"غزوة ناعور"...تفتح جدلاً حول حريّة المجاهرة في إفطار رمضان

"غزوة ناعور"...تفتح جدلاً حول حريّة المجاهرة في إفطار رمضان
الرابط المختصر

عمّان - "#غزوة_ناعور" وسم أطلقه مغرّدون وناشطون أردنيّون عبر شبكات التواصل الإجتماعيّ على مداهمة السلطات الأردنيّة لمطعم سياحيّ في بلدة ناعور (20 كيلو جنوب العاصمة عمّان)، في 33 يونيو / حزيران، قدّم طعاماً إلى طلاّب الجامعة الألمانيّة خلال شهر رمضان.

 

الأجهزة الأمنيّة الأردنيّة، قامت بقرار من الحاكم الإداريّ، باعتقال أصحاب المطعم وطرد الطلاّب، ليقوم أحد رجال الأمن بزيّه العسكريّ  حادثة المداهمة  بهاتفه، الأمر الذي أثار الجدل مجدّداً في الأردن حول حريّة الإفطار في شهر رمضان بعد أن كان ناشطون قد في عام 20144 حملة بعنوان على صفحة على  موقع التواصل الإجتماعي الفيس بوك تدعو للحق بالمجاهرة بالإفطار، وتحمل اسم “كما لك الحق أن تصوم.. احترم حقي بأن أعيش حياة طبيعية”.

 

 

وأوقفت الأجهزة الأمنية، في 6 يونيو\حزيران الشرطي  الذي صوّر مقطع الفيديو، وقام بالتشهير بالمطعم السياحي ومرتاديه، وقال مصدر أمني في بيان صحفي الشرطي تجاوز الأصول التحقيقية المعمول بها.

 

وشبّه مغرّدون ما قامت به السلطات الأردنيّة بما يفعله تنظيم الدولة، من ملاحقة المفطرين ومعاقبتهم في أماكن سيطرته. وفي هذا السياق، قال الكاتب باسل الرفايعة (ليبراليّ) في صفحته على "فيسبوك": "سيتصدّر خبر غزوة ناعور العناوين الأولى في صحيفة دابق الصادرة عن داعش، أبارك للحكومة الأردنيّة انتصارها في هذه الغزوة المباركة في رمضان، فأجرها مضاعف".

 

 

يعاقب القانون الأردنيّ في المادّة 274 من فطر علناً بالحبس حتّى شهر واحد أو بالغرامة حتّى 15 ديناراً، إلاّ أنّ تعليمات وزارة السياحة والآثار الأردنيّة سمحت بتقديم خدمات الطعام والشراب إلى روّاد المنشآت السياحيّة المرخّصة ضمن شروط، من أبرزها وضع ستائر على النوافذ تحجب الرؤية من الخارج.

 

من جهتها، قالت المحامية لين الخياط لـ"المونيتور": "إنّ القانون جرّم خرق حرمة شهر رمضان، وليس عمليّة الإفطار في حدّ ذاتها، باعتبار الإفطار علناً في مكان عام يثير حساسيّة لدى المجتمع، استناداً إلى المادّة 274. وعرّفت المادّة الثانية من قانون العقوبات المكان العام بأنّه طريق عام، وكلّ مكان أو ممرّ يباح للجمهور المرور به أو الدخول إليه في كلّ وقت وبغير قيد".

 

 

ويأتي التضييق على المفطرين في شهر رمضان، بعد أيّام من تهديد محافظ عمان سعد شهاب في 25 أيّار/مايو في  تصريح لموقع "هلا أخبار" بإيقاف منتهكي حرمة شهر رمضان واتّخاذ إجراء إداريّ وقانونيّ بحقّهم".

 

 

وأغلق سعد شهاب 4 منشآت سياحيّة خلال الأيّام الـ10 الأولى من رمضان، نظراً لعدم التزامها بشروط تقديم الطعام، وبرّر في تصريح لموقع "عمون" إغلاق المطعم السياحيّ في ناعور، بقوله: "لوجود أبواب مفتوحة للمواطنين يشاهدون  عمليّة الإفطار".

 

 

ولم تكن مداهمة المطعم السياحيّ الحال الوحيدة في الأردن، إذ نقل الكاتب الصحافيّ باسل الرفايعة عن عائلة فتاتين مسيحيّتين، أنّهما كانتا تأكلان في باص سياحيّ متّجه من عمّان إلى العقبة (400 كلم) في 5 يونيو / حزيران، لكنّ فتاة مسلمة مسافرة أيضاً استفزّها المشهد، فوبّختهما، واتّصلت بالشرطة، واشتكت للسائق الذي لبّى النداء سريعاً، وتوقّف عند دوريّة مروريّة، وجرى إنزال الفتاتين قسراً.

 

وأعادت "غزوة ناعور" وحادثة باص العقبة، الجدل مجدّداً في الأردن ذات الأغلبيّة المسلمة حول حريّة إعلان الإفطار في رمضان، وجدّد علمانيّون أردنيّون عبر حملة على موقع "فيسبوك" تبنّتها صفحة "الحركة العلمانيّة الأردنيّة" مطالب بـ"عدم تجريم المفطرين برمضان".

