صحفيات وصحفيون خارج الأدوار النمطية

صحفيات وصحفيون خارج الأدوار النمطية

على مدى ثلاثة أعوام من عملها في القسم الرياضي في صحيفة الدستور، لم تُكلَّف الصحفية ريما العبادي بتغطية أي فعاليات رياضية أو بطولات، وانحصر عملها على تحرير الموادّ الصحفية من المكتب، بسبب "عدم ثقة الإدارة بقدرتها على القيام بذلك" كما تقول، الأمر الذي شكل لها تحدياً كبيراً لإثبات قدراتها في المجال الذي تخصصت به.

 

وتعتبر العبادي، رئيس قسم الرياضة سابقاً في صحيفة الدستور، من الصحفيات القليلات اللواتي برزت أسماؤهنّ في الصحافة الرياضية بالأردن، في الوقت الذي يستحوذ فيه الصحفيون الذكور على القطاع الرياضي في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمطبوعة.

 

وتعزو العبادي محاولات تهميشها أو الحدّ من توسعها في عملها الصحفي بالشأن الرياضي إلى عدم إيمان المؤسسات الإعلامية بقدرة المرأة على تغطية هذا القطاع، واعتبار أن الذكور أكثر معرفة بالمسائل المتعلقة بالرياضة، مؤكدة على أنه يتم التعامل مع الصحفية بناء على نظرة نمطية ما زالت طاغية، تقوم على قناعة بعدم مقدرتها على التعامل مع كافة القضايا الرياضية، كتحليل المباريات مثلاً، ومقارنة أدائها دائماً بالإعلاميين من الرجال.

 

وتتجه المؤسسات الصحفية في الغالب إلى تسليم الصحفيات تغطية الرياضات النسوية، وحصر مهامها في ذلك، وتُستبعد عن كرة القدم التي تعدّ الأكثر انتشاراً ومتابعة، كما توضح العبادي، علماً أنها طوال سنين عملها في القسم الرياضي لم تغطِ مباريات كرة القدم ولم تكتب تقارير عنها، وبقيت حكراً على الصحفيين الذكور.

 

ولا تعطى الرياضات النسوية الاهتمام ذاته في التغطية الصحفية مثل كرة القدم، حيث تحظى الأخيرة بحصة الأسد في التقارير الصحفية والبرامج الرياضية، بينما تخصص مساحات أو زوايا صغيرة للحديث عن الرياضات النسوية. وفقاً للعبادي، مشيرة إلى حرصها خلال عملها الصحفي الرياضي على الاستعانة بآراء خبيرات في المجال الرياضي، وتعزيز حضور النساء ومنحهن الفرصة للحديث عن إنجازاتهنّ.

 

في المقابل، تتدنى نسبة الصحفيين الرجال الذين يعملون على تغطية قضايا المرأة أو الأسرة، أو الطفل، والفئات المستضعفة أيضاً، على اعتبار أن النساء قادرات على التعبير عن قضاياهنّ، وعن الأمور المتعلقة بالأسرة بشكل أكبر، فغالباً ما يغادر الصحفيون مساحة العمل هذه.

 

الصحفي محمد شما، من الصحفيين القلائل المتخصصين في تغطية قضايا حقوق الإنسان في الأردن، وتعرض في بداية عمله لانتقادات واسعة من قبل زملائه، كونه يتابع ويكتب عن قضايا المرأة، باعتبارها من المواضيع "الخفيفة"، وليست قطاعات محورية كالسياسة والاقتصاد، بحسب قوله.

 

ويؤكد شما أن الصحفيين يحجمون عن العمل على القضايا الحقوقية بشكل عام، نتيجة الثقافة التي ترسخها سياسات التحرير المتبعة في المؤسسات الصحفية، والتي تقوم على تكريس النمطية في الأدوار والتخصصات بين الصحفيين والصحفيات، فأصبحت النظرة السائدة لملف حقوق الإنسان أنه ثانوي، فلا يلقى اهتماماً من قبل الصحفيين.

 

سياسات تعزز التنميط

النظرة النمطية التي تصطدم بها صحفيات في الرياضة، تنسحب على مختلف القطاعات الأخرى، إذ تميل غالبية المؤسسات الإعلامية إلى حصر أدوار الصحفيات في مجالات معينة، فيما تعطى الأولوية للصحفيين في المجالات الأخرى، كالسياسة والاقتصاد.

 

هذا ما أظهرته دراسة تقييم واقع عمل الصحفيات في مؤسسات الإعلام الأردنية، الصادرة عن منظمة دعم الإعلام الدولية (IMS) عام 2018، حيث يشهد القطاع السياسي حضوراً ضعيفاً للصحفيات المتخصصات بتغطيته، كما تتدنى نسبتهن في الاقتصاد، والطاقة، والرياضة، والصحة والخدمات، مقابل حضور بارز في القضايا الاجتماعية وقضايا حقوق الإنسان، ومن ضمنها قضايا الطفل والأسرة والمرأة، تليها بنسبة أقل الثقافة والفنون.

