"الإخوان" وتجربة "النهضة" التونسية
أخذت الدعوات لجماعة الإخوان المسلمين لإعادة قراءة واقعها الذاتي والموضوعي، مساحة واسعة بين أعمدة كتاب الرأي في أعداد الأربعاء من الصحف اليومية، مع مقاربة "حثيثة" بآخر التطورات التي شهدتها حركة النهضة الإسلامية في تونس.
الكاتب المختص بشؤون الجماعات الإسلامية محمد أبو رمان، يؤكد على ضرورة قراءة إسلاميي الأردن التطورات الكبيرة التي تمرّ بها تجربة شقيقتهم "حركة النهضة"، وآخرها إعلان زعيم الحركة راشد الغنوشي، التحول بصورة كاملة إلى حزب سياسي وطني، بمرجعية إسلامية، وفك الاشتباك بين الشأن السياسي والدعوي.
ويوضح أبو رمان أن هذه ليست التجربة الأولى لدى الإسلاميين على صعيد فك هذا الاشتباك، مشيرا إلى التجربة المغربية الـ"سبّاقة"، ممثلة بحزب العدالة والتنمية هناك، المتخصص بالشأن السياسي فقط، فيما حركة التوحيد والإصلاح تتولى الشؤون الدينية والدعوية.
"لكن قيمة التجربة التونسية عملياً، ودلالاتها فكرياً، أكبر بكثير، لأنّها تجاوزت موضوع فك الاشتباك بين الدعوي والسياسي.. إلى التصالح مع الدولة الحديثة والانخراط في الخصوصيات الوطنية بصورة كاملة"، يقول أبو رمان.
ويلفت الكاتب إلى أن مشكلة الإسلاميين في الأردن، أنّهم ما يزالون ينظرون إلى التجربة المصرية ويعيشون حالة الإنكار، "وهي تجربة فشلت لأسباب ذاتية وأخرى سياسية مرتبطة بالانقلاب العسكري، فيما يشيحون عن التجربة الناجحة والبراغماتية الذكية التي قادتها "النهضة" التونسية"، على حد تعبيره.
ويخلص أبو رمان إلى القول إن التحدي الذي تتعرّض له الجماعة، يبدو اليوم فرصة مواتية للانطلاق نحو مرحلة متقدمة، وتغيير قواعد اللعبة، عبر اعتبار جماعة الإخوان مدرسة روحية وفكرية وأخلاقية، تتأسس على أفكارها جمعيات جديدة في المجتمع المدني، معنية بالشأن الدعوي والتربوي وغيرها، فيما يُترك موضوع العمل السياسي لحزب جبهة العمل الإسلامي بالكلية.
ويستند الكاتب عريب الرنتاوي في مقاله إلى تصريحات الغنوشي ذاتها، حيث يرى أن النهضة “فكّت ارتباطها” بالجماعة الأم، فـ"النهضة تعرف نفسها كحزب وطني ذي مرجعية إسلامية، وتشدد على “المدرسة الإسلامية الوطنية التونسية”، بوصفها هذه المرجعية"، معربا عن أمله بأن يحذو إخوان الأردن، حذوها في هذه النقطة بالذات.
ويشير الرنتاوي إلى أن الجدل حول فصل "الدعوي والسياسي" داخل الجماعة وخارجها، أقدم من الإجراءات الحكومية الأخيرة بكثير، وأن "التلكؤ" في حسم المسألة، ربما وفر مبررات إضافية لخصوم الجماعة للانقضاض عليها، ودفعها إلى “الاختفاء بهدوء” على حد تعبير الزميل إبراهيم الغرايبة.
و"حتى الآن، ما زالت خطوات الجماعة الأردنية، متردد وثقيلة، مع أن الأحداث من حولها، تتوالى بتسارع خطير ومدهش، وقد تنتهي إلى ما لا تحمد عقباه، من منظور الجماعة ابتداءً، ومن المنظور الوطني الأوسع والأبعد".
مصير الإخوان
يتساءل الكاتب حسين الرواشدة، إن كانت الدولة ستعمد إلى حظر جماعة الإخوان المسلمين واعتبارها تنظيما غير قانوني، مؤكدا أن ذلك حصل دون أن يصدر مرسوم سياسي أو قانوني واضح وحاسم.
"فالجماعة كفكرة وكتنظيم استنفدت أغراضها بحكم الواقع , فلم تعد منذ سنوات، بحسب أحد قياداتها التاريخيين، صالحة للعمل , لقد انتهى عمرها الافتراضي, وما فعلته الدولة أنها اطلقت عليها رصاصة الرحمة"، يقول الرواشدة.
ويلفت الكاتب إلى أن المدقق في الإجراءات الحكومية الأخيرة بحق الجماعة "كإغلاق المقرات"، يجد أن مرحلة الـ“حظر“ جرت بهدوء عبر مراحل , مرجحا عدم توقفها، وعدم وجود حوار بين الدولة والإخوان.
"ويبقى الحصان الأخير الذي تراهن عليه الجماعة في المرحلة القادمة, وهو زكي بن ارشيد “بمراجعات” جذرية , فالرجل يعتقد أن استمرار الجماعة كما كانت عليه أصبح مستحيلا , وبالتالي فإن عليها الانتقال لممارسة العمل السياسي على قواعد وأسس جديدة".
وينتهي الرواشدة إلى أن "من المفارقات أن الجماعة ما تزال في حالة "إنكار" وتحاول أن تستعيد تحالفها مع الدولة تحت أي شروط , فيما الحقيقة، كما تقدمها تجربة النهضة التونسية التي تحولت نهائيا للعمل السياسي, وكما يقدمه أوغلو في تركيا، أن الدنيا تغيرت، وأن التعامل مع الحاضر بأدوات الماضي لم يعد مجديا".