في ذكرى سقوط بغداد

في ذكرى سقوط بغداد
الرابط المختصر

يستذكر عدد من كتاب الرأي والمقال في الصحف اليومية، واقعة سقوط العاصمة العراقية بيد القوات الأمريكية عام 2003، التي تعد مفصلا محوريا في تاريخ العراق، إن لم يكن تاريخ المنطقة والإقليم.

 

الكاتب ماهر أبو طير، يرى في سقوط بغداد تحت الاحتلال أكثر من نظرية، ما بين خصوم ومؤيدي نظام الرئيس السابق صدام حسين، إلا أنها تتفق على أن العراق يختلف تماما عن العراق بعد ذلك التاريخ.

 

فـ"في المحصلة، فإن العراق اليوم، لم يعد كما كان، إذ أننا أمام عراق تم تقسيمه بنيويا عربا وأكرادا، سنة وشيعة، العراق اليوم غارق في الفساد حتى أذنيه، تتصارع فيه مرجعيات الدنيا مع مرجعيات الآخرة، وتتفشى فيه التنظيمات، والتفجيرات، بلد تتقاسمه دول العالم، عبر العطاءات، والنفوذ السياسي والأمني، وتنتشر فيه الأحقاد بين العراقيين إلى حد العمى، عن رؤية المستقبل"، يقول أبو طير.

 

ويضيف الكاتب "لا يمكن لاحد ان يقرأ الامن العربي اليوم، بمعزل عن التغيرات التي حدثت في العراق وتمدد ايران، والولايات المتحدة فيه، بعد عام 2003، هذا التمدد وصل ذروته اليوم، ولولا هذا السقوط المريع، لما رأينا اليوم، معسكرات جديدة تتقاسم المنطقة، أو تسعى لأن تأخذ حصتها، من إيران إلى أميركا، مرورا بتركيا وغيرها من اتجاهات في المنطقة".

 

وينتهي أبو طير إلى اقول إن سقوط العراق كان دليلا على مفارقة كبيرة، فبعض الذين ساندوه ليحارب إيران، عادوا وساندوا من يريد إسقاطه ، وفتحت البوابات للايرانيين، وحصلوا على العراق هدية اعتذار رقيقة، وهاهم اليوم، يعودون و يشهرون ندمهم، لأن ما شاهدوه بعد احتلال العراق عام 2003 كان اشد وطأة عليهم وعلى كل المنطقة العربية، والقصة لا تبدأ بالنفوذ الايراني ولا التراجع الاميركي، بل تمر بكل هذه الحروب التي نراها في العراق وسورية والمنطقة.

 

"سقوط بغداد عام 2003، كان سقوطا للجميع، وسقوطها كان كلمة السر في مخطط إعادة الفك والتركيب لهذه المنطقة"، يضيف أبو طير.

 

أما الكاتب عمر كلاب، فيلفت إلى ظهور العراق في الذكرى الـ13 لسقوط الدولة، غير قادر على دفع رواتب الموظفين ويطرح تخفيضها بنسبة 30%.

 

ويضيف كلاب أن "كل الوعودات التي سادت قبيل اسقاط نظام البعث سواء العراقية منها او العربية والعالمية بشرّت العراقيين بالسمن والعسل والحرية والديمقراطية، لكن مآلاتها كانت انغماس العراق في الفساد والطائفية والاثنية والتهجير تلو التهجير قبل أن تسقط أبرز المدن العراقية في يد الإرهاب الأعمى سواء من الدواعش أو الحواشد".

 

ووفقا للتقارير، فإن حجم الفساد بلغ حتى اللحظة 105 مليارات دولار وكانت الدولة العراقية في أسوأ أوقاتها تشهد فسادا أقل بمئات المرات من هذا الرقم ورغم الحصار كانت الحصة الغذائية كافية وخالية من الدنس والغش عكس اللحظة التي لا يجد فيها العراقيون قوت يومهم حتى ولو كان مغشوشا، بحسب كلاب.

 

ويؤكد الكاتب أن "مسلسل التفتيت بدأ في نسخته الثانية – الأولى سايكس بيكو – من العراق ومقاومته واسترداد روح الأمة ووعيها يبدأ من هناك، فإذا تحالف 13 جهاز أمن واستخبارات لإسقاط العراق، فالشعب العراقي قادر وفي ذكرى الغزو الـ 13 أن يبدأ من جديد ويُعيد المحاولة كما فعلها مرات كثيرة، فهذا الشعب لو جهنم صبت على رأسه سيقف ويعاود الوقوف، ويكنس الاحتلال والطائفية والإرهاب وكل ملوثات الوحدة العراقية".