 

بلغت نسبة الصحفيات العاملات في مجال تغطية قضايا حقوق الإنسان (14%)، وفق ما أظهرته نتائج استبيان شمل 55 صحفية، ضمن دراسة واقع عمل وظروف الصحفيات في الأردن.

 

وتبين الدراسة أنّ اتجاه الصحفيات للعمل على قضايا حقوق الإنسان عائد إلى اهتمام منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية العاملة في هذا المجال بتعزيز مشاركة النساء في قطاعات العمل المختلفة.

 

 

حصر الصحفيات في قضايا المرأة والأسرة

وواجهت الصحفية ماجدة عاشور ذات المشكلة خلال عملها في وكالة الأنباء الرسمية بترا، إذ كانت توكل إليها مهام محصورة بقضايا المرأة والطفل والأسرة، وتغطية فعاليات المنظمات النسائية، بالإضافة إلى توليها إجراء الاتصالات الهاتفية بالضيوف من السيدات، ورغم أنها أحبت المجال كما تروي، لتسليط الضوء على مشاكل المرأة، وإنجازاتها وقدراتها، وكانت تعبر عنها باحترافية مقارنة بزملائها الصحفيين الذين كانوا يرتكبون أخطاء مهنية، أو يسيئون استخدام المصطلحات ولو عن غير قصد، لكنّ النمطية أثرت سلباً على تطورها، وحالت دون وصولها إلى مواقع ريادية حاز عليها الذكور "الأقل كفاءة"، وفقاً لها.

 

ودفع هذا الحال عاشور إلى اختيار التقاعد مجرد وصولها السن القانونية، كونها لا تجد تغييراً أو تقدماً في عملها، وترى أن التمييز بين الصحفيين والصحفيات في الأدوار والتخصصات مرده النظرة الشخصية لأصحاب القرار في المؤسسات الإعلامية المختلفة، وليس توجها عاماً.

وترى الإعلامية والعضو السابق في مجلس النواب الأردني رولي الحروب، بأن استمرار تنميط الأدوار يعززه سلوك إدارات التحرير نفسها، إلى جانب الواقع الذي يفرض نفسه، وخاصة  في القطاعات التي تتطلب التزامات متعددة كقطاع السياسة.

 

وتؤكد الحروب على وجود التمييز الجندري في الفرص والتخصصات المتاح للمرأة الصحفية تغطيتها، فمعظم المندوبين الصحفيين في رئاسة الوزراء والديوان الملكي على سبيل المثال، هم رجال، نظراً لما يتطلبه العمل في هذه المؤسسات من علاقات واسعة وسهر وسفر، وهو ما تجده الصحفية صعباً، كما توضح الحروب، مشيرة إلى أن المؤسسات الإعلامية تميل إلى تفضيل توكيل تغطية أخبار الديوان ورئاسة الوزراء للصحفيين، بينما يكون التفضيل في تغطية القضايا الاجتماعية للصحفيات.

 

في صحيفة الغد، يختص قسم "حياتنا" بنشر المواضيع المنوعة ذات الطابع الخفيف، المتعلقة بالصحة والرياضة والغذاء، وغيرها من المواضيع الحياتية، كما تعالج التقارير المنشورة فيه المشاكل الأسرية والعلاقات الاجتماعية، بالإضافة إلى قضايا الطفل والمرأة.

 

عمل في هذا القسم الذي تأسس عام 2014 بداية عدد من الصحفيين والصحفيات، ومع مرور الوقت، انسحب الصحفيون واتجهوا للعمل في أقسام أخرى أو مؤسسات أخرى، فأصبح يضم القسم حالياً عشرة صحفيات وصحفيا واحدا فقط، ويعود ذلك إلى النظرة السائدة بأن هذه الموضوعات من الشؤون التي يسهل على الإناث التعامل معها، ولا تحتاج مجهوداً كبيراً، بينما يتجه الذكور إلى تغطية أعمق وأوسع.

 

وينطبق الحال في قسم حياتنا بصحيفة الغد على الأقسام في الصحف الأخرى التي تختص بهذا النوع من المواضيع، والتي عادة تهدف إلى جذب القراء الباحثين عن القصص أو الحلول المرتبطة بمشاكل معينة، وغير مهتمين بالسياسة أو الاقتصاد.

 

وقد سعت صحفيات من العاملات في أقسام المنوعات إلى الانتقال للأقسام الأخرى بدافع تطوير عملهنّ، فالصحفيات في أقسام المنوعات تبقى فرص تقدمهنّ ضعيفة.

 

ووفقا لدراسة تقييم واقع عمل الصحفيات في الأردن، يظهر الفرز التنميطي بصورة أكبر في الصحف اليومية، والمؤسسات الإعلامية التي يعمل فيها عدد كبير من الصحفيين، لكنه أقل حدة في المواقع الإلكترونية والإذاعات، نظراً لقلة عدد الصحفيين والصحفيات التي تقوم عليهم المؤسسة، فلا تتبع الإدارات فيها منهج التقسيم الجندري في تغطية القطاعات، إذ يتحمل العاملون فيها مسؤولية تغطية مختلف المجالات، ومن ضمنها القضايا السياسية.

 

أضف تعليقك