"السلطان" و"القيصر".. وخط أنقرة - تل أبيب
لم يقتصر المشهد الإقليمي خلال الفترة الماضية على التوترات الأمنية والتحولات العسكرية، إذ شهد حراكا سياسيا، وتغييرا مطردا بمواقف الدول الفاعلة في المنطقة، كان آخرها التطورات بين محطات: أنقرة- تل أبيب، وأنقرة-موسكو.
السلطان والقيصر:
الكاتب محمد أبو رمان، يتساءل إن كان "اعتذار" الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على حادثة إسقاط الطائرة الروسية قبل سبعة أشهر، وإعلانه عن اتفاق مصالحة وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، يعتبر "استدارة كاملة في السياسة الخارجية التركية؟ وهل سيترتب عليها إعادة نظر في الرهانات الأخرى".
ويعتقد أبو رمان أننا أمام "نصف استدارة" حتى الآن، مع الدول المهمة والفاعلة في المنطقة، مثل روسيا وإسرائيل، وربما إيران، مع إبقاء موقف تركيا العام تجاه الأزمة السورية ثابتاً، بعد أن وجد أردوغان نفسه غارقاً في بحر عداوات مع الأطراف جميعها؛ النظام السوري وإيران وروسيا وإسرائيل، ويضاف إليهم الأكراد وتنظيم "داعش".
فأردوغان أراد أن "يعيد تموضع تركيا"، لتخفيف حجم الضغوط الخارجية المتزايدة، مع عدم قدرتها على تحقيق رهاناتها الإقليمية على إسقاط النظام السوري ودعم "الربيع العربي"، وتصدير نفسها كقوة فاعلة للتعبير عن الإسلام السنّي، بحسب أبو رمان.
ويذهب الكاتب جهاد المنسي، إلى أن الأتراك وخلال أقل من أسبوعين، تراجعوا عن مواقف في قضايا مختلفة، هذا التراجع بات ملموسا داخليا وخارجيا، ويشير إلى أن السياسة التركية باتت تواجه مرحلة عصيبة داخليا وخارجيا، ما يكشف حالة تراجع تركي على أكثر من صعيد.
ويضيف المنسي، أن أنقرة عرفت، بعد امتداد لعبة العض على الأصابع مع موسكو لأشهر، أنها لا تستطيع تحمل الغضب الروسي، وليس لها القدرة على تحمل زعل "القيصر بوتين"، فآثر "سلطانها أردوغان" الاعتذار لـ"صاحب الكرملين".
أنقرة - تل أبيب
رغم "البرود الدبلوماسي" الذي شهدته العلاقات التركية الإسرائيلية إثر حادثة أسطول الحرية قبل ستة أعوام، إلا أن الكاتب أبو رمان، يشير إلى التقارير الصحفية التي تظهر أنّ العام 2014 سجّل ذروة التبادل التجاري بين البلدين.
ويدلل ذلك، وفقا لمعطيات تلك التقارير الصحفية، على أن أهداف الاتفاق الأخير سياسية، وليست اقتصادية فقط، مرتبطة باتفاق الغاز حصرياً.
أما الكاتب رشاد أبو داود، فيقول إن التطبيع التركي الرسمي والمعلن مع إسرائيل جاء بعد سنوات من حادثة مرمرة التي قتلت فيها اسرائيل ستة عشر تركيا كانوا على متن احدى سفن كسر حصار غزة، وهو الشعار الذي كان يرفعه اردوغان لعودة العلاقات مع إسرائيل، لكن اتفاق التطبيع تضمن رضوخا تركيا للشروط الاسرائيلية وليس العكس، على حد تعبيره.
"وكل ما جناه الغزيون من تركيا بموجب الاتفاق إقامة مستشفى، ومحطتي كهرباء، وتحلية مياه وعشرة آلاف طن من المساعدات الإنسانية ستمر عبر ميناء اسدود -بعد تفتيش امني اسرائيلي وحسب مزاج المجندة او الجندي المناوب"، يضيف أبو داود.
ويضيف الكاتب "لقد أسهم أردوغان في تفكيك سوريا وسمح لـ"داعش" أن تمر من مطار اسطنبول ومن الحدود لتمارس دورها البشع في لعبة التقسيم الدولية للدول العربية، وخلال السنوات الست الماضية لم تتوقف الاتصالات التركية الإسرائيلية تجارياً واقتصاديا.
