وثيقة حماس وتحولات المشهد الفلسطيني

وثيقة حماس وتحولات المشهد الفلسطيني
الرابط المختصر

أطلقت حركة حماس مؤخرا، وثيقة سياسية تضمنت وجهات نظرها بالواقع السياسي ومواقفها منها، مما اعتبره المراقبون "مراجعات" لمواقفها السابقة، وهو ما وجد له مساحة بين أعمدة الرأي والمقالات المحلية.

 

الكاتب محمد أبو رمان، يرى أن وثيقة حماس، ستكون محور نقاش واختلاف وسجال كبير في قراءتها، حيث سيطفو على السطح توجّهان رئيسان، الأول الذي يقول إنّ الحركة لم تتخلّ عن مشروعها ولا عن ثوابتها ومبادئها، بقدر ما طوّرت خطابها السياسي ضمن الأصول الثابتة، والثاني أنّ الحركة تسير على خطى حركة فتح والحركات الأخرى، في التنازل عن الثوابت والتوجه نحو البراغماتية والواقعية.

 

ويضيف أبو رمان بأن أيا من هذه القراءات تقترب من فهم جوهر الوثيقة الجديدة والتحولات التي عبّرت عنها في مسار الحركة وأفكارها، وهي تتجاوز قصة المواقف السياسية الراهنة إلى إعادة تعريف الحركة لنفسها بصورة جوهرية كبيرة، بما يتوازى ويتزامن مع التحولات والتطورات التي تمرّ بها عموم حركات الإسلام السياسي.

 

و"جوهر التحول هو بكلمة واحدة "التسييس"، أي أن الحركة التي تأسس ميثاقها الرئيس في نهاية الثمانينيات على قاعدة أيديولوجية صلبة، تقوم على ثيمة الصراع الديني مع إسرائيل والجهاد في سبيل الله، وعدم الدخول في السياسة... لتعيد تعريف نفسها بصورة جذرية كبيرة بوصفها حركة كفاح وطني فلسطيني، بإضافة جزئية أنّها ذات مرجعية إسلامية وطنية.

 

ويؤكد الكاتب المختص بالجماعات الإسلامية أن "ما قامت به الوثيقة الجديدة أنّها فتحت الباب أمام قبول الحركة سياسياً، على صعيد إقليمي ودولي، مع مواربة في موضوع التسوية السلمية، لكن ما هو أهم من ذلك أنّ الحركة قفزت في موقفها من الديمقراطية والقبول بالآخر والشراكة الوطنية".

 

ويلفت أبو رمان في ختام مقاله إلى أن خالد مشعل كان له دور كبير في إنجاز هذه الدفعة في ختام زعامته للحركة، فأراد أن ينهى تلك المرحلة بوثيقة تنقل الحركة نقلة سياسية أيديولوجية كبيرة.

 

الكاتب عريب الرنتاوي، يستعرض ثلاثة سياقات أنتجت وثيقة حماس الجديدة:

 

السياق الأول؛ الحركة تتطور، ولا ينبغي بحال التقليل من شأن هذا العامل، ومن يقارن ميثاق 1988 بميثاق 2017، يجد فوارق جوهرية في اللغة والمقاربة والنص... الحركة تخرج من كهوف النص الديني – الغيبي – المغلق إلى فضاء السياسة والعلاقات الدولية والقانون الدولي...

 

السياق الثاني؛ الحركة تتكيف، فالحملة على جماعة الإخوان المسلمين ككل، عاتية جداً ... والموجة مرتفعة وتكاد تكون إعصاراً ... زمن الهدنات والتهدئات مع خصومها يكاد ينفذ، ومكانتها في الغرب تتناقص، وتكاد تقف على حافة اللوائح السوداء في كل من واشنطن ولندن وبروكسيل وغيرها...

 

السياق الثالث؛ الحركة تتأهل، وإعادة تأهيلها عملية طويلة نسبياً، وتعود لعدة سنوات مضت، هذه المهمة يتولاها حلفاء حماس الأقربون هذه المرة: تركيا وقطر، وهي مزيج من الضغط والإغراء، ولقد كشف مولود جاويش أوغلو “ذات زلة لسان” في نادي الصحافة الأمريكية، عن ضغوط تمارسها حكومته على الحركة للاعتراف بإسرائيل والانخراط في مفاوضات معها ... الدوحة ليست بعيدة عن هذا التوجه...

