الأردن ومواجهة "الإرهاب" على جبهتين
يثير تواتر الأنباء عن تنفيذ تنظيمات كتنظيم الدولة الإسلامية لـ"متتاليات" من العمليات والهجمات والتفجيرات في مختلف دول المنطقة، استهدف بعضها الأردن مؤخرا، العديد من التساؤلات لدى كتاب الرأي حول سبل مواجهة "الإرهاب" والتطرف على الجبهتين الخارجية والداخلية.
فالكاتب حمادة فراعنة، يشير إلى تبني تنظيم "داعش" مسؤولية تنفيذ العملية الانتحارية التي استهدفت موقع الركبان الحدودي، والتي يرى أنها جاءت رداً على سلسلة عمليات فاشلة حاول التنظيم القيام بها وعمل على تنفيذها، ضد مؤسسات ومواقع أردنية عبر: محاولات التسلل من خارج الحدود، أو عبر خلايا كامنة منظمة ولديها استعداد لتنفيذ أي عمل.
ويتوقف فراعنة لدى ما جرى في 24 من الشهر الجاري، من امتناع عدد من أئمة المساجد ، وقطاع من المصلين مع دعوة وزارة الاوقاف لتأدية صلاة الغائب على أرواح شهداء الجيش والأجهزة الأمنية، وهو السلوك الذي يدلل على وجود اتجاهات واجتهادات لا تتفق مع أغلبية الأردنيين ولا تنسجم مواقفهم مع كافة القوى السياسية على مختلف توجهاتها التي ترى القاعدة وداعش على أنهما تنظيمان متطرفان يمارسان الارهاب والعمل المسلح ضد مؤسسات الدولة.
وهنا يؤكد الكاتب موفق ملكاوي، على ضرورة التوقف لدى هذا الحدث، "رفض أئمة في بعض مساجد المملكة إقامة صلاة الغائب على أرواح شهداء القوات المسلحة"، لكي نحاول أن نجد إجابة واضحة حول أسباب هذا الرفض "الشائن".
ويضيف ملكاوي "إذا كانت هناك معركة فرضت علينا نخوضها مع التنظيمات الإرهابية المكشوفة، فإن ذلك يجب أن لا ينسينا أولئك المنخرطين بيننا، والذين يحاولون بكل ما أوتوا من إمكانات ودهاء، بناء جبهة مضادة لمشروعنا في الحياة".
أما الكاتب حسين الرواشدة، فيلفت إلى انتقال تنظيم "داعش" خلال عامين فقط، من مرحلة التمركز الجغرافي, إلى مرحلة التوسع الجغرافي وصولا إلى التمدد الديموغرافي .
ويوضح ارواشدة بأن استراتيجية التنظيم كانت تستند في مرحلتها الأولى إلى أولوية “ الإمساك “ بأوسع مساحة من الأرض وأكبر عدد من السكان لإقامة “الدولة “ وإشهار الخلافة، لتنتقل بعد ذلك إلى مرحلة التوسع في حدود المناطق التي سيطرت عليها, وامتداد أنظارها إلى الخارج.
ويشير الكاتب إلى اعتماد التنظيم في استراتيجية التمدد الديموغرافي على هدفين, أحدهما جذب المتعاطفين معه ‘لى صفوفه, وتوظيفهم او استخدامهم “ كذئاب“ للقيام بعمليات منفردة محددة، والثاني إيجاد حواضن اجتماعية تسهل عليها مهمة التمركز والإمساك بالأرض, أو التغلغل داخل المجتمعات لتميكن أعضائه من الترويج لفكرته.
و"يمكن أن نفهم العمليات التي قامت بها داعش مؤخرا, سواء في تركيا أو في لبنان أو الأردن, في سياق التحولات التي جرت على استراتيجية داعش, بعد الضغط عليهم جغرافيا ومحاولتها التمدد ديموغرافيا, وأعتقد أن هذه المرحلة ستكون الأخطر والاكثر شراسة في مواجهة داعش مع محيطها الخارجي"، بحسب الرواشدة.
فيما يشدد الكاتب محمد أبو رمان، على ضرورة عدم انتقال مشاعر الغضب والصدمة مما حدث من عمليات "إرهابية" مؤخراً، بخاصة الأخيرة بمحاذاة مخيم الركبان، أو ينقلها البعض، تحت وطأة الحزن والانفعال، إلى ما يتجاوز الوطنية؛ إلى خطابات عصابية متشنّجة تجاه الأشقاء السوريين،
كما يجب، بحسب أبو رمان، ألا يختلط الحابل بالنابل، فنخرج في تداعيات ما حدث عن سياقه الصحيح، لنفجّر أزمة اجتماعية داخلية على وقع التمييز والمفاضلة بين الفئات الاجتماعية والطبقات الكادحة والغنية ووظائف الناس وأعمالهم.
و"حتى هذه اللحظة عبر الأردن هذه الفترة العصيبة وسط أزمات طاحنة أصابت شظاياها أوروبا وأميركا، ووصلت إلى قارات العالم جميعاً، وتمكّنت القوات المسلحة والمخابرات والأمن من الحدّ من خطورتها إلى أقل درجة ممكنة، وهذه قصة نجاح عظيمة، لكن الحرب الكبرى اليوم رمزية، تستدعي منّا الاهتمام بحماية النموذج وتعزيز القوة الروحية، والإصرار على الإصلاح لا الارتكاس إلى خطابات منغلقة متقوقعة تتحرك على إحداثيات الخوف والرعب"، يقول أبو رمان.
ويستذكر الكاتب باسم سكجها، في مقال حول تفجيرات اسطنبول الأخيرة، إعلان الملك عبد الله الثاني بأن مواجهة الإرهاب بمثابة حرب عالمية ثالثة، وهو ما لم يرق للرئيس الأميركي باراك أوباما الذي ردّ ضمنياً في مناسبة مغايرة بأنّها ليست كذلك، إلا أن التنظيم سرعان ما وصلإلى الأراضي الأميركية في غير عملية موجعة.
وينتهي الكاتب إلى القول "من المستبعد أن يصمد “داعش” كثيراً في الأراضي العراقية والسورية والليبية، فالعالم كلّه يتوحّد ضدّه عسكرياً، ولكن من المستبعد أيضاً أن يكون ذلك نهايته، فتوزّع أفراده على أنحاء العالم، وانتشار أفكاره المؤذية، ستجعل من القضاء عليه عملية صعبة، وطويلة الأمد، وتتطلّب اقتراباً مختلفاً لا يكتفي بالنظرة الأمنية البحتة".