المشهد السوري وانعكاساته على الأردن
يتصدر الحدث السوري بكل مفاصله وتطوراته، عناوين وكالات الإعلام والأنباء، بما يتبعه ذلك من قراءات وتحليلات لكتاب الرأي، مع إثارة التساؤلات حول الدور الأردني في هذا الحدث، وانعكاساته عليه.
الكاتب حسين الرواشدة، يرى أن "الحرب" التي توشك على الاشتعال، "سواء أكنا طرفا فيها أم لا، فإن شرارها أو دخانها سيصلنا، وعليه فإن من واجبنا أن ننتبه، ليس فقط لأن الحذر واجب، وإنما لأن التاريخ الذي انفجر في منطقتنا لن يكون بعيدا عنا".
ويشير الكاتب إلى تطور "الحرب" في سورية، من صراع بين أطراف محددة بأهداف معلنة بين حفاظ على نظام أو إسقاطه، إلى حرب شبه "أممية"، تتصارع فيها مصالح الدول وجيوشها، قد تجرّ الجميع، بلا استثناء، إلى حافة الهاوية.
ويصور الكاتب المشهد ما بين غرب "متفرج" و"ومحرض"، مع وجود معسكرين في الميدان، أحدهما تمثله روسيا وإيران والنظام السوري وحزب الله، والآخر تمثله السعودية وتركيا وربما تنضم إليه دول عربية وإسلامية، في ظل انسداد القنوات الحل السياسي.
ويسجل الرواشدة ثلاث ملاحظات على هذا المشهد، أولها أن الحرب البرية التي تهدد بها السعودية تبدو خيارا جديا وليس مجرد تهديدات لتحسين شروط التفاوض على الطاولة، وثانيها أن ساعة الحسم في سورية اقتربت ، حيث تمكنت موسكو وطهران من ضبط الإيقاع الحربي لمصلحة النظام ، إضافة إلى أن ثمة تفاهمات روسية أمريكية حول مستقبل سورية "والمنطقة عموما".
أما الملاحظة الثالثة فهي أن الاردن، وسط هذه الأجواء الحربية يجد نفسه حائرا أمام خيارات معقدة، فهو على ما يبدو لا يريد أن يكون طرفا في أية حرب قادمة، كما أنه لا يريد أن يظل دوره محصورا في ملف اللاجئين فقط، مع عدم إمكانية بقائه متفرجا أمام النيران التي وصلت إلى حدوده.
ويخلص الكاتب إلى القول إن "تكلفة الانغماس في الحرب البرية أو الانحياز لأحد المعسكرين تبدو خطرة وفادحة، وهي غير ممكنة واقعيا، إلا اذا قرر الأردن تحت ضغط “بؤس” الخيارات أن يحسم موقفه ويتحمل كلفة انحيازه مهما كانت الخسائر، وهذا قد يحدث في حالة واحدة وهي أن يجد الأردن نفسه أمام دفاع عن الوجود وليس عن الحدود فقط".
أما الكاتب فهد الخيطان، فيذهب إلى أن الاهتمام الأردني يحتله ملفان أساسيان يتمثلان بالاقتصاد والأزمة السورية.
ويؤكد الخيطان على مدى ارتباط الملفين، "فأعراض الأزمة السورية أكثر ما تظهر على الاقتصاد، قبل الأمن والحدود، وتتجلى في انسداد الآفاق أمام الصادرات الأردنية، وتردد المستثمرين في القدوم إلى منطقة مشتعلة بالحروب".
وبعد استعراضه لأهم ملامح الأزمة الاقتصادية المحلية، يشير الخيطان إلى أن استمرار الحرب في سورية يعني استنزافا مستمرا للموارد والقدرات، ونفقات عسكرية وأمنية ولوجستية هائلة، وفوق ذلك المزيد من اللاجئين.
أما سيناريو "تقسيم سورية"، فيضع الأردن، بحسب الكاتب، أمام تحد جيو-سياسي خطير، لم نعهده طوال قرن من الزمن، فـ"وجود كيان إرهابي على مقربة من حدودنا يفرض علينا المشاركة الدائمة في الحرب الكونية ضد الإرهاب، ويعرض أمن مدننا لخطر مميت".
فـ"مشكلة الأردن مع الأزمة السورية أنه بلد صغير في الإقليم لا يستطيع التأثير بمجريات الأزمة داخليا، لكنه أكثر المتأثرين بها، يقف على الدوام في وضعية الدفاع عن النفس، ويختار المناطق الرمادية كي لا يدخل في صدام مكلف"، يقول الخيطان.
وفي جانب آخر من تأثير الأزمة السورية على المملكة، يلفت الكاتب محمد أبو رمان، إلى التحول المفاجئ من الحديث عن مساعدة الأردن، الذي نجم عن مؤتمر المانحين في لندن، لدعم الأردن على القيام بالاستمرار بمساعدة اللاجئين السوريين، إلى تغليب هاجس أو بعبارة أدقّ "فوبيا" ما يسمى توطينهم في الأردن.
ويرجع أبو رمان هذا التحول إلى انتقال الخطاب الأردني في موضوع الأشقاء السوريين من المنظور الطارئ للمساعدات؛ والمرتبط بتفكير قصير المدى ومؤقت، إلى منظور استراتيجي، يتأسس على المنظور التنموي والخدماتي والبنية التحتية في التعامل مع هذا الملف.
إلا أن المشكلة في الحديث عن "فزّاعة التوطين"، تتمثل بأنه يبالغ كثيراً في مخاوفه، وبالأحرى أوهامه، حتى يصبح الحديث عن الخطورة الحقيقية في هذا الموضوع أمراً ممجوجاً لدى الرأي العام ومجالاً للسخرية.
فـ"إذا كنّا إلى الآن لم نمنح أبناء الأردنيات المتزوجات من غير أردنيين "مزايا خدماتية" بسيطة، ونماطل ونعقّد التعامل مع الغزّيين، والحال نفسها مع الأردنيين الذين يحملون البطاقات الخضراء، الذين يحقّ لهم حق الإقامة... وضعت مؤسسات الدولة أقدامها بالحائط ورفضت هذا الأمر، فهل من السهولة أن نأتي اليوم و"نوطّن" الأشقاء اللاجئين السوريين؟!" يتساءل أبو رمان.