الصحفيات في النقابة.. تمثيل رمزي

الصحفيات في النقابة.. تمثيل رمزي

تقارب نقابة الصحفيين الأردنيين عامها الخامس والستين، منذ صدور قانونها عام 1953، سنون طويلة رغم ما حملت من إنجازات وتعاقبت خلالها مجالس نقابية متنوعة الأطياف، إلا أن حضور الصحافية الإعلامية خلال تلك السنوات من العمل النقابي، يبدو لم يرق لكسر قالب الحضور الخجول المتواري عن الإشراك الحقيقي لها، أو إفراد مساحة خاصة لبحث قضاياها بشكل خاص.

 

 

ذاك الحضور الخجول، انعكس بصورة واضحة على وجود المرأة الصحافية في العمل النقابي على مستوى مجلس نقابة الصحفيين، ومشاركتها في اللجان النقابية، وأثر على وصولها وتقدمها لمراكز قيادية إعلامية.

 

 

 

أرقام تصف الواقع

تقول نتائج دراسة حديثة تناولت تقييم واقع عمل الصحفيات في مؤسسات الإعلام الأردنية، ظروف عملهن وتواجدهن في مؤسسات الإعلام، "إن وسائل الإعلام ظلت على مدى السنوات ساحة شبه حكر على الرجال الذين يشكلون حاليا نسبة (77%) من أعداد العاملين فيها، ويهيمنون تقريبا على كل قياداتها ومواقع القرار فيها".

 

 

رقميا، تذكر الدراسة الصادرة عن منظمة دعم الإعلام "IMS"، أن مجموع الأعضاء والعضوات في النقابة 1229، منهم 260 عضوة، وبنسبة 21٪ تقريبا، وفقا للنقابة لعام ٢٠١٧. في حين يبلغ مجموع غير الأعضاء والعضوات 643، منهم 184 إعلامية وبما نسبته 28٪، بحسب مركز حماية وحرية الصحفيين لعام ٢٠١٥.

 

وتلفت الدراسة إلى أن تلك الأرقام انعكست على حجم حضور المرأة كمنتجة للمحتوى الإعلامي، أي كمراسلة أو مذيعة أو معدة للمحتوى الإعلامي أو ضيفة على البرامج الحوارية أو كمصدر تعزى إليه المعلومات في الأخبار، وما تبعه من تأثير على تواجد النساء في المواقع القيادية والأولى، وبالتالي مستوى تأثيرهن في صنع القرار.

 

 

وليس بعيدا عن نتائج الدراسة، أظهرت نتائج إنتخابات مجلس النقابة التي جرت في أيار 2017، ارتفاع نسبة التمثيل النسائي في مجلس نقابة الصحفيين للمرة الأولى في تاريخه؛ إذ وصل إلى 18%، فيما كان التمثيل النسائي في المجلس السابق 9%.

 

 

 

ما أسباب قلة الوجود النسائي في المجلس؟

انخفاض نسبة وجود صحفيات حتى في الهيئة العامة يبدو أنه مرتبط بنظرة مجتمعية ذات علاقة بوجود ومشاركة المرأة في الحياة العامة، والعمل الإعلامي والصحفي، ولا يظهر أن الأمر مختلف لدى نقابة الصحفيين، عن باقي القطاعات التي تعمل بها المرأة.

 

 

تظهر نتائج الدراسة التقييمية لواقع عمل الصحفيات في الأردن، أن المرأة واجهت ولا تزال جملة معيقات أدت إلى تحجيم دورها كإعلامية على مر السنوات، والحد من فرص تقدمها وتطورها على الصعيد المهني.

 

 

منوهة إلى أن تلك المعيقات التي تنبثق أساسا من دوافع تمييزية على أسس جندرية ضد المرأة الإعلامية، وتكون صريحة حينا، ومبطنة في أحيان كثيرة.

 

 

 

 

تجربة جديدة ..عضوتين في المجلس للمرة الأولى

انتخابات العام 2017 أفرزت وجود عضوتين صحافيتين في المجلس للمرة الأولى في عمر المجلس، من بينهن الصحافية هديل غبون، التي تطرح تساؤلا حيال الأمر: كيف ينعكس التمثيل على أرض الواقع، وعند اتخاذ القرارات، والمسائل المفصلية.

