشاريع المستهدفة تمكينهم وازنة ضاغطة. تفرض أزمة اللاجئين، بما في ذلك مسألة بقائهم طويل المدى، وربما أيضاً تزايد أعدادهم، نفسها أولويّة على البلد. لذلك لا يكفي أن تتولّى مسؤوليّة إدارة الموضوع دائرةٌ فرعيةٌ غير متفرغةٍ في وزارة.
لم يختر الأردن أن يكون وجهةً لضحايا دمويّة النظام الأسديّ وعبثيّة السياسات الإقليميّة والدوليّة التي قدمت كلّ شيءٍ على حقوق المواطن السوري. وهو لا يملك كذلك خيار عدم التعامل مع تبعات الكارثة السوريّة أمراً واقعاً لن تخفف من ضغوطاته المواقف المتشدّدة الرافضة له.
انتقد بعض قرار البحث عن سبلٍ لتشغيل اللاجئين. هذا النقد يغفل حقيقة أنّ تشغيلهم خيرٌ ألف مرةٍ من التركيز على الدعم الإنسانيّ، في ضوء حتميّة بقاء اللاجئين لأجلٍ غير معلوم.
لن يصبح اللاجئون السوريون مواطنين أردنيّين. لكنّهم صاروا جزءاً من المجتمع يؤثّرون به ويتأثّرون. توفير فرص التعليم والشغل والعيش الكريم هو الضامن الوحيد لأن يكون تأثيرهم إيجابيّاً، بانتظار يومٍ يستطيعون فيه العودة إلى وطنهم. وذاك يومٌ سيطول انتظاره.