"عاشقات الشهادة" يفكك تحول دور المرأة في "الحركات الجهادية"
خلص الباحثان محمد أبو رمان وحسن أبو هنية، المتخصصان في الحركات الإسلامية، إلى أنّ هنالك تحولاً كبيراً حدث في دور "المرأة الجهادية" وحجم مشاركتها والنصوص الدينية المؤسسة لذلك مع بروز تنظيم داعش وإعلانه قيام دولته في العراق وسورية في العام 2014.
وأشار الباحثان في كتابهما الجديد "عاشقات الشهادة: تشكلات الجهادية النسوية من القاعدة إلى الدولة الإسلامية" (الصادر عن مؤسسة فريدريش أيبرت في عمان) إلى أنّ طيبعة الأدوار والمهمات التي تقوم بها المرأة في تنظيم داعش، مقارنة بالتجربة الإسلاموية الجهادوية السابقة.
يقع الكتاب في قسمين رئيسين، يتناول الأول تطوّر الجهادية النسوية والمراحل التي مرّت بها والتحولات التي عبرت خلالها أيديولوجياً وتنظيمياً، بينما يعالج القسم الثاني من الكتاب عشرات الحالات النسائية الجهادية، متتبعاً رحلتهم إلى عالم القاعدة والجماعات الجهادية، وصولاً إلى الداعشية، في محاولة فهم الأسباب التي دفعتهم إلى هذه الطريق.
يبدأ الكتابرئيس عن مفارقة التناقض بين طبيعة تنظيم داعش الدموية والذكورية التي تذهب الفرضيات الانطباعية إلى تناقضها مع طبيعة المرأة من جهة وبين قدرة التنظيم على تجنيد مئات النساء الأوروبيات والغربيات، ومثلهن عربيات، والوصول إلى طفرة حقيقية في "كم" النساء "ودورهن" في التنظيم.
للإجابة على هذا التساؤل يذهب القسم الأول من الكتاب في فصوله الأربعة إلى رصد تطوّر دور المرأة في التيارات الجهادية من زاوية، وخطاب تلك التيارات والفتاوى الدينية والنظرة إلى المرأة من زاوية ثانية، متتبعاً الجذور الوهابية والرؤية القطبية (لسيد قطب أحد أبرز المفكرين الثوريين الإسلاميين)، ثم الجماعات السلفية الجهادية المحلية، بخاصة في مصر وسورية والجزائر، وصولاً إلى تجربة الجهاد الأفغاني، وأخيراً القاعدة، فتنظيم الدولة الإسلامية (داعش.(
يصل الكتاب إلى نتائج وخلاصات مهمة تتمثّل أولاً بأنّ التحول الرئيس في حجم مشاركة المرأة ودورها جاء مع تنظيم داعش، خلال الأعوام الأخيرة، فقبل ذلك كانت مشاركة المرأة في تلك الحركات مرتبطة بأدوار ثانوية وليست رئيسة، وكان هنالك تأكيد في الخطاب الجهادي عموماً على رفض دخول المرأة في ميدان القتال والمعارك، وتفضيل عدم هجرتها إلى مناطق الصراع، إلاّ بوصفها زوجة أحد المقاتلين، ويكون عملها في المنزل وفي تربية الأبناء، بينما مع تنظيم داعش تغيّرت الأمور تماماً وانقلبت رأساً على عقب فيما يتعلق بدور المرأة، إذ أصبحت "جهادية"، وليست فقط "زوجة مجاهد"، وأصبحت تقوم بأدوار متعددة، وهنالك كتائب متخصصة لها.
ومع أبو مصعب الزرقاوي (مؤسس تنظيم الدولة سابقاً في العراق) برزت المرأة الانتحارية، بعد أن كانت التجربة مقتصرة على التجارب الإسلامية الوطنية، مثل حماس والجهاد، أو المقاتلين العرب في الشيشان، مثل عملية الأرامل في روسيا، نقل الزرقاوي المرأة الانتحارية إلى العالم الجهادي العربي، وتطوّرت الظاهرة، فأصبحت هنالك عشرات الحالات من الانتحاريات، وكذلك الأمر دخلت المرأة إلى العمل القتالي، فأصبحت تقوم بدعم لوجستي، وعمليات الحسبة والدعوة، لكن الجانب الأكثر أهمية في عمل المراة مع داعش يتمثل في الدعاية الالكترونية والتجنيد، إذ أنّ نسبة كبيرة من مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية تدار اليوم بواسطة النساء.
