تعديلات دستورية وصلاحيات وازدواج جنسية

تعديلات دستورية وصلاحيات وازدواج جنسية
الرابط المختصر

شهد الشارع الأردني و"الدوار الرابع" خلال الأيام الماضية، تحولات متتالية على الصعيد السياسي، قد تشكل منعطفا للتاريخ المحلي، بدءا من إقرار قانون العقوبات الجديد، وصولا إلى إجراء تعديلات دستورية باتت بين يدي مناقشات مجلس الأمة، والتعديل الوزاري الذي طال وزارتي الداخلية والشؤون السياسية والبرلمانية.

 

المحامي عمر العطعوط يصف مشروع التعديلات الدستورية الجديدة، بالعبث الذي يضاف إلى ما سبقه بالمبادئ ‎التي يستند إليها الدستور الأردني وبنظام الحكم السياسي للمملكة القائم على النظام النيابي الملكي الوراثي.

 

ويوضح العطعوط أن "هذه التعديلات تعطي للملك صلاحيات منفردة بتعيين رئيس وأعضاء مجلس الأعيان، ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية، ورئيس المجلس القضائي، ومدير الدرك، بالإضافة إلى صلاحياته المنفردة بتعيين رئيس هيئة الأركان المشتركة ومدير المخابرات العامة".

 

ويشير إلى أن هذه التعديلات تشكل "توريطًا غير بريء للملك وللملكية في الأردن"، وقد تؤدي إلى إظهار الملك مسؤولاً أمام الشعب عن أية أخطاء ترتكبها تلك الجهات، وهذا ما يخالف مكانة الملك الدستورية باعتباره رأس الدولة وليس رئيسا للسلطات.

 

كما "تشكل ضربة للنظام البرلماني الذي يستند إليه دستور المملكة، القائم على مبدأ أن الأمة هي مصدر السلطات وأن الملك مصون من كل تبعة ومسؤولية".

 

فـ"الملك يمارس صلاحياته من خلال إرادة ملكية يجب أن تكون موقعة من مجلس الوزراء، أي أن القرار يصدر فعليًا عن الحكومة ويسبغ الملك إرادته عليه لمنحه الرمزية بما تعنيه تلك الإرادة من ثقة يمنحها رأس الدولة كالمباركة"، يقول العطعوط.

 

ويلفت العطعوط إلى أنه ورغم واقع الحال اليوم في الأردن أن الملك هو الذي يعين مدير المخابرات ورئيس هيئة الأركان المشتركة بإرادته المنفردة، وكذلك الحال بالنسبة لمدير الدرك ورئيس وأعضاء مجلس الأعيان ورئيس السلطة القضائية، إلا أن استمرار الشكل الدستوري الأصلي على الأقل ضروري للحفاظ على الدستور من العبث، كما يشكل تطبيقًا لقاعدة تلازم السلطة والمسؤولية.

 

وينتهي المحامي إلى القول "إن هذا العبث بالدستور معيب لبلد عرف النظام البرلماني منذ أوائل الخمسينيات، وهؤلاء العابثون بالدستور الأردني هم بالضرورة ضد البلد والملك والدستور".

 

أما الكاتب سامح المحاريق، فيرى أن "أزمة التعيينات" التي احتدمت بين السلطتين التشريعية والتنفيذية مؤخرا، كانت دافعا أساسيا للتسريع في عملية إجراء تعديلات دستورية من شأنها أن تؤسس لفصل السلطات من خلال تقييد قدرة رئيس الحكومة على الاجتهاد في أسماء بعض شاغلي الوظائف العليا والمؤثرة في الدولة.

 

ويضيف المحاريق بأنه "لا يمكن الحديث، عمليا، حول رغبة ملكية في الحصول على صلاحيات أوسع، فالنظام السياسي في الأردن يعطي الملك القدرة على التعاطي مع مسألة التعيينات ذات الطبيعة الخاصة بصورة لا تتطلب إجراء هذه التعديلات".

 

فـ"التعديلات الدستورية الأخيرة أخذت صورة تصحيح المسار لمعالجة الاختلال، والمطلوب في المقابل أن تترافق بمرحلة من التعزيز للحكومة والبرلمان على السواء، وذلك ضمن الحدود الجديدة التي ستجعل من المتعذر على الطرفين التحالف أو التنازع إلا ضمن حدود الأصول القائمة والمستندة إلى مرجعية الملك، وهذه المرحلة ربما تمتد سنوات".

 

ويختم المحاريق مقاله بالقول أإن "الملك يفتح الطريق ويسد الذرائع على السلطتين التشريعية والتنفيذية، ولكن يبقى الاهتمام ضرورياً وملحاً بتكوينات الحياة الحزبية لأنها وحدها، ومهما كانت عيوبها ونقائصها الراهنة، تستطيع أن تستوعب الإصلاح السياسي في محيطه المجتمعي".