 

 

تعتقد غبون أن وجود صحافيتين انعكس على التمثيل النسائي في أغلبية اللجان؛ فبعيدا عن لجنة المرأة، توجد لجان هامة جدا وحرصنا أن تكون المرأة ممثلة بجميع اللجان، وأن تحظى بعضهن برئاسة تلك اللجان، من بين تلك اللجان لجنة التدريب التي تمت إعادة تشكيلها في مجلس النقابة، وهي لجنة مهمة جدا تترأسها الآن زميلة من الزميلات المتقاعدات.

 

 

بكل صراحة تقول غبون: "إن المجلس لم يستطع حتى اللحظة، أن يركز على قضايا الزميلات في مؤسساتهن، لم نصل لهذه لمرحلة لدفع وجودهن بشكل أقوى، أعتقد بوجود تقصير بهذا الجانب".

 

 

هل النساء تخوض تجربة العمل النقابي في المجلس، برغبة التخصص وفي طرح القضايا المتعلقة بالمرأة الصحافية، سؤال تجيب عليه غبون وفق تجربتها الشخصية؛ فتوضح: "لم أدخل للمجلس للتعامل بهذا التمييز، هنالك تمييز إيجابي وتمييز سلبي، طبيعة القضايا التي نواجهها في المجلس تحتم علينا في كثير من الأحيان التعامل مع الصحفية، دون النظر لمسألة الجندر". لكن ذلك لا يمنع غبون من القول: " نحن بحاجة للتركيز على بعض القضايا، من بينها إجراء دراسة متعلقة بأوضاع الزميلات في الهيئة العامة، ومقارنة أجورهن بنظرائهن من الزملاء".

 

 

تعتقد غبون أن بوجود صحافيتين عضوتين في المجلس دعم، لكنه ليس بالضرورة أن يكون متوافرا؛ إذ إن هنالك مجهود أكبر بأن تنتزع الواحدة منا في المجلس مكتسبات لزميلاتها وزملائها في الهيئة العامة.

 

 

 

تجارب واقعية سابقة

تروي العضو السابق في مجلس النقابة الصحافية سمر حدادين، تجربتها وبعضا من المواقف خلال فترة عضويتها، تكشف فيها عن غياب الاهتمام بقضايا المرأة على صعيد النقابة، وكيف تحتاج الصحفية العضو مساندة في مواقفها، لو فكرت بالتغريد خارج السرب الغالب.

 

 

حدادين خلال فترة عضويتها أعدت ورقة ورقة بحثية حول معيقات وصول المرأة الإعلامية لمواقع صنع القرار في الإعلام، وخلصت الورقة إلى أن المرأة الأردنية رغم أنها دخلت العمل الصحفي المقروء منذ سبعينيات القرن الماضي والمسموع والمرئي منذ انطلاقة الإذاعة والتلفزيون في الأردن، إلا أنها لم تحظ بفرصة الدخول إلى عوالم صنع القرار في الإعلام، إلا بحالات نادرة وحصلت لظروف وأسباب استثنائية. ولفتت الورقة البحثية المعدة من قبل حدادين إلى أن نسبة الإعلاميات في مجلس النقابة والمراكز القيادية، لا تتجاوز 1%؛ في الوقت الذي تمثل المرأة الربع من إجمالي عدد المنتسبين للنقابة.

 

 

 

كيف تلقى مجلس النقابة في حينها نتائج تلك الورقة، وهل ثمة وقفة للبناء على تلك النتائج، تجيب حدادين، "الموضوع لم يلق أي اهتمام لدى المجلس، ولم يتم النظر اليها بأي بعد سلبي أو ايجابي".

 

 

 

تتابع: " بالنسبة لهم الموضوع غير مهم، وليس من القضايا ذات الأولوية في عمل النقابة؛ إذ كان الطرح أن وجود المرأة في المجلس جائزة ترضية، وجيد وجود سيدة في المجلس، كانت هذه وجهة النظر العامة".

 

 

 

حدادين كانت العضو الوحيد في مجلس النقابة، وهو الأمر الذي تعتبره ليس سهلا، توضح حدادين: "وجود امرأة واحدة داخل المجلس ليس سهلا، كونها وحيدة تحارب على جبهة واحدة دون أن يكون لها مساندة؛ فالتنافس الكبير الموجود بين أعضاء المجلس قد يطحن الآخر، فماذا لو كانت إمرأة".

