صناعة الأطباق الشعبية في المنزل ملاذ آمن للاجئات السوريات وحل اقتصادي ممكن
في ظل تقلص وصول المساعدات الإنسانية الدولية للاجئين وأوضاع اقتصادية صعبة يعيشها الأردنيين والسوريين على حد سواء، باتت صناعة الأكلات الشعبية في المنزل ملاذ آمن وحلً ممكن للكثير من العائلات السورية، يسدون من خلالها رمقهم وينعشون بها أوضاعهم الاقتصادية من جهة، ويساهمون في نشر مأكولاتهم الشعبية ويندمجون في المجتمع الأردني من جهة أخرى .
ملاذ آمن
البحث عن مصدر دخل ثابت يعيلها وبناتها الأربعة سبب رئيسي جعل اللاجئة السورية سهى سعيد في صناعة الأطباق الشعبية وبيعها والترويج لها في محافظة اربد، في ظل ضائقة مالية تمر بها تقول :"صناعة الأكلات الشعبية كان حل مناسب ما بقدر أتوظف وأترك البيت وبناتي".
تخصصت سعيد بالكبة الشامية بكافة أنواعها والمقبلات والمعجنات والذي بدأت بصنعه من عام 2020، وترى أن هذه الأصناف محبوبة ومطلوبة من الأردنيين :" الإقبال على الكبة كثير كبير، الأردنيين بحبو الأطباق السورية ويفضلونها بالأيام العادية، وبالمناسبات لازم تكون على موائدهم".
أما نوف الفايز صاحبة مطبخ نشميات البادية الشرقية في محافظة الأزرق كان مشروعها مختلف، إذ حرصت على تشغيل ودمج اللاجئات السوريات والأردنيات في مشروعها الذي يضم 8 سيدات أربعة منهن سوريات يعملن ويعدن الأطباق من منازلهن ويحققن مردودًا ماديًا من ذلك العمل.
تقول الفايز: "نسعى الى توفير الأطباق الشعبية الأردنية والسورية ورفد سيدات المجتمع المحلي بالمردود المادي لتنمية أوضاعهن الاقتصادية"، وتضيف: "نقوم بتوفير الأطباق للمنظمات والمخيمات والورش التدريبية بحسب الطلب وتشهد أقبالًا كبيرا بكونها منتجات منزلية".
ووفق دراسة تقييمية أصدرتها جمعية معهد تضامن النساء الأردني – “تضامن” بعنوان "احتياجات السوق المحلي من الوظائف المقبولة اجتماعياً" أظهرت أن النساء المتزوجات يفضلن العمل في المنزل وذلك بسبب المسؤوليات المترتبة عليهنّ العمل في تأسيس المشاريع الصغيرة والعمل من المنزل، من أجل الموائمة بين الأعمال والمسؤوليات التي تقع على عاتقهنّ في البيت، كالعناية بالأطفال وشؤون البيت والزوج، ولكن في المقابل.
وكما أظهرت الدراسة التقييمية، أن بعض أرباب العمل يفضلون تشغيل السيدات المتزوجات على غير المتزوجات وذلك بسبب الاستدامة، حيث يشير أصحاب العمل إلى أن النساء المتزوجات يحافظنّ على وظائفهنّ لأنها هي مصدر دخلهنّ الوحيد، حيث تعمل السيدة المتزوجة على الالتزام بالعمل والمحافظة عليه في سبيل استمرارية دخلها خاصة عندما تكون هي المعيلة الوحيدة لأسرتها.
وقد أظهرت إحصاءات المرأة الأردنية الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة لعام 2020 أن نسبة النساء اللاتي يرأسن أسرهن بلغت 17.5% في الأردن في ارتفاع غير مسبوق، كما أظهر جدول أعداد السكان المقدر والأسر لعام 2020 بأن عدد الأسر في الأردن وصل الى 2.242 مليون أسرة، ومن بينها 392.3 ألف أسرة ترأسها نساء.
بيئة حاضنة
ترى سعيد والفايز أن توظيف وسائل التواصل الاجتماعي ساهم في وصولهن لشرائح في مجتمعاتهن إلا أن دائما ما يبحثن السيدات عن بيئة حاضنة لمشاريعهن تمكنهن من الوصول لأكبر شريحة ممكنة ومن هنا جاءت فكرة مشروع "سوق فن" المعنّي بترويج المنتجات للسيدات .