تغيرت الفتاوى المرتبطة بالمرأة، فأصبحت هنالك تبريرات لسفر المرأة من غير محرم، بالعودة إلى كتابات عبدالله عزام وفتواه الشهيرة حول "جهاد الدفع"، بأن تسافر المرأة من غير اذن زوجها أو ولي أمرها، وتم وضع قانون خاص بالنساء وأوضاعهن في الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم، وبرزت في فضاء السلفية الجهادية" أسماء لامعة من النساء الجهاديات، سواء في أراضي التنظيم أو خارجه، مثل فقيهة التنظيم إيمان البغا، وريما الجريش، وندى القحطاني (اخت جليبيب)، ووفاء الشهري، وأم الرباب، وقبلهن فتيحة المجاطي وأمينة العرودي، وغيرهن.
أمّا القسم الثاني من الكتاب فيتناول حالات دراسية تقترب من الـ50، وأشار المؤلفان إلى صعوبة الوصول إلى تلك الحالات وإشكالية مصادر المعلومات وعدم حياديتها على الأغلب، وبيّنا أنّ المنهجية التي استخدماها هي كرة الثلج الـSnow Ball، بالانتقال من حالة نسائية إلى أخرى، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ومراجعة التقارير الإعلامية، والتقاط الأسماء، ثم البحث عن المصادر الرئيسة، مثل مواقع التواصل الاجتماعي الشخصية، والقضايا، ومقارنة المصادر ببعضها، وهي عملية شاقة، أشبه بتركيب الـPuzzles، مع بقاء بعض الحلقات المفقودة في المعلوما، وهي التي عمل الباحثان على استكمالها من خلال التحليل والمقاربات المنهجية السيكولوجية.
القسم الثاني انتقل من المستوى النظري إلى العملي، لدراسة الحالات، وانقسم إلى خمسى فصول، تناول الفصل الأول حالة الطبيبات السودانيات الثريّات، وهن طالبات سودانيات يدرسن الطب في جامعة مأمون حميدة، غادرن إلى التنظيم، واغلبهن من الطبقة الثرية ويحملن جنسية بريطانية وغربية، وأباؤهن إما أطباء مشهورون، أو رجال أعمال ومنهن بنت الناطق باسم وزارة الخارجية السودانية، الذي كان للمفارقة يتابع أوضاع الفتيات.
الحالة الثانية تمثّلت بفتيجة المجاطي وهي امرأة مغربية انتقلت من النقيض إلى النقيض، درست القانون بالفرنسية، وكانت متحمسة للثقافة الغربية، ثم أصابها سؤال الهوية مع حرب الخليج الأولى 1990، وبدأت تدحرج في مواقفها وثقافتها إلى التدين والحجاب، ثم تزوجت، وتحولت هي وزوجها إلى العالم الجهادي، وصولاً إلى التجربة الأفغانية ثم السجون في السعودية والمغرب، وأخيراً العودة إلى أراضي تنظيم الدولة في سورية.
في الحالة السعودية هنالك عدد كبير من النماذج، المرتبطة بتشكل مجتمع جهادي سعودي، وأغلبهن من زوجات المعتقلين أو المقتولين من أبناء القاعدة في السعودية، ممن شاركن في مسيرات ومظاهرات "فك العاني" للمطالبة بالإفراج عن أقربائهن، فيتناول الكتاب حالات وفاء الشهري ووفاء اليحي، وهيلة القصير أم الرباب، وندى القحطاني وأروى البغدادي، وحنان السمكري ونجلاء الرومي وبنت نجد، ومي الطلق وأمينة الراشد (نساء بريدة)، وهيفاء الأحمدي ونجوى الصاعدي (مكة)، والجهاديات الجديدات، وينتهي الفصل بتحليل معمق للأسباب والشروط المرتبطة بصعود الجهادية النسوية السعودية.
يخصص الكتاب فصلاً كاملاً لدراسة نموذج إيمان مصطفى البغا، وهي التي تعتبر فقيهة داعش الأولى اليوم، إذ يغوص في رحلتها وتجربتها الشخصية والمفارقات من كونها ابنة أحد أبرز علماء الشام مصطفى البغا، وأبناؤه أساتذة شريعة معروفون بولائهم للنظام إلى كونها فقيهة داعش، ومن أشد المؤمنين بالوهابية السلفية بعكس تنشئتها الأشعرية والأقرب إلى الصوفية.