 

 

 

رغم كل ما واجهته من صعاب في عملها، وهي الصحافية المتخصصة بطرح قضايا المرأة، استطاعت حدادين تحقيق مكسب للصحفيات، يتمثل بشمولهن وعائلاتهن بالتأمين الصحي، وبموجبه تمكنت المرأة الصحفية من شمول والديها، أو عائلتها بالتأمين الصحي، وهو الأمر الذي لم يكن مطبقا في السابق، إلى جانب تمكين الصحافية حقها في الإيفاد ضمن بعثة الحج، بعد أن لم يكن لها ذلك بسبب حجة المرافق المحرم؛ إذ تم طرح الأمر مع وزير الأوقاف في حينها، واستعد للمساهمة بحصول المرافق على تأشيرة دخول.

 

 

تعتبر حدادين تجربة سابقاتها من عضوات دخلن مجلس النقابة، ولم يقمن بدورهن كما يجب، واكتفين بمجرد الوصول للمجلس، سببا في أن يسود الاعتقاد بأن تكون الصحافية العضو مجرد رقم بين الأعضاء في المجلس.

 

 

تدعو حدادين لدعم فكرة وجود أكثر من عضوة داخل المجلس، لكنه أمر يعتمد على الانسجام بينهن خاصة بالقضايا المتعلقة بالمرأة الصحافية، بهدف دعمها واتخاذ قرارات تساعد في تقدمها في مجال العمل؛ فوجود سيدة واحدة يجعل الوضع صعبا، خاصة إذا كان الزملاء غير مؤمنين بفكرة شراكة الصحافية، رغم أن العضو والعضوة وصلا بأصوات الهيئة العامة.

 

 

تعتقد حدادين أنه كلما ارتفع التمثيل النسائي داخل مجلس النقابة تمكنت العضو من أداء دورها بشكل أفضل وأقوى، بيد أنها تستدرك بقولها: "إن الصحافية حتى تملك دور فاعل داخل المجلس يفترض أن تكون ملمة بقوانين وأنظمة التي تحكم عمل النقابة والمشهد الإعلامي لحمايتها من الضغوط".

 

 

وفق حدادين، فإن العضو تحتاج للاستناد للقوانين، والتفكير بلجان مساندة للصحفية من قبل الصحفيات، أو من يدعم وجودها حتى عندما تواجه ضغوطا، إلى جانب أهمية التواصل دوما مع الهيئة العامة؛ لتكون الهيئة العامة على اطلاع ومعرفة بما يجري، خاصة عندما يتم التقييم ومحاسبة الأعضاء لمعرفة الأدوار التي قامت بها.

 

 

لجان حكرا على الرجال

غبون في حديثها لفتت النظر لحجم تفاعل الزميلات مع قضايا الهيئة العامة؛ على حد قولها: إن الزميلات في الهيئة العامة لا يشتبكن مع قضايا الهيئة العامة بنفس المستوى الذي يتعامل به الزملاء الصحفيين في الهيئة العامة، الأمر الذي يطرح تساؤلا: عما إذا كان ذلك سببا في انخفاض التمثيل النسائي داخل لجان نقابية يتصارع على عضويتها كثر من الزملاء باعتبارها لجان محورية وهامة في العمل النقابي، من بينها مثلا: لجنة الحريات.

 

 

 

 

في حال تمكنت الصحافية من المنافسة ودخول لجان محورية، ما هي المهام التي تتولاها، وهل تسند لها مهام مركزية في صميم عمل اللجنة.

 

 

عبير الرحباني إعلامية تمكنت من أن تكون عضوا في لجنة الحريات لأربع سنوات متتالية، اختارت تلك اللجنة كونها تقع ضمن دائرة اختصاصها المهني والأكاديمي؛ إذ إن لها مؤلفات تتحدث فيها عن الحريات الصحفية.

 

 

خلال فترة عضويتها، تقول الرحباني: "إنني لم أتول مهمة محددة في عمل اللجنة، التي أعدت تقارير سنوية بخصوص مقياس الحريات الصحفية؛ فالعمل كان جماعيا".

 

 

 

وحتى لا تواجه العضو بأي عمل بأي تمييز تحتاج لان تملك قوة الشخصية، والمعرفة والإلمام القانوني، والأفكار المتجددة لتطوير عمل اللجنة، إضافة للالتزام بمواعيد الاجتماعات، لافتة إلى أن عدم الالتزام بمواعيد اجتماع اللجان، من قبل البعض كان سببا في مغادرتها تلك اللجنة.

