سورية.. من انطلاق "الشعلة" إلى الانسحاب الروسي
لا يمكن وصف التطورات التي مرت على الأزمة السورية سوى بالتحولات الدراماتيكية، منذ انطلاق أولى الاحتجاجات الشعبية في آذار عام 2011، التي رفعت شعارات العدالة والكرامة، وصولا إلى كافة التداخلات الإقليمية والدولية التي زادت المشهد السوري تعقيدا مخالفا لما جرى في دول "الربيع العربي".
الكاتب عريب الرنتاوي، يشير إلى الجدل الذي لم ينقطع منذ انطلاق شرارات الأزمة السورية حولها: ثورة أم مؤامرة، خلال خمس سنوات عجاف لم تكن كافية لتبديد الاستقطاب وردم الفجوات في مواقف الأطراف المختلفة.
ويرى الرنتاوي "أنه ما من أزمة أو ثورة من أزمات المنطقة وثوراتها، أثارت وما تزال تثير هذا القدر من الاختلاف والشقاق، الذي لم تقف حدوده عند حدود بلد معين، أو تيار سياسي فكري محدد، فقد جاء عابراً للأقطار والتيارات، وأحياناً للطوائف والمذاهب، بقدر ما جاء عاصفاً ومدوياً، ذهب بتحالفات وائتلافات، وأعاد رسم خطوط جديدة لاصطفافات القوى وانحيازاتها".
ويرجع الكاتب هذه "الخصوصية" إلى عدة أسباب، أولها: أن مساري “الثورة” و”المؤامرة” قد تلازما وتزامنا منذ اليوم الأول للحدث السوري، وثانيها، أنها واحدة من أطول “الأزمات/ الثورات” التي عصفت بالمنطقة في سياق ما بات يعرف بـ “الربيع العربي”، أما ثالث الأسباب، فإنه ما من عاصمة إقليمية أو دولية، ذات صلة بأيٍ من نزاعات المنطقة وصراعاتها العديدة، إلا وكان لها “إصبع” في هذه الأزمة.
"والمؤسف أن العالم لم يتوقف ملياً وطويلاً، أمام مناسبة مرور خمس سنوات على هذه الأزمة، مفترضاً على ما يبدو، أنه من المبكر إجراء مثل هذه الوقفات، فالأزمة ما زالت مستمرة، وخط نهايتها لم يلح بعد في الأفق، وبرغم “الفرصة” التي لاحت مؤخراً بإمكانية حلها، إثر انطلاق مسار فيينا جنيف و”دبلوماسية الصدمات” الروسية”، إلا أن “التشاؤم” ما زال سيد الموقف في عند الحديث عن مستقبل سوريا ومآلات أزمتها الوجودية العاصفة"، يقول الرنتاوي.
الانسحاب الروسي ونقطة التحول
ويذهب النائب هايل الدعجة، إلى أن الجو العام الذي رافق الأزمة السورية في ظل التدخلات الإقليمية والدولية ، قد قاد إلى تأزيم الموقف وتعقيده بطريقة أثارت الشكوك حول حقيقة الأهداف من وراء هذه التدخلات التي أسهمت في اتساع نطاق الصراع والتهديدات والمخاطر المرتبطة به.
ويضيف الدعجة أن المنطقة كانت تبدو وكأنها مقدمة على لحظة انفجار حقيقية تنذر بوقوع كارثة خطيرة، الأمر الذي جعل من الدفع باتجاه الحل السياسي وتكثيف الجهود السلمية الخيار المفضل لدى كافة الاطراف، وهو ما دفع روسيا إلى اتخاذ خطوتها المفاجئة، وانتقلت من العمل العسكري إلى العمل السياسي.
ويشير إلى أن قرار موسكو بسحب قواتها من سورية، جاء لتعزيز فرص نجاح مسار مفاوضات جنيف التي انطلقت الأسبوع الماضي، استنادا الى مقررات جنيف ( 1 ) حول الانتقال السياسي، وتشكيل هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة، "خاصة أن روسيا أدركت أنه لا إمكانية لعودة الأوضاع في سورية إلى ما قبل عام 2011.
أما الكاتب فهد الخيطان، فيرى أن جولة المفاوضات الأخيرة في جنيف بين أطراف النزاع السوري، لم تحقق أي اختراق جوهري، إلا أنها لم تسجل في الوقت ذاته "انتكاسة"، فجاءت نتائج المداولات ضمن سقف التوقعات المتواضعة أصلا.
ويؤكد الخيطان أن القرار الروسي بالانسحاب "الجزئي" من أرض المعركة كان حاسما لجهة امتثال الطرفين لقواعد العملية السياسية كخيار لا بديل له لتسوية الأزمة.
كما ساهم إعلان كرد سورية تبني النظام الفيدرالي في المناطق الشمالية، في إدراك الطرفين لحجم المخاطر التي تنتظر سورية في حال استمر الصراع من دون حل سياسي، فكان لافتا اتفاق الطرفين، وللمرة الأولى، على موقف مشترك حيال شأن استراتيجي يخص مستقبل سورية.
إلا أن الموقف الروسي وما يقال عن تفاهم أميركي روسي مشترك، يبقى العنصر الحاسم في المرحلة المقبلة، فإذا كان التدخل العسكري الروسي قد أنهى آمال المعارضة السوري بإمكانية إسقاط النظام السوري، فإن قرار بوتين المفاجئ بالانسحاب، جعل الحل السياسي الخيار الوحيد المتاح أمام النظام.
ويتوقع الكاتب أن تشهد الجولة المقبلة من المفاوضات، تمكن الوسطاء من تقريب وجهات نظر الطرفين للاتفاق على جدول أعمال للمفاوضات، وهي خطوة مهمة وأساسية، سيترتب عليها الكثير من الخطوات في المستقبل، أما العامل الحسم في تقدير فرص النجاح أو الفشل، فهو مدى الالتزام بقرار وقف إطلاق النار.
ويختتم الخيطان بالقول "ليس ثمة شيء مؤكد بعد، لكن الدلائل المتوفرة حاليا تشير إلى أننا نقترب من نقطة التحول في سورية؛ لحظة كانت حتى أسابيع قليلة بعيدة جدا، بل ومستحيلة، لكن القرار الروسي قلب كل التوقعات، وأحيا الآمال بقرب نهاية الأزمة الدامية في سورية".