 

ويعتقد الرنتاوي بأن الهدف من وثيقة حماس الجديدة، هو تأهيلها كمشروع سلطة، بديلة عن السلطة، أو بموازاتها... فحماس بمقدورها أن تكون مشروع “تحرر وطني” دون القبول بدولة على حدود 67، ولكن صعب أن تكون مشروع سلطة دون ذلك.

 

فـ"مشكلة فتح أنها تحولت إلى حزب سلطة ومشروع سلطة، ونسيت أنها حركة تحرر وطني، حماس تقارف الخطأ ذاته، أوهي على وشك أن تقارفه، ولن ينفعها تقديم “التحرير” على “الدولة” كما جاء في وثيقتها الجديدة".

 

ويذهب الكاتب فهد الخيطان، إلى أن إطلاق حماس لوثيقتها الجديدة، يأتي بالتزامن مع تغيير وشيك ومبرمج على رئاسة مكتبها السياسي، وذلك سعيا لإعادة تقديم نفسها للعالم بطريقة مغايرة.

 

ويشير الخيطان إلى أن الوثيقة تمثل  في توجهاتها، أفكارا طالما عبّر عنها بشكل غير رسمي رئيس المكتب السياسي خالد مشعل الذي آثر أن لا يترك موقعه القيادي الأول دون أن يترك بصماته على خط الحركة في المستقبل.

 

ومع تطورات المشهد الإقليمي والفلسطيني، لم تعد حماس، بحسب الخيطان، قادرة على تعريف نفسها؛ هل هى حركة مقاومة، أم سلطة تحكم تحت رحمة الاحتلال مثلها مثل السلطة في رام الله؟ هل هي حركة تحرر وطني أم فصيل من جماعة دينية وسياسية خسرت معركتها؟

 

ويؤكد الكاتب بأن الوثيقة الجديدة تمثل خطوات جوهرية دون شك، لكنها متأخرة أربع سنوات على الأقل، ومع ذلك يتعين على كل الأطراف في المنطقة أن لا تتعامل معها باستخفاف.

 

أما الكاتب أحمد عزم، فيرى أن وثيقة حماس تمثل إحدى الخطوات التي يشهدها هذا الأسبوع، بما قد يسهم بدرجة أو أخرى في رسم المسار الفلسطيني في المرحلة المقبلة، إلى جانب إضراب الأسرى والتفاعلات المحيطة، ولقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بنظيره الأميركي دونالد ترامب.

 

ويوضح عزم بأن "هناك أبعاد فكرية وسياسية في الوثيقة تحتاج تحليلا منفصلا خاصا، ولكن أهم جديد في الوثيقة بالنسبة للمسألة الفلسطينية، "تعاطي" الحركة مع مسألة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967.

 

 

"ولا بد من الاعتراف أن إصرار "حماس" على إعلان موقف من هذا الأمر، يقول إنّه يشكل نقطة توافقية، أمر يثير الدهشة. فهل يمكن التوافق على حدود فلسطين ولا يمكن التوافق على موضوعات الرواتب وغيرها في قطاع غزة؟ وهذا يثير السؤال هل يأتي هذا البند ليعني أكثر من مجرد موقف سياسي إلى كونه جزءا من عملية سياسية أوسع تسعى "حماس" لها، أو هي جزء منها فعلاً؟".

 

ويخلص الكاتب إلى أن إطلاق عملية سياسية من لقاء ترامب – عباس، يعطي لوثيقة "حماس" معنى عمليا في المرحلة المقبلة، لأنّ سقف معارضة هذه العملية من قبل "حماس" سيكون مختلفاً الآن، وأقل انخفاضاً، فيما فشل إطلاق العملية، يقلل من أهمية الوثيقة، ويزيد من فرص واحتمالات استعادة الشارع الفلسطيني وقواه الشابة لزمام المبادرة.

أضف تعليقك