يقترب الكتاب من نموذج البغا، ومن خطابها على صفحتها على مواقع التواصل ومن مقالها المعروف "أنا داعشية قبل أن توجد داعش"، ومن تحليل الحيثيات السيكولوجية والسيسيولوجية المرتبطة بهذه الحالة، وصولاً إلى مواقفها الفقهية مع وجودها في تنظيم الدولة.
الفصل الخامس خصص للأوربيات، وقسّم إلى البريطانيات والفرانكفونيات (فرنسا وبلجيكا)، فتناول في الحالة البريطانية المراهقات البريطانيات والتوأمتان وغيرهن، فيما الحالة الفرنسية والبلجيكية تم العرض لنموذج مليكة العرود، حسناء بولحسن وإيناس مدني، وحياة بومدين.
أما الفصل السادس فيتناول الداعشيات الأميركيات، ويبدأ بقصة تاشفين مالك، التي شاركت في عملية مسلحة مع زوجها متين عمر، متتبعاً قصتها وتحولاتها، مروراً بآريل برادلي التي كانت تبحث عن هويتها وانتقلت من عائلة متشددة مسيحية إلى جهادية، ثم هدى عثمان، وشانون كونلي وأخيراً جايلين يونغ.
ينتهي الكتاب بخاتمة تحليلية للحالات الدراسية من جملة من النقاط، بداية من تحولات دور المرأة وحجم مشاركتها من القاعدة إلى داعش، كما أشرنا سابقاً، ثم اتجاه الجيل الجديد من النساء الجهاديات إلى الداعشية وليس القاعدة.
ثم يتحدث الكتاب عن كسر الصورة النمطية؛ فبالرغم من أنّ العيّنة المدروسة لا تستجيب للشروط العلميّة الصارمة، إلاّ أنّها تشير إلى وجود نسبة مهمة من الحالات التي كانت فيهاالنساء والفتيات الدارسات مثقفات ومتعلمات ومن الطبقة الوسطى؛ ما ينفي بدرجة رئيسة أهمية عوامل مثل الفقر والبطالة، ونقص التعليم، والبحث عن الزواج، الخ.
أما فيما يتعلّق بالمستوى العمري، فمن خلال 47 حالة تقريباً، ومما توافر من معلومات وبيانات،بأنّ هنالك 13 حالة أقل من عشرين عاماً، و12 بين الـ21-25، و9 بين الـ26-30، و5 بين الـ31-40، و4 في الأربعينيات و3 في الثلاثينيات. (بالطبع بحسب العمر وقت تسجيل القضية أو القيام بالهجرة أو التحول نحو السلفية الجهادية، لغاية 2016).
أي إنّ غالبية النساء الجهاديات في العشرينيات، ثم ما قبل العشرينيات، بفارق أكثر وضوحاً عن الأعمار الأكبر، مما يجعل فتيات المدارس والجامعات المرشّحات بدرجة رئيسة لهذا التأثر.
فيما يخص التعليم، فهناك حالتان حاصلتان على الدكتوراه، و4 على الدراسات العليا، و 22 جامعيات، و7 طالبات مدارس، و7 غير متعلمات، فالجامعيات والطالبات الجامعيات هن الأكثر تأثراً بالأفكار، فيما وجدنا أنّ هنالك قرابة 11 حالة درسن الطب والصيدلة، في البكالوريوس، وحالة واحدة درست الصيدلة في الماجستير، أم باقي الحالات التي وصلت إلى مستوى الدراسات العليا فقد درست، في الأغلب،الشريعة.
عن المستوى الاقتصادي، فإنّ الأغلبية هي من الطبقة الوسطى، بمستوياتها المختلفة، فهنالك الطبيبات السودانيات من عائلات ثرية، والمراهقات البريطانيات عموماً من عائلات الطبقة الوسطى العليا، وفي السعودية نجد بأنّ الغالبية من الطبقة الوسطى العليا، وهنالك عدد محدود من الطبقة الوسطى الدنيا. بينما يبدو عامل الفقر والحرمان أكثر وضوحاًالحالة الفرانكفونية، أما الحالات التي تنتمي للنموذج الأميركي في تنتمي، بالمجمل، إلى الطبقة الوسطى.
