ما بعد مقرات "الإخوان"
لا تزال تبعات التطورات الأخيرة التي شهدتها علاقة جماعة الإخوان المسلمين والحكومة، وانتهت بمداهمة أمنية للأمانة العامة للذراع السياسي للجماعة "حزب جبهة العمل الإسلامي"، شاغلة لمساحة واسعة بين أعمدة الرأي والمقالات في الصحف اليومية.
الكاتب باسم الطويسي، يرجح أن تتجه "الأيام الصعبة" التي يواجهها "الإخوان" نحو المزيد من التعقيد والمواجهات؛ حيث تنتقل المواجهات من المستوى الداخلي بعد سلسلة الانقسامات الأخيرة، إلى المواجهة مجددا مع السلطة التنفيذية للدولة، بدءا من إغلاق عدد من مقرات الجماعة، بالتزامن مع خسارتهم في انتخابات نقابة المعلمين.
إلا أن الجماعة، بحسب الطويسي، لم تخسر كل شيء، وما يزال لديها الفرصة للمناورة السياسية والمجتمعية، إنما بشرط المناورة السياسية العاقلة والرشيدة؛ والذي يعني في القراءة الأولى أن الأردن في العقد الثاني من الألفية الجديدة ليس هو الأردن الذي استيقظ عليه الإخوان بقوة في العام 1989.
ويشير الكاتب إلى أن هذا المشهد المعقد، يبرز سؤالا حول المصلحة الوطنية في: الاستمرار في تراجع مكانة ودور الجماعة، أو منحها فرصة لإعادة ترتيب أوراقها وإصلاح بيتها الداخلي وتعبيراتها وسلوكها السياسي والاجتماعي.
ويؤكد الطويسي أنه "لا توجد مصلحة وطنية حقيقية في سحق الجماعة أو رسم نهاية ناعمة لها، مقابل إنتاج حركة سياسية إسلامية أخرى؛ سواء حملت اسم "الإخوان" أو غيره"، بالمقابل، فإن المصلحة الوطنية التي يجب أن تلتقطها الجماعة قبل غيرها، تتمثل في البحث سريعا عن نموذجها في إعادة التأهيل، قبل أن تجد نفسها مجبرة على الالتزام بنموذج أعد لها، وما عليها إلا أن تلبسه.
أما الكاتب حسين الرواشدة، فيطرح ثلاثة افتراضات تقف وراء قرار إغلاق مقرات الجماعة، الأول هو أن الدولة كانت تضمر فعلا إنهاء العلاقة مع الإخوان منذ سنوات ، لكنها تركت القرار ينضج على نار هادئة أشعلتها أزمة الإخوان الداخلية، أما الافتراض الثاني فهو أن الإخوان “استعجلوا” صدور القرار، سواء بسبب رهاناتهم المألوفة على حاجة الدولة إليهم أو عدم قدرتها على المجازفة بسحب الشرعية السياسية منهم.
ويبقى الافتراض الثالث وهو أن الدولة والإخوان معا أدركوا تماما أن اللقاء بينهم أصبح متعذرا، لا يهم هنا فيما إذا كان سلوك الإخوان هو السبب أو أن الخدمات التي كانوا يقدمونها فقدت صلاحيتها، أو أن موعد تسديد الفواتير وتصفية الحسابات جاء وقته ولم يعد ممكنا تأجيله.
ويلفت الرواشدة إلى رسالة المراقب العام للجماعة همام سعيد، عقب إغلاق المقرات، والتي دعا فيها إلى "رص صفوف الإخوان"، باعتبار ذلك "معركة ابتلاء" نتيجتها "انتصار الفئة المؤمنة".
و"حين ندقق أكثر في رسالة المراقب العام نكتشف أن مشروع الإخوان كما يتحدث بصراحة ليس مشروعا وطنيا أردنيا وإنما مشروع قضيته الأساسية والوحيدة هي فلسطين، كما أن هويته ليست أردنية، ولذلك تعمد أن يدرج المقاربة بين الإخوان هنا والحركة الإسلامية في فلسطين تحديدا، ولم تأت في سياق عام أوسع أو مجرد زلة لسان".
ويدعو الكاتب عمر كلاب جماعة الإخوان إلى مراجعة قاعدة سياسية وإدارية تقول "إن الخط المتعرج هو الخط المستقيم بمعنى الوصول إلى المسافة المرادة أو الهدف المنشود"، وذلك لإدارة أزمتها المركبة والمعقدة.
فـ"إدارة الأزمة تحتاج الى فريق خاص يتمتع بمهارات سياسية وإدارية لإخراج الجماعة من مأزقها الحالي دون الجلوس وانتظار الحلول بماضوية أو بالاعتماد على ذاكرة العلاقة مع الدولة، فالمعادلات تغيرّت ومن كانت الدولة بحاجته أمس ليست بحاجته اليوم"، بحسب كلاب.
ويخلص الكاتب إلى القول إن "على الاخوان أن يقدموا برنامجاً مطلوباً ومقبولاً حتى تقوم الدولة بمراجعة مواقفها، فالبضاعة السياسية الرائجة الآن تتمثل بالموقف الواضح من التطرف والإرهاب، وهذه فرصة الجماعة وبضاعتها الرائجة فهي لم تتورط في التطرف والإرهاب ولكنها أيضا لم تقف أمامه بحزم واضح".