مدير العمليات في مشروع سوق فن يقول :"نسعى لتوفير بيئة حاضنة للسيدات على مدار العام والخروج من إطار التجارة التقليدية والدخول في عالم التجارة الألكترونية ونسعى لتوفير أربعة خدمات تبدأ بالتصوير الأحترافي للمنتجات والتسويق الالكتروني وكتابة المحتوى والوصف وتنتهي بتغليف المنتج وإيصاله إلى المستهلك".
ويضيف: "يتطلب مشروعنا من السيدات فقط التركيز على جودة المنتج، عندما نروج لأي منتج نحن لا نحتاج إلى تعاطف وشراء المنتجات لغايات إنسانية بقدر الإيمان أن المنتجات التي نعرضها هي ذات جودة عالية وصنعت بحب وإتقان وتفاني".
هذا يتفق مع نتائج دراسة تضامن التي جاءت بعنوان "احتياجات السوق المحلي من الوظائف المقبولة اجتماعيا"؛ أظهرت أن النساء اللواتي يعملنّ على تأسيس مشاريعهنّ بصفة فردية لديهنّ معرفة بسيطة حول تأسيس المشاريع، ويعتمدنّ على خبراتهنّ البسيطة في هذا المجال خاصة عندما تكون المشاريع مبنيه على الأعمال التي تمارسها النساء باستمرار مثل المطابخ الانتاجية؛ ولكن حتى لو كانت النساء تتقن العمل في هذه المشاريع، فهنّ لايزلنّ يفتقدن الى المهارات الأخرى التي تعمل على نجاح هذه المشاريع تضمن استدامتها، مثل مهارات التسويق، مهارات العرض وإعداد دراسة الجدوى الاقتصادية للمشاريع، حيث أن الكثير من النساء اللاتي فقدنّ مشاريعهنّ وخسرنها لم يقمنّ بعمل دراسة جدوى اقتصادية قبل البدء بالعمل بها، وبالتالي اصبحنّ من الغارمات في حال اعتمادهنّ على القروض المتوسطة والصغيرة بسبب عجزهنّ عن سداد الديون التي ترتب عليهنّ وعدم توفر مصدر للدخل.
وعن الترويج ترى المؤسسه والمديرة التنفيذية لشركة ويش بوكس ميديا رنا صويص؛ أن المطابخ الأنتاجية حل جيد للسيدات اللواتي لا يرغبن الخروج من منازلهن للعمل إلا أنها مهمة تحتاج الكثير من الخطوات أهمها المعرفة التامة لدى السيدات في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي واختلاف أسلوب التعامل بكل وسيلة .
تقول صويص: "لا تمتلك بعض السيدات حرفية التعامل مع الأنترنت ولا خلفية عن الجمهور المستهدف، ولا يمكن الاكتفاء بصور لا بد من محتوى رصين يقدم المنتج بصورة لائقة، بالتالي يحتجن لبيئة حاضنة تمكنهن".
وترى صويص: "أن الابتكار ووضع الطاقات في مشروع كبير أمر ناجع إذ يمكن للسيدات اللواتي يملكن مطبخ إنتاجي بشكل منفرد أن يدمجن مشاريعهن بمشروع واحد والحرص على تنوع المنتجات وعدم تكرار المنتج، فالقصة ليست منافسة بقدر السعي لدمج الطاقات".
حلول اقتصادية ناجعة في مواجهة نقص التمويل
الخبير الاقتصادي مازن إرشيد يقول :" الكثير من المطاعم باتت تعتمد على منتج السيدات اللواتي يعملن في منازلهن حيث يقومن برفد المطاعم بتلك المنتجات أبرزها المخللات والمقدوس والمونة وهو ما أشتهرت به الأسواق والتي يتم الترويج عنه على أنه "أكل منزلي ".
ويضيف أرشيد: "المنتجات المنزلية مرغوبة لقيمتها الغذائية ومذاقها الجيد ولها فائدة اقتصادية فأعداد هذه المنتجات أقل تكلفة في المنزل من تصنيعها في المصانع وتزيد الربح لكل الأطراف وتنعكس على تحسين الوضع الاقتصادي السيدات بحيث يعتمدن على أنفسهن ويسمى الاقتصاد العائلي من خلال الاعتماد على الذات وتحقيق تجربة اقتصادية ناجحة بقيادة المرأة التي أصبح لها دور فعال في ظل نقص التمويل الدولي".