 

الكاتب الساخر أحمد حسن الزعبي، يستذكر متابعته لأخبار المعارك في العراق عام 2003، فيحرك مؤشر المذياع ليسمع شيئا عن "بغداد وميناء أم قصر والرمادي...أركزّ سمعي عن «شظيّة» انتصار هنا..إسقاط مروحية للعدو هناك...عن أسر بعض الجنود العلوج..مقابلات مسجّلة معهم..وأكذوبة أبو منقاش الشهية ...كنت انتظر أي شيء من أي شيء بأي شيء  .. إلا  السقوط"!!..

 

ويكتب الزعبي "عشرون يوماً...وأنا على هذا الحال..أخرج باكراً من عملي لأقابل بغداد قبل الغروب..أمضي وحيداً،  ليس بيدي حيلة شأني شأن 300مليون عربي ، خائف ومرتبك ، أمشّط الطريق الطويل شرقاً، أقف على شاطئ الخليج أحياناً، أراقب السفن التي تغيب شيئاً فشيئاً في زرقة الماء...كما يغيب العصفور المحلّق في زرقة السماء".

 

"في التاسع من نيسان 2003..حملت أوراقي وجريدتي من مكتبي وغادرت أبكر من كل يوم ،السماء مغبرّة، السّيارات مسرعة ، الإسفلت يلمع حتى خلته يدمع ،  البحر المائج يتذوّق الرمل الأصفر على مضض، لم اعرف شيئاً بعد...مررت بمطعم في طريقي ، لم أرغب في الجلوس على الطاولة كما كنت افعل .. أخذت الوجبة   معي إلى غرفتي المعتمة في شقة 202، ضغطت على زر «الريموت»..بحثاً عن الأخبار  ...شاهدت دبابة أمريكية على جسر دجلة..وصوت مذيع الجزيرة يتحدّث عن سقوط بغداد بحزن عميق ...بكيت بأعلى صوتي ..انكفأت على سريري الحديدي ..خبأت وجهي في الوسادة وما زلت أخبئه إلى اليوم"، يستذكر الزعبي.

 

ورغم كل الذكرايات التي يحملها الكاتب رمزي الغزوي عن الأيام التي عاشها تحت القصف في بغداد عام 1991، إلا أن صدمة التاسع من نيسان واحتلال بغداد عام 2003 لم تفارقه بعد، وما زالت تتلبسه كجنية زرقاء، "فحين بثت الفضائيات صورة لدبابة أمريكية تتهادى على جسر الجمهورية، صرخت: هذا محال. وحين بثوا مشاهد جنود في ساحة الفردوس قلت: هذه ليست بغداد، فبغداد أعرفها لا تسلم نفسها، وحتى حين اجتاحها المغول تحت جنح خيانة وتواطؤ ابن العلقمي، فقد قاتلت وخاضت بدمها للركب، ولم تسقط بالمجان".

 

"بغداد نيسان ليست بغداد التي عرفناها. أهكذا كانت تجري الأشياء غير المعقولة دوماً؟؟، فكيف سرقوا أحلامنا، وصرنا بيادق شطرنج؟!، كيف سحقوا نجومنا، في ذلك النهار النيساني البائس؟!. أين الملايين، وأين سنوات الكلام العالي؟!. وأين الموت الشريف المشرف؟!، وأين الأفعى التي لم تتقطّع، أو تنتحر على أسوارك أيتها العصية؟!

 

ويختتم الكاتب مقاله بالقول "ما زلنا نؤمن أن بغداد التي لا يليق بها أن تسقط أبداً، يليق بها أن تنهض من رمادها. فاين الحرية والسلام والمحبة والهدوء والتي وعدت بها بساطير الأمريكان؟!. فيا أيها العراقيون، وحدكم قادرون الآن على قلع شوك أيديكم، وتحرير بلادكم من الدعدشة وأخواتها، وحقن دمائكم، وبلسمة جراحكم، ليعود دجلة الخير ضاحكاً بأنواره من جديد".

أضف تعليقك