الكاتب ماهر أبو طير، يشير إلى خفوت كل الأصوات المؤيدة لأردوغان في العالم العربي، التي ترى فيه منقذا ورمزا كبيرا، بعد اتفاقية التطبيع مع إسرائيل، وهو التطبيع الذي جرى باسم غزة وبذريعتها، لكنها الوحيدة التي لم تستفد منه، إلا إذا كان هناك ملحقا سريا لهذه الاتفاقية، وهذا مجرد احتمال قليل جدا.
ويقول أبو طير إن العلاقة السياسية بين أنقرة وتل أبيب بقيت متدهورة طوال السنوات الست الفائتة، إلا أنها لم تنقطع فعليا، إذ بقيت فاعلة على مستويات أخرى.
ويؤكد الكاتب أن اتفاقية التطبيع جاءت دون أن تحقق شيئا فعليا لغزة وأهلها، لكننا نتحدث عن فروقات الدوافع فقط، حيث بقي الحصار، حصار المعابر، وهو اخطر مافي وضع غزة، ومنع إعادة الإعمار، لافتا إلى أن كل ماخرجت به الاتفاقية لصالح إسرائيل فعليا.
وهذا يعني، بحسب أبو طير، أمرين أولهما أن الأتراك لم ينجحوا في المساومة على شروط أفضل، لأن اسرائيل ترفض، وأن المطلوب منهم عبر تأثيرهم على حماس، تنازلات أكبر، ليتم فك الحصار عن غزة، وهذه التنازلات قد لايكون بالإمكان انتزاعها من حماس، لاعتبارات إقليمية، وقد يكون حدثت تنازلات سرية، لانعرف عنها وعن نتائجها حتى الآن.
ورغم ذلك، فلا يمكن تحميل الأتراك مسؤولية المعاناة في غزة، فلم يكونوا السبب بها، إذ أن هناك الاحتلال أولا، ثم الانقسام الفلسطيني، والتأثيرات العربية والإقليمية، بخصوص حماس والإخوان المسلمين، وقضايا أخرى كثيرة، "في النهاية، مصلحة تركيا، فوق مصلحة أي طرف آخر"، يقول أبو طير.
ويرجح الكاتب أحمد عزم، أن الاتفاق التركي الأسرائيلي، قد يشكل إنجازا تركيا مهما، إلا أنه سيشكل بالمقابل مدخلاً قد يؤدي لإدامة أزمة غزة وتعميقها سياسياً، مع التخفيف من البعد الإنساني للمعاناة.
ويشير عزم إلى ما تضمنه الاتفاق الأخير من استئناف التبادل الدبلوماسي، وتعويضات إسرائيلية على خلفية ضحايا سفينة "مافي مرمرة" التركية، فيما تراجع الإسرائيليون عن طلب إغلاق مكاتب حركة "حماس" وتواجدها في تركيا، مقابل التعهد بعدم استخدام تركيا قاعدة انطلاق وتخطيط لمهاجمة الإسرائيليين، مقابل تراجع الأتراك عن طلب فك الحصار عن قطاع غزة، لصالح تسهيلات لإيصال البضائع التركية إلى القطاع عبر ميناء أسدود الإسرائيلي.
ويوضح الكاتب أن هناك عددا من الأسباب الضاغطة التي فرضت على الأتراك الإسراع في التوصل لاتفاق مع الإسرائيليين، من ضمنها مجموعة الملفات الصعبة التي دخلها الأتراك، بدءا من سورية، وتجدد الملف الكردي العنيف داخلياً، وصولاً للتوتر مع الروس، وبالتالي يبدو الأتراك كمن يريد "تصفير" إحدى المشكلات التي تواجههم.
ويخلص عزم إلى القول إن الأتراك قاموا بدور فاعل، ومهم، ولا يمكن رؤية نصف الكأس الفارغ التركي، في الاتفاق الأخير، من دون رؤية الكأس العربية وحتى الكأس الفلسطينية، الفارغتين تماماً تقريباً، من حيث القدرة على فرض تغيير على أرض الواقع.