تأتي تلك المشاريع في وقت تحذر فيه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أن وضع اللاجئين في الأردن قد يتحول إلى أزمة إنسانية في غضون أشهر إذا لم يتوفر التمويل إذ لا يزال اللاجئون يعانون من الآثار الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا وارتفاع تكلفة المعيشة، والآن أيضاً من ارتفاع تعرفة الخدمات وفي حال لم يتم اتخاذ أي إجراء الآن، فستكون المعاناة الإنسانية والتكلفة للمجتمع الدولي أكبر بكثير.
إجراءات التسجيل
مدير دائرة رخص المهن في بلدية أربد الكبرى المهندس مالك البدور يقول أن متطلبات السماح للسيدات إعداد الأطباق الشعبية في منازلهن الحصول على إذن أشغال وعقد الإيجار للمستأجرين وسجل تجاري من غرفة التجارة وبراءة ذمة وطلب رخص مهن لأول مرة توقع من من مدير المنطقة والمساحة .
وفق تعليمات ترخيص ممارسة المهن من داخل المنزل لسنة 2022 الصادر من مجلس امانة عمان الكبرى اشترطت لاعتماد المهن للعمل من داخل المنزل وفق المادة الرابعة أن لا تتطلب ممارستها استخدام معدات، أو القيام بعمليات تصنيع أو إنتاج أو تقديم خدمة من شأنها إحداث ضجيج، أو اهتزاز ، أو وهج، أو دخان، أو غبار، أو رائحة أو تأثير كهربائي أو مغناطيسي، وأن لا يكون لها تأثير سلبي على الجوار وأن لا تستخدم أو تنتج مواد خطرة مثل المواد القابلة للاشتعال والمواد المتفجرة والمواد السريعة الاشتعال، والمواد المشعة، والمواد السامة.
كما تتضمن الشروط، أن لا تكون ذات تأثير سلبي على الصحة أو السالمة العامة ، كتلك التي تتعلق بإنتاج أو تصنيع أو تحضير أو معالجة أو تعبئة أو تغليف أو تجهيز أو نقل أو حيازة أو توزيع أو عرض أو بيع أو تقديم المواد الدوائية والمستلزمات الطبية وأن لا تستخدم أو تنتج أو تتطلب استخدام معدات أو عملية تصنيع من شأنها استهلاك الخدمات أو البنية التحتية للمنطقة السكنية بما في ذلك المياه والكهرباء والصرف الصحي بشكل يتجاوز الحدود المألوفة للاستهلاك في المناطق السكنية .
ويقول البدرو أن هذه الإجراءات تنظيمية وروتينية لغايات تنظيم العمل بالنسبة للسماح للسيدات بالعمل في منازلهن، أما المطابخ الأنتاجية فهي مستقلة عن المنزل وتحتاج لإجراءات أخرى .
وعن اجراءات التقدم للرخصة أشارت المادة الخامسة من تعليمات ترخيص ممارسة المهن؛ أنه يقدم طلب الحصول على الرخصة إلى الأمين على النموذج المعتمد لهذه الغاية مرفقًا بالمستندات والبيانات المطلوبة المحددة فيه، وعلى مقدم الطلب أن يكون مستوفيا لشروط ومتطلبات ترخيص بمزاولة المهن المماثلة كما يتطلب من مقدم الطلب أن يقدم تعهدًا بالسماح لموظفي الأمانة بالقيام بالإجراءات اللازمة للتفتيش على المنزل وفقا لما هو متبع في ترخيص المهن المماثلة في المناطق ذات التنظيم التجاري وذلك لأغراض الترخيص والتجديد والتحقق من الشكوى.
ووفق التعليمات فإن الترخيص لا يمنح إلا إذا توفرت به الشروط المتمثلة في أن يكون مقدم الطلب مقيما في نفس المنزل المطلوب ترخيص ممارسة المهنة من داخله وإرفاق ما يثبت ذلك، أن يقدم ما يثبت أنه مالك أو مستأجر للمنزل المنوي مزاولة المهنة فيه، أو أنه أحد أفراد عائلة المالك أو المستأجر القاطنين معه، وأن يرفق ما يثبت ذلك، وأن يرفع موافقة مالك العقار الخطية على استعمال المنزل لغايات ممارسة المهنة المطلوب ترخيص مزاولتها إذا كان المنزل مستأجر وأن لا يكون حاصلًأ على أي رخصة مهن أخرى.