الأسد.. والحل في سورية
من أسوأ ما فعلته الولايات المتحدة في العراق، بعد كارثة احتلاله، هو حل الجيش، وإصدار قانون سمته "اجتثاث البعث"، مهّد لفكر الإقصاء والإبعاد، ووضع اللبنة الاولى للاقتتال الطائفي، وأبعد شريحة واسعة من النسيج العراقي، عن مقاليد الحكم، وأخذ بجريرته مكونات سياسية وازنة، الأمر الذي افرز طبقات سياسية جديدة، وكرس مفاهيم طائفية وإثنية وعرقية وجهوية، وأدخل البلاد والعباد في صراعات لا منتهية.
في التجربة العراقية، من المهم أن نلحظ أن بعض الساسة، الذين جاءوا للبلاد على ظهر الدبابة الأميركية، تم رفضهم من قبل الشعب العراقي لاحقا، حيث أبعدهم بسرعة قياسية، فوجدت الولايات المتحدة أن كلامهم عن وجود مد شعبي لهم، لم يكن سوى أضغاث أحلام، وان لا أثر ولا تأثير يذكر لهم، ولا تأييد، وبالتالي توجب وقت ذاك على الولايات المتحدة خلع عباءة مثل أولئك الأشخاص، والبحث عن شخصيات أخرى، ولكنها واصلت عملية الإقصاء والاجتثاث، التي ابتكرتها وعملت على إدامتها، ما ولد أقاليم متناحرة، طائفيا، وأخرى عرقيا، وهكذا دواليك.
الشواهد السلبية على من استحضرتهم أميركا ذلك الوقت واضحة، وأقربها أحمد الجلبي، الهارب من حكم قضائي أردني بحقه، والذي وصل العراق برفقة قوات الاحتلال الأميركي، لتفاجأ اميركا بأن كل كلامه كان عبارة عن هذيان ساعة نوم.
حضر المشهد العراقي أمام ناظريّ، وانا أتابع محادثات فيينا، التي عقدت مؤخرا، بخصوص الأزمة السورية، وإصرار دول عربية وغربية، ومنها دول ترهق آذاننا يوميا بالكلام عن الديمقراطية وحق الشعوب في الاختيار، على رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، كبداية للحل السياسي للأزمة السورية.
تطنش تلك الدول أي مقترحات أخرى، كبداية للحل السياسي في سورية، ومنها تعديل الدستور وإجراء انتخابات ديمقراطية، بإشراف دولي وأممي، وبحضور ومراقبة دول غربية، لانتخاب الرئيس السوري الجديد، وتتمسك برحيل الأسد، من دون أن تناقش فكرة إدخال سورية لعصر الديمقراطية والحرية اللتين تحدثنا عنهما!
شخصيا، لا أعتقد أن كائنا من كان، يمكنه فرض إرادته وأمنياته على الشعب السوري، الذي وقع في نير أزمة طاحنة لمدة 5 سنين، أزمة يُسأل عنها الجميع، وليس طرفا دون آخر، فمسؤولية النظام قائمة، بيد أن ذلك لا ينفي مسؤولية أطراف دولية وإقليمية، عاثت لعبا في الأزمة السورية، فدربت، وأرسلت وموّلت جماعات متشددة، ذهبت بها لسورية، فبات الجيش السوري يقاتل جماعات تكفيرية، ليس لها علاقة بمطالبات ديمقراطية، أو بحقوق إنسان، الأمر الذي دفع جماعات سلمية سورية، وأحزابا كانت تطالب بالديمقراطية والحرية، وحق التعبير، للوقوف جانبا، في ظل شلال الدم المنهمر.
المفارقة أن التجربة العراقية تعود من جديد من بوابة الأزمة السورية، ولكن بشكل مختلف، فالإصرار على رحيل الرئيس الاسد، كبداية للحل السياسي، ليس فعلا ديمقراطيا، ولا يمت للحرية وحق الشعوب في الاختيار بصلة، وإنما هو تكريس لفكر الإقصاء والإبعاد، وبحث عن تنصيب شخصية، ترتضيها تلك الدول، على الشعب السوري، وسلب حقه في الاختيار.
الحقيقة الواضحة أن من حق الشعب السوري أن يختار رئيسه، الذي يريد، بشكل ديمقراطي وحضاري، دون إملاءات من أحد، وليس من حق أولئك المتنافخين على شاشات التلفزيون، أن يشترطوا على الشعب السوري، من ينتخب، وأن يحددوا لهم شكل ومواصفات رئيسهم.
صناديق الاقتراع وحدها كفيلة بتحديد حجم كل طرف من اطراف المعادلة السورية، وكشف من يريد أن يحضر على ظهر الدبابة الأميركية، أو أي دبابة أخرى، ومن يريد دخول معمعة الانتخابات، والفوز بشكل ديمقراطي.
إن كان الجميع يريد حلا سياسيا في سورية، فالمعادلة واضحة، تتمثل بانتخابات من دون إقصاء، وبإشراف أممي، ودستور جديد ديمقراطي، يعبر عن مكونات الشعب السوري، وقتها فليفز من يفوز، وليتسلم الرئاسة من يتسلم، لا فرق، إما الإصرار على فكرة الإقصاء والاجتثاث، فإن من يدفع بذلك ليس هدفه الديمقراطية، وإنما الوصول لسدة الرئاسة، بعيدا عن إرادة الشعب السوري، ومن دون موافقته.