 

 

 

ورغم السنوات الأربع التي قضتها الرحباني في اللجنة، لم يكن في غايتها تولي منصب رئاسة اللجنة، وذاك مرده غياب الرغبة في تولي الرئاسة؛ إذ أظهرت التجربة العملية خلال المواقف التي يتعرض لها الصحفيون، أن من يتحدث وينطق للوسائل الإعلامية تعليقا على تلك المواقف مقتصر على نقيب الصحفيين، ويغيب عنها صوت رئيس تلك اللجنة، ولا يعطى الصلاحية في التحدث، الأمر الذي لا تراه صحيحا ولا ترغب أن تكون لأجله في موقع يهمش أدوارها ولا يمنحها صلاحيتها.

 

 

 

توضح الرحباني، أنها لم ترغب أن يقتصر تعليقها على الانتهاكات المتعلقة بالحريات الصخفية،فقط خلال اجتماعات اللجنة المغلقة، دون ان يكون لمواقفنا صدى في العمل؛ إذ ينبغي أن يكون لي دور فعلي وحقيقي في المكان الذي أتولى مهمته.

 

 

 

لجنة المرأة النقابية

من بين اللجان المتعددة التي يجري تشكيلها مع كل مجلس نقابي، أو في حال دعت الضرورة لإعادة تشكيلها مرة أخرى خلال فترة عمل المجلس، لجنة المرأة، والتي من المفترض أن تتولى بحث وطرح القضايا المتعلقة بعمل المرأة الصحافية، ومساندتها في التقدم وتعزيز حضورها، والاهتمام بكل ما من شأنه مساس حقوقها.

 

 

على مدار السنوات الطويلة، أظهرت التجارب اقتصار تلك اللجنة على العنصر النسائي، دون أن يكون لدى الزملاء الصحفيون رغبة في العمل ضمن اللجنة، على نحو يظهر هامشية اللجنة وغيابها عن التصنيف ضمن اللجان المركزية، التي يتنافس الزملاء على عضويتها.

 

 

 

على ذات الصعيد، فإن حضور اللجنة لم يكن سوا حضورا رمزيا غير فاعل على الساحة المهنية، ولم يجرؤ على طرح قضايا المراة الصحفية بقوة، أو طرح مواقف اتجاه القضايا المفصلية التي تتعرض لها الصحافية، أو حتى الخروج من الإطار الشكلي المقرر لتلك اللجنة عرفا.

 

 

 

تدرج الدراسة المتعلقة بتقييم واقع الصحفيات، تصريحات لرئيس لجنة المرأة في النقابة، ونائب مدير تحرير قسم المحليات في جريدة "الدستور"، كوثر صوالحة قولها: " إن نسبة وصول المرأة لصناعة القرار ليست مرضية"، مرجعة السبب على المرأة نفسها.

 

 

 

تقول: "إن مشكلة الصحافية أنها لا تشارك بمطبخ صنع الأخبار، وهنا لا ألوم المؤسسة، فلا يوجد لدينا صحافية في الدستور تستطيع استلام مدير مندوبين أو مدير محليات"، وتابعت "لا ألوم المؤسسة وإنما المرأة، لأن مطبخ الأخبار يبدأ من الساعة 3-12 ليلا، والمرأة غير قادرة على ذلك، وبالتالي هذا ليس ذنب المؤسسة، المشكلة في البيئة والمجتمع، وليست مشكلة مؤسسة، وتغيير ثقافة المجتمع تحتاج لسنوات".

 

 

 

بيد أنها تقر في ذات الوقت بأن "مهنة الصحافة ليست بيئة صديقة للمرأة، والصحافة لن تكون أبدا بيئة صديقة للمرأة"، كونها غير محكومة بساعات عمل محددة أو مصممة لتراعي احتياجات المرأة.

 

 

 

نقابة الصحفيين واحد من ضمن نقابات عدة تواجه فيها المرأة تحديات من أجل الوصول، وتبقى حظوة النسب الغالبة في المشاركة والعمل النقابي للرجل، كانعكاس لفكر مجتمعي سادت فيه الغلبة للذكور في تصدر المشهد، واعتبار مشاركة المرأة ما هي إلا ترفا، على نحو تسبب دوما في تراجع مشاركتها وانحصارها في أدوار تقليدية غير قيادية، لإكمال المشهد الذي يتسيده الرجل، فيما يستمر نضال الفعاليات النسائية في مجابهة التمييز الذي تتعرض له المرأة في المجتمع، على صعيد القوانين والأنظمة والتشريعات في كل قطاع.

أضف تعليقك