وعلى صعيد العوامل والشروط فيخلص الكتاب إلىوجود " عوامل وشروط متعددة تساهم في فهم جاذبية التنظيم للنساء، تتمثّل أوّلاً وجود "مشروع سياسي" بديل، عن الحياة الغربية الحداثية التي تعيش فيها الفتيات الغربيات، وعن الأنظمة العربية العلمانية. وهذا مشروع – أي دولة داعش-هوالمفتاح الرئيسي، من وجهة نظرنا، في تفسير صعود النسائية الجهادية، لأنّه يرتبطبقضية الهوية. فالفتيات الأوروبيات والغربيات، من أصول إسلامية وغربية، يبحثن عن مشروع ينسجم مع أفكارهن وعقائدهن ورؤيتهن لهويتهن الدينية، بدلاً من الحداثة الغربية، وهو ما وفّرته الدعاية الإلكترونية في للتنظيم عن يوتوبيا الخلافة والدولة الإسلامية والمدينة الإسلامية الموعودة، التي لا تحتوي على "أمراض الحداثة"، في فكر هؤلاء الفتيات. فأزمة الهوية الإسلامية سهّلت الطريق أمام دعاية التنظيم الإعلامية، وعزز ذلك كله قدراته وكفاءته على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويفترض المؤلفان إلى أنّ" أغلب الفتيات لم يذهبن إلى هناك من "أجل الشهادة" فقط؛من أجل أن يقتلن، بل من أجل الحياة قبل ذلك. ذلك لا ينفي الجانب الآخر، أي رغبة نساء وفتيات في القتال والقتل، طمعاً في الوصول إلى "مرتبة الشهادة"، وهي مرتبة دينية رمزية في الثقافة الإسلامية. لكن من الواضح أنّ غالبيتهنّ كنّ يبحثن عن مجتمع بديل أكثر انسجاماً مع رؤيتهن للدين".
" يعزّز هذا الجانب الأزمة السياسية العربية الراهنة، والشعور بالضعف والإحباط وخيبة الأمل لدى نساء كثيرات مما يحدث في سوريا، ومن الذل الذي تعيش فيه المجتمعات والشعوب العربية، ومن غياب قوة عربية إسلامية "سنيّة"(أصبح مصطلح"السنّية"أساسياً اليوم مع التمدد الإيراني الذي يوظّف المذهب الشيعي) تقوم بالدفاع عن المجتمعات والشعوب، فقدّم تنظيم الدولة نفسه بديلاً لملء الفراغ السياسي العربي".
ويلاحظ المؤلفان " كيف تبادلت العوامل العاطفية والدينية والسياسية التأثير في تشكيلنقطة التحوّل لدى النماذج السابقة، فهنالك من النساء من كان مدخلهنّ للسلفية الجهادية هو الجانب السياسي، أي الشعور بالقهر من الذل من الهزائم، والذي بدأ لدى بعضهن مع حرب الخليج الثانية 1991 (مثل فتيحة المجاطي)؛ وكثيرات تأثّرن بالأزمة السورية الحالية. وهنالك في المقابل من النساء من كان مدخلهن دينياً أو روحياً، مثل حسناء بولحسن ومليكة العرود، أي الشعور بالحاجة إلى الانتقال من حياة لادينية إلى حياة دينية، وهنالك حالات كان المدخل فيها إنسانياً، مثل الطبييات السودانيات، وأخريات كان مدخلهنّ هو البحث عن المشروع البديل للحداثة الغربية، وهنالك أسباب مرتبطة بأزمات عاطفية".
بالنتيجة " في كل الحالات يمكن أن نتلمس موضوع الهوية، فالأزمات السياسية والذل والهوان والمداخل الإنسانية والعاطفية والروحية كلها وجوه متعددة لسؤال الهوية بأبعاد متنوعة ومتعددة، وقد ضرب التنظيم على الأوتار الحسّاسة لهذا السؤال عبر استنطاقه "الهوية المتخيلة" عن المجتمع المسلم الذي يحكم بالشريعة، والحياة الروحية المريحة، ورضوان الله، والشهادة، وإقامة الخلافة، والدفاع عن المسلمين، ومواجهة الصليبيين والشيعة وإيران والأنظمة العربية الفاسدة، فكل هذه العناوين يمكن أن نجدها في كتاب الهوية وفصوله وأبوابه المختلفة والمتعددة".
يشار إلى أنّ الطبعة العربية الحالية من الكتاب ستتبعها طبعتان انجليزية وألمانية، إذ بدأت ترجمته ومن المتوقع صدور تلك الطبعات خلال العام الحالي.