محاولة انتحار جماعي سعيا لفرصة بالحياة

محاولة انتحار جماعي سعيا لفرصة بالحياة
الرابط المختصر

خمسة من الشباب الأردنيين، يعتلون بناية قيد الإنشاء قرب دوار الداخلية، ملوحين بإلقاء أنفسهم عنها في محاولة "انتحار جماعي"، حادثة استفاق عليها الشارع الأردني الأربعاء، ليكون لها إعادة قراءة بين كتاب أعمدة الرأي في الصحف اليومية.

 

رئيسة تحرير صحيفة الغد جمانة غنيمات، ترى في اتفاق هؤلاء الشباب على الإقدام على محاولة انتحار، أمرا لا بد أن يكون كارثيا، إذ تشكل خطوتهم قرعاً لناقوس جديد ينبّه إلى اليأس والإحباط اللذين يعاني منهما كثير جداً من شبابنا، بحكم ارتفاع معدلات البطالة بينهم مع شح فرص العمل.

 

وترسم غنيمات سيناريو لاجتماع هؤلاء الشباب قبل الحادث، ومناقشتهم بشأن الأسلوب الذي يعبّرون من خلاله عن مدى قنوطهم من الحياة، ليقرروا أخيرا الإقدام على محاولة إنهاء حياتهم، أو التهديد بذلك.

 

وتؤكد الكاتبة على ضرورة إجراء علماء الاجتماع والنفس لدراسات جادة لتفسير هذه الظاهرة، وضمنها تقييم الحالة النفسية للشباب الأردنيين، وقياس حجم الإحباط والغضب اللذين يعشعشان بداخلهم، وصولاً إلى مواجهتهما.

 

كما "أن على المؤسسات الرسمية المختلفة، بما فيها "الأمنية"، أن لا تستهين بواقعة يوم أمس، فتتعامل معها ببساطة؛ فخلف الخطوة مشاريع منتحرين، وهي تحمل معاني كبيرة لناحية خطورة المزاج الذي بلغه شبابنا".

 

وتشير غنيمات إلى ما أظهره استطلاع حديث، غير علمي، من أن غالبية المشاركين لا يثقون بما هو آت، وأن إحساسهم بالغربة في وطنهم ناجم عن ذلك.

 

فيما يتساءل الكاتب فهد الخيطان، إن كان الشبان الخمسة جادين فعلا في محاولة الانتحار الجماعي، أم هي حركة للفت الأنظار، ينالون بعدها حقهم في فرص العمل، مرجحا ان يكونوا قد سعوا إلى جذب الاهتمام لمعاناتهم، وليس الإقدام فعلا على الانتحار، بدليل أنهم استجابوا بسرعة لجهود الأمن العام بالتراجع عن الفكرة المجنونة.

 

ويوضح الخيطان أن الإنسان لا يمكن أن يفكر بالتفريط بحياته والإقدام على الموت بهذه الطريقة "الشنيعة"، إلا إذا كان يواجه أزمة مصيرية تستحيل معها الحياة، لافتا إلى أن أكثر دوافع انتحار الشبان اليوم، هو فقدان الأمل بالحياة.

 

و"باستثناء حادثة انتحار الشقيقتين ثريا وجمانة، قبل أشهر، لم يسبق أن سجلت محاولات انتحار جماعي في الأردن، وبدوافع اقتصادية بحتة"، بحسب الخيطان.

 

وتعد حادثة الشبان الخمسة، بحسب الكاتب، مؤشرا على عمق الأزمة في المجتمع، وتمثل سلوكا سلوكا احتجاجيا يائسا وعدميا، بدا بالنسبة لهم الخيار الأخير الذي يمكن أن يؤمّنوا بعده فرص عمل وظروف حياة لائقة، إضافة إلى دلالتها على المدى الخطر الذي وصلت إليه مشكلة البطالة في الأردن، وانعدام فرص الحياة الكريمة.

 

وينتهي الخيطان إلى "أن المهم في هذه اللحظة أن لا تقوم السلطات بالتستر على حادثة الشبان الخمسة، فالشجاعة في مواجهة مشكلة البطالة تستدعي تسليط الضوء على قضيتهم وعرضها بالتفصيل، ليشارك كل المهتمين في المجتمع بمناقشتها، لعلنا نهتدي معا لحلول تجنب البلاد مثل هذه المواقف المحرجة، وتفتح طاقة أمل لجيل يكاد تنتهي به الحال إما منتحرا على أسطح المباني، أو انتحاريا في صفوف الجماعات المتطرفة".

 

أما الكاتب حسين الرواشدة، فيطرح تساؤلا: إن كان الشباب في بلدنا قد وصل إلى هذه الدرجة من اليأس والإحباط، وإن كان الانتحار قد أصبح خيارهم الأخير للهروب من مشكلاتهم المستعصية عن الحل، معربا عن خشيته بالإجابة إيجابا.

 

ويؤكد الرواشدة أن الجميع مسؤولون عن ذلك، فـ"مجتمعنا الذي “استقال” فيه الأثرياء والموسرون من “واجبهم” يتحمل قسطا من المسؤولية، وحكوماتنا التي أغرقتنا في التنظير والفساد تتحمل جزءا من المسؤولية، ومؤسساتنا الأخرى التي قصرت في توجيه الناس وترميم ثقتهم بأنفسهم ومستقبلهم مسؤولة ، ونخبنا التي تتصارع على “اولويات” لا علاقة للناس بها متورطة ايضا في الجريمة.

 

ويشير إن الشبان  الخمسة أرادوا  أن يصرخوا لكي نصحو على مأساتهم التي هي مأساة جيل كبير من الشباب الذين أدركهم الإحباط من الاستمرار في حياة كريمة.

 

ولكن، "مع الأسف، يبدو  أن كل الذين “أحرقوا” أنفسهم أو انتحروا بوسائل أخرى أو حاولوا الانتحار، أصبحوا مجرد “قصص” إخبارية تمر في وسائل الإعلام ثم تصطدم “بذاكرة” شعبية متعبة، أو بـ”مطابخ” قرارات لا علاقة لها بما يحدث في المجتمع، حتى لو أحرق الجميع أنفسهم"، يختم الرواشدة.