 

 

واعتبر أحد القائمين على الصفحة، رفض ذكر اسمه، "خوفاً من المجتمع والقانون"، أنّ "ما تقوم به الدولة هو استخدام الدين لفرض سلطة باسم المقدس على شرائح معيّنة من الشعب"، وقال لـ"المونيتور": "إنّ تجريم الإفطار مخالف لأبسط إتفاقيّات حقوق الإنسان التي صادق عليها الأردن ومخالف أيضاً لمبدأ المواطنة، فالدولة لا تقوم على خدمة وحماية فئة معيّنة على حساب حريّة بقيّة فئات المجتمع".

 

ويعتبر الصيام لدى المسلمين فريضة والركن الرابع من أركان الإسلام، ونصّت المادّة الثانية من الدستور الأردنيّ، على أنّ "الإسلام دين الدولة".

 

وفي هذا الإطار، قال وزير الأوقاف الأردنيّ السابق هايل الداود: "إنّ دعوات المجاهرة بالإفطار غير صحيحة وتخرق النظام العام للدولة التي ينصّ دستورها الرسميّ على أنّ دين الدولة هو الإسلام. ونحن لا نلزم الناس بالصيام، ولكن لكلّ مجتمع تقاليده وقوانينه، وينبغي على الجميع المحافظة على العرف العام للمجتمع".

 

ورغم أنّ المادّة الثانية من الدستور الأردنيّ نصّت على أنّ "الإسلام دين الدولة"، إلاّ أنّ القوانين الأردنيّة لا تنبع من تعاليم الشريعة الإسلاميّة، باستثناء القوانين المتعلّقة بالميراث والأحوال الشخصيّة كالطلاق والزواج.

 

وبدوره، قال الصحافيّ المتخصّص في تغطية قضايا حقوق الإنسان محمّد شما في منظّمة "صحافيّون من أجل حقوق الإنسان"، لـ"المونيتور": "إنّ تجريم الإفطار يعتبر تضييقاً على حريّة الأفراد، ومخالفة للإتفاقيّات التي وقّعها وصادق عليها الأردن، ومن أبرزها العهد الدوليّ الخاص للحقوق المدنيّة والسياسيّة، التي نصّت المادّة الـ9 منه على أنّ لكلّ فرد الحقّ في الحريّة والأمان على شخصه، ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسّفاً.

 

كما يخالف تجريم السلطات الأردنيّة للمجاهرين بالإفطار، حسب محمّد شمّا، الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، والمادّة الـ12 منه، التي نصّت على أنّه "لا يجوز تعريض أحد لتدخّل تعسفيّ في حياته الخاصّة أو في شؤون أسرته أو مسكنه".

 

واعتبر شمّا أنّ الصيام هو "شأن خاص وليس شأناً عامّاً. وبالتّالي، فإنّ الدولة ليست وصيّة على خصوصيّة الأفراد، الذين لهم حريّة ممارسة معتقداتهم وأفكارهم".

 

والإشكاليّة في الأردن، كما قال شمّا، "تقاطع الدين مع مجتمع بات الصائم فيه يفرض وصايته على الآخر، وأصبحت الدولة تحمل مسؤوليّة تطبيق الدين على كلّ الناس".

 

أمّا باسل الرفايعة، الذي يكتب في زاوية "" لمجموعة كتّاب "تنويريّين"، فقال: "من أساسيّات واجب الدولة أن تحمي حقوق المواطنين، بعيداً عن تصنيفهم دينيّاً: مسلمون ومسيحيّون، صائمون ومفطرون، لكنّ الدولة تلجأ إلى التواطؤ مع المزاج العام المتديّن ضدّ حقوق المواطنة، في هذا الجانب".

 

أضاف في حديث لـ"المونيتور": "إنّ الدولة تتذرّع بأنّ دينها هو الإسلام دستوريّاً، وهذا يوفّر مظلّة لضغوط تمارسها تيّارات الإسلام السياسيّ على النظام والمجتمع، رغم أنّ الأردن هو بلد لا يطبّق الشريعة ويسمح بالبنوك الربويّة وببيع الكحول ولا يمنع الاختلاط، ويتشدّد في عقوبات تصل إلى سجن المفطر، فهذا في منتهى النفاق السياسيّ والدينيّ".

 

انقسم أردنيون بين مؤيد ومعارض عبر شبكات التواصل على "غزوة ناعور"، وما حدث للفتاتين المسيحيّتين في الحافلة،  ليترك هذا الجدل سؤالا حول هوية الدولة الأردنية، هل هي إسلامية تطبق الشريعة أم أنها دولة مدنية كما دعى لها العاهل الأردني في ورقته النقاشية السادسة في 16\اكتوبر 2016، التي قال فيها إن " سيادة القانون أساس الدولة المدنية".

 

المونتيور