"طبول الحرب" بين أعمدة الرأي والمقالات
سترعي انتباه متصفح زوايا المقالات في الصحف اليومية بأعدادها ليوم الخميس، (أي بعد يومين من حادثة "هجوم الركبان")، تردد كلمة "حرب"، أو "حالة الحرب" التي يخوضها الأردن ضد الإرهاب، وإبراز كتابها لها في عناوينهم.
فالكاتب عريب الرنتاوي، يكتب مقالا بعنوان "هي الحرب، ولا خيار سوى الانتصار"، حيث يشير إلى أن العدو جاء في هذه الحادثة من الخارج، معلنا حربه رسميا، وليست خلايا متعاطفة، نائمة أو يقظة، ولا هي “ذئاب متوحدة”، بل سيارة مفخخة يقودها انتحاري، في تجسيد لقرار رسمي رفيع المستوى، يدرج الأردن في قلب دائرة استهدافاته.
ويرى الرنتاوي في ذلك "رسالة لا تخفى مراميها على أحد، حتى وإن صدرت عن عدو مأزوم، متآكل ويائس، يسعى في التعويض عن خسائره الميدانية، بمقارفة جرائم استعراضية، لا لشيء إلا لتأجيل موته المحتم".
ويضيف الكاتب أن "الجريمة النكراء، التي تثبت صحة مخاوفنا وجدية شكوكنا حيال ما كان ينتظرنا عند ذاك الركن القصي في شمال شرق بلادنا، تحللنا من أي حرج في تقديم أمننا الوطني ومصلحتنا الوطنية، على أية حسابات واعتبارات أخرى".
ويخلص الرنتاوي إلى أن علينا من الآن فصاعدا، "ألا نكتفي بمطاردة هؤلاء المجرمين في الداخل، بل وأن نمنع وصولهم إلى الداخل، وأن ننقل الحرب على “ملاذاتهم الآمنة”، وأن نشحذ التفكير في تنويع أدوات قتالنا ووسائل حربنا عليهم، وأن نشرع في تنويع تحالفاتنا".
كما يعنون الكاتب حسين الرواشدة مقاله "نحن في حرب : هذه هي الحقيقة..!!"، والذي يلفت فيه إلى أن عدم إعلان تنظيم داعش أو غيره من التنظيمات "الإرهابية" مسؤوليتها عن العملية، لا يعني أن أصابع "داعش" أو التنظيمات التي بايعته بعيدة عن هذه الجريمة.
ويشير الرواشدة إلى ثلاث حقائق لفهم ما حدث, الأولى أن بلدنا أصبح هدفا مباشرا للتنظيمات الإرهابية, بما يعني أننا في “حرب “ حقيقية ومفتوحة مع الإرهاب، والثانية هي أن أي مواجهة ضد هذه الموجة من الإرهاب , تحتاج إلى مصارحة مجتمعنا بأننا نخوض حربا شرسة, وتطوير مقاربتنا العسكرية والأمنية والسياسية.
أما الحقيقة الثالثة فلها بعدان, الأول يتعلق بالتحولات التي تجري في المنطقة والتغيرات التي طرأت على استراتيجية "داعش" والتنظيمات الإرهابية المساندة لها، والثاني يتعلق باختيار التوقيت "شهر رمضان"، واختيار المكان "مخيم لجوء ومنطقة فاصلة قريبة من الحدود السورية العراقية الأردنية".
وينضم الكاتب حمادة فراعنة، إلى زميليه ليعنون مقاله بـ"الأردن في حالة حرب"، إذ يؤكد على وهم من يعتقد أن الأردن ليس في حالة حرب، مثله في ذلك مثل العديد من الدول العربية "المبلية" بالأصولية والتطرف والإرهاب.
ويلفت فراعنة إلى أن الأردن في سبيل الحفاظ على أمنه الوطني يخوض حرباً عملية على جبهتين : الأولى: عشرات محاولات التسلل عبر الحدود، تم إحباطها من قبل قوات حرس الحدود والقوات المسلحة، والثانية : حرباً داخلية في مواجهة خلايا نائمة أو كامنة ، نجحت في بعض الحالات الفردية كما حصل في معسكر الملك عبد الله للتدريب الدولي في الموقر العام الماضي، وكما حصل في البقعة قبل أسبوعين.
