الأردن والحلقة المفرغة.. ديون لسد الديون
وعود كبيرة قدمتها حكومة رئيس الوزراء، عمر الرزاز، للأردنيين العام الماضي، تحت مشروع "النهضة" الذي يتركز على الإنتاج، والخروج من الحلقة المفرغة وفرض الضرائب والاقتراض، للوصول إلى الدولة المنتجة.
إلا أن الحكومة ذهبت إلى البنك الدولي كغيرها من الحكومات السابقة، واستقبلت العام الجديد بـ"أكبر قرض من البنك"، كما وصفه رئيس الوزراء، بمبلغ (1.2 مليار دولار) لسداد ديون قديمة، في وقت ما زال فيه المحتجون يتجمهرون مساء كل خميس للمطالبة بفك الارتباط مع صندوق النقد والبنك الدولي، وتنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية.
تبعية للصندوق
يرى المحتجون أن برامج التصحيح الاقتصادي الي ربطت الأردن بصندوق النقد الدولي خلال السنوات الأخيرة، فاقمت مشاكل الأردنيين الاقتصادية، وتسبب بارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وتآكل المداخيل إلى جانب تراجع نمو الاقتصاد الأردني، وارتفاع الدين، وهروب الاستثمار.
وحسب الناطق باسم حراك وطن، جمال جيت، فإن "الاقتراض يعني الاستمرار في نهج التبعية السياسية والاقتصادية"، ويقول لـ"عربي21": "نحن لا نقترض من جمعية خيرية أو من رجل محسن قدم لنا قرضا حسنا لوجه الله، البنك الدولي يقرض الأموال مقابل تطبيق سياسات في الدول المقترضة".
ويتساءل: "ماذا كان خطاب الرزاز وهو يدفع مجلس النواب والقوى السياسية والاقتصادية للموافقة على قانون الضريبة؟ قالها أكثر من مرة، إن البنك الدولي يعتبر أن العبء الضريبي الذي يدفعه الأردني أقل من نظيره في العالم، وإن هذا القانون يتوافق مع سياسات صندوق النقد الدولي".
ويخلص جيت إلى أن "الاقتراض يعني أن الرزاز مستمر بذات النهج، وأنه يرتهن لقرارات الصندوق، وهذه السياسة لن تقود لأي نهضة، بل ستغرقنا أكثر في التبعية، كل الخطابات والبيانات والشعارات التي طرحها الرزاز مسكنات لإعادة تدوير الأزمة والتبعية".
والقرض الجديد يأتي ضمن برنامج تصحيح اقتصادي وقعته حكومة هاني الملقي مع الصندوق للأعوام 2017- 2020، وبناء عليه؛ فقد تعهدت الحكومة بتنفيذ وجبة جديدة من رفع الرسوم والضرائب، التي طالت الملابس والأحذية والمحروقات والمركبات والسجائر والكهرباء وتعديل قانون الضريبة، لتجتهد الحكومة حينها برفع الدعم عن الخبز، ليطاح بها شعبيا في حزيران الماضي.
ويرى مسؤولون سابقون أن القرض الجديد سيصب في مفاقمة ديون الأردن التي وصلت إلى 40 مليار دولار حتى نهاية أكتوبر/تشرين أول الماضي.
وزير المالية الأسبق محمد أبو حمور، يعتبر مع "" أن "القرض الجديد عبارة عن عملية تدوير للديون، إذ ارتفعت المديونية الخارجية للأردن خلال السنوات السابقة على حساب المديونية الداخلية ما سبب إشكالية عند تسديد تلك المبالغ المتراكمة".
ويقول أبو حمور إن "الدين العام تضاعف ليصل إلى 28 مليار دينار أردني في العام الحالي، بعد أن كان 11 المليار ونصف المليار دينار في عام 2010، بسبب ارتفاع فوائد الديون وتدوير قروض قديمة".
وألقت الحكومات الأردنية باللوم في ارتفاع المديونية على انقطاع الغاز المصري في عام 2011 بسبب الأوضاع الأمنية في سيناء حيث كانت المملكة تعتمد بنسبة 80% في توليد الكهرباء على الغاز المصري، لتتجه في حينها إلى الوقود الثقيل عالي التكلفة.
لن يفاقم الدين العام
الحكومة الأردنية وفي بيان صحفي لوزير المالية عز الدين كناكرية، أكدت أن "القرض الجديد سيكون بفوائد ميسرة وفترة سماح طويلة"، وبحسب الوزير فإن "مستوى رصيد الدين العام المستھدف أو أي تغيير في خطة الحكومة الھادفة إلى تخفيض نسبة الدين تدريجيا سيسھم في تخفيض كلف التمويل".
الخبير الاقتصادي والمالي، عبد المنعم الزعبي، اعتبر أن "قرض البنك الدولي إنجاز مهم للحكومة ويستحق الإشادة، لعدة أسباب أبرزها: المحافظة على مستوى الاحتياطيات الأجنبية، وتجنب استخدام الرصيد الحالي منها في سداد ديون سابقة، وتجنب اللجوء إلى السيولة المحلية لسداد ديون سابقة بالعملة الصعبة".
ويضيف الزعبي لـ"عربي21" أن "ذلك كان سيؤثر سلبا على مستويات السيولة المحلية ويؤدي بالتالي إلى مزاحمة القطاع الخاص ورفع سعر الفائدة بشكل كبير".
وأضاف: "سيسهم القرض بتخفيض خدمة الدين العام نتيجة الشروط الميسرة والآجال الطويلة لقرض البنك الدولي، وبما يوفر على الخزينة ويخفض من الضغط على ميزان المدفوعات الوطني، ويستطيع البنك المركزي الأردني إعادة توظيف الدولارات المتأتية من القرض في سندات الخزينة الأمريكية على فائدة تساوي أو تزيد على فائدة القرض، بما يعني أن تكلفة الاقتراض الحقيقية تؤول إلى الصفر".
ولفت إلى أن قروض البنك الدولي مربوطة بالرضا عن الإصلاحات الاقتصادية للدول، وتشجع المانحين على الاستمرار في برامج المساعدات والتمويل الميسر للمملكة.
وفي هذا الصدد كشف مدير عام جمعية البنوك في الأردن الدكتور عدلي قندح عن مدة القرض، وقال للتلفزيون الأردني، إن المعلومات التي اطلع عليها تفيد بأن مدة سداد القرض 30 عاما إضافة إلى 5 سنوات فترة سماح.
ويشعر الأردنيون بأنهم ما زالوا يسيرون في نفس الطريق، ونفس الحلقة من الاقتراض ثم الاقتراض لسد فوائد الديوان، وإفراغ جيوب المواطنين من خلال الرسوم والضرائب، وتدمير قطاعي الزراعة والصناعة وهروب الاستثمار، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، وتدني مستوى أغلب الخدمات، واستشراء الفساد، وتكدس الثروة بيد قلة قليلة .