 

فيما يرى الكاتب عبد الله المجالي، أن المشكلة ليست في مشروعية التعديل، إلا أنهيلفت إلى طرح فئة من الشعب تعديلا دستوريا لتهاجمها كل "مليشيات" الإعلام الجاهز للردح، ومنها وسائل إعلام حكومية، "وعندما جاءت التعديلات الدستورية "من فوق" صفق الجميع، وأذعن الجميع، ووافق الجميع.

 

ويؤكد المجالي أن الدستور هو أسمى منظومة قانونية في الدولة، وهو أبو القوانين ومرجعيتها، وإذا كان الأمر كذلك، فلا أقل من أن تعطى فرصة كافية لمناقشة التعديلات، وألا يفاجأ بها الرأي العام، ثم ترسل إلى مجلس النواب بصفة الاستعجال.

 

فـ"من حق الرأي العام أن يطلع على التعديلات المقترحة، لا أن يفاجأ بها، ومن حقه أن يعرف الأسباب الموجبة لهذه التعديلات، ومن حقه أن يتداولها ويناقشها، ومن ثم تسير في مسالكها التشريعية حتى تأخذ الموافقة النهائية".

 

أما التعديلات الجديدة ذاتها، فالبعض يرى أنها لا تغير شيئا مما جرى عليه العرف منذ عشرات السنين، بل تدستر ذلك العرف، و"عندما جرى تعديل الدستور، توقع البعض أن يكون ذلك مقدمة للحكومة البرلمانية، فيما بقي فريق يقول إن المقصود بالتعديلات الجديدة هو توزير مزدوجي الجنسية، وأن التعديلات الأخرى زجت لتمرير هذا التعديل الخطير، بحسب المجالي.

 

ازدواج الجنسية

يذهب الكاتب رحيل غرايبة، إلى أن التعديل الدستوري الذي طال المادة التي كانت تنص على حرمان من يتمتع بجنسية أجنبية من تولي بعض المناصب السيادية في الدولة مثل النواب والأعيان والوزراء، يظهر هناك توجها  بإزالة هذا العائق أمام تولي أصحاب الجنسية المزدوجة لهذه المواقع المهمة والخطيرة على مستوى الدولة.

 

ويشير غرايبة إلى وجود رأي يذهب إلى ضرورة التعديل، من أجل عدم حرمان الدولة الأردنية من بعض الكفاءات والعقول والخبرات المهمة، مؤكدا في الوقت نفسه على ضرورة توضيح الجوانب الأخرى لهذه المسألة التي تستحق الحوار ومزيدا من الجدل الفكري والقانوني والسياسي.

 

أما الدول الكبرى والمتقدمة، فلم تر بأساً في ازدواجية الجنسية لدى بعض أفرادها، على اعتبار أن جنسيتها أعظم وأكبر من أي جنسية أخرى كما أنها تطغى على الجنسيات الأخرى؛ ما يجعل كثيراً من أتباع الدول الضعيفة يبادرون إلى الانسلاخ من هوياتهم وجذورهم الأولى من أجل الالتحاق بالدول القوية والمتقدمة، ويفتخرون بهذه التبعية، يقول غرايبة.

 

ويوضح الكاتب أنه عندما تم إثبات حرمان أصحاب الجنسيات المزدوجة من تولي المناصب السيادية في النسخة الأولى من الدستور، كان يقصد به أن يكون الولاء لدى أصحاب هذه المواقع للدولة وشعبها وأرضها ومستقبلها لا يعلوه أي ولاء آخر لأي جهة أخرى، مشيرا إلى استقالة عدد من أصحاب هذه المواقع حفاظا على جنسيتهم الأجنبية باعتبارها أولوية بالنسبة لهم.

 

ويؤكد غرايبة على ضرورة اشتراط الولاء الواحد للدولة لمن يحتل هذه المواقع السيادية، "فلا يجوز التساهل مع من يحتل موقع المسؤولية في إدارة الدولة في مختلف المجالات التشريعية والتنفيذية والقضائية.

 

أما الكاتب عصام قضماني، فيرى أن التعديل السابق للمادتين 42 و75 من الدستور المتعلقتين بازدواجية الجنسية، كان فيه  كثير من التعجل  المدفوع بالمواقف المسبقة واستهداف شخصيات وطنية بعينها.

 

ويشير قضماني إلى أن الجدل الذي أثير في ظروف غير طبيعية آنذاك حول دور مزدوجي الجنسية من الأردنيين , جانب المنطق إذ اعتبر أن هذه الشريحة من أبناء الوطن مزدوجي الولاء وهذا ليس صحيحا, لأن فيه من التجني والمزاودة على وطنية وإخلاص البعض ما أضاع على البلد خبرات مهمة فضلت في ظل الحرب والتشهير، الانسحاب من المشهد العام  .

 

وينتهي الكاتب إلى القول إن مزدوجي الجنسية "ليسوا  مشبوهين يجب إستئصالهم, و مجرد نظرة واحدة على المستقبل, سيكون الأردن ممتلئا بشبابنا الذين أرسلناهم للدراسة في الغرب والشرق عائدين بخبرات وكفاءات ومعها جنسيات تلك الدول".