ويرجح الكاتب موسى شتيوي، أن نكون بعد هجوم الركبان، أمام مرحلة جديدة في الحرب على الإرهاب، لا بل بالتعاطي مع الأزمة السورية وأزمة اللاجئين السوريين تحديداً.
ويوضح شتيوي بأن الإرهاب، وتحديداً تنظيم "داعش"، لم يخفِ عداءه الدائم للأردن، لكن يبدو أنه، ونتيجة للخسائر التي بدأ يتلقاها في العراق وسورية، قد أخذ بتغيير تكتيكاته باتجاه استهداف الأردن مباشرة.
فـ"تنامي التهديدات الإرهابية وتراجع الدعم الدولي للتعامل مع الأزمة، لابد أن يؤديا إلى مراجعة شاملة للتعامل مع الأزمة السورية، تأخذ ثلاثة أبعاد رئيسة: أولها، مقاربة جديدة للتعامل مع الأزمة، بما فيها إعادة مراجعة دقيقة للتحالفات الحالية، والثاني، يرتبط بالسياسة المتبعة نحو اللاجئين السوريين، وإلغاء سياسة الباب المفتوح، والاستعاضة عنها بسياسة مدروسة.
أما البعد الثالث، فهو العسكري والأمني الذي قد يتطلب سياسة جديدة أكثر انخراطاً في محاربة هذا التنظيم خلف الحدود، إضافة إلى التحصين الداخلي، وعلى الحدود، ضد مخططاته.
كما يرى الكاتب رحيل غرايبة، أننا لا نملك في الأردن ترف الوقت، وليس بمقدورنا ممارسة الانتظار المفرغ من الإعداد والاستنفار بكامل الطاقة نحو مواجهة الظروف الصعبة والاستعداد للأسوأ، من خلال الأخذ بأسباب القوة اللازمة لتجاوز المحنة بكل ثقة واقتدار.
ويؤكد غرايبة على ضرورة التوافق على رؤية موحدة تجمع كل أطراف الدولة ومؤسساتها في بوتقة واحدة، لأن رؤية الحكومة واستراتيجيتها لن تجد فرصتها المثلى نحو النجاح إلّا من خلال حاضنة شعبية والتفاف جماهيري عارم، دون إنقسام داخلي ودون مناكفة ودون تغريد خارج السرب.
فيما ترى الكاتبة جمانة غنيمات، أن زوال الوجود التنظيمي لـ"داعش" في سورية والعراق، إن صحت قراءات وتحليلات كثير جداً من الخبراء، لا يعني أن الأردن سيرتاح، بل قد يكون ذلك مدعاة لمزيد من القلق، وبالتالي حافزاً لمزيد من الاستعداد لمواجهة الوضع الجديد المتوقع.
وتشير غنيمات إلى وجود آلاف الشباب الأردنيين المؤمنين بهذا الفكر المتطرف أو المتعاطفين معه على الأقل، وهنا مكمن الخطر، حيث سيشكلون تحديا أكبر من السابق، مع نهاية الحرب على التنظيم في كل من البلدين الجارتين.
و"يعني ذلك أن الحرب على الإرهاب طويلة ومضنية، وأن على الدولة، بعد عملية "الركبان"، الالتفات أكثر أيضاً إلى الساحة الداخلية، لأنه، وإن كان مطلوبا هزيمة تنظيم "داعش" في الدول المجاورة، إلا أن ذلك سيمثل حافزاً لتسلل عناصره إلى المملكة، والعمل ضدها".
وتؤكد الكاتبة أن الأردن يصبح، وسط أخطاء الساسة في الإقليم، تحت ضغوط أكبر، الأمر الذي يقودنا للحديث مرة أخرى عن معركتنا الفكرية ضد "داعش" وأشباهه، والتي لم تبدأ بعد، وإن بدأت، فإنها ما تزال قاصرة منقوصة الدسم والأدوات، وحتى الإرادة في بعض الأحيان.
كما يقول الكاتب محمد كعوش إن حزام النار يحيط بنا من كل الجهات، وقد اقترب اللهب، وهذا يتطلب المزيد من الحيطة والحذر والتأهب، على الحدود وفي الداخل.
ويشدد على أن "من الواجب أن نجعل من مواجهة الإرهاب معركة شاملة وعلى امتداد كل الجبهات الإعلامية والثقافية والسياسية والتربوية، وبالتالي تحصين الجبهة الداخلية بتفعيل دور كل المؤسسات.