"سيعاني السوريون من مخلفات الحرب الدائرة في بلادهم لعقود قادمة"، بهذه العبارة يبدأ الخبير العسكري محمود ادريسات حديثه لـ"سوريون بيننا" عن الألغام والقذائف غير المنفجرة والتي انتشرت في سورية في جميع المناطق التي تشهد معاركا عسكرية.
ويضيف ادريسات أن المعاناة لن تطال المواطنين السوريين الذين قد يصابون بانفجار مفاجئ لمخلفات الحرب هذه، إنما ستطال البيئة أيضا، فالذخائر لدى انفجارها تخلف بقايا كيميائية تسبب تلوثا للأرض والماء والهواء.
ويرى ادريسات أن الكلفة اللازمة لإزالة مخلفات الحرب هذه لا يمكن احتسابها، بسبب انتشارها في كل مكان وإلقائها من قبل جميع الأطراف، منوها أن الأمر لن يقتصر على إزالة الألغام المزروعة في الأرض فقط.
أحمد نصر لاجئ سوري في الأردن، بُترت قدمه إثر انفجار لغم أرضي، كان مزروعا في بستان زيتون، أثناء هروب المدنيين من مدينة نوى في درعا بعد اشتداد المعارك فيها.
ويؤكد نصر أن مدينته، كما المدن الأخرى في جنوب سوريا، مزروعة بعدد كبير من الألغام في البساتين والأراضي المحيطة، زرعت لتشكل حماية للأطراف المتصارعة في البلاد.
سيف المصري لاجئ سوري آخر، تم نقله الى الأردن للمعالجة، أصيب بانفجار قنبلة عنقودية أثناء عمله، كانت مطمورة في أرضه الزراعية وأودت بمشط يده وتم بترها.
ويضيف المصري أن مخلفات القنابل العنقودية منتشرة كثيرا في مدينته، تنفجر بشكل مستمر وتقتل وتصيب عشوائيا من يضعه حظه العاثر في طريقها من سكان المنطقة باستمرار، مما يؤدي لإعاقات دائمة لديهم.
في عام 2012 قامت هيومن رايتس ووتش بمحاولة توثيق لأعداد المصابين بسبب الألغام والقذائف غير المنفجرة في سوريا، وكانت المهمة صعبة جدا، حسب تصريح الناطق الرسمي في المنظمة فادي القاضي.
ويوضح القاضي أن الظروف الجيوسياسية لا تساعد أيا من المنظمات الدولية للعمل في مسح وتوثيق أعداد المصابين وأعداد الذخائر والألغام المزروعة والباقية في الأراضي السورية من مخلفات الحرب.
الناطقة الرسمية في منظمة أطباء بلا حدود إيناس أبو خلف صرحت لـ"سوريون بيننا" أن المنظمة لا تملك ولا تقوم بأي إحصاءات لأعداد المصابين بسبب مخلفات الحروب كون البروتوكول الخاص بالمنظمة يجبرها على معالجة الجميع دون السؤال عن سبب الإصابة.
بينما يقول رئيس حملة هاندي كاب انترناشيونيال جورجيوي آفيرسينك، إنه ووفقا لدراسة نشرت في نيسان الماضي من قبل المنظمة الدولية للمعوقين ومنظمة مساعدة المسنين الدولية، فإن "الضحايا المخفيون للأزمة السورية، من المعوقين والجرحى وكبار السن، وصلت نسبتهم إلى 30٪ من اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان ممن لديهم احتياجات خاصة بسبب إعاقة جسدية أو حسية أو فكرية أو مرض مزمن أو إصابة.
وهكذا فإن شخصاً واحداً من بين 20 يعاني من جرح أو جروح تؤثر مباشرة في حركة التنقل. وفي الأردن، تم تحديد 90٪ من هذه الإصابات والتي لها علاقة مباشرة بالصراع، وهذا يعني أن لاجئاً سورياً واحداً من بين 15 ممن فروا إلى الأردن أصيب نتيجة الحرب.
أسباب هذه الإصابات متنوعة، فهناك 25٪ إصابة بسبب القصف، و25٪ جراء الحوادث، و18٪ بسبب رصاصة، و15٪ تضرروا من الشظايا، و 2٪ من التعذيب، و15٪ من أمور أخرى.
وتظهر الدراسة أيضاً أن نسبة عدد اللاجئين السوريين الذين لديهم إصابات هي الأعلى في الأردن، حيث وصلت لـ 8٪، مقارنة بلبنان التي وصل عدد اللاجئين المصابين فيها إلى 4.5٪.
ويضيف آفيرسينك أنه لا يوجد حالياً أية أرقام رسمية ودقيقة بالنسبة لإجمالي عدد المصابين من جراء الألغام أو المتفجرات من مخلفات الحرب أو الذخائر غير المنفجرة نتيجة للصراع السوري، ويرجع هذا جزئياً إلى سياق الحرب مما يجعل الحصول على المعلومات أمراً صعباً.
مدير دائرة التوعية في الحملة الوطنية لإزالة الألغام في الأردن عدنان طلفاح، يرى أن مخلفات الحرب السورية تستحق أكبر اهتمام ممكن كونها تؤثر على مستقبل أجيال متتالية في سورية.
ويضيف طلفاح أن الأردن تقوم بتدريب اللاجئين السوريين بشكل مستمر، على مهارات الحماية من مخلفات الحروب منذ عامين، عبر مشاريع متخصصه في هذا المجال.
تستهدف مشاريع الحملة حسب طلفاح فئتين من اللاجئين السوريين، الفئة الأولى هي فئة الأطفال وصغار السن وطلاب المدارس، وذلك عبر دروس توعية عن كيفية الحماية من مخلفات الحرب لمدة خمسة أيام.
وتستهدف الفئة الثانية الشباب من الجنسين، كمجموعات من 15 عشر شخصا في الدورة الواحدة، بحيث يصبحون قادرين على تدريب الآخرين على مهارات الحماية من المخلفات الخطرة للحرب.
ويوضح طلفاح أن جميع الدروس، تركز على تعليم السوريين جميع السلوكيات الآمنة في التعامل مع الأجسام الخطيرة من مخلفات الحرب، كون المنطقة التي يسكنونها ستحتاج بالتأكيد لعمل كبير في إزالة هذه المخلفات.
ويضيف طلفاح أن الهيئة الوطنية لإزالة الألغام دربت حتى الآن 70 ألفا من السوريين القاطنين في مدن الشمال، على آليات الحماية هذه، وذلك في خطوة تهدف الى تقليص مخاطر مخلفات الحرب الى الحدود الدنيا.
مخلفات الحرب تفتك وستفتك بالسوريين لعشرات السنين مستقبلاً، وسط غياب تام لأي نشاط من قبل المنظمات والهيئات الدولية لحماية المدنيين من هذا الخطر القاتل.