لاجئة سورية: من مصممة مجوهرات إلى سباكة
تمكنت اللاجئة السورية "صفاء سكرية" من اختراق واحدة من أكثر المهن حكراً على الرجال، وهي مهنة "السباكة" أو صيانة وتصليح التمديدات الصحية في المنازل، لتكون لها عوناً في ظروف لجوئها بالأردن، متحدية "ثقافة العيب" التي تسيطر على نظرة المجتمع العربي عامة.
وافتتحت السيدة القادمة من ريف دمشق ورشة إصلاح مواسير الحمامات والمطابخ مع مجموعة من رفيقاتها بعد أن قدمت لهن تدريباً عملياً على أصول المهنة التي تعلمتها بدورها في مركز لتمكين المرأة بمدينة إربد (شرق الأردن).
ومنذ عام 2015 إلى عام 2022 ، تمكنت من تدريب حوالي 700 شابة ، حوالي 60 % منهن اصبح لديهن فرص عمل ويمارسن مهنة السباكة رسميا.
وكانت صفاء التي تنحدر من بلدة "عين ترما" بالغوطة الشرقية قد درست الفنون الجميلة بجامعة دمشق إضافة إلى إدارتها مشغلاً للإكسسوارات النسائية وصياغة الحلي وأدوات الزينة قبل أن تضطرها ظروف الحرب عام 2012 إلى اللجوء إلى الأردن مع عائلتها فأخذت تبحث عن عمل لأن زوجها لم يكن معهم حينها.
وتقول سكرية إنها علمت بوجود دورة سباكة للنساء في مركز الأميرة بسمة، برعاية منظمة "جي أي زد" التابعة لوزارة المياه في الأردن، وكانت تظن في البداية أن المقصود بها صياغة الذهب والمعادن وصناعة حلي النساء، غير أنها فوجئت بأن المقصود بالسباكة التمديدات الصحية أو الموسرجية، ورغم ذلك كان لديها-كما تقول- دافع حثيث لخوض تجربة تعلم هذه المهنة الذكورية ومعرفة أسرارها، علماً أنها -كما تؤكد- لم تمسك في حياتها مفتاحاً انكليزياً أو بنسة أو منشاراً.
وروت مصممة المجوهرات التي تحولت إلى سباكة أن الدورة التي أشرفت عليها خبيرة ألمانية امتدت لشهرين وتلقت خلالها مع عدد من رفيقاتها تدريبات نظرية وعملية على الصيانة المنزلية بشكل عام كتغيير الجلد (الجوانة) بالمفهوم الشامي، وتوصيل الأنابيب والألوظة، وتركيب الصنابير والخلاطات.
من ورشة صغيرة إلى مركز واسع
بعد انتهاء التدريبات وزعت المتدربات إلى مجموعات من أجل التطبيق العملي الذي امتد لعام ما بين 2016 و2017 ، وبعد حصولها على شهادة مزاولة للمهنة "الرجالية" بامتياز افتتحت صفاء ورشة صغيرة اقتصرت على العنصر النسائي وهذا ما أهلهن لأن يدخلن بيوت العائلات حتى ولو لم يكن صاحب المنزل موجوداً، وإجراء صيانة التمديدات الصحية كافة بشكل مجاني وتقديم المواد اللازمة في الصيانة مجاناً أحيانا .
لمست عن قرب حاجة الشابات إلى فرص عمل حتى لو كانت غير تقليدية فقررت أن أنقل لهن الخبرة التي تعلمتها، كما تقول، وتمكنت "السباكة السورية من إقناع عشرات من الشابات الأردنيات والسوريات بالانضمام إلى مشروعها وتوفر حالياً العمل لـ 36 سباكة شابة أكثر من نصفهن من اللاجئات السوريات.
وأشارت محدثتنا إلى أن محاولة إقناع الشابات بخوض هذه التجربة وممارسة مهنة أبعد ماتكون عن بنيتهن الجسدية كانت مهمة شاقة لكنها تكللت بالنجاح.
وتتابع محدثتنا أن الفتاة قد تكون هي النجار والحداد والسباك في منزلها، وهذا أمر طبيعي. ولكن إذا ذهبت وأدت هذه الأعمال في منازل الآخرين، فإن الأمر يصبح غير عادي"، وتردف :"جزء من إصراري على القيام بهذه الوظيفة هو تحدي الصور النمطية وكسر المحرمات، لذلك أنا فخورة جدًا بنفسي والنساء اللواتي يعملن معي".
مجموعة صفاء للصيانة
ومن ورشة صغيرة انتقلت صفاء مع رفيقاتها إلى مركز واسع في شارع الحصن وسط إربد أطلقن عليه اسم "مجموعة صفاء للصيانة". ويضم المركز مكتباً للتدريبات، حيث يحتوي عشرات العدد والمستلزمات والأدوات التي تتطلبها مهنة السباكة، وقسماً للمهن غير التقليدية.
وتقول السباكة السورية إنها تنوي إضافة إلى مهنة السباكة تنظيم دورة للشابات المقيمات في الأردن على مهنة التمديدات الكهربائية والصيانة بعد حصولها على ترخيص معهد أكاديمي لتدريب الشابات على المهن غير التقليدية.
ولفتت محدثتنا إلى أن نظرة الاستغراب لمزاولتهن هذه المهنة لا زالت قائمة رغم مرور أكثر من عشر سنوات على بداية مشروعها، لكونها مهنة غير مألوفة للنساء. وأكدت أنها واجهت في بداية ممارستها لهذه المهنة كما هو متوقع تحديات جمّة، لكنها تمكنت من تجاوزها وكسر النظرة النمطية حيال هذه المهنة وتشجيع النساء على مزاولتها للاستفادة منها في تدبير أمورهن المنزلية إن لم يردن العمل بها.
ويأتي ذلك في بلد تبلغ نسبة البطالة بين النساء فيه 81%، وفقاً لأرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وبات من غير التقليدي على الإطلاق أن نرى النساء يشاركن في مهنة يهيمن عليها الرجال مثل السباكة.
ثقافة العيب
ولم تخفِ "السباكة اللاجئة وجود صعوبات في مهنتها ومنها -كما تقول- ثقل جهاز "الهيلتي" وهو جهاز يشبه جهاز الثقب "الدرل" ولكنه أكبر حجماً ويخصص لحفر الجدران من أجل تمديد الأنابيب فيها، ويحتاج لقوة بدنية لحمله واستخدامه وكذلك صعوبة إقناع الناس بأهمية عملها والقدرة على إتقانه ومواجهة "ثقافة العيب" المنتشرة تجاه عمل المرأة اليدوي بشكل عام وتجاه العمل في السباكة بشكل خاص كون العمل الذي تقوم به غير تقليدي.
وبحسب تقرير لمركز الفينيق الأردني مازالت ثقافة العيب هي المسيطرة على نظرة المجتمع لعمل المرأة الأردنية والوافدة في سوق العمل مما جعل مساهمتها بالنسبة لسوق العمل لا تتعدى الـ 12% حسب التقرير المذكور الذي أرجع ذلك لأسباب عديدة.
إلا أن صفاء ترى بحكم خبرتها كما قالت" في جيل الشابات الأردنيات والسوريات على السواء بتغيير الصورة النمطية لعمل المرأة ومحاولة إيجاد فرص عمل في ظل ارتفاع نسب البطالة بين الشباب في الأردن